مثنى عبيدة
خلال الأيام الماضية من الشهر الأول لهذه السنة 2016 م حملت لنا أخبار وأحداث كثيرة ولكن استوقفني خبرٌ مترابطا في يوم واحد تقريبا شاءت إرادة الله تعالى أن يجمعهما على صعيد واحد لحكمة ربانية لتكشف الخبيث من الطيب ونعرف أيضاً أن الانتصار للقيم الإنسانية ليست بالضرورة بالسيف والمدفع ولا بالقوة الغالبة والجيوش الجرارة ، كما أن الاصطفاف مع الطغاة لا يحتاج إلى عناء كثير سوى أن يتجرد المرء من إنسانيته وذلك لعمرك الخسران الكبير ..
كريستيان توبيرا السيدة وزير العدل الفرنسية (والمنحدرة من غويانا الفرنسية ) التي أتضمنت إلى الحكومة الفرنسية في بلد مهم جداً هو واحد من الكبار الخمسة الذين يشكلون مجلس الأمن الدولي ، فرنسا التي نسمع ونعرف عنها الكثير شكلت حكومتها الحالية فكان من نصيب السيدة كريستيان توبيرا وزارة العدل وفعلاً أدارت الوزارة وفقاً للمبادئ والقيم التي تربت عليها وأمنت بها ووفقاً للدستور الفرنسي وموادها وبنوده والتي أحست الوزيرة أنها في خطر أو تتعرض للتغير خلافاً لما تؤمن به حيث سيقدم رئيس حكومتها اقتراحا خاص بسحب الجنسية الفرنسية عن الأشخاص الذين تثبت عليهم تهم الإرهاب وخصوصاً أولئك الأشخاص الذين لديهم جنسية ثانية هنا بادرت السيدة كريستيان توبيرا بتقديم استقالاتها من الحكومة احتجاجا واعتراضا على هذا التغير الذي تراه لا يتفق مع القيم الفرنسية ولم تقدم استقالاتها بسبب سحب الامتيازات أو المنافع التي تخص الوزراء وأفراد الحكومة أو تقديمها للنزاهة أو تلاحقها تهم الفساد والمحسوبية وسرقة أموال الشعب ،
في ختام أيامها في الوزارة قالت كلمتها ( المقاومة تكون بالصمود أحيانا وبالرحيل أحيانا أخرى ) وفعلا اختارت الرحيل وعلى خلاف ما نعرفه ونسمعه عن حياة وترف الوزراء فقد أصرت السيدة وزيرة العدل الفرنسية المستقيلة على أن تودع موظفي وزارتها ومكتبها وهو يصفقون لها ويعانقونها وهي تتهيأ لمغادرة الوزارة على متن دراجة هوائية نعم دراجة هوائية بدون حراسة ولا أعلام ولا قطع الطرق ارتدت السيدة كريستيان توبيرا الخوذة الواقية للرأس وامتطت صهوة دراجتها ومضت في طريقها لتكمل مشوارها مع العلم والدراسة وهي الحاصلة على أعلى الشهادات وأفضل المراتب العلمية .. هكذا هو الموقف تماما سادتي وسيداتي في فرنسا وغيرها من البلاد التي يستطيع المرء عن يدافع عن قيمه ومبادئه ولا ينظر إلى مكاسبه ومصالحه الشخصية ..
أحمد الزند وزير العدل المصري حاليا وهو واحد من الشخصيات التي كانت محسوبة على نظام مبارك السابق وكان يرأس نادي القضاة في مصر ومعروف على الساحة الإعلامية و المصريون دوماً يصفون القضاء بالشامخ والذي ينصف ويتحرى ويحقق العدالة وسط المجتمع .. هذا الوزير قال في نفس يوم استقالة السيدة وزيرة العدل الفرنسية قال وأقسم وهو المكلف بتحقيق العدالة ونشر قيم الرحمة والحق والأنصاف قال هذا الزند ( اقسم بالله العظيم أنا شخصيا ً لن تنطفئ نار قلبي إلا أذا كان قصاد كل شهيد عشرة آلاف من الأخوان ومن معهم ) وهنا نقول شتان بين موقف وزير للعدل في دولتين الأولى تستقيل بسبب سحب الجنسية الفرنسية حتى ممن يثبت أنه إرهابي وقاتل وموقف وزير عدل في دولة عربية ومسلمة يقول ويقسم بقتل الناس حتى لو لم تثبت عليهم التهمة لا لشيء سوى أنهم من فصيل سياسي يتعارض مع أفكاره ورؤيته السياسية ..
أننا لسنا معنيين بالدفاع عن جماعة الأخوان المسلمين في مقالنا هذا وهذه الجماعة لديها من كوادرها ومناصريها من الكتاب والإعلاميين والمفكرين الكبار من يحسن الدفاع عنها ولكننا مشغولون بقضية احترام كرامة الإنسان وحقه في التعبير عن أفكاره وآراءه. مشغولون بمن يمثل الدول من وزراء وسياسيون يفترض أنهم يمثلون شعوبهم وبلدانهم ويعطون الانطباع الجيد عنها أمام الأمم والشعوب الأخرى ، معنيون نحن وكل إنسان حر بما يتعرض له حق الحياة والكرامة البشرية من انتهاك واضح وصريح بيد جلاوزة السلطة المطلقة ..
أنني كلما أفكر بما قاله وزير العدل المصري أجد نفسي متعجبا ً محتاراً من السكوت المطبق للمنظمات الحقوقية والإنسانية ومن الأعلام المستقل والحر جماعات وإفراد وهم لم يحركوا ساكنا ويسألوا أذا كان هذا موقف وزير عدل فماذا سيكون موقف وزير الداخلية والأجهزة القمعية وغيرها ؟؟وهي ترى وتسمع رئيس السلطة القضائية يتفوه بهذا المنطق الذي يدعوهم للقتل والتعذيب ويطلق أيديهم المطلقة أصلا ويقول لهم لا تخافوا لن يمسكم أحد ٍ بسوء .. أننا نطالب بمحاكمة كل شخص يقتل إنسان ظلما وعدوانا ونحن نقف بحزم ضد الإرهاب والجريمة المنظمة ونحترم القوات المسلحة والنظم والقوانين التي تراعي حرمة وكرامة الإنسان وتصون الأوطان بما فيها من مواطنين لهم حق الحياة الكريمة والتي تشمل كل شيء من الطعام والغذاء والماء والعيش الأمان الرغيد حق الحياة يشمل أيضا توفير أسس العدالة في المحاكم والسجون والقوانين والأعلام وكل ما يختص بحرية وكرامة الإنسان .
نعم سادتي الفرق بين أمة تركب الدراجة الآمنة المسالمة للبيئة والمجتمع مصحوبة بالدموع والتصفيق منطلقة للمستقبل بالعدل والمساواة بين بني البشر ، وبين أمة تساق بالعضلات والقتل والظلم وانتهاك حقوق الإنسان والأوطان التي ينخر فيها الفساد والمحسوبية والرشوة أوطان ٌ تتمزق لحمتها الوطنية والاجتماعية في كل لحظة ، أوطان يتحول فيها البريء إلى قاتل وإرهابي لا لشيء إلا لأن السلطة تريد ذلك ..
أوطان ٌ القتل فيها بالمجان والجهل فيها يزادا كل صباح والخديعة وسحبها إلى مستنقع الأوهام والخرافات يجري على قدم وساق من أجل نهب ثرواتها وخيراتها ، نعم نقولها بوضوح تام هناك فرق كبير ويتسع يوماُ بعد يوم ولن يتم ردمه ما دامت الأمور تسير على هذا المنوال وما دام من يقود السفينة قرصان لن يوصلها إلا بر الأمان ..
من حقنا أن نسأل أيهما انفع للشعوب الدراجة والتطور أم زند مفتول العضلات يحكم بقبضة الحديد والنار ؟؟
هل هناك بصيص أمل ؟؟ نعم هناك بصيص أمل حتى وأن كان خلف القضبان أو مشرد في الأوطان والقارات .. هناك أمل في الشباب والفتيات هناك أمل في الأفكار والآراء .. هناك أمل لأن العالم أصبح قرية صغيرة ولن يتم التستر على الجرائم والموبقات ومجازر الطغاة .
نعم هناك أمل لان حاجز الخوف قد أنكسر ولن يعود الزمان إلى الوراء تلك حكمة الله تعالى في البلاد والعباد ...
918 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع