أكبر كورال للموسيقى الأندلسية بالدار البيضاء

                                             

                     لحسن وريغ / المغرب

        

حدث فني في الانتظار…  يتكون من 600 تلميذ وتلميذة ..أعمارهم لا تتجاوز 12 سنة  التحضير لأكبر كورال للموسيقى الأندلسية بالدار البيضاء

              
اختارت إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة بالدار البيضاء(المغرب) الحفاظ على الموسيقى الأندلسية من خلال برمجتها وتدريسها، منذ سنتين،  ضمن برامجها الدراسية . والهدف هو إعطاء التلاميذ ثقافة موسيقية أصيلة و راقية مما يجعلهم متمسكين بتراثهم الموسيقي وتربي فيهم القدرة على الإبداع كتابة وغناء. و المؤسسة تستعد لحدث فني كبير، يتمثل في  تنظيم أكبر كورال للموسيقى الأندلسية يشارك فيه 600 تلميذ وتلميذة، ترافقهم فرقة موسيقية تتكون من أشهر العازفين. وسيتم الاحتفال بهذا «الكورال الأندلسي» يوم 3 يونيو  2016، الذي سيكون فرصة ذهبية لدخول الموسيقى الأندلسية إلى كتاب غينيس للأرقام القياسية..

               

     

داخل قاعة شاسعة، اصطف تلاميذ وتلميذات في انضباط وهدوء تامين . لم تكن أعمارهم تتجاوز 12 سنة. وقفوا ينتظرون قدوم أستاذهم وبداية حصتهم الدراسية. بعض نساء الأطر التربوية تحرصن على التزام الهدوء حتى تمر الحصة كما هو مسطر لها.  كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحا، عندما وصل الأستاذ رشيد الودغيري إلى قاعة تجمع  هؤلاء التلاميذ والتلميذات. فبعد حديث قصير مع الأطر التربوية، طُلب من التلاميذ والتلميذات أن يتوجهوا بنظام وانتظام نحو الكراسي المصطفة على شكل مدرجات: التلميذات في الصف الأول .. التلاميذ في الصف الثاني .. الصغار هنا.. الكبار هناك ...  بعد لحظة قصيرة جدا خصصت لضبط آلات الصوت والمكبرات، أعطى الأستاذ الودغيري  إشارة البداية؛ بداية أداء بعض المقاطع من الموسيقى الأندلسية التي يظهر أن التلاميذ والتلميذات يستظهرونها ويحفظونها ويستعيدونها دون أي تحوير . «راك كَتَزْرب بَزَّاف أولدي»، «ما تْغَوتيش بزاف»، « اتبع معايا الإيقاع وبلا سرعة»… كانت هذه بعض الملاحظات التي ظل يوجهها الأستاذ إلى تلامذته وتلميذاته خلال البْرُوفَة الأولى للعرض الموسيقي الذي ينتظرهم بحر هذه السنة. هؤلاء التلاميذ والتلميذات والأطر التربوية تابعون لمؤسسة «مدارس لحلو للتربية والتعليم » الخاصة بالدار البيضاء، يستعدون لأكبر «كورال أندلسي»، أو «موسيقى الآلة» كما كانت تسمى قبل الاستعمار الفرنسي، تمييزا«لها عن الفن السماع الذي كان يعتمد أداؤه على أصوات المنشدين فقط دون الاستعانة بالآلات الموسيقية». الكل هنا، بداية من مديرة المؤسسة ومرورا بأستاذ الموسيقى الأندلسية وانتهاء بالتلاميذ … يحدوهم أمل تحقيق هذا التحدي، وكسب رهانه الذي سيدخلهم، لا محالة، إلى كتاب غينيس للأرقام القياسية. فكرة هذا «الكورال الأندلسي»، يقف وراءها الأستاذ الفنان رشيد الودغيري ومديرة المؤسسة مونية الصقلي، اللذان يأملان في أن تكون التجربة مفيدة ومهمة على كل الأصعدة. تقول الصقلي:« في السنة الماضية، قمنا بتجربة صغيرة مع عدد قليل من التلاميذ، غير أن هذه السنة الجارية، عممناها على صعيد المؤسسة ككل.» وتضيف:« اخترنا أن نبدأ عملنا هذا مع الأستاذ الودغيري الذي يرجع له كل الفضل في ما وصلنا إليه. لقد وجد تلامذتنا متعة كبيرة في كل حصة موسيقية، ولاحظنا أن أعدادهم في تزايد مستمر من حصة لأخرى.. بل إن الذين يكبرونهم سنا يرغبون هم الآخرون في الانضمام إلى مشروع الكورال.. وأؤكد هنا أن الأستاذ الودغيري هو من زرع فيهم رغبة تعلم الموسيقى الأندلسية التراثية والجميلة». وتشير الصقلي إلى أن رغبة المؤسسة في برمجة حصص موسيقية تندرج في إطار التربية على تعلم الفنون الراقية التي تسمو بالذوق إلى الأعلى:« بالنسبة لي، وحتى بالنسبة لكل الطاقم التربوي الذي يشتغل إلى جانبي،  تحتل حصص التربية الفنية والموسيقية على وجه الخصوص ، نفس المكانة التي تحتلها الحصص الدراسية الأخرى من رياضيات أو فزياء أو تاريخ أو جغرافيا.. كل قسم له حصة زمنية محددة يقضيها مع الأستاذ الودغيري؛  التلاميذ يتلقون بعض المبادئ في حفظ أشعار الموسيقى الأندلسية التي يبقى أستاذهم هو المسؤول الأول والأخير على البرنامج الذي اختاره لهم ».  لكن لماذا الموسيقى الأندلسية دون غيرها من الفنون الموسيقية المغربية الأخرى؟، تجيب الصقلي:«هدفنا جميعا هو الحفاظ على قناة للتواصل بين الماضي والحاضر. فالموسيقى الأندلسية تراثنا، ونحن هنا نعمل على تربية الأجيال الصاعدة  وجعلها تتشبث بكل ما يعكس هويتها الحضارية والثقافية والفنية … ». وتشدد الصقلي على أن هذا الاختيار له عدة  إيجابيات في تكوين الذوق الفني والحسي للتلميذ، وقد حددتها في ثلاثة عناصر أساسية هي :« أولا، هي مناسبة سانحة لكي يتعرف أبناؤنا على نوع تراثي من الموسيقى المغربية ؛ ثانيا: التعرف على الآلات الموسيقية التي تعزف هذه الموسيقى؛ ثالثا: حفظهم لأشعار جميلة ذات معجم عربي أصيل و غني بالمعاني والدلالات». وتؤكد مديرة  المؤسسة على أنه بالرغم مما يكتسيه الشعر الأندلسي من صعوبة لغوية، فإن «التلاميذ يواجهونه برغبة كبيرة في حفظه عن ظهر قلب، وترديده من حين لآخر سواء داخل المدرسة أو خارجها. لا ننسى أن التلميذ عندما يتمكن من حفظ هذه القصائد الشعرية، فذلك معناه الحصول على معجم لغوي سيكون مفيدا له في حياته الشخصية والدراسية وحتى في تواصله مع عالمه الخارجي».  عندما تتحدث الصقلي عن أهمية الشعر في الأغنية الأندلسية، فإنك تشعر و كأنها تريد أن ترمز إليك إلى ما هو شائع اليوم في بعض أشعار الموسيقى المسماة خطأ ب« الأغنية الشعبية»، التي تحولت إلى معقل لرداءة الكلمة و هجانة اللحن، لا شيء يجمع بينهما سوى إيقاع يتأسس على مبدأ«دِيرْ صَلَبانْ .. وَحَكْ المَصْران» أو «مَصْران وصَلبان.. يَا اللِّي فيه الحَال يَبَان»..!! وتؤكد الصقلي على شيء مهم في برمجة الموسيقى الأندلسية داخل مؤسستها التربوية والتعليمية:« هناك بعد ذاتي في هذا الاختيار. فهذه الموسيقى أجد فيها انتمائي إلى مدينتي وإلى أصولي المغربية.. هذه الموسيقى أعرفها وأحفظ كثيرا من أغانيها، وبالتالي لا يمكن لي أن ألج ميدانا موسيقيا آخر لا أفهمه، فكيف تريدونني أن ألقنه للآخرين..!!» رشيد الودغيري (من مواليد سنة 1976)، اسم له مكانته في الساحة الغنائية الوطنية، وخاصة في مجال الموسيقى الأندلسية والأمداح النبوية، حيث إن نهج سيرته يؤكد  على هذا الحضور الفني، ولنتذكر معا بعض البرامج الفنية التي نزل ضيفا عليها، سواء   بالقناة الأولى أو بالقناة الثانية، وأخص بالذكر واحدة من حلقات برنامج «نغم وتاي» عندما استضافه رفقة الفنان محمد باجدوب في سهرة متميزة.. ثم ها هو اليوم يتحمل مسؤولية تدريس هذه الموسيقى إلى التلاميذ  كما درسها وتعلمها هو الآخر على يد مجموعة من الأساتذة. فمن مدينة فاس، معقل الموسيقى الأندلسية بامتياز، شد رشيد الودغيري الرحال إلى العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء ، وكله أمل في تحقيق كثير من الرهانات الفنية، أولها الإشراف على أكبر كورال للموسيقى الأندلسية. وفي هذا يقول الودغيري:« اخترت الانخراط في هذه التجربة الفنية والتربوية حتى يتمكن التلاميذ والتلميذات من تكوين موسيقي راق جدا.. إنه شيء غير متاح لكثير من التلاميذ الآخرين داخل مؤسساتهم، سواء كانت عمومية أو خاصة».

  

أما بخصوص موضوع هذا «الكورال الأندلسي» فيقول الودغيري:« هذا الكورال هو قبل كل شيء تَحَدِّ ؛  تحدي مع الذات لأنه يفرض علي أن أصل إلى تجميع أكبر عدد من الأصوات لأداء بعض المقاطع التي تحفل بها الموسيقى الأندلسية..». ويضيف الودغيري كاشفا مجموعة من المعطيات بخصوص مشروعه الموسيقي :«إن الأصوات التي اخترنا أن نعتمد عليها في هذا الكوارال، سيبلغ عددها 600 تلميذ وتلميذة، تتراوح أعمارهم مابين 6 و 12 سنة، و سيشاركون لأول مرة في   في أكبر حدث فني متعلق بالموسيقى الأندلسية؛ اخترنا له تاريخ 3 يونيو 2016. أما المكان فإنني، رفقة الأستاذة الصقلي،  بصدد البحث عن فضاء  يحتضن هذا الحدث الفني الكبير. نحن   واعون جدا بجسامة المهمة التي تنتظرنا، لذلك  نشتغل على قدم وساق، ونحاول أن نسير بخطى ثابتة نحو الهدف المنشود، منطلقين من المثل الذي يقول :« نحن على العهد نرعى الذمم». قد يبدو هذا المشروع الموسيقي مثيرا للشك والتشكيك، ومصدرا لكثير من علامات الاستفهام، لكن أصحاب«أندلسيات مدارس لحلو» يؤكدون أنهم ماضون في ما ينوون القيام به، وأنهم يريدون أن يجعلوا من  3 يونيو 2016  تاريخ ميلاد  أكبر «كورال أندلسي» في تاريخ الموسيقى الأندلسية. «ليس هدفنا، يقول الودغيري،  تحطيم الأرقام القياسية، وإنما رغبتنا أكبر من ذلك بكثير. إننا نسعى بعون الله ، إلى خدمة الموسيقى الأندلسية حتى لا يصاب تراثنا الموسيقي المغربي بالشلل والموت. هذا المشروع ليس مرتبطا باسم فلان أو فلان.. ولا نبغي من ورائه الدعاية للمؤسسة التعليمية، وإنما هو مشروع كل مغربي غيور على موسيقاه سواء كانت أندلسية أو غير أندلسية.» لكن، كيف ستؤدي هذه الـ600 صوت المقاطع الموسيقية المختارة؟، يجيب الودغيري قائلا:« يوم الحفل، سيرافق هذا الكورال، الذي يتشكل من تلاميذ وتلميذات المؤسسة، فرقة موسيقية من أشهر الأساتذة العازفين على الآلة الأندلسية، وسيغني الجميع مجموعة من المقاطع التي يشتهر بها هذا الفن الموسيقي المغربي الأصيل ». ستة أشهر تفصلنا، إذن، عن هذا الحدث الفني. وكلما مر يوم، يقترب الموعد، ويزداد الضغط، ويكبر الأمل في أن نشاهد 600 تلميذ وتلميذة يشاركون في أضخم «كورال أندلسي» يعيد ذاكرتنا الفنية إلى بعض روائع الموسيقى الأندلسية كما تجسدت عند بعض روادها الأوائل أمثال: محمد البريهي و محمد العربي التمسماني وعبد الكريم الرايس ومحمد بريول …إلخ.  نحن في الانتظار… !!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

928 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع