صالح الجبوري
ان القرآن الكريم طالما أكد لنا حقيقه كونيه منبثقه عن المشيئه الألهيه تتلخص في ان الله عز وجل اقتضت مشيئته أن يخلق الناس مختلفين في اديانهم على نحو ما هم مختلفون في مداركهم وصورهم والسنتهم والوانهم ولغاتهم ، ولهذا يكون توهم امكان تنميط الناس وجعلهم على موقف واحد امرا يخالف مقتضى المشيئه والحكمه ، وان كان هذا لايمنع من محاولة تقليل مساحة الاختلاف العقائدي وحصر المعتقد في تجليه الصحيح . ولأجله يظل التعارف والحوار والتفاهم فعلا مطلوبا من الأنسان ، وهو على كل الأحوال لايلغي ارادة الله في الأختلاف البشري .
يقول الله تعالى موجها الى عدم التطلع الى رؤية الناس نمطا واحدا والى عدم اكراههم على ان يكونوا كذلك :
بسم الله الرحمن الرحيم
ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا ، افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين . (سورة يونس 99) .
ويقول ايضا : بسم الله الرحمن الرحيم
ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم سورة هود (118) .
والآيات المقرره لهذا المعنى كثيره ، وهي في جملتها توطن ذهن الأنسان المسلم على القبول بالتعدديه ، وتفتح له مع ذلك المجال لأن يعرف بدينه من غير ان يجعل الغاء الأخرين هدفا من اهدافه .
ومن الأشارات القرآنيه الموجهه لتصور المسلم نحو الآخرين ، ان الله تعالى حكى عن نبيه ابراهيم انه حينما اتم بناء البيت العتيق توجه الى الله ضارعا بأن يوفر لمكه ولأهلها من عوامل الأستمرار ما يبقى ذلك البلد مثابه للايمان ، فقال ابراهيم : بسم الله الرحمن الرحيم
رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الأخر
(سورة البقره 126) .
وهذا دعاء من ابراهيم بأن يوفر الله لمكه
ما يمنح المؤمنين من الثمرات والأرزاق
ماتطمئن به معيشتهم ، لكن الله اجاب ابراهيم الى ماطلب بخصوص توفير الأمن ، غير أنه انبأه انه لن يقصر الرزق على من آمن دون غيره ، وانما يعممه ليشمل المؤمن وغير المؤمن ، فقال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم
ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير (سورة البقره 126 ) ..
ومعنى هذا ان غير المؤمن لايفقد حقه في اسباب الحياة وفي فرص العيش ، لانه لم يختر الأيمان
ويبقى جزاءه مؤجلا الى يوم القيامه .
وحين تحدث القرآن الكريم عن اهل الكتاب تحدث عنهم حديث المنصف العادل ، فهو حينما تحدث عن وجود الأمانه والخيانه فيهم ، ذكر أن منهم اشخاصا هم في قمة الأمانه والنزاهه وان منهم آخرين هم خائنون للأمانه ، فقال سبحانه : بسم الله الرحمن الرحيم
ومن اهلِ الكتابِ مَنْ إن تأمنهُ بقنطارٍ يؤدهِ اليكَ ومنهم مَّن إن تأمنهُ بدينارٍ لايؤدهِ اليكَ الا مادُمتَ عليهِ قائماً .
(سورة آل عمران 75 ) .
وقال سبحانه عن اهل الكتاب بعد ذكر ظلم بعضهم للأنبياء ..
بسم الله الرحمن الرحيم
ليسوا سَوَآءَ من اهل الكتاب امةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين .
(سورة آل عمران 114 )
2
وقال عن القسيسين والرهبان الذين ظلوا اوفياء لهدي عيسى بن مريم عليه السلام .
(بسم الله الرحمن الرحيم)
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لايستكبرون واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فأكتبنا مع الشاهدين . (سورة المائده 83 ) .
حين تحدث القرآن الكريم عن النبوءات السابقه فقد الزم بالأيمان بكل الأنبياء ، وجعل شمول الأيمان بهم مقوما من مقومات العقيده الأسلاميه ، وصرح بذلك مرات عديده ، منها قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين احد من رسله . (سورة البقره 285 ) .
وقال سبحانه ايضا : بسم الله الرحمن الرحيم
قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وما اوتي احد منهم ونحن له مسلمون .(سورة البقره 136).
وابرز القرآن عفة مريم فقال عن ميلاد عيسى عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم
واذ قالت الملائكه يامريم ان الله اصطفاك وطهرك
واصطفاك على نساء العالمين .(سورة آل عمران42)
وقال عن رسالة عيسى عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم ما المسيح بن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام . (سورة المائده 75) .
ولهذا فأن القرآن يعتبر اهم مصدر لتلقي المعلومات الموثقه عن الانبياء ، فقد تحدث عن اعمار بعضهم وعن اصطفاء الله بالوحي ، كما تحدث عن مواقفهم وصبرهم للأيذاء اما كل الصعوبات التي اعترضتهم.
ولقد ذكر القرآن موسى عليه السلام ستا وثلاثين ومائة مره بأسمه الخاص وخمسين مره بوصفه وتحدث عن عيسى بالأسم خمسا وعشرين مره ، وذكره بألفاظ المدح عشرين مره ، منها روح الله وكلمته ، ومبارك ، والبر بوالدته .
يأمرنا الله تعالى ان نتعامل بالبر والأحسان مع غير المسلمين ممن لم يتسببوا بأيذائنا وتهجيرنا او الاقتتال معنا ، ويجب ان يراعي المسلم مشاعر غير المسلمين فلا يجادلهم الا بالتي هي احسن ولايسب آلهتهم ، فأنه يتعين عليه كذلك ان يعدل معهم في كل المواقف ، فلا يكون للكراهيه تأثير سلوكه ، فيقول الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم : يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنئان قومٍ على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى . (سورة المائده 8).
اما ( الصابئه ) فقد ورد ذكرهم ثلاثة مرات بالقرآن
سورة البقره بسم الله الرحمن الرحيم : ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون . سورة البقره آيه 62 .
وكذلك ذكروا في سورة المائده آية 69 وسورة الحج الاية 17 والصابئه هم الذين يؤمنون بالتوحيد ولا يؤمنون بالوثنيه .
جوهر الحديث ان الأديان السماويه الثلاث اليهوديه والمسيحيه والاسلاميه تصب في مصب نقي موحد الغايات والاهداف والنوايا وان اختلفت بعض المعتقدات لدى البعض ، ولاتسمح لنا الفلسفه الألهيه ابدا ان نجعل كراهيه او حقد بين بلدان وشعوب الديانات الاخرى ، حيث ان مبدأ التعايش والتآخي بين المسلمين وابناء الديانات السماويه الأخرى كان قائما منذ عهد الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه ،يحكى ان الرسول محمد ( ص) كان قبل وفاته قد رهن درعه الشخصي عند رجل يهودي مقابل شراء ماده معينه من ذلك الرجل اليهودي ، وحتى بعد وفاة الرسول (ص) كان لايزال درع النبي عند الرجل اليهودي ، هنا نقول لو كان هناك عداء شامل بين المسلمين واليهود " كما يصور البعض " لما سمعنا بهذه القصه الموثقه .
كذلك كان هناك غلام يهودي يعمل بصفة خادم في بيت رسول الله ابا القاسم محمد صلوات الله وسلامه عليه ، وشاء القدر ان يتمرض ذلك الغلام بشكل كبير جدا حيث قارب عن الموت ، وقبل ان يتوفى ذلك الغلام طلب رسول الله محمد (ص) من الغلام ان يطلق الشهاده فتردد الغلام واخذ ينظر لأبيه الذي كان جالسا بجانبه ، فقال الأب لأبنه ( اطع الرسول ) فأطلق الشهاده ثم توفى ، هنا قال الرسول (ص)الحمد لله الذي انقذه من عذاب جهنم .
ويبقى الدين الأسلامي دين الأنسانيه والتسامح والمحبه والأخاء ، ولكن هناك الكثير ومنذ الأزل يرغبون اعطاء صوره مغايره للحقيقه ، هنا لو نتمعن بالآيه التاليه : بسم الله الرحمن الرحيم :
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ .
الاعراف(157 )
كما جاء بالقرآن الكريم في سورة المائده قوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) المائدة/43
...لكن بعض اليهود والنصارى ابتعدوا عما جاء بكتب الله تعالى السماويه وقاموا بتحريفها كما يتلائم واهوائهم الشيطانيه حيث خلقوا الفتن والمشاكل بين البلدان والشعوب حتى يومنا .
وبالمحصله ضاعت القيم والاخلاق !
نحن الان نعيش في القرن ال 21 الميلادي والقرن ال 15الهجري والاقتتال والمعارك والحروب بيننا يقتل بعضنا البعض وفقا لاستراتيجية الغرب المقيته .
دول الغرب لم تتفوق فقط على بقية الدول في جانب العلم والتكنلوجيا والمعرفه بل تخصصت وتفننت بامتياز بطريقة استعمار البلدان والشعوب واضطهادهم وزرع الفتنه بين الناس بشكل لم يسبق له مثيل حيث الاقتتال الواسع المتشعب الاطراف والذي يحصد الأرواح البشريه بمنطقة الشرق الاوسط عموما وبالعراق خاصه ومنذ 8-4-2003 .
صالح الجبوري
11-1-2016
839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع