مايكل مور

                                                         

                               د. منار الشوربجي


مثلما تعاطف العالم مع الولايات المتحدة عشية الحادي عشر من سبتمبر، رافعاً شعار «كلنا أميركيون»، ومع فرنسا عشية أحداث باريس قائلاً «كلنا باريس»، قال المخرج الأميركي الشهير مايكل مور «كلنا مسلمون»، عشية تعهد الملياردير الأميركي دونالد ترامب، حظر دخول المسلمين الأرض الأميركية حال توليه الرئاسة.

لكن مور قال تلك العبارة في شكل خطاب مفتوح لدونالد ترامب. فالمخرج الأميركي كتب مذّكراً ترامب بلقاء حدث بينهما عام 1998، قبل الظهور معاً في برنامج تليفزيوني. قال مور إن إحدى المسؤولات عن الإنتاج أخبرته قبل خروجهما على الهواء مباشرة، أن ترامب يشعر ببالغ القلق من فكرة الظهور معه في الفقرة نفسها، وأنه يريد أن يطمئن «أنك لن تهاجمه»، مضيفة أنه «يكاد يرتجف» من كثرة انزعاجه.

ويحكى مور أنه استغرب الأمر، لأنه لم يكن يعرف ترامب، ولم يره في حياته من قبل، فذهب ليحدثه قبل البرنامج، وقال له: «لا تقلق من فضلك، فسوف يكون كل شيء على ما يرام». ثم يقول مور في خطابه لترامب: «لقد لفت انتباهي أنك أنت الذي تصف نفسك بأنك شديد الصلابة، بدوت يومها مثل القطة» المذعورة.

وقد استخدم مايكل مور قصة «خوف» ترامب من الظهور معه، ليقول له: «واليوم، مثل غيرك من الرجال البيض الغاضبين، أنتم تخافون من بعبع سيهاجمكم. وهذا البعبع في ذهنك، هو كل المسلمين. ليس مجرد المسلمين الذين قتلوا وإنما كل المسلمين. ولحسن الحظ يا دونالد، فإنك ومؤيدوك لستم ما صارت أميركا عليه اليوم. فنحن لسنا بلد الرجال البيض الغاضبين.

وإليك بالرقم التالي، الذي سيجعل شعر رأسك يقف: ثمانون في المئة من الناخبين الذين سيختارون الرئيس العام المقبل، إما نساء أو من غير البيض أو من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً. بعبارة أخرى، لا يشبهونك في شيء، وهم ليسوا أولئك الذين يريدونك لقيادة البلاد». ثم أضاف: «لقد نشأت معتقداً أننا جميعاً إخوة وأخوات، بغض النظر عن العرق والعقيدة واللون.

وهذا يعنى أنك إذا أردت أن تحظر وجود المسلمين، فإن عليك أن تحظر وجودى ووجود كل الآخرين. فكلنا مسلمون». ولم ينس المخرج صاحب الحس الفني، أن يضيف «إخراجاً» للموضوع كله، فكتب لافتة عليها عبارة «كلنا مسلمون»، وحملها ووقف بها وحده أمام برج ترامب الشهير، ثم التقط صورة لنفسه هناك، وضعها على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي.

والحقيقة أن ما قام به مور، له دلالته الرمزية المهمة. فالرجل عبّر عن نفسه بطريقته التي يعرفها. فهو مخرج الأفلام الوثائقية الشهيرة، من فهرنهايت لكولومباين، استخدم الصورة والكلمة ليعبر ببساطة شديدة عن عدد من القضايا المعقدة للغاية.

فهو بما فعل، كشف عن حقائق مهمة، منها ثلاثة على الأقل أشرت إليها في مقال الأسبوع الماضي، أولاها، أن الأميركيين الذين رفضوا ما قاله ترامب، أكثر من أولئك الذين أيدوه، وثانيتها، أن القطاع الرئيس الذي يؤيد ترامب، هم تحديداً البيض من الذكور، الذين صاروا أقلية، على حد تعبير مور.

ومايكل مور استخدم تعبير الرجال البيض «الغاضبين»، ليعبر عن موقف أولئك البيض الذين وصفتهم بأنهم، دون دليل علمي، يرون أن الأقليات مسؤولة عن تدهور أوضاعهم المعيشية.

لكن تعبير «الغاضبين»، الذي استخدمه مور، له دلالة أعمق بكثير من كل هذا. «فالغاضبون» تعبير يستخدم في الخطاب الأميركى كثيراً، للإشارة إلى تيار ظل موجوداً طوال الوقت في التاريخ الأميركي منذ نشأة الدولة، ويكره الأجانب القادمين، سواء في صورة هجرة أو حتى للعمل في البلاد.

وهذا التيار هو المسؤول عن محاربة كل جماعة جديدة هاجرت إلى أميركا، حتى أن أحداً لم يسلم منها. فهم ناصبوا الإيرلنديين العداء، ومن بعدهم الألمان والكاثوليك واليهود والإيطاليين. وكل هؤلاء كانوا طبعاً من البيض. ثم جاء الدور على الصينيين واليابانيين والآسيويين عموماً، الذين كان هناك قانون يحظر دخولهم الأراضي الأميركية في بداية القرن العشرين. وقد ظل هذا التيار موجوداً طوال الوقت.

ويظهر بوضوح ضد كل جماعة جديدة تهاجر لأميركا، وما العداء للمسلمين، إلا تنويع جديد على الشيء نفسه. وقد وصلت قوة تلك الجماعات الكارهة للأجانب، إلى حد تكوين حزب في القرن التاسع عشر، كان اسمه «الحزب الأميركي»، الذي تشرذم في ما بعد، وإن ظلت أفكاره موجودة رغم غيابه.

الجديد في القرن الحادي والعشرين، هو أن هذا التيار الكاره للأجانب، صار له مكان بارز في أحد الحزبين الكبيرين اللذين يحكمان أميركا معاً. وترامب ليس وحده المعبّر عن ذلك التيار. فكل المرشحين الجمهوريين المعادين للمهاجرين يمثلون ذلك التيار بدرجة أو أخرى. لذلك، فإن ما فعله مور يستحق الكتابة عنه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1050 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع