دلع المفتي
دخلت الـ«أنا» العيادة، وهي بالكاد تستطيع المشي. طلب منها الطبيب ان تتمدد على سرير الفحص، وقام بفحصها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.
قامت قلقة: خير يا دكتور، ما المشكلة؟
رد بهدوء: قولي لي أنت يا مدام «أنا»، مم تشكين؟
- لا أدري، أشعر بدوخة، ونوبات قلق وتوتر، صداع ينتابني بكثرة، وبدأت أشعر بنفور الناس مني، أو ربما نفوري منهم.
- يا عزيزتي.. مشكلتك بسيطة، مجرد تورم في الأنسجة، انتفاخ أو تضخم بسيط.. يمكن معالجته ببعض الحلول.
- ساعدني يا دكتور فأنا تعبت.
- اسمعي، كل منا هو «الأنا» خاصته، هي ذاته، آراؤه، مشاعره المتراكمة والإدراك للذات. و«الأنا» يختلف حجمها من شخص لآخر، البعض يرى نفسه بالحجم الطبيعي، وآخر يرى نفسه صغيرا، وثالث يرى نفسه تحت منزلة العظماء بدرجة. والواضح أنك من النوع الثالث.
ـ لم أفهم يا دكتور، رغم ذكائي ونباهتي وعلمي وفهمي.
أكمل ضاحكا: يقول علماء النفس إن لـ«الأنا» خاصتين، فمن جهة هي تجعل من نفسها مركزا لكل شيء، ومن جهة أخرى تحاول استعباد الآخر، وفرض سيطرتها عليه، فبالنسبة لها كل «أنا» أخرى عدو.
فـ«الأنا» لا توجد إلا مقابل الآخر، فهي تعتمد على وجود «الأنا» الأخرى لتحدد علاقتها بها. ويبدو أن علاقتك مع «الأنوات» الأخريات في محيطك يسودها الغرور والتعجرف وحب السيطرة. مشكلتك تكمن في الشعور بأهمية الذات بصورة مبالغ فيها.
- صدمتني يا دكتور. والحل؟
- الحل بسيط، يجب عليك أن تمرني نفسك عليه، بداية وقبل كل شيء، خففي من قول «أنا»، ثم:
1ـ أنت لا يمكنك أن تكوني ملمة بكل شيء، ولا عارفة بالكل، ولا تتمتعين بكل الجمال.. غيرك أيضا يعرف شيئا لا تعرفينه، ويمكنه إضافة جمال لعالمك. هناك من هو أذكى وأجمل وأفضل منك. عليك أن تنشدي المعرفة، الجمال، الحب من الآخر.
2 ـ لا تتباهي بمالك أو جمالك أو ذكائك، فما عندك ظاهر للناس وإن كان جيدا سيراه الآخر من دون مباهاة.
3 ـ لا تقللي من قدر الآخر، لا بالقول ولا بالفعل ولا حتى بالنظرة. وعاملي الناس بمساواة.
4 ـ يجب أن تفهمي أنك، وإن كنت مهمة، لست مركز الكون، ولا يتوقف عليك دوران الكرة الأرضية، كل «أنا» سابحة في ملكوتها، لها همومها وخصوصيتها.
5 ـ تقبلي المختلف، وإن لم يعجبك، لست مضطرة أن تحبيه، فقط تقبليه واحترمي اختلافه.
6 ـ لا تضعي نفسك في المقدمة دائما، ولا تصري على ان تكوني في كل صورة تُلتقط، ولا في كل دعوة، ولا في كل حديث، ولا تمنّي بوجودك على أحد. والأهم، لا تطلبي الثناء والغزل. فإن كان هناك ما يستحق فسيأتيك بتلقائية ومن دون شحاذة.
خرجت مدام «أنا» المتضخمة من العيادة، وهي تهمس لنفسها: «تبا، طبيب ولا يفهم بالطب»..!
953 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع