أ.د. محمد الدعمي
” في أعماق دواخله يشعر هذا الناظر الغربي بأنه أجدى وأجدر من الرجل العربي لقيادة السيارة الفاخرة ولتدخين أغلى أنواع اللفائف، لأنها من نتاجات حضارته، وليست من نتاجات الحضارة العربية! لهذه الأسباب يتوتر الناظر الغربي، فاقداً أعصابه عندما يرى مشاهد من هذا النوع، لأن الفكرة التي غرستها ثقافته الشائعة في أعماقه عن العرب والمسلمين منذ نعومة أظفاره لا تتناغم مع ما يرى على أرض الواقع،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لست أجد غرابة بفرط ضابط شرطة بمدينة نيويورك في توظيف العنف على شاب خليجي كان قد ارتكب مخالفة مرورية بسيطة (كما يصور ذلك شريط الفيديو المنتشر على اليوتيوب). ومرد ذلك هو أن الضابط الأميركي الأشقر يزعجه مشهد أن يقود شاب عربي أسمر سيارة فاخرة، لن يتمكن الضابط من شراء مثلها، لو بقي معتمداً على مرتبه لعقود من الأعوام. لذا، أجد أن فرط استخدام العنف على الشاب الخليجي الغني كان من معطيات سوء طالع الشاب الثري فقط، إذ صادفت مخالفته المرورية نوعاً من التحامل والخيلاء اللذين يشوبان نظرة الغربيين إلينا.
وكما أشرت في مقالتي ليوم السبت الماضي، “تدهور صورة العربي المسلم في الثقافة الغربية” (الوطن الغراء)، لا يملك المرء إلا أن يميز بين نمطين من النظرة الى العرب والمسلمين عبر تورخة تطورها كما هي كامنة في دواخل العقل الغربي. النمط الأول هو نمط نظرة الإعجاب والحنين الى الماضي التي طورتها الذهنية الأوروبية الرومانسية حيال الوجود العربي الصحراوي، على نحو خاص. وقد تطورت هذه النظرة الإيجابية من رد فعل مرهف الحساسية ضد الحياة في المدينة الصناعية الأوروبية، حيث الرتابة وطوابير الشغيلة والتلوث وأجواء التمييز الطبقي، بين الأغنياء والفقراء. هنا يتبلور العربي الذي يحبه الغربيون، ليس لسجاياه الفردية الطبيعية فقط، ولكن كذلك لتناغم هذه السجايا الطيبة مع بيئة نظيفة ونقية لا توحي بالشاعرية حسب، بل هي الشاعرية غير الملوثة بحد ذاتها. هذا هو عربي الشعراء الرومانسيين والكتاب الخياليين في العالم الغربي.
أما العربي الذي لا يحبه الغربيون، فهو العربي الذي يشكل مشهده تحدياً ثقافياً وحضارياً بمجرد النظر اليه من قبل الإنسان الغربي. هذا ما جسده الكاتب جونثان ريبن Raban في كتابه الواسع الإنتشار الموسوم بـ(بلاد العرب عبر المرآة) Arabia Through the Looking-Glass، إذ يعبر هذا الكاتب عن الكيفية التي يستفز بها الإنسان الخليجي الغني ناظره الغربي، عندما ينتقل الأول (اي العربي) على نحو دائم بين مطارات كنيدي وهيثرو، شارل ديغول ودبي، على نحو متواصل، واضعاً أغلى أنواع “الرولكس” على معصمه، وهو يعقد الصفقات التجارية بملايين الدولارات ! كيف لا يكهرب هذا المشهد الناظر الغربي، خاصة عندما يقود الرجل العربي، الذي تفوح من مجرد مروره نسمات من أغلى عطور باريس، سيارة فاخرة يزيد سعرها على مجموع ما يمكن أن يدخره الموظف الغربي طوال حياته العملية.
في أعماق دواخله يشعر هذا الناظر الغربي بأنه أجدى وأجدر من الرجل العربي لقيادة السيارة الفاخرة ولتدخين أغلى أنواع اللفائف، لأنها من نتاجات حضارته، وليست من نتاجات الحضارة العربية! لهذه الأسباب يتوتر الناظر الغربي، فاقداً أعصابه عندما يرى مشاهد من هذا النوع، لأن الفكرة التي غرستها ثقافته الشائعة في أعماقه عن العرب والمسلمين منذ نعومة أظفاره لا تتناغم مع ما يرى على أرض الواقع، ولا تتواءم مع من يرى في فنادق شيراتون أو هيلتون من نزلاء عرب لا يفكرون مرتين إن أرادوا ابتياع أغلى المجوهرات.
العقل الغربي يعشق عربي البادية في الهوام، ذلك البدوي الغافي على تيار الزمن والذي يعتصر حكمة الصحراء، متواترة بفضائها اللا منته مع ذبذبة أقدام جمله ليستخرج منهما القصيد الرنان. لقد أحب هؤلاء الغربيون العربي لفقره ولجهله بالتقنيات الحديثة. لذا هم يتمنون بقاءه كما كان وليس بقاءه متحدياً التحجر والسكونية.
951 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع