خضر عواد الخزاعي.. والعودة إلى سنوات المحنة
إعداد وحوارعبدالرضا غالي الخياط
القاص والروائي والناقد خضر عواد الخزاعي، احد الكتاب الذين شغلتهم موضوعة الموت المجاني، وقضية الحرب العراقية بكامل أبعادها الإنسانية والمكانية.
فقد صدرت له روايتين هما " الواح العقد الثامن "، والتي أهداها إلى الأرواح المعذبة، التي حفرت بصبرها ودموعها، أسماءها في ذاكرة الوجع العراقي. و " منفى الجسد "، التي أهداها أيضاً إلى الأجساد التي ارتهن مصيرها بنفي الاستبداد، فالروح وحدها من ستعيش في النهاية، وهي وحدها من ستفجر ثورة تحررها، من صقيع الغربة والمنافي في الشتات الأجنبية، ووحشة الذاكرة الجريحة. فقد جسد فيهما رحلة الآلام والغربة والضياع، والإقصاء والتهميش. وقد أبدع عبر لغة السرد، من بناء صور شتى لم تكن غائبة عن الذاكرة العراقية، فهي ما زالت لليوم حاضرة وبقوة في الشارع العراقي. ولعل ابرز ما يميز الروايتين، سطوع الحوار وبكثافة لم نشهده اليوم في الرواية العراقية.. إذ يقول " لنتعلم الدرس جيدا ليست الحروب الإ مبررا لبقاء المهددين بالاندحار، فهم وحدهم من سيحاولون البقاء أطول فترة ممكنة على حساب الآخرين "، إذ عادة ما يتغير الناس حينما تشغل الحرب البلاد والعباد. ففي الحروب كل شيء يتغير، الإنسان ،المكان، الهواء، وحتى الطيور لأتسلم من الحرب. وتكون فرص البقاء أقل، كما يتلبس الناس الخوف من الموت ومن الآتي من الغد، ويكون السمة الغالبة. وبعد الحطام والمحرقة، يكون الضياع والألم والفراق والانتظار هو المسيطر على المشهد المتبقي..
هذا وقد التقيناه في قاعة منتدى" النخب والتبادل الفكري " في حوار عن المشغل السردي وقضايا أخرى..مع التقدير له ولكل المبدعين، النازفين دماً في حب الإنسانية والوطن.
س: صدرت لك في الفترة الأخيرة رواية " منفى الجسد "، ماذا أضافت لك ؟
هيَّ تجربة أخرى مضافة إلى تجارب حياتية قبلها متنوعة، فيها القراءة والكتابة والفن، والأجمل مافيها هي ما تمنحه من متعة حسية عالية أيضا أشعر أن فيها معالجات متطورة عن التجربة التي سبقتها في " ألواح العقد الثامن " وإن لم ترتقي إلى مستواها.
س : ما القضية التي تسيطر على كتابتك، وهل ثمة رسالة تسعى إلى إ يصالها للقارئ ؟
في الروايتين اللتين كتبتهما " ألواح العقد الثامن " و " منفى الجسد " وطبعتهما في مطبعة دار الضفاف للطباعة والنشر هذا العام وفي أكثر من قصة قمت بكتابتها ونشرها أتصور أن موضوعة " الموت" هي الغالبة والمسيطرة على مجمل كتاباتي وهذه الظاهرة التي لا أراها غريبة على تأريخنا الوطني ولا على ذاكرتنا الجمعية فنحن عشنا الموت منذ طفولتنا، في أشكال متعددة فهو تارة يأتينا بثياب السلطة وأخرى بثياب الحرب وأخرى يأتينا بثياب الغازي وأخرى يكون هذا الموت عشوائي ويومي وهذا ما نلمسه اليوم في الموت الإرهابي المفخخ، ولقد كان فعل الموت مؤثراً بكل مأساويته وبما أخذه منا وتركه فينا من جروح وذاكرة مفجوعة.
س: ما أهمية الرواية في ثقافتنا المعاصرة ، وسط هذا الاغتراب الروحي الذي نعيشه الآن ؟
تكمن أهمية الرواية العراقية في أنها لم تتوقف عن بعث الحياة في روح العراقيين وكانت مستمرة في عطائها ومواكبة ما يحصل حولها من تطورات وتحولات سواءاً في تقنية الأسلوب أواللغة وكانت فرصتها التأريخية بما توفر للروائيين العراقيين والكتاب من حرية في التعبير بعد 2003 حتى وصلت أرقام الروايات المطبوعة إلى أرقام جيدة لم تبلغها سابقاً ولا حتى في البلدان التي لم تعاني ما عنى منه العراقيين ليصل عدد ماطبع منها خلال سنوات مابعد 2003 مايقارب 500 رواية حتى أنها وصلت في تميزها وجودتها منافستها في مسابقات عالمية وحصولها على الجوائز الأولى في تلك المسابقات كما حدث مع الروائي أحمد سعداوي في رواية " فرانكشتاين في بغداد " الحاصلة على جائزة البوكر لعام 2014 وكذلك رواية " بوصلة القيامة " للروائي هيثم الشويلي الفائزة بجائزة الشارقة للإبداع 2014 .
س: لقد نالت الرواية العربية اليوم نصيبها الكبير من النجاح، وكانت الاستجابة بمستوى التوقع والطموح ما مقياس ذلك النجاح ؟
مقياس نجاح الرواية العربية لا يميزه حصولها على المراكز الأولى في المسابقات أو حتى دخولها تلك المسابقات بل أن قيمتها تكمن بما أحدثته من هزات أسلوبية واجتيازها مستويات معينة من الحداثة استحقت عليها الجدارة كما في روايات الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي ويوسف زيدان وسعود السنعوسي وأحمد خلف وغيرهم من الكتاب العرب.
س: أن حرية الراوي في اختيار أسلوب السرد ، ليست مطلقة من الضوابط الموضوعية والفنية ، ما مدى تلك الضوابط وتأثيرها في تشكيل الرواية ؟
برأيي المتواضع لم تعد هناك من مُلزمات ولا مُحددات تقف في طريق الإبداع فالرواية اليوم أخذت مداها الأرحب في استخدامها للغة التي تناسب موضوعها وثيمتها وكذلك اختيار الأسلوب الحكائي والسردي المناسب لما يكتب ولم يعد الكاتب ينظر للناقد بعين الرعب أو الريبة فما تراكم خلال سنوات طويلة من الترقب والانتظار في الحقب الماضية جعلت الروائي ينطلق بكل ما أوتي من قوة وإبداع نحو الحداثة والدهشة المطلقة كما في رواية " تكسي كراون " للروائي الشاب حسن فالح وكذلك الكتابات الجريئة للروائي الشاب هيثم الشويلي والروائي شهيد والروائي ميثم الحلو ومحمد علوان وخضير فليح الزيدي وجابر محمد جابر.
س: كيف تقيم الجوائز التي تمنح للرواية العربية ،وهل تخضع للمعايير النقدية والجمالية ؟
أتصور الجوائز العربية هيَّ شأن أدبي وثقافي محلي للدول القائمة على رعاية هذه الجوائز ومنحها وهي لها الحق بأن تضع ما يناسب قيمها الجمالية والأدبية ونظرتها المحلية تنطلق من هذا الجانب.
س: كيف تنظر إلى " نادي السرد "، وما هو تقيمك لفعاليته، وللمشهد الثقافي العراقي برمته ؟
يعد نادي السرد بوابة مهمة من بوابات الثقافة العراقية التي يطل من خلالها المثقف العراقي على ساحة الإبداع والنشر والكتابة وهي كذلك تضيف قيمة إبداعية أخرى للثقافة في مجال الأدب بشقيه النثر/ الشعر من خلال الجلسات النقدية المباشرة الأسبوعية والشهرية والقائمين عليه ليسوا ببعيدين عن هم الأدب بل هم من أبناء هذا الوسط ورواده فشكرا لهم، والمشهد الثقافي العراقي يبشر بخير مع هذه الوفرة الكبيرة من المطبوعات وما يصاحبها من نقد منشور أو مقروء وهي تدخل اليوم في منعطف جديد وجريء من خلال هذا الكم الهائل من الإنتاج الأدبي.
س: قرأنا لك رواية " ألواح العقد الثامن " وعلى ما يبدو كان لديك في هذه الرواية موقف سياسي ، كيف تفسر ذلك ؟
هو ليس موقف سياسي بالمعنى الآيدلوجي المحدد والمبني على رؤية نقدية سياسية مسبقة، مشكلتنا سواءاً كنا مثقفين أو أشخاص عاديين أو حتى سياسين لم تكن مع أشخاص بعينهم ولم تكن لأجل مصالح وضعية مؤقتة ولا مكاسب شخصية وإلا فإن المجال كان مفتوحاً لمن يريد أن ينتمي ويتبضع ما شاء، المشكلة كانت مشكلة بلد تعرضت قيمه الروحية والتأريخية للمسخ والهدم المنظم خلال عقود من السنين لترسيخ فكرة غوغائية شوفينية وهي " الدكتاتورية " وهذه الدكتاتورية كانت مستبدة في أقصى درجات القسوة والبطش لذلك كان حلم العراقيين جميعاً التحرر من هذا النظام الذي كان يمثل تلك الثيمة المشوهة.
س: تلعب المرأة دورا حيويا في حياة الكاتب، ما ذا عن هذا الدور بالنسبة أليك ؟
المرأة بالنسبة لي كانت وستبقى محركاً أساسياً وواعاياً لكل منطلقات الحياة وأسبابها لذلك كانت المرأة هيَّ البطلة في روايتي " ألواح العقد الثامن" و" منفى الجسد" وكل ماكتبت من قصص قصيرة وطويلة، من خلالها قدمت كل ماكان يعاني منه المجتمع العراقي من حالات ظلم واغتراب وفقر وموت وتحدي.
س: هل الأبدع ترف فكري أم ضرورة عصر ؟
الإبداع ضرورة حياتية وعصرية لا تختص بزمن معين ولا بقومية معينة ولا أمة دون غيرها وإن كان الإبداع الرافديني في حضارة وادي الرافدين سباقاً في إبداعه وعطائه، ففي هذه الحضارة أكتشف الحرف وبنيت المعابد واكتشفت العجلة وزرعت الأرض واستوطن البشر وأقيم نظام الحكم الواعي في ظل القانون البشري والإلهي قبل ألاف السنين.
644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع