
صورة للمدعية العامة العسكرية الإسرائيلية السابقة يفعات تومر يروشالمي، ترتدي زياً عسكرياًُ، وترتدي نظارة نظر، ويتدلى فوق كتفيها شعرها ولونه ممزوج باللونين البني والأصفر. - IDF
بي. بي. سي:مددت محكمة الصلح في مدينة تل أبيب، الاثنين، اعتقال المُدعية العسكرية المستقيلة، اللواء يفعات تومر-يروشالمي، لمدة ثلاثة أيام، في إطار التحقيقات الجارية حول تسريب مقطع مصور قبل عام يظهر، بحسب مزاعم التحقيق، جنود احتياط يعتدون ويسيئون معاملة معتقل فلسطيني في سجن "سديه تيمان" جنوبي إسرائيل.
وقالت القاضية شيلي كوتين في قرارها إن هناك "شبهات بعرقلة سير التحقيق" ووجود "دافع للمس بالأمن العام"، مشيرة إلى أن التهم الموجهة لتومر-يروشالمي تشمل الاحتيال، وإساءة استخدام المنصب، وعرقلة مسار العدالة، وتسريب معلومات من قبل موظف عام.
وإلى جانب اعتقال تومر-يروشالمي، تم اعتقال المدّعي العسكري العام السابق العقيد متان سولومش للاشتباه بمشاركته في محاولة التستر على التسريب أو تأخير كشفه.
القضية تأتي بعد يوم دراماتيكي شهد اختفاء النائبة العامة لساعات طويلة، وسط اعتقاد بأنها قد تقدم على الانتحار، قبل العثور عليها في أحد شواطئ تل أبيب.
وتشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنها حاولت التخلص من هاتفها المحمول الذي يُعتقد أنه يحتوي على أدلة متعلقة بالقضية، ما دفع الشرطة لطلب تمديد فترة الاحتجاز بحجة وجود شبهات بمحاولة عرقلة التحقيق.
خلال الجلسة، قال محامي تومر-يروشالمي إن موكلته لم تحاول عرقلة التحقيق، مشيراً إلى أن جميع المواد والهواتف المصادَرة باتت في حوزة الشرطة منذ أيام، ولا يوجد مبرر لاستمرار احتجازها.
من جانبها، أكدت الشرطة أن التحقيق لا يزال في مرحلة حساسة، وأن هناك "خشية حقيقية من عرقلة سيره"، موضحة وجود خمسة من المشتبه بهم على الأقل في القضية.
خلفية القضية
القضية، التي وُصفت في الإعلام الإسرائيلي بأنها واحدة من أخطر الفضائح داخل النيابة العسكرية، بدأت بعد تسريب فيديو يظهر جنود احتياط يعتدون على معتقل فلسطيني مكبّل اليدين في منشأة سديه تيمان، ما أثار موجة غضب داخلية وانتقادات واسعة للمؤسسة العسكرية.
في تلك الفترة، وقبل عام من الآن، سادت أجواء من الغضب الشعبي خصوصاً في صفوف اليمين المتشدد، حيث هاجم سياسيون وأحزاب يمينية مكتب المدعية العسكرية العامة بسبب فتحه تحقيقات في شبهات ارتكاب جنود انتهاكات بحق فلسطينيين.
وبعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تصاعدت الدعوات داخل اليمين الإسرائيلي لعدم المساس بالجنود، واعتُبر أي تحقيق معهم طعنة في الظهر، ما وضع مكتب تومر-يروشالمي تحت ضغط شديد وسط بيئة سياسية وإعلامية متوترة.
وقبل أسبوع، وبضغط من مسؤولين كبار، تم فتح تحقيق رسمي في قضية تسريب الفيديو، لتُقر تومر-يروشالمي لاحقاً بأنها سمحت بتسريبه وقدمت استقالتها من منصبها.
وبرّرت فعلها بالقول إنها أرادت الرد على مزاعم اليمين وإظهار أن التحقيقات التي تفتحها النيابة ضد الجنود مبنية على وقائع جدية، مؤكدة أنه "من غير القانوني أو الأخلاقي التعامل بهذه الوحشية مع أي معتقل، حتى لو كان إرهابياً".
اختفاء دراماتيكي وهاتف مفقود
بحسب تقرير نشرته صحيفة إسرائيل هيوم، شهد يوم الأحد اختفاءً مفاجئاً لتومر-يروشالمي، ما أثار حالة ذعر واسعة في إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أنه عثر على سيارتها قرب شاطئ حتسوك شمال تل أبيب، وأن المحرك كان لا يزال يعمل، بينما وُجدت رسالة غامضة في منزلها كتب فيها "لا تنظروا إلى الوراء"، ما زاد المخاوف من احتمال انتحارها.
وشاركت قوات كبيرة من الشرطة ووحدات الإنقاذ الخاصة "لحافا" في عمليات البحث حتى تم العثور عليها سالمة بعد ساعات، لكنها بدت في حالة نفسية صعبة.
وأضافت الصحيفة أن هاتفها المحمول لم يُعثر عليه بعد، ما أثار شبهات بمحاولة إخفاء أدلة متعلقة بالقضية.
وقال مسؤول في الشرطة: "اختفاؤها يثير أسئلة كثيرة"، مؤكدًا أن الملف أُحيل إلى الجيش لمتابعة حالتها النفسية قبل استجوابها في قضية التسريب.
وقالت صديقتها المقربة إلينور للصحيفة، إن توم يروشالمي كانت تمر بحالة نفسية صعبة، مضيفة: "لقد أعطت حياتها للدولة، ولم تحتفل بأي عيد ميلاد منذ السابع من أكتوبر. إن الإعلاميين الذين طالبوا بسجنها دمّروها نفسياً".
من جهتها، تناولت صحيفة يديعوت أحرونوت القضية من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن اختفاء تومر-يروشالمي كشف التناقض الأخلاقي في المشهد الإعلامي والسياسي الإسرائيلي.
وأضافت الصحيفة أن كثيراً من السياسيين والإعلاميين، الذين هاجموها شعروا بالذنب أثناء البحث عنها، لكنهم عادوا فوراً إلى مهاجمتها بعد الإعلان عن سلامتها.
وأضافت أيضاً أن تومر-يروشالمي ارتكبت فعلاً خطيراً، لكنه لا يبرر التحريض ضدها أو الدعوات لإعدامها علناً كما كتب بعض النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي.
وانتقدت ثقافة الكراهية الرقمية واصفة إياها بــ "سم يومي ينهش المجتمع الإسرائيلي"، داعية إلى مواجهة التحريض الإعلامي بدلاً من ممارسته.
أما صحيفة هآرتس، فركّزت على البعد المؤسسي للقضية، معتبرة أن ما حدث يعكس أزمة أعمق داخل النيابة العسكرية وثقافة الكذب المتجذرة في أجهزة الدولة.
وذكرت أن تومر-يروشالمي سمحت بتسريب فيديو التعذيب من قاعدة سديه تيمان، ثم قدمت بياناً كاذباً للمحكمة العليا لتنكر مسؤوليتها ومسؤولية مساعديها، وهو ما وصفته هآرتس بأنه "تضليل قضائي يستوجب الإقالة الفورية".
وتساءلت الصحيفة إن كان الكذب أصبح ممارسة اعتيادية في مكتب المدعية العسكرية، مشيرة إلى أن اليمين المتطرف استغل الحادثة للتحريض على القضاء، في حين اعتبر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن التسريب "أخطر ضربة دعائية لإسرائيل"، وهو ما ردت عليه الصحيفة بالقول إن الضرر الحقيقي لصورة إسرائيل نابع من تصريحات نتنياهو ووزرائه أنفسهم.
ماذا عن التحقيق مع الجنود؟
حتى هذه اللحظة لم يتم نشر أي تفاصيل حول سير التحقيق أو نتائجه بخصوص تورط العشرات من الجنود الإسرائيليين بهذا الحدث.
مصير المعتقل الفلسطيني أيضاً لم يكن واضحاً حتى ظهر يوم الاثنين 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، ففي خضم هذه الضجة أفادت مصادر أمنية اسرائيلية بأن المعتقل أُعيد إلى قطاع غزة.
هذا التحقيق وعشرات التحقيقات الأخرى التي اشتبهت النيابة العامة العسكرية بوجود مخالفات قانونية فيها وأدت لمقتل أو إصابة فلسطينيين أو أثرت عليهم، ما زالت غير واضحة.
إذ لا توجد معلومات حول مصير العديد من التحقيقات أو نتائجها فيما يتعلق بوجود شبهات بارتكاب جرائم.
وقد حاولنا التواصل مع الجيش الإسرائيلي للحصول على معلومات حول نتائج التحقيقات لكننا لم نحصل على رد، حتى وقت نشر التقرير.

955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع