تنفّس الكثيرون الصعداء، وصفّق البعض فرحاً، وهم يُتابعون عبر شاشات التلفاز مشهد القبض على نيقولا باسيلي نيقولا. هذا الرجل الذي ينحدر من أصول مصرية قبطية، والذي أثار حنق المسلمين ودفعهم إلى الخروج في الطرقات والتظاهر في الميادين العامة، تنديداً بفيلمه الوثائقي الذي أنتجه عن الرسول محمد متعمّداً فيه الإساءة له.
الدستور الأميركي وكذلك كافة الدساتير الأوروبية، تنصُّ على أن حرية التعبير حقُّ مكفول لكافة الأفراد بكافة أجناسهم وأعراقهم. وقد اضطرت الحكومة الأميركية إلى النبش في تاريخ نيقولا منتج الفيلم، حتى تُخمد أصوات الجماهير المسلمة الغاضبة التي ما زلت تصول وتجول طالبة بأخذ الثأر ممن تعدّى على نبي الإسلام. ولحسن حظّ الحكومة اكتشفت أن نيقولا كان قد تمّ اعتقاله عام 2010 م بعد تورطه في عمليات احتيال مصرفية وقيامه بتحرير شيكات وهمية، وهو ما أدى وقتها إلى توقيفه.
أحد القضاة بلوس أنجلوس أمر بتوقيف نيقولا، ولكن ليس بسبب تهمة ازدراء الأديان! وإنما بسبب انتهاكه لشروط إطلاق سراحه، حيث قام باختراق الحكم الذي ينصُّ على منعه من استخدام الكمبيوتر والإنترنت لمدة خمس سنوات دون إعلام الضابط المسؤول عنه، وهو ما سيعرضه من جديد لعقوبة السجن لمدة سنتين.
كان "الفاتيكان" قد طالب بعدم استفزاز المسلمين من خلال التعرض لدينهم بالسخرية أو الإهانة. وكذلك قامت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بحث الأمم المتحدة على إصدار قانون دولي يُجرم الإساءة إلى الأديان كافة. وتُعتبر اليونان البلد الأوروبي الوحيد، الذي يتضمن دستوره تجريم كل من يهين أو يزدري الأديان أو يُحرض على الكراهية، وهو الأمر الذي يُنادي به المسلمون اليوم في كافة أنحاء العالم، حتى يتم وضع حد لمثل هذه التجاوزات المهينة.
أتذكّر منذ عدة سنوات، عندما أنتج وأخرج (بيل جيبسون) فيلمه (المسيح)، الذي أثار وقتها حنق اليهود بأميركا وداخل إسرائيل كونه يُشير إلى تورط اليهود في تعذيب سيدنا عيسى ومقتله على أيديهم من وجهة نظر المسيحيين، إلا أننا لم نجدهم يتصرفون بطريقة عنيفة! ولم يحاولوا تهديد ،جيبسون بالقتل، لكنهم بكل بساطة قرروا مقاطعة أفلامه، كونهم يُدركون أن القانون الأميركي سيقف إلى صفّه رغماً عنهم، وأنهم إذا ما لجأوا للقضاء سيصبحون كمن يُغني في مالطة! كما يقولون في المثل الشهير.
جميعنا كمسلمين نرفض أن يتعرض رسولنا إلى أي نوع من الإهانة باسم حرية التعبير، ولكن هناك مشكلة حقيقية مغروسة في ثقافتنا العربية! يعتقد الرأي العام العربي والإسلامي، أن الحكومات الغربية بيدها تمرير قانون يُرضي أمزجتنا بجرّة قلم! متناسين أنّ أميركا وأوروبا هي دول مؤسسات وليست دول أفراد يستطيع الحاكم أو الرئيس أن يُجيز قانوناً دون الرجوع إلى مجلس البرلمان المنتخب شرعياً من قبل الشعب، وهنا للأسف يكمن الفرق الحقيقي بيننا وبينهم.
الشعوب العربية لم تزل ساذجة في طريقة تفكيرها، فقد تربت على لغة القمع والاستبداد وهيمنة السلطة الواحدة، وتحتاج إلى أجيال متعاقبة حتى تفهم لعبة الديمقراطية الحقيقية! وتهديد الغرب برفع الصوت وإحداث فوضى عارمة، لن يحل المشكلة! وسيخرج لنا بين حين وآخر نيقولا جديد يستبيح ديننا ويسخر من نبينا! يجب علينا التفكير بروية وأن لا ننسى أننا نمتلك أوراق ضغط كثيرة نستطيع أن نستخدمها لتمرير القانون الذي يُجرّم الأديان ويُعاقب فاعليها، وننام بعدها قريري العين دون أن نُضرم النار في كل شيء حولنا. التحضّر وسيلة سامية ولم تكن يوماً أداة ضعف وقلة حيلة!
877 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع