كوميديا سياسية بنكهة فوضى منظمة، تشكيل الحكومة في دولة الفساد الافتراضية

بدري نوئيل يوسف

كوميديا سياسية بنكهة فوضى منظمة، تشكيل الحكومة في دولة الفساد الافتراضية

قراءة في تعقيدات الواقع السياسي وتحديات الإصلاح في دولة الفساد (الافتراضية).
انتهت انتخابات مجلس النواب في دولة الفساد، وأُطفئت مكبّرات الصوت التي دوّت فيها وعود المرشحين، وبدأت المرحلة الأهم:
مرحلة “من سيجلس على الكرسي الوثير؟”، والتي تصفها وسائل الإعلام بدون أي حياء باسم: مفاوضات تشكيل الحكومة.
النتائج: فاز الجميع… وخسر المواطن فقط
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج بكل شفافية؛ فقد طبعت أوراق النتائج على ورق شفاف فعلًا حتى يتمكن الجميع من رؤية الفراغ في خانة “الإنجازات”.
نزل النواب إلى الساحة السياسية بكامل نشاطهم، وهو النشاط ذاته الذي اختفى فور انتهاء الحملات الانتخابية. بعضهم ما زال يحاول فهم طريقة عمل مجلس النواب، والبعض الآخر يحاول فهم الفرق بين “النية التشريعية” والنية في الحصول على وزارة.
في دولة الفساد حيث تُحتسب الأصوات بالمسطرة بينما تُقسم المناصب بالمساحيق انتهت انتخابات مجلس النواب، وبدأت المرحلة الأكثر إثارة: مرحلة التفاهمات… أو ما يُعرف محليًّا باسم “موسم قطاف الحقائب”.
فور إعلان النتائج، لم يحتج المواطنون إلى نشرات الأخبار لمعرفة الفائز؛ كان يكفي النظر إلى حركة السيارات السوداء ذات الزجاج المعتم وهي تتجه إلى ذات البيوت التي كانت تتجه إليها قبل الانتخابات. فاز من فاز، وخسر من خسر، واللافتة الوحيدة التي تغيّرت هي لافتة “مرشح” التي استعاضوا عنها بـ“سعادة النائب” … أما الممارسات، فثابتة ثبات ارتفاع الأسعار.
التفاهمات: حفلة تنكّرية ببدلات رسمية، اجتماع بمن حضر… وبمن دفع
بدأت الاجتماعات في مقرات مغلقة، وأحيانًا مفتوحة عندما يكون أحدهم قد نسي الباب بسبب كثرة الزيارات الليلية.
يعقدون اجتماعًا أوليًّا “للنوايا الحسنة”، وهي نيات حسنة جدًا… تجاه المناصب.
ثم اجتماعًا ثانيًا “لتقريب وجهات النظر”، ومعروف أنّ وجهات النظر تقترب فقط عندما تقترب معها الحقائب الوزارية.
وأخيرًا اجتماعًا ثالثًا “لوضع اللمسات الأخيرة”، وهي لمسات حساسة إلى حدّ تجعل الجميع يخرج متوترًا وسعيدًا في آنٍ واحد.
بدأت الاجتماعات السياسية في الليل، كما هو التقليد العريق في دولة الفساد. اجتماع أول، يليه اجتماع ثانٍ، ثم بيان مقتضب ينبئ عن “مباحثات إيجابية وروح عالية من المسؤولية”، وهي العبارة التي أصبحت مرادفًا دبلوماسيًّا لعبارة: “خلصوا الشغلة، بقي الاتفاق على الحصة الأكبر”.
تتالى الاجتماعات وكأنها مسلسل ذو مواسم غير منتهية، وكل حلقة تنتهي على “كليف هانغر” سياسي:
هل سيتم الاتفاق؟
من سيحظى بوزارة “الأحلام”؟
ومن سيُمنح وزارة “الغُلب” التي يتهرب منها صنّاع الغُلب أنفسهم؟
توزيع الحقائب: حسب الخبرة… خبرة الجهة الداعمة تحديدًا
في دولة الفساد، يعتمد اختيار الوزراء على معايير صارمة وواضحة:
1. درجة القرب من المموِّل السياسي.
2. عدد الوعود التي قُطعت ولم تُنفّذ بعد.
3. القدرة على توقيع القرارات بسرعة قبل أن يكتشف أحد مضمونها.
ولذلك، تجد أن وزارة الاقتصاد تذهب لمن لا يفرّق بين الانكماش والتضخم، ووزارة الصحة تذهب لمن يعتقد أن المضاد الحيوي يليق بأي مرض يشبه الأنفلونزا، ووزارة التعليم لمن لم يقرأ كتابًا منذ آخر مرة كان فيها طالبًا—وهو أمر حدث قبل ظهور الإنترنت بقرون.
توزيع الحقائب: الرياضيات في دولة الفساد
أما توزيع الحقائب فيتم حسب معادلة دقيقة:
• كل حقيبة = (حجم التفاهمات × قوة الدعم × عدد الولاءات) ÷ (وزن المواطن في ميزان السياسة)
ولا تقلق، دائمًا يكون المقام صفرًا تقريبًا… لذا تكون النتائج غير معرفة، مثل كل شيء في الدولة.
ومن أشهر الحقائب:
• وزارة الاقتصاد: تُمنح لمن أبدى استعدادًا لإقناع الشعب أن ارتفاع الأسعار “ظاهرة كونية”.
• وزارة الطاقة: يحصل عليها من يستطيع تفسير انقطاع الكهرباء بأنه دليل على “ترشيد وطني”.
• وزارة التعليم: تذهب لمن يستطيع كتابة جملة خالية من الأخطاء… لكنه لا يفعل ذلك غالبًا لالتزامه بالتقاليد.
• وزارة مكافحة الفساد: هنا تضحك دولة الفساد بأكملها ضحكة واحدة طويلة.
الإعلان عن الحكومة: احتفال غير رسمي بعودة القديم
وأخيرًا وبعد أسابيع من التسريبات والتسريبات المضادة أُعلنت الحكومة الجديدة.
صفق الإعلام، وتفاجأ المواطن:
الوجوه جديدة، نعم… لكن “اليد التي تُوقّع” هي اليد نفسها منذ زمن الممالك الطينية.
ظهر رئيس الوزراء على الشاشة ليقدّم برنامج حكومته، الذي عادةً يتكوّن من ثلاث نقاط:
1. محاربة الفساد
2. تحسين الاقتصاد
3. تكرار النقطتين السابقتين حتى يملّ الصحفيون
الحكومة الجديدة: تغيير الوجوه… مع بقاء اليد ذاتها في الجيب ذاته
وبعد أسابيع من “الحوارات البنّاءة” التي لم تُبنَ خلالها عتبة بيت واحد للمواطن، خرجوا بالحكومة الجديدة؛ حكومة “منسجمة”، كما وصفها البيان الرسمي، أي منسجمة في مصالحها وتفاهماتها وتقاسماتها.
خرجت الحكومة للناس، مُحمّلة بوعود معتّقة عاشت أكثر من أعمار بعض الوزراء. وركز البيان الافتتاحي على “محاربة الفساد” وهي العبارة التي تُطلق عادةً في دولة الفساد عندما يكون الفساد قد أخذ إجازة قصيرة.
المواطن: بين الضحك والغصّة
نظر المواطن إلى المشهد وقال لنفسه:
“الحمد لله أن التغيير مستمر… في أسماء الوزراء فقط”.
ثم ضحك… لأنّ الضحك آخر ما تبقى له في دولة لا يتغير فيها شيء سوى أرقام السنين على التقويم.
أما المواطن… فيراقب من بعيد
يقف المواطن في دولة الفساد، وعلى وجهه نصف ابتسامة ونصف يأس، يتابع الأخبار كما يتابع نتائج الدوري الرياضي الذي يعرف مسبقًا من يفوز فيه.
لكنه، كالعادة، يتشبث بالأمل… فالحياة من دون أمل في دولة الفساد ليست حياة، بل فضيحة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع