د. مهند العزاوي*
يدخل الحوض الاطلسي في منعطف حرب اقليمية دولية خصوصا بعد ان وضعت الحروب الخاصة اوزارها في سوريا ولبنان والعراق , وبات مشهد الحرب المذهبية هو السائد ,
بعد تمدد الوكيل الاقليمي على حساب الجغرافيا والسياسة والاقتصاد والاجتماع , بما ليتسق بالمعايير الدولية القانونية والعسكرية والأمنية , وأصبحت تلك الرقع الحمراء لا تتسق بالمفاهيم الدولية المبنية على القانون والنسق الدولي والمصالح , وتشهد المنطقة سعي محموم لوراثة التركة الاميركية في الشرق الاوسط , بعد استدارة اوباما وإعطاء ظهره للأحداث السياسي الخطيرة التي تنذر بتفكك المنطقة واندثار الجغرافيا السياسية التي بنت على اساسها , وبلا شك ان حافة الحرب والمناورة الاميركية بعزم اوباما توجيه ضربة عسكرية الى سوريا , مكن الغريم التقليدي الروسي من تأمين وصوله الى المنطقة وفرض شروطه وفق قواعد اللعبة الخاصة به , وبسط نفوذه في المتوسط والذي يبلغ سبع قطع بحرية وتصل عشرة خلال الايام القادمة , وهذا الحضور هو الاول من نوعه بعد الحروب الخاصة التي تمر بها المنطقة .
قرار مثير للجدل
تراجع الرئيس الاميركي اوباما عن قراره بتوجيه ضربة جوية للنظام السوري بعد المبادرة الروسية المثيرة للجدل , وكان قد صرح اوباما بأنه عازم على توجبه ضربة محدودة ضد النظام السوري (( لتأديبه ضربة محدودة وبنطاق محدود وبمثابة ضربة عقابية بل انها عملية جراحية دقيقة )) وبلا شك تلك المصطلحات التي استخدمها الرئيس الاميركي غريبة لا تتسق بالقيم القانونية والحربية والسياسية , وكذلك المفاهيم الاستراتيجية , ولم تشهد مسارح الحروب هكذا سيناريو هش ومثير للتساؤل , وقد صرح مسؤولون دفاعيون امريكيون بالأمس بان سفينة حربية أمريكية سادسة تعمل الان في شرق البحر المتوسط قرب خمس مدمرات أمريكية مزودة بصواريخ كروز , يمكن أن توجه قريبا ضد سوريا في اطار ضربة”محدودة ودقيقة ”وتحتفظ البحرية الامريكية عادة بثلاث مدمرات في البحر المتوسط, ولكنها ابقت مدمرتين اضافيتين هناك في نهاية مهمتهما مع تطور الوضع في سوريا خلال الاسبوع الاخير , وأن كل مدمرة من المدمرات الخمس تحمل ما يقدر بستة وثلاثين صاروخ "توماهوك " او اكثر بمجمل 200 صاروخ ، وقدر "بيرون كالان " المحلل في مؤسسة "كابيتل الفا بارتينرز" أن شن هجوم محدود على سوريا سيتطلب مابين 200 و 300 صاروخ توماهوك تقريبا بالمقارنة مع نحو 221 صاروخا استخدمت في العملية الليبية , وتم تأجيل توجيه الضربة لإشعار اخر.
الدب الروسي والزحف نحو المتوسط
تؤكد الوقائع والحقائق ان السياسة الروسية تثبت نجاحا واضح المعالم , باستخدام ادوات اقليمية وعربية منها , وقد اتقنت سياسة الوصول الى المنطقة باستخدام منصة الصراع المذهبي المتعطش لتصدير ثورته , بعد احتكامه على ثلاث انظمة سياسية في العراق ولبنان وسوريا , وهذا يعيدنا الى زمن الحرب الباردة والمعسكرات والتحالفات , وتمكنت روسيا وبذكاء كبير من
توظيف القوة العسكرية النظامية وقدراتها , والقوة اللامتناظرة المكتسبة , وطموح ايران الزاحف , وغياب العرب عن مسرح الصراع والقرار السياسي , وانتهازية الغرب , وضعف اميركا وانعطافها عن الشرق الاوسط ,الى رسم خارطة وجود جديد في المتوسط والحصول على نفوذ قوي يفوق نفوذ اوربا وأميركا فيه , وقد أعلن القائد العام للقوات البحرية الروسية ، الأميرال "فيكتور تشيركوف" قبل ايام أن بلاده ستواصل تعزيز أسطولها في البحر الأبيض المتوسط , وستقوم روسيا بتعزيز مجموعتها في البحر الأبيض المتوسط حتى يكون لها اكتفاء ذاتي في مسائل تنفيذ الأهداف المطروحة أمامها , وشدد تشيركوف على ان التشكيل العملياتي الروسي في شرق البحر الأبيض المتوسط يضم حالياً 7 سفن حربية ، وستنضم إليها قريباً 3 سفن أخرى ، هي عبارة عن طراد صاروخي وسفينة إنزال كبيرة وسفينة حراسة , وهذا اكبر حضور عسكري روسي في المتوسط يؤكد حالة الحرب الباردة .
مردودات استراتيجية سلبية
اعطت مناورة ""حافة الحرب "" للرئيس الاميركي اوباما مردودات استراتيجية سلبية , ترتقي للهزيمة السياسية والعسكرية , وقد طرح الخبراء سؤال محير عن قيمة اعلان ضربة عسكرية محدودة وبنطاق محدود , استنفرت موارد الاخرين وحفزتهم على المجازفة والاستحواذ الاستراتيجي ؟ على اثرها حققت روسيا الوصول السياسي والعسكري الآمن للمياه الدافئة المتوسطية , خصوصا بعد مقارنة الوجود العسكري الروسي الذي سيصل الى عشر قطعات بحرية مقابل ست قطعات بحرية اميركية , ولعل قرار اوباما المزاجي ادى الى تفكيك الحلف السياسي والعسكري الاميركي البريطاني , وانقسام النسق الاوربي بين مؤيد ومعارض , وظهور مزاج شعبي منقسم بين مؤيد ورافض , واستمرار الحرب في سوريا والعراق بطابع طائفي , والذي ينذر بعواقب وخيمة على السلم والآمن الدولي والإقليمي , وبنفس الوقت اعطى ضوء اخضر لإيران بالاستمرار في تمددها السياسي والعسكري والأمني بالجوار العربي , وتطوير ملفها النووي , وكذلك منح زر اطلاق اسلحة الدمار الشامل دون رادع دولي لأي دولة تمتلكه , وانهيار المنظومة الاممية التي تعاني من سبات عميق , واضحى موقف حلفاء اميركا ضعيف للغاية في المنطقة , اذن هل هو قرار مزاجي ام رد فعل غير محسوب جاء بعواقب وخيمة استراتيجيا ام هو سوء تقدير في اتخاذ وصنع القرار .
تبقى كافة الاحتمالات مفتوحة في المنطقة في ظل تداخل العوامل الثابتة والمتغيرة , وصراع الاستراتيجيات وحروب الافكار , ومزج القدرة العسكرية النظامية مع القوة اللامتناظرة , وغياب القانون وتطويعه سياسيا , وبات مشروع حرق الدول واضح المعالم , ويظهر للعيان ملامح خارطة سياسية جديدة للشرق الاوسط اكثر سخونة واتقاد مما هي عليه , ولم تعمل الاطراف المتمركزة والدول الكبرى وفق فلسفة النسق الدولي , بل اتجهت كل دولة لرسم مساراتها بعيدا عن القانون والشرعية الدولية , مما يوحي للقارئ والمتابع بان كرة الثلج الحربية تكبر وتتسع ومن الصعب التكهن والتنبوء اين ستقف وماذا ستخلف , والحقيقة الحالية هي ان المتوسط اصبح منصة صراع دولي وإقليمي ملتهبة تنذر بمتغيرات في معادلة القوى.
*مفكر عربي من العراق
الأحد، 15 أيلول، 2013
1245 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع