أين الجامعة العربية من الربيع العربي؟

                                        

                        د. علي محمد فخرو     

تموج دنيا العرب حاليا بألف حدث وحدث. وهي أحداث ترسم بالفعل صورة مستقبل الأمة العربية. هناك الشعب العربي الذي يثور ويتحرك ليل نهار ويقدم التضحيات والشهداء، بهذا يشهد العالم باعجاب وانبهار.

أما أنظمة الحكم فانها بين متعنت مصر على بقاء أوضاع الفساد والتسلط السابقة وبين أنظمة أفرزتها الثورات والحراكات ولكنها ظلت عاجزة عن تحقيق أهداف وتطلعات الجماهير التي تملأ الشوارع والساحات.هناك ايضا القوى الدولية،منظمات ودول وتكتلات، تصول وتجول طول وعرض الوطن العربي لتحل اشكالاته أو لتتئآمر عليه أو لتضيف حطبا للنيران المشتعلة في كل مكان.
لكن أين الجامعة العربية؟
أينها مما يحدث يوميا ويتطور بسرعة هائلة؟ أين مساعيها الحميدة وتواجدها الدائم الذي يشعر به الجميع، وليس اطلالاتها الخجولة أو قبولها المحير بالانتظار حتى تدعوها هذه الجهة أو تلك لتلعب أدوارا هامشية متباعدة؟
الواقع أن طبيعة هذه الجامعة أصبحت محيرة. فمنذ انشائها في عام 1945 وهي غير قادرة على حسم التناقضات التي تتجاذبها: مسؤوليات قومية ينص ميثاقها عليها، سيطرة قطرية من هذه الدولة العربية أو تلك تتغير بصعود هذا القطر أوبضعف ذاك، وتدخل واختراق من قبل قوى دولية هي الآخرى تتبدل بتبدل الأزمنة.
هذه التجاذبات هي في الواقع تصارع ارادات حاولت بعض منها تحاول الهيمنة على هذه المؤسسة العربية وحرفها عن مسؤولياتها الأساسية التي نص عليها ميثاق تأسيسها، وفصلتها العديد من البروتوكولات والاتفاقيات التي وقعت عبر مسيرتها الطويلة.في حاضرنا، منذ تلاطم أمواج ثورات وحراكات الربيع العربي، تتجلى مافعلته تلك التناقضات والصراعات بالجامعة والتي أوصلتها الى الحالة الباهتة العاجزة غير الفاعلة التي نراها أمامنا ونأسف لها.
وللحقيقة فان ذلك ليس بمستغرب. انه نتيجة منطقية لهوس أنظمة الحكم في جميع الأقطار العربية بما تعتبره سيادة وطنية مقدسة لايمكن التنازل عن ذرة منها حتى في سبيل المالصح العربية العليا أوسبيل خلاص الأمة. وقاد ذلك الهوس الى رفض أو تمييع جميع مقترحات ومشاريع اصلاح الجامعة العربية سواء تلك التي قدمتها أمانة وقيادة الجامعة العربية نفسها أو تلك التي قدمتها هذه الحكومة العربية أو تلك بين الحين والآخر.
ولقد استبشرنا خيرا منذ عام 2000 عندما قررت العديد من القمم العربية الدخول في عملية اصلاح الجامعة العربية واعادة هيكلتها وذلك من أجل اعدادها لتساهم بفاعلية في تطوير وتجويد العمل العربي المشترك. لكن ما ان تقدمت الأمانة العامة بمشروع شامل معقول لنقل الجامعة الى مستوى القدرة والفاعلية والمبادرة حتى انهالت الاعتراضات والتعديلات والتحفظات من هذه الجهة أو تلك. ولسنا هنا بصدد الدخول في تفاصيل مشروع الجامعة العربية الكبير الذي بلغ حوالي مائة وتسعين صفحة أو في تفاصيل العديد من المذكرات التي تقدمت بها بعض الدول العربية.لكن الواضح هو أن عملية الاصلاح قد تعثرت وأبقت الجامعة في عجزها التاريخي، وأن حليمة قد عادت الى عاداتها القديمة من قول كثير وفعل وتنفيذ حقيقي قليل.
هنا يجب التنبيه الى أن تعديل ميثاق الجامعة واصلاح ادارتها وهياكلها وتوسيع صلاحياتها سيظلوا غير كافين ان لم تصاحبهم ارادة سياسية عربية مشتركة تنطلق من التزامات قومية صادقة ومن تحرر من هيمنة القوى الاستعمارية وتوجيهاتها اليومية ومن توقف عن الاستخفاف بمطالب الشعوب الجديدة، وعلى رأسها الديموقراطية والعدالة.
وجود هذه الارادة هو الذي سيسهل عملية الاصلاح وغيابها هو الذي سيجعل من كل عملية اصلاح ترقيعا ومكياجا يخفي الترهل والعجز.
تلك الصورة البائسة تفسر الدور البائس الذي تلعبه الجامعة في الساحات العربية المتلاطمة بالأحداث والحبلى بالامكانيات الهائلة. يضاف الى ذلك اصرار الأنظمة العربية على ابقاء الجامعة كمؤسسة ممثلة للحكومات، بما يتبع ذلك من تمثيل ضعيف هامشي للمجتمع المدني في الجامعة.
لعل أفضل توضيح لما نقول هو غياب الجامعة المحير في الساحة العراقية، بينما يقف العراق كدولة على هاوية الدمار والموت والاختفاء من الخارطة العربية، أو الغياب المحير في ساحة مصر.
في مصر مابعد تغيرات ثلاثين يونيه تأتي الوفود الدولية والاقليمية تباعا لتعرض خدماتها في المساعدة على لم الشمل وايجاد المخارج المرحلية على الأقل، بينما تظل الجامعة في انزواء غير مفهوم وغير منطقي.
هذان مثلان فقط اذ لا شك أن هناك حاجة لتواجد الجامعة في ليبيا واليمن وسوريا والسودان والعديد من ساحات دول مجلس التعاون والأردن، بل كل أقطار الوطن العربي، لكن تواجد الجامعة اما معدوم أو ضعيف مهمش.
اذا كانت هذه الأحداث التاريخية الهائلة الكبرى لا تؤدي الى تفجير طاقات الجامعة ولا الى لعبها دورا ابداعيا مساعدا ولا الى رفض ترك الساحة للقوى غير العربية لتلعب أدوارها المشبوهة والخطرة.. اذا كان كل ذلك يحدث ونرى الوفود تأتي وتذهب، ونسمع التصريحات من كل أرجاء المعمورة، لكن لا نرى ولانسمع عن وجود حقيقي فاعل بناء للجامعة لمنع الانهيارات والانقسامات والتصدي للدور الصهيوني الاميركي المتناغم، فانه يحق لنا أن نطرح السؤال: أين الجامعة العربية من الربيع العربي؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

917 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع