عبد يونس لافي
رسالةٌ عراقية - 2 - من الرسائلِ الآشوريةِ القديمة
قال لي وهو يعلِّقُ على مقالةٍ لي سابقةٍ
في شؤون المالِ عند الآشوريين:
وهل هذه الرسالة هي كلُّ ما ترك اولئك الأفذاذ
من أبناء الرافدين الأوائل من قوم آشور؟
وا ثُكْلَ أمِّك أجبتُ وقد أخذني العَجَبْ!
لقد تركوا يا ابْن العمِّ الكثيرَ،
في ميادينَ شتّى من حياتهم.
كانوا حريصينَ
على أن ينقلوا لمن يأتي بعدهم،
ما كانوا عليه من أُطرٍ تُنَظِّمُ حياتَهم،
وقوانينَ تحكمُهم،
وأخلاقِ عملٍ واجْتماعٍ تسودُهم،
وكأنهم يقولون:
هذا ما كنّا عليه،
أُسُسًا أقمناها، وقواعدَ رفعناها،
فما عليكم أيُّها الأبناء،
إلّا أن تُكْمِلوا البناء،
وهل كانوا يكتبون؟
نعم يكتبون.
لقد اتَّخَذوا يا ابْنَ العمِّ من الطينِ
قراطيسَ عليها يُدَوِّنون.
قال لي إذن؛ اقرأ عليَّ ما عندك ولا تمنعْ،
فأنا مشوقٌ لكي أسمعْ!
قلتُ:
انا لا أزعُمُ أنّي بقراءةِ الرُّقُمِ من العارفين،
بل هي الصدفةُ قادتني قبل ثلاثينَ عامًا او تزيد،
الى كتابٍ* تناول رسائلَ من بلاد الرافدين
شَمَلت معاملاتٍ رسميةً، وتجاريةً، وشخصيةً
من الألف الثاني قبلَ ميلادِ المسيح.
ولقد قرأتُ حينها بعضَ الصفحاتِ على عَجَل،
فوجدتُ أنَّ جهدًا كبيرًا قد بُذل
لترجمةِ ما تركهُ الأكَدِيّونَ
والآشوريّون والبابليّون
من رُقُمٍ طينيّةٍ الى الانكليزية.
فاسْتعنت بقلمي لأنقلَ الى العربيةِ
بعض الرسائل التي حرصوا على تدوينها وأرشفتها،
بأسلوبي دون أن أمَسَّ النَّصَّ بسوء،
فالْمَسُّ بنقل النُّصوصِ عيبٌ،
بل ليس من الأمانة في شيئ،
وهذا - لا ريبَ - مبدأٌ أساسيٌّ من أدبيّاتِ البحثِ،
فاسْأل الباحثين.
بعد هذا أقرأُ عليك هذه الرسالة:
ماليَّةٌ هيَ كسابقتِها
ومن رسائلِ اسْتيفاءِ الديون.
تقول الرسالة:
أخبر كلًّا من آشور- ريشي (Aššur- rīṣī)،
وشو بيلِم (Šu-Bēlim)،
وآشور- تَكْلاكو (Aššur-taklāku)،
أنَّ إيلاني (Elani) يُرسِلُ لكم هذه الرسالة:
إخوتي الأعِزّاء،
اتَّصلوا بكلٍّ من إشمي - [...] (Išme - [...]** )
و آشور – نَدا ( Aššur-Nāda)
هناك:
واجْعلوهما يدفعا تسعةَ شواقلَ*** من الفضة
ثم اعْطوها لِشو بيلِم (Šu-Bēlim)
تأكَّدوا إخوتي الأعِزّاء،
من إعطاءِ الفضة لِشو بيلِم (Šu-Bēlim)،
مخافةَ ان تُسَبِّبوا إزعاجًا لي وله.
حين مكثتُ هناك،
أخبرني المدينان المذكوران أعلاهُ
ما يلي:
"لا بيعَ في السوق، ولا يمكن أن يحصلَ بيعٌ فيه"
ولكنِ اليومَ أسمعُ
أنَّ بيوعاتٍ عديدةً في السوقِ حصلت،
عليه اجْعلوهما أي:
إشمي - [...] (Išme -[...])
و آشور - نَدا ( Aššur-Nāda)
يدفعا الفضة وأعطوها لِشو بيلِم (Šu-Bēlim).
إتَّبعوا الإرشادات اخوتي الأعِزّاء.
اعطوا الرسالة التالية إلى آشور- ريشي (Aššur- rīṣī ):
أعطيتُ شاقلَينِ وربعًا من الفضةِ لك اخي العزيز
فاعْطِ نفسَ الكميةِ من الفضةِ لِشو بيلِم (Šu-Bēlim) رجاءً.
انْتهت الِرسالة!
يبدو أن إيلاني (Elani) هو من تجار آشور،
له مالٌ بذمةِ المدينين،
فهو يسأل مُعتَمديهِ لاسْتيفاءِ الديون
بالإضافة الى ما سبق ان أعطاه الى أحدهم،
على ان تكون حصيلةُ ما يجمعون
تؤول الى شو بيلِم (Šu-Bēlim).
مسك الختام
حينما نستعرضُ فحوى الرسالةِ وتأكيداتِها،
نُدرِكُ كيف كان اولئك القومُ
واضحينَ منضبطينَ في تعاملاتِهم،
مؤدَّبينَ في خطاباتِهم،
حريصينَ على إحقاقِ الحقوق
تجنُّبًا لما يمكن أن يؤدي الى إيذاء المشاعر!
تصوَّرْ – قارِئي – ولكَ أن تتحسَّر،
فلقد تصورتُ قبلك وتحسَّرت،
وعلَّك تعطيني الحقَّ إذا ما رأيتني
أدير رأسي يَمنةً ويَسرة،
أتأوَّهُ ألمًا تخنقني عَبْرة.
* Oppenheim, A. L, Letters from Mesopotamia
Official, Business, and Private Letters on Clay
Tablets from Two Millenia. The University of Chicago Press, Chicago, 1967.
** يبدو أن الجزء الثاني من الأسم مفقود.
*** شواقل جمع شاقل واستخدم الشاقل كوحدة للوزن أو كعملة لأول مرة في ارض ما بين النهرين (العراق) قبل خمسة الاف سنة، على ان الشعوب السامية قد استخدمته ايضا، وقد ورد ذكر الشاقل في شريعة الملك البابلي العراقي حمورابي في المادة رقم 71، التي تفرض على من له رقيق (ذكرًا ام انثى ) وهرب ذلك الرقيق، ان يدفع لمن يجده ويعيده اليه، شاقلين من الفضة.
849 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع