كيف خدع عبد الكريم قاسم الشاه الإيراني؟!!

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 23 شباط/فبراير 2022 18:17

كتب بواسطة: أحمد العبدالله

                             أحمد العبدالله

كيف خدع عبد الكريم قاسم الشاه الإيراني؟!!

في أواخر العام 1959, استغلت إيران, وكعهدها دائما, حالة الضعف والتشرذم السياسي والصراعات الحزبية التي ألقت بكلكلها على العراق, ورقود عبد الكريم قاسم في المستشفى لمدة شهرين تقريبا, بعد محاولة اغتياله الفاشلة, فشنت حملة سياسية وإعلامية على العراق ترافقت مع حشود عسكرية كبيرة على الحدود في منطقة شط العرب. وعلى طريقة(رمتني بدائها وانسلت), أدلى (الشاة)*الإيراني بتصريحات نارية, اتهم فيها العراق, بأنه؛(يتّبع سياسة استعمارية)!!. وطالب وزير الخارجية الإيراني بأن يكون(خط التالوك) هو الخط الفاصل للحدود بين البلدين في شط العرب. خلافاً لما تنص عليه معاهدة 1937, والتي منحت العراق السيادة الكاملة عليه, مع منح إيران مساحة بطول خمسة كيلومترات على شاطئه الشرقي عند ميناء المحمرة.

صعّد الإيرانيون لهجتهم وهددوا بإلغاء معاهدة 1937, واتهموا العراق كذبا بخرقها, ولوّحوا بتدويل النزاع وعرض الموضوع أمام محكمة العدل الدولية. وحشدوا ثلاثة ألوية عسكرية معززة بالدبابات والمدافع الثقيلة على الحدود عند شط العرب, واتخذت قواتهم البحرية مواقع هجومية بحجة حماية(عبادان). والغاية من كل ذلك(الجهجهون), هو انتزاع تنازلات من العراق في لحظة تاريخية يظنونها مناسبة, وهي استغلال حالة الضعف العراقي, وفق تصورهم.
ردَّ رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم على التهديدات الإيرانية بحزم وقوة, وقال بأن؛( العراق لن يتنازل عن حقوقه, وإنه ينشد السلم, وإذا لم يفد؛ فسوف يسترجع حقوقه بالقوة ويردع المعتدين). وأضاف قاسم في كلمة له خلال زيارته للواء المشاة التاسع عشر, وهو اللواء الذي كان آمره عند دخوله بغداد في 14 تموز 1958؛ إني أنصح الإيرانيين بأن يعودوا إلى رشدهم؛(وإلاّ سوف تكال عليهم الضربات تباعا, ونسترجع أرض الوطن شبرا بعد شبر). وخاطب ضباط اللواء وجنوده ومن خلالهم القوات المسلحة العراقية؛ بأن يكونوا على أهبة الاستعداد للذود عن كيان الوطن.
وأضاف عبد الكريم قاسم؛ إن الحدود العراقية الإيرانية مثبتة منذ سنة 1913, وإن الاعتداءات الإيرانية لا تنحصر في منطقة شط العرب فقط, بل هي ممتدة على طول الحدود, وذكر جانبا منها,[وكأن التاريخ يكرّر نفسه باختلاف من يحكم إيران]؛ فقد قطعت مياه الأنهر في خانقين(نهر الوند) ومندلي وزرباطية وتسببت بموت المزروعات, بواسطة بناء السدود على الأنهر المشتركة, واصفا ذلك بأنها من أعمال العدوان على الشعب العراقي. وتوغلت قواتهم داخل الأراضي العراقية في عدد من الأماكن بحدود 7-11 كم, وشيدت مخافر(في غفلة من الزمن). وتوعد قاسم؛(بسحقها وسحق من يدفعها في ذلك, وتحطيم كل معتد ظالم أثيم).
اشتدّت حدة الأزمة وبلغت ذروتها في الاسبوع الأخير من عام 1959, وأجرى الجيش العراقي مناورات عسكرية ناجحة في منطقة المسيب بمشاركة سلاح الطيران. وحسب شهادة اسماعيل العارف الوزير المقرّب من عبد الكريم قاسم في كتابه؛( اسرار ثورة 14 تموز وتاسيس الجمهورية في العراق), إن رئاسة أركان الجيش العراقي, خططت لشن غارة كبيرة على القوات الإيرانية المحتشدة قبالتها في المحمرة وعبادان, ولكن تم صرف النظر عنها بعد أن كانت على وشك التنفيذ. وعلى أثر ذلك خففت إيران من حدة لهجتها ودخلت الوساطات الدولية على الخط, وحصل انفراج بعد أن كان الوضع ينذر بالأسوأ.
الذي ذكرته آنفا, كله مسطور في كتب التاريخ, وقد اعتمدت على كتاب؛تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري(الجزء الثالث), في كتابة هذا المقال. ولكن ما لم تذكره تلك الكتب, هو الذي ذكره لنا الدكتور عبد اللطيف المياح استاذ مادة الاستراتيجية في الجامعة المستنصرية, عندما كنت أدرس الدكتوراه في العام الدراسي 2001-2002, ومفاده؛ إن عبد الكريم قاسم لجأ إلى خدعة عسكرية ناجحة وفريدة من نوعها, لردع الجيش الإيراني المتفوق عددا وعدّة على الجيش العراقي, حينذاك. فقد طلب من شركة نفط العراق تزويده بكميات من قطع الأنابيب المعدنية, وأوعز إلى قطعات الجيش العراقي المنفتحة قبالة الحشود الإيرانية في شمال منطقة شط العرب, بتثبيت تلك الأنابيب المعدنية لتبدوا وكأنها فوّهات مدفعية, على امتداد الجبهة ليلا, ويبدو إن تلك العملية قد حققت غرضها, فبعد أيام قليلة شرعت القوات الإيرانية بالانسحاب إلى العمق الإيراني, بعد اكتشافها تلك (الفوهات النارية)!!, وظنت إنها مدافع حقيقية, وانطلت الخدعة على الإيرانيين!!!.
وصدق النبي الكريم محمد(صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف, إذ قال؛((الحرب خدعة)).
.......................
* كان الاعلام العراقي يطلق على شاه إيران وصف(الشاة)!!, من باب التهكم والاستخفاف, بعد تدهور العلاقات بين البلدين, إثر قيام الشاه الإيراني في 19 نيسان 1969, بإلغاء معادة 1937, من جانب واحد.