حول تاريخ جامع مرجان.. واكذوبة قصة الايطالي موركان! وحالة
لمحة تعريفية بجامع مرجان:
جامع مرجان من مساجد العراق الأثرية القديمة، يقع على شارع الرشيد، في منطقة الشورجة على يمين الداخل إلى سوق العطارين ببغداد، وهو مسجد محكم البناء وفسيح الأرجاء، وتبلغ مساحة الجامع حوالي 1500م2 ويستوعب لحوالي 1200 مصل، ويحتوي مصلى حرم الجامع على ثلاث قباب اثنان منها صغيرة وواحدة كبيرة مرتكزة على أقواس تنتهي بالجدران المحيطة بها، وهذا ما أضاف للمصلى روعة هندسية وفنية مميزة، وكان ممن درس في هذه المدرسة الملحقة بهِ العلامة الحاج موسى سميكة مفتي الحنابلة في بغداد، والشيخ أبو الثناء محمود الآلوسي، وأبنه نعمان الآلوسي المتوفي عام 1317هـ/ 1899م، وحفيده محمود شكري الآلوسي، وعلي علاء الدين الآلوسي الذي دفن في ساحة المدرسة بعد وفاته عام 1339هـ/ 1921م، ومن قبلهِ توفي والده نعمان الآلوسي ودفن قربه، وكذلك من الشيوخ المدرسين في المدرسة المرجانية الشيخ ابراهيم الآلوسي الذي درس فيها للفترة من عام 1923 ولغاية عام1927م، وآخر من درس فيها قبل إغلاقها الأستاذ فؤاد بن أحمد شاكر الآلوسي.
وكانت في الجامع مدرسة تسمى (المدرسة المرجانية) وتقول كتب التاريخ ان من شيد هذه المدرسة أمين الدين مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطاني الأولجايتي من موالي السلطان أويس بن حسن الإليخاني أحد أمراء الجلائريين عام 758هـ/ 1356م، واشترط التدريس فيها على المذاهب الأربعة، ووقف على لوازمها ما كان يملكه من عقارات في بغداد وخارجها ذكرها في وقفيته التي كانت محررة بالحجر على جدران المدرسة وبنى لها غرفاً للمدرسين، وكذلك مستشفى يطل على نهر دجلة خاص لطلبة العلم، وأصبح فيما بعد هذا المستشفى قهوة الشط وتوابعها.
وقد توفي أمين الدين مرجان عام 774 هـ، ودفن في المدرسة وشيد على قبرهِ قبة جميلة ومشيفة الشكل (هدمت فيما بعد عند توسعة شارع الرشيد)، وبعد ذلك أتخذ الوزير سليمان باشا من المدرسة مسجداً جامعاً تقام فيهِ الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وآخر تعمير للجامع كان في عام 1392هـ/ 1973م من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية حيث شمل الترميم القباب والسياج الخارجي والساحة والواجهة الأمامية.
توضيح الحقائق التاريخية وتفنيد للاكاذيب عن أصل جامع مرجان الشهير:
وقد إنتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي قصص وروايات ملفقة، حول هذا الجامع، وللاسف أن الناس في هذا الزمان باتت تصدق كل ما ينشر دون تمحيص ولا تدقيق.. فقد اثيرت مؤخراً قصة ملفقة عن أصل جامع ومدرسة مرجان ببغداد جزء من قصص وروايات وخزعبلات ومنها قصة هذا (الايطالي المدعو موركان) وان الناس قد حوَّرت اسمه الى مرجان..
الاكذوبة التاريخية:
كتب احدهم قائلا:((محزن ان تكتشف الحقائق متأخراً .. مؤلم جدا الى حد البكاء.. 25 عاما او يزيد وانا أمرّ أو أصلي او اتبضع قريبا من جامع مرجان ... ذلك الجامع الأثاري الجميل الرائع الذي يشع ايمانا والمجاور لسوق الشورجة الذي يضم ثلاثة قبور دوارس لم اسأل عنها لا أعلم لماذا؟... ربما لأنها صغيرة ومهملة ومنزوية وبعيدة عن المصلى والمحراب اقول ربما .. فهو جامع مشترك يصلي فيه السنة والشيعة اسوة بجوامع بغداد القديمة كلها والتي تضم عادة رواقين امامي وخلفي .. صيفي وشتوي .. حيث يصلي هؤلاء هنا وهؤلاء هناك من دون ان تسجل على الأطلاق ولو ليوم واحد مشاحنة اوجدلا فقهياً او عقدياً او سياسياً او طائفيا بين الفريقين وانا على ذلك شاهد وجازم ....الحال يصدق على مساجد المرادية والعاقولية والأزبكية والحيدرخانه والعادلية والوفائية والأحمدي والسراي والوزير وصولا الى مسجد الأباريقي في الباب الشرقي انطلاقا من الباب المعظم .والغريب ولأول مرة وبناء على بحث كلفت به عن مساجد ومعالم بغداد القديمة اكتشفت ما صدمني واحزنني جدا ان "الحاج مرجان" هو باني المسجد الكبير "جامع مرجان الشهير" هو مواطن إيطالي من روما أسمه (سنيور مورگان) فتحولت مورگان إلى مرجان. كان حكيما يتحدث لغات عدة كالعربية والفارسية واصبح وزيرا في عهد السلطان (أويس) الأليخاني وهو حفيد هولاكو ...ومرت حوادث كثيرة جدا لا مجال لأستعراضها ووصل الأمر الى ان مورغان او مرجان اراد تأسيس دولة جديدة على اعقاب الدولة الأليخانية اسمها "الدولة المرجانية" الا انه خسر الحرب خسارة جسيمة ... فجمع كل أمواله وبنى جامع كبير اسمه "جامع مرجان" او مورغان و(100) دكان، وهي اليوم سوق الشورجه وسط العاصمة بغداد، وجعل ايجار الدكاكين للجامع ولإطعام الفقراء والمساكين. وبقي في الجامع يعمل خادمًا يكنس وينظف ويطبخ ويعطي طعامه للمصلين والفقراء، وكان يتعشى مع الفقراء ليلاً عندما يذهبون ليقضي الليل راكعاً وساجداً ومستغفراً... ومرت السنون وهو يقيم في الجامع، حتى مرض مورغان الأيطالي - مرجان - فحفر لنفسه قبراً بالقرب من الباب مازال ماثلا مررت به 1000مرة او يزيد من دون ان اكلف نفسي السؤال عن صاحبه ...حتى عرفت الحقيقية اليوم ...فبكيت ))..!!
وللأسف هذه القصة تداولها كثيرون على وسائط التواصل الاجتماعي معتقدين بصحتها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحري في المصادر الصحيحة وليست الملفقة..
الحقائق التاريخية حول جامع مرجان:
ان المراجع التاريخية تؤكد بأنَّ باني الجامع هو (أمين الدين مرجان بن عبد الله السلطاني الأولجايتي) من موالي (السلطان أويس بن حسن الأليخاني) أحد أمراء الجلائريين وتم ذلك عام 758هـ / 1356م.
في عام 1947 تم تعيين الشيخ نجم الدين الواعظ إماماً وخطيباً في الجامع وكان يلقي فيه دروس الوعظ والأرشاد وله فيه مجلس حافل بأهل العلم والأدب
ولقد خط الخطاط درويش نعمان الذكائي بقلم خط الثلث الأبيات المحررة على لوحة الكاشاني الأزرق المرسومة على باب مصلى الجامع، والمؤرخة عام 1200هـ/1786م، وهذه الأبيات:
وقيض منهم من يقام به الهدى تبارك من أنشأ الأنام وأوجدا
قصة جامع مرجان وتوسعة شارع الرشيد
عند افتتاح شارع الرشيد من باب المعظم باتجاه الباب الشرقي اقترح بعض المهندسين ازالة جامع مرجان لانه يعيق استقامة الشارع، ولكن الملك فيصل الاول رفض الفكرة كما ان المس بيل ايضاً اعترضت على هدم الجامع او اقتطاع جزء منه وتم ارجاء الفكرة حفاظا على هذا المَعلم الاثري.
الجامع قبل الاقتطاع وهدم مقدمته ارشد العمري يقتطع جزءا من الجامع لصالح شارع الرشيد:
في عام 1946 هدمت أمانة العاصمة القبة التي تحوي الضريح كذلك المدرسة وأقتطع من الجامع جزء كبير أضيف إلى شارع الرشيد وشيد على ما تبقى منهُ مسجد جامع ولم يبق من أصل المدرسة سوى بابها الأثري القديم، ولقد كانت المناوشات مستمرة في الثلاثينيات بين الحكومة ودائرة أمانة عاصمة بغداد حول موقع جامع مرجان الذي يدخل كالقوس في الشارع، وحاولت دائرة الأمانة تهديمه عدة مرات لولا وقوف (مديرية الآثار العامة) وبعض العلماء والمثقفين في يغداد ضد الفكرة مما ادى إلى تاجيلها حينا من الدهر، ومن الغريب ان أمين العاصمة ارشد العمري عقد مؤتمراً صحفياً في قاعة الامانة وقال: (اني استغرب هذا الاهتمام الشديد بجامع عتيق خرب وانا مستعد أن ابني مكانه بعد تهديمه جامعاً أكبر وافخم فلماذا هذا الإلحاح والتمسك به؟)،
ونفذ الامين ارادته:
أمين العاصمة ارشد العمري
وهكذا فقد طلعت الصحف والجرائد المنافقة في اليوم الثاني تشيد بذكاء هذا الأمين وثقافته، وتمسكه بالمحافظة على التراث أكثر من تمسك (المس بل)، التي رفضت تهديم جامع مرجان لأنه أثر ثقافي تاريخي، ومع هذا فقد أنعمت عليهِ الحكومة بان نقلتهُ إلى وظيفة مهمة كبيرة أخرى في الدولة، وبعد ذلك تم هدم جزء من الجامع والمدرسة مع القبة المشيفةالأثرية التي تحوي ضريح أمين الدين مرجان لأجل توسعة شارع الرشيد.
وحسب روايات متعددة قيل ان جامع مرجان الذي كان جداره متصلا بالشارع مباشرة وقامت الحكومة بهدمه بحجة إنه مائل للانهدام وكان مائلا بالفعل، وقيل إن البلدية سربت الماء إلى الأساس فجعلته يميل ثم هدم وأرجع الجدار الجديد عدة أمتار إلى الخلف فأصبح الشارع أكثر عرضا وجعلت له رصيفا واسعا اتجاه مبنى البنك المركزي العراقي.
شكل المسجد الحالي
أما شكل بناء المسجد الحالي، فقد أقيم بنيانه في جناح آخر من المدرسة، حيث سلم من يد التهديم، ورفعت عليه ثلاث قباب، أكبرها القبة الوسطى، وقد قلدت فيها قبة المسجد الزائل إلى حد كبير
مكتبة المدرسة
وكانت في المدرسة مكتبة ضخمة هي هدية من العلامة نعمان الالوسي جعلها وقفاً لطلاب العلم في المدرسة ونقلت هذه المكتبة التي تضم مخطوطات كثيرة من نوادر الكتب السلفية إلى مكتبة الأوقاف العامة، الواقعة في باب المعظم ، ثم تم حرق هذه المكتبة بعد غزو العراق عام 2003.
واقع حال منطقة الجامع بعد الاحتلال:
• تلاحظ البسطيات العشوائية والمسقفات الفوضوية التي حجبت النظر الى الجامع والازبال التي يخلفها الباعة ورائهم يوميا والمسقفات حول الجامع قد شوهت المنظر رغم ان الجامع يقع مقابل مصرف الرافدين والبنك المركزي العراقي...ومن يقارن الصور الحالية بصور الجامع قبل 2003 يدرك كيف كان الماضي نظيف ومنضبط ومرتب، بينما الحاضر فوضوي مليء بالأوساخ والنفايات واقع حال بلدنا مزري ومأساوي مع كل الاسف.. اما الجامع من الداخل فقد صار بؤرة للمياه الاسنة ومكبا للنفايات والازبال كما توضحه الصور الحالية.
• ان واقع الحال الماساوي والمزري لجامع مرجان يتطلب تدخلا من الجهات ذات الشان في الاوقاف وامانة بغداد والجهات الامنية والمرورية لتنظيم حاله فهو يعد مركز بغداد الحيوي في قلب شارع الرشيد ولابد من ايقاف الامتداد الفوضوي العشوائي للبسطيات والمسقفات غير النظامية ويجب تنظيف الجامع واعادته الى هيبته المعهودة وبما يستحقه من تقدير واهتمام.
المراجع:
1. "العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع" - تأليف عبد الحميد عبادة - تحقيق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف - مطبعة أنوار دجلة/بغداد - جامع المرجان
2. "مساجد بغداد وآثارها" محمود شكري الآلوسي تحقيق الدكتور: عبدالله الجبوري - الطبعة الأولى 1431هـ/2010م
3. مجلة سومر - المجلد الثاني - بغداد 1946 - المدرسة المرجانية - صفحة 33، 54.
4. " البغداديون أخبارهم ومجالسهم" إبراهيم عبد الغني الدروبي - مطبعة الرابطة -بغداد - 1958م.
5. "خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد" - تأليف محمد سعيد الراوي تحقيق عماد عبد السلام رؤوف - بغداد 2006م
6. "جامع مرجان" في "موقع مساجد العراق"23 ديسمبر 2017
7. "مساجد بغداد وآثارها" تأليف محمود شكري الآلوسي تحقيق الدكتور: عبد الله الجبوري - الطبعة الأولى 1431هـ/2010م-
8. كتاب "المراقد في بغداد" - تأليف د. عماد عبد السلام رؤوف. 2014
1170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع