أ.د. ضياء نافع
ماياكوفسكي و قصيدته بعنوان – ( قصائد عن تباين الاذواق)
نقّدم للقارئ اولا نص قصيدة ماياكوفسكي هذه بترجمتي عن الروسية , ليطلع عليها, ثم ننتقل بعدئذ الى تاريخها والتأملات حولها والافكار بشأنها , وذلك كي يكون القارئ على بيّنة بشأن الآراء التي سترد في هذه المقالة , والتي تعتمد على الفكرة الاساسية الكامنة في تلك القصيدة.
قصائد عن تباين الاذواق
========
ماياكوفسكي
=======
قال الحصان
وهو ينظر الى البعير –
يا له من حصان عملاق هجين!
أما البعير
فقد صرخ قائلا-
أأنت حصان؟
أنت لست سوى بعير,
بعير
ناقص التكوين.
+++
ربّ السماء
ذو اللحية البيضاء
وحده
كان يعرف ,
انهما -
حيوانان
من جنسين
مختلفين.
=======
كتب ماياكوفسكي قصيدته القصيرة هذه عام 1928 عندما كان في زيارة لباريس , (اي قبل سنتين فقط من انتحاره , الذي حدث في عام 1930 ), ونشرها عام 1929 في مجلة , ثم نشرها مرة اخرى في ديوانه الموسوم - (ذهابا وايابا ) الصادر في موسكو عام 1929 ايضا , وكانت هذه القصيدة في بداية الديوان , وكتب فوقها – ( بدلا من المقدمة ), اي انه اعتبرها مقدمة لديوانه هذا , وكل هذه الشواهد تبين الاهمية التي كان ماياكوفسكي يوليها لهذه القصيدة الصغيرة , والتي تبدو للوهلة الاولى وكأنها – كما كتب احد القراء الروس في تعليقه مرة حول هذه القصيدة قائلا – (انها تبدو وكأنها قصيدة مرحة للاطفال ليس الا). ان اعتبار ماياكوفسكي لهذه القصيدة (بدلا من المقدمة ) يعني , فيما يعنيه , ان الفكرة الكامنة في تلك القصيدة تعبّر عن فكرة ذلك الديوان باكمله , والفكرة هذه واضحة هناك وبشكل ساطع , وهي ان ( التباين) حقيقة ثابتة في الحياة, الا ان المشكلة هي عدم الاعتراف بذلك التباين من قبل (المتباينين !) , اي عدم الاعتراف بالرأي الاخر في المجتمع بغض النظر عن الواقع , فكل جهة ترى نفسها فقط لا غير وتخضع ( بضم التاء ) الاخرين لنظرتها تلك ليس الا , ف ( الحصان ) يرى ان ( البعير) هو ( حصان عملاق هجين ) , بينما يرى ( البعير) ان الحصان ( بعير ناقص التكوين ) . ان السخرية التي طرحها ماياكوفسكي من النظرة الاحادية للظواهر واضحة تماما , وهي فكرة لم يتناولها الشاعر في قصائده السابقة بتاتا , تلك القصائد التي كان يمجّد فيها فلسفة البناء الاجتماعي الجديد في بلده بالاساس ويتحّدث فقط عن نجاحاته وانجازاته الكبيرة , وكان ماياكوفسكي طبعا يحاول ان يؤسس شعرا جديدا بموسيقية خاصة به , وهي محاولة عملاقة وجريئة قلّ نظيرها في تاريخ الشعر الروسي والعالمي بشكل عام , و رغم انه لم يستطع تحقيقها واقعيا , ولكنه حاول القيام بذلك وبكل شجاعة , وبالتالي , فانه يمتلك شرف المحاولة , و هذا بحد ذاته ليس بالشئ القليل في هذا المجال الفكري الخطير , والذي يلعب دورا هائلا في مسيرة المجتمعات الانسانية.
ختاما لمقالتنا هذه , اود ان اشير , الى اني سبق لي ان ترجمت هذه القصيدة ونشرتها في حينه , الا اني توقفت طويلا عند العنوان الذي وضعه ماياكوفسكي نفسه لقصيدته تلك , اذ ظننت ان كلمة ( قصائد) الموجودة في العنوان ربما ستربك القارئ , ولهذا , وضعت عنوانا آخر لها, هو ( اجناس مختلفة من الحيوانات ) , ولكني عدت الان الى العنوان الاصلي , والذي يكمل واقعيا الفكرة الكامنة في القصيدة , اذ انها فعلا (قصائد ) , ولكن الشاعر أضاف - ( عن تباين الاذواق ) ومن الواضح انه كان يقصد ( عن تباين وجهات النظر).
820 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع