لَطيف عَبد سالم العگيلي
محاولة إعادة الحياة إلى نهر العشار
يقيناً أنَّ إعلانَ إدارة القِطاع النفطي عَنْ المبادرةِ بتأهيلِ نهري الخندق والعشار، فضلاً عَنْ غيرهما مِنْ المشروعات الخدمية بمحافظةِ البصرة، مَن شأنِه إدخال البهجة والفرحة فِي نفوسِ البصريين، فضلاً عَنْ عمومِ العراقيين الحالمين ببناءِ بلدٍ يتوافق تمدنه واستقراره الاجتماعي ونموه الاقتصادي مع عراقةِ الحضارات الَّتِي وشحت أرضه قبل أكثر مِنْ ستةِ آلاف سنة، مع العرضِ أَنَّ وزارةَ الموارد المائية أعلنت قبل نحو أربعة أسابيع انها بصدد المباشرة بمشروعٍ لتنظيفِ وتأهيل نهري الخندق والعشار؛ بوصفهما مِنْ الأنهارِ المهمة التي تتفرع مِنْ شطِ العرب باتجاه مركز مدينة البصرة، فضلاً عَنْ الأهميةِ المرتجاة مِنْ عملية التأهيل، جراء تعلقها بمهمةِ إعادة النظام الطبيعي إلى شطِ العرب وعلاقته مع نهري العشار والخندق.
نهرُ العشار أو (الأُبلّة) مثلما يشير إليه بعض المؤرخين، ضعفت وشائج صلته بشطِ العرب، وتراجعت جذوة المودة التاريخية ما بينهما بعد أنْ ساهمتْ سياسة الإهمال فِي تحطيمِ كثيرٍ مِنْ أواصرها، فكان أنْ اختفى البلم العشاري مِنْ فضاءِ هذا النهر، ومع مرورِ الأيام بدأ الانحدار بإجمالي أحواله فِي الاتساع، إذ لم يشفع لنهرِ العشار جماله الأخاذ أيام كانت البصرة تُتسم باسمِ عروس الخليج، ولم ينصفه امتداده الضارب بعمقِ التأريخ فِي الظهورِ بما ينبغي أنْ يكون عليه بعد أنْ غلب عليه إهمال ولاة الأمر، بالإضافةِ إلَى جفاءِ الأهل، فلا غرابة فِي تدهورِ أوضاعه واختفاء بريقه، إلا أنَّ ما يثير الاستغراب هو ركون المجتمع البصري المشهور بالطيبةِ والتكافل وحب الجمال إلى التكيفِ مَعَ بشاعةِ ما آل إليه المنظر العام للعشار عَلَى خلفيةِ افتقاد النهر كثيراً مِنْ أبنيته الأثرية والتاريخية الَّتِي كانت تحيط به، وكثرة الفعاليات الخاصة بإزالةِ بعض الأشجار القديمة الَّتِي كانت تغفو عَلَى ضفافه, إلى جانبِ تحولِ أغلب أقسامه إلى مكانٍ ميسورٍ لرمي المخلفات والأنقاض، الأمر الَّذِي جعله يماثل مِنْ ناحيةِ الشكل والمضمون أحد مكبات النفايات العشوائية المنتشرة بشكلٍ واسعٍ فِي بلادِنا، بالإضافةِ إلى ما أحدثه تراكمِ النفايات وتلوث مياهه نتيجة اختلاطِها بمياه المجاري مِنْ مشكلاتٍ صِحية وبيئية تسببت فِي جعلِ النهر مصدراً لبعضِ الأمراضِ. وَأَدْهَى مِنْ ذلك غياب المحاولات المفترضة لحكومةِ البصرة المحلية، فضلاً عَنْ منظماتِ المجتمع المدني، وَالَّتِي مِنْ شأنِها المساهمة فِي انتشالِ النهر مِنْ براثنِ الإهمال؛ لأجلِ إعادته إلى سابقِ عهده بصورته الجميلة الزاهية الَّتِي ألفها أهالي البصرة وزوارها، بوصفه رمزاً للجمالِ ومتنفساً لراحةِ الصدور، إلى جانبِ كونه مِنْ بين أهم أماكن الجذب السياحي فِي المحافظة.
يمكن القول أنَّ نهرَ العشار، واشقاءه الخمسة، والمتفرعة جميعها مِنْ شطِ العرب باتجاه مدينة البصرة، كانت حتى أواخر أعوام العقد الثامن مِنْ القرنِ الماضي تضفي عَلَى المدينة مسحة مِنْ الجمال، بالإضافةِ إلى إيجابيةِ مردوداتها البيئية، وَلاسيَّما دورها فِي تلطيفِ الجو المتمثل بأثرِها فِي تخفيفِ وطأة الحرارة خلال فصل الصيف، غير أنَّ الإهمالَ حولها منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم إلى ألعن مصادر تشويه مظهر المدينة!!.
فِي أمَانِ الله.
955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع