وفيق السامرائي
طيلة حرب السنوات الثماني، كانت الاستخبارات العراقية تتابع بشغف، خطب الجمعة المركزية في طهران، التي غالبا ما تسند إلى أبرز شخصيات الدولة، وفي المقدمة منهم رئيس الجمهورية وقتئذ علي خامنئي، ورئيس البرلمان هاشمي رفسنجاني، ورئيس مجلس القضاء الأعلى.
وحرص على متابعة خطب كبار المسؤولين أثناء زياراتهم الكثيرة لمناطق العمليات، التي تساعد على استنتاج المزيد عن محاور استراتيجية الدولة، خصوصا ما يتعلق بالنيات الهجومية والوضع المعنوي، حيث كانت خبرتهم في الخداع ومتطلبات الكتمان تنقصها المهارات الفنية. غير أن ما تحدث عنه علي أكبر ولايتي المستشار الأقدم للمرشد الإيراني علي خامنئي قبل بضعة أيام، في إحدى الفضائيات، أخذ تسلسلا عاليا من الأهمية، لأنه حدد بوضوح، معالم الاستراتيجية الإيرانية، حاليا ومستقبلا.
اعتبر ولايتي المفاوضات مع العراق، التي أعقبت وقف الحرب من المحطات الرئيسية في حياته. وبما أنني شاركت في كل جولات المفاوضات تلك في جنيف، فقد عايشت صعوباتها، إلى حد أن وزير الخارجية العراقي طارق عزيز اقترح على الرئيس عبر المراسلات السريعة، القيام بنشاط عسكري على الجبهة، للضغط على المفاوض الإيراني، وقد رفض المقترح احتراما لقبول العراق بقرار وقف القتال. وكان ولايتي محاورا هادئا ومثقفا، واعترض مرارا على مسميات المحمرة والخليج العربي، وقال بأنه سيضطر إلى تسمية شط العرب باسم فارسي «أروند رود».
وأظهر ولايتي في حديثه الأخير ولاء مطلقا لنظام ولاية الفقيه وللمرشد علي خامنئي، ويبدو أنه سيكون أحد أقوى المرشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة. وإذا ما تحقق له الفوز، فسيواجه العالمان الغربي والعربي، مؤسسة إيرانية متجانسة ومتناغمة عن إيمان عميق، لا سيما أن ولايتي يعمل في وظيفته الحالية منذ 16 عاما، قريبا إلى سياسات الحرس الثوري والمخابرات والمقرات المهمة المرتبطة بمكتب المرشد الأعلى. ولن تكون هناك تناقضات فوضوية في المواقف الخارجية والداخلية كما هو الحال في فترتي رئاسة أحمدي نجاد، وهو ما يعطي النظام الإيراني قدرة للعمل وفق استراتيجية أقوى نفوذا وتأثيرا، ويتيح له فرصا لاستقطاب بعض القوى.
من الملامح المهمة التي تحدث عنها ولايتي، تأكيده الالتزام بمساندة سلطة بشار الأسد حتى النهاية، ملقيا بلومه على دول إقليمية وأميركا وفرنسا، وتوقف عند قطر، متهما دولا بنقل مسلحين إلى سوريا، وملقيا بكرة التعامل مع القاعدة إلى خارج الملعب الإيراني. إلا أنه استخدم عبارات دبلوماسية دقيقة في تناوله للدور التركي، مشيرا إلى علاقات طيبة سابقة ومعرفة عميقة مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. ومحاولا التمييز بين طرف وآخر، بأسلوب يتفادى تجميع الخصوم في اصطفاف موحد. ومن الفقرات التي تفرض التوقف، تحدثه بطريقة ودية عن حركات الإخوان المسلمين في الدول العربية وتركيا، مركزا بشكل أساسي على مصر، التي ترك لها باب العلاقات مفتوحا، عندما يرى الرئيس مرسي أن الوقت بات ملائما لإعادة العلاقات بين البلدين، بعد تجاوز العقبات التي عبر عنها بطريقة غير مباشرة بالضغوط. وعلى غير المعتاد اعتبر عبد الناصر بطلا، إرضاء على ما يبدو للشطر الثاني من الشعب المصري وبقايا الناصريين العرب. كما تحدث بإيجابية عن إخوان تونس والسودان وفلسطين، وتأكيده دعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وطبعا حزب الله.
وحول الحراك الشعبي في مدن عراقية، أظهر تأييدا للحكومة المركزية، مشيرا - من دون توجيه اتهام مباشر للمتظاهرين - إلى ما يراه نشاطات لأعداء الشعب العراقي، وعبر عن قناعته بأن الحكومة قوية وستتمكن من التغلب عليهم. إلا أنه حاول تجنب التطرق إلى أي شكل من الإسناد المعتاد التحدث عنه من قبل قادة الحرس، لعدم وجود ضرورة تتطلب الخوض في هذا الجانب أصلا، كما هو الحال في سوريا. ومحاولة استقطاب الحركات الإسلامية السنية فضلا عن الشيعية.
لا شك في أن رؤية ولايتي المطولة والحساسة ستخضع لدراسات تحليلية مفصلة من قبل أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، وقد تترتب على ذلك إجراءات سرية لتشجيع تحركات شعبية على هامش ضغوط اقتصادية مضافة للعقوبات المفروضة، وربما التعاطي الفعال مع منظمة «مجاهدين خلق» ذات النفوذ التنظيمي القوي، وغيرها، بعد أن ثبت تخلي الولايات المتحدة عن دورها الخارجي في استخدام القوات المسلحة على نطاق واسع، وإحجامها عن تقديم الدعم لحلفائها في عمليات مجابهة واسعة.
1423 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع