رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ح29
الوضع السياسي الحالي في العراق
عام
يبدو أن الأزمة السياسية التي هزت العراق طوال أشهر العام الحالي 2012 قد هدأت الآن بعض الشيء وربما بدأت تتجه نحو الحل (المؤقت) على اعتبار أن العراقيين تعودوا منذ تشكيل العملية السياسية الحالية في العراق عام 2003 على الأزمات، حيث ما أن تنتهي أزمة حتى تأتي أخرى محلها تنسي العراقيين والسياسيين في وقت واحد سابقتها، في ظل وضع أمني متدهور، لذلك باتت الحلول الوقتية وكذلك عملية ترحيل الأزمات هي الطابع السائد في العملية السياسية، لأن السياسيين العراقيين يفتقدون تماماً إلى الحل النهائي لأزماتهم نتيجةً لحالة فقدان الثقة في ما بينهم، إذ إن كل طرف ينظر إلى مصلحته من دون النظر إلى المصالح العامة للبلد (العراق) الذي ما زال يعيش واقعاً مريراً في الجوانب السياسية والخدمية والاقتصادية والأمنية.
توصيف الوضع السياسي العراقي الحالي
لو تفحصنا جيداً الأسباب التي أدت إلى حصول هذا الهدوء الأخير الذي شهدته الأزمة السياسية لوجدناها عديدة :-
1. قناعة أطراف الأزمة الأخيرة والتي تمثلت برغبة الكتلة العراقية والتحالف الكردستاني وكتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري بسحب الثقة عن رئيس الحكومة العراقية (رئيس مجلس الوزراء) نوري المالكي، ورفض هذه المحاولة من قبل التحالف الوطني بأن ليس باستطاعة أي طرف تحقيق مراده في هذه المرحلة على أقل تقدير.
2. استمرار الوضع غير المحسوم سيؤدي إلى انهيار العملية السياسية برمتها خصوصاً بعد أن رفض المالكي (رئيس مجلس الوزراء) ورئيس حزب الدعوة الحاكم الاستجابة لطلبات بعض النواب في الطرف الراغب في سحب الثقة عنه بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة (رئاسة مجلس الوزراء).
3. تهديد المالكي (رئيس مجلس الوزراء) باللجوء إلى خيارات أخرى منها تجميد العمل بالدستور أو حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أو الذهاب إلى الاجتماع الوطني الذي دعا إليه الرئيس جلال الطالباني الذي وقف بقوة إلى جانب المالكي تحت التأثير الأيراني وحيادية الطرف الأميركي المشغول بالانتخابات الأميركية.
4. تخوف المرجعيات الدينية وبتأثير إيراني من هيمنة الزعامة الكردية الموالية للسياسة الأميركية والمتمثلة بالبرزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. لذلك أفصحت المرجعية الدينية عن مخاوفها بأن شيعة العراق سيكونون رهينة بيد القادة الأكراد السنة، حيث يعرف كل ساسة العراق مدى التأثير الكبير للمرجعية الدينية على الشيعة العراقيين والأحزاب الشيعية، لذلك خفف المعارضون الشيعة للمالكي من جهودهم هذه واتجهوا نحو التهدئة.
5. الأطراف الراغبة في سحب الثقة من المالكي (رئيس مجلس الوزراء)، لم يتفقوا على أي شيء يمكن أن يضمن للشعب العراقي توفر قيادة وطنية تحظى على الثقة في مرحلة ما بعد المالكي، وهذا الأمر قد أكده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إذ قال في مؤتمر صحفي، ((إننا لم نتفق على أي شيء سواء أن يكون بديل المالكي من كتلة التحالف الوطني حصراً)) بالوقت الذي أثبتت الكتلة العراقية أنها كتلة مفككة وضعيفة منذ فشلها في الدفاع عن نائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي الذي أتهم بالإرهاب، رافق ذلك بناء الجسور الخلفية للعديد من قيادتها مع المالكي ومع إيران.
6. المفاجأة غير المتوقعة لعموم العراقيين المصالحة التي حدثت مع القيادي المهم في العراقية رئيس البرلمان (اسامة النجيفي) عندما قام رئيس مجلس الوزراء المالكي وبرفقة وفد من ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه بزيارة رئيس البرلمان العراقي في مكتبه في بغداد وهذه الزيارة وحسب الكثير من الضالعين بالشأن العراقي قد أطلقت رصاصة الرحمة على مشروع سحب الثقة عن المالكي (رئيس مجلس الوزراء) وأمين عام حزب الدعوة.
7. المفاجأة الأخرى هذا التصالح السريع لنائب رئيس الوزراء الدكتور صالح المطلك (البرامغاتي) مع المالكي الذي طالما أتهمه بالدكتاتورية، وكان ذلك تحت تأثير من القيادي في العراقية جمال الكربولي الذي سبق وأن قدم تعهد خطي لمدير مكتب (علي خامنئ) من خلال شقيق وزير الصناعة عند مرافقته للمالكي (رئيس مجلس الوزراء) خلال الزيارة الأخيرة لطهران لدعم المالكي وأعطاء الولاء لإيران، بالوقت من المحتمل تشكيل تحالف انتخابي بين الطرفين لغرض الدخول به في انتخابات مجالس المحافظات التي من المؤمل أن تقام نهاية العام الحالي.
8. شعور جميع الأطراف المتناقضة أن بقاء الأزمة سيؤدي إلى حصول تداعيات كبيرة جداً في العراق في ظل الأوضاع المتردية في سوريا، وهذه التداعيات قد تؤدي إلى نسف العملية السياسية التي جميعا مستفيدين منها على حساب مصالح الوطن والشعب العراقي.
9. الرعب الذي أصاب القوى الشيعية الحاكمة في العراق والمرتبطة بإيران على ضوء أنهيار وشيك للنظام السوري، مما تطلب رص الصفوف، مما دعى المالكي لدعوة كل ضباط الجيش السابقين للألتحاق أو لمنحهم حقوقهم المسلوبة كي لا يكونوا بالطرف المقابل إذا ما أنهار نظام بشار الأسد وظهور كتلة عراقية وطنية مناوئة معظمها من السنة العراقيين وضمنهم ضباط كفوئين من الجيش العراقي الأصيل.
10. الأمر الذي يؤكد أن المالكي (رئيس مجلس الوزراء) نجح في تمييع قضية الاستجواب وسحب الثقة منه وخرج من الأزمة وهو أكثر قوة وشعبية لدى الجماهير العراقية وخصوصاً في ساحة جماهير الكتلة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي نتيجة ضعف قادتها وأنقساماتهم المستمرة.
11. التحالف الكردستاني الذي كان المحرك الأول لعملية سحب الثقة عن حكومة المالكي فقد بدأ موقفه يتجه إلى الصمت خصوصاً القيادة الكردية التي كانت في بداية الأزمة بين أسبوع وآخر تشن هجوماً عنيفاً على المالكي وتتهمه بـ (الدكتاتورية وتهميش الآخرين وقيادة البلد إلى المجهول)، حيث لم نسمع أي هجوم يذكر من القيادة الكردية اتجاه المالكي (رئيس مجلس الوزراء) منذ أن رفض الرئيس العراقي جلال الطالباني توقيع رسالة سحب الثقة وإرسالها إلى رئاسة البرلمان العراقي، حيث إن بعض أعضاء التحالف الكردستاني بدأوا يشعرون أنهم خسروا المعركة مع المالكي وربما سيبدأ المالكي معركة اقتصادية ضدهم (إقليم كردستان) وقد بدأت بوادر هذه المعركة عندما رفضت الحكومة العراقية قيام حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط الخام إلى تركيا.
12. أما التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر فما زال يحاول وبقوة مسك العصا من الوسط، فمرة نجده يؤكد ضرورة سحب الثقة من الحكومة ومرة أخرى يدعو إلى الإصلاحات، وأن القاعدة الشعبية للتيار الصدري حصل فيها نوع من التراجع جراء الأزمة الأخيرة والظهور القوي لتنظيم عصائب أهل الحق مؤخرا بقيادة الخزعلي. لذلك بدأ الصدريون يتجهون إلى تحقيق بعض المكاسب من خلال لجنة الإصلاح التي شكلها التحالف الوطني لحل الأزمة السياسية، وأبرز نقطة يريد الصدريون الحصول عليها هي تمرير مشروع داخل البرلمان العراقي يحدد ولاية الرئاسات الثلاث بولايتين فقط، إلا أن ائتلاف دولة القانون رفض هذا المشروع وأكد أن الدستور العراقي لم يحدد عدد ولايات رئيس الوزراء، وبالتالي فإن أي تحديد يحتاج إلى تعديل دستوري ولابد أن يخضع إلى استفتاء شعبي .
13. أما التحالف الوطني الذي وقف بقوة إلى جانب المالكي في معركة سحب الثقة، فقد وجد أخيراً أن بقاء المشاكل العالقة بين الكتل السياسية وبين الحكومة من جهة وبين الحكومة الاتحادية والإقليم الكردي من جهة أخرى من دون حلول جذرية ربما سيؤدي في يوم من الأيام إلى انهيار العملية السياسية. لذلك وضع حلولاً لعدد من المشكلات من خلال لجنة الإصلاح التي ستبدأ مشاوراتها مع الكتل الأخرى قريبا، إلا أن هذه اللجنة وجدت رفضاً من قبل زعيم الكتلة العراقية إياد علاوي في التعامل معها، في حين دعا أعضاء في العراقية إلى تطبيق كل بنود اتفاقية أربيل قبل التعامل مع هذه اللجنة، بينما وجدها آخرون في العراقية بأنها تمثل خطوة جيدة للخروج من شرنقة الأزمة الحالية .
14. من الظواهر الخادعة أن الأوضاع تشير إلى أن أزمة سحب الثقة تتجه نحو الحل وستكون لجنة الإصلاح وبالتعاون مع الكتل الأخرى من المساهمين في إيجاد الحلول لبعض الأزمات وترحيل ما تبقى منها إلى البرلمان المقبل والحكومة المقبلة أيضاً، لأن جميع الكتل السياسية باتت على يقين شبه تام بأن سحب الثقة من المالكي (رئيس مجلس الوزراء) وأمين عام حزب الدعوة في الوقت الراهن قد أنتهت لصالح المالكي، لذلك فضلت التهدئة على حساب التصعيد.
15. ذات الوقت الذي تشهد أسطنبول وأربيل حراك سياسي لرص صفوف السنة العراقيين تحت مظلة مرجعية دينية سياسية ذات واجهات عسكرية وأمنية واقتصادية، قد لا يكتب لها النجاح في ظل ظروف محلية وأقليمية ودولية يشوبها غموض كبير ويعتبر ذلك من جهة أخرى النهاية السياسية للكتلة العراقية.
16. بشكل عام أن من الضرورات أعادة الثقة بالسياسة الأميركية في العراق التي باتت شبه معدومة.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان – الأردن، 8/8/2012
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/maqalat/16810-2015-05-23-23-26-05.html
2128 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع