أطال الله في عمر (شحرورة الوادي صباح) فوق ما هو طويل، والله يسعدها فوق ما هي أسعدتني في ليلة ماتعة لا يمكن أن أنساها. وذلك في زمان مضى عندما كنت في لبنان خالي الوفاض من أي هموم، ولا يهمني غير (البسط) أولا وأخيرا ولا شيء غيره، ولو أن أحدا طلب مني وقتها، في آخر الليل تحديدا، أن أشرب ماء البحر الأبيض بكامله، فلن أتورع عن خلع ثيابي والقفز من صخرة (الروشة) لأشرب منه إلى أن أنسطح ثم تنفقع حوصلتي.
أعود إلى (الصبوحة) لكي لا يهرب مني الموضوع، وأقول:
بينما كنت جالسا باسترخاء لذيذ مع إنسان عزيز إلى قلبي، طلب مني أن نذهب إلى حفلة لها في (دير القمر)، وتمنعت لأن المسافة طويلة، ولكن ما إن قال (كرمال عيوني) لازم نذهب، عندها هانت لي الدنيا وقصرت المسافات، ولو أن ذلك الإنسان طلب مني الذهاب إلى سور الصين العظيم للبيت طلبه كرمال العوينات الحلوات.
المهم ضربت حالي (بالشيطان الرجيم) - أي (تشيكت) وتهندمت وتعطرت، وأخذنا التاكسي إلى هناك، وأذكر وقتها أنني (كعيت) 150 ليرة لقاء المشوار - عندما كان سعر الليرة ريالين - الله لا يبارك لسواق التاكسي فيها.
كان دير القمر اسما على مسمى، لا أكذب عليكم أن البدر ليلتها كان ساطعا في كبد السماء، وكأني به يقول لسكان الأرض جميعا: تعالوا واحضنوني يا أيها الأنذال.
وغنت (الشحرورة) وقتها كما لم تغن مطلقا.
وما إن بدأت تصدح (بالمواويل) حتى تمايل رأسي من دون سابق إنذار، وما إن أتبعتها بصوتها الشجي قائلة:
«هات المجوز يا عبود، ورقص أم عيون السود»، حتى طارت البقية الباقية من عصافير عقلي، وذهب وقاري المصطنع (كومبليتلي)، واستخف بي الطرب، متخيلا أنها تنادي مشعل لا عبود، ولم أفطن لحالي إلا وأنا أقفز على (البست) مع من قفز، وهات يا رقص، أو بمعنى أكثر صدق وصراحة: هات يا عرضة، ولم يكن ينقصني ساعتها غير (الدقلة والسيف والمجند والمحزم والجنبية).
من الصعب أن أحكي لكم تفاصيل تلك الليلة وما داخلها من أحداث لطيفة وغير لطيفة، لأن تلك من خصوصياتي التي لا يمكن أن أبوح بها لأحد، لا خوفا من الفضيحة لا سمح الله، ولكن خوفا من الحسد لا أكثر ولا أقل. غير أن ما ذكرني بها، وأرجع (العداد) عندي للوراء لتلك الأيام الخوالي، هو قراءتي لمقابلة مع صباح تتحدث فيها عن والدتها، مؤكدة أنها أشبه ما تكون بالقديسة، وأنها ماتت وهي قريرة العين.
ولكن مجلة قديمة عندي وجدت فيها هذا الخبر:
«حدث في مساء الأحد الماضي أن كانت والدة شحرورة الوادي - الممثلة السينمائية صباح - مع صديق لها في برمانا، وعلم شقيق صباح (أنطوان) بالأمر وفاجأ أمه وصديقها معا، فأطلق على الصديق الرصاص فأرداه قتيلا، وهربت أمه فلحق بها وأطلق عليها رصاص مسدسه فسقطت قتيلة، وفر إلى بيروت، وبوشر التحقيق».
ولا أدري، أصدق مين وَللا مين؟! غير أنني لا أستبعد، بحسن نية، أن ذلك الخبر غير صحيح، وأنه (مفبرك).
عموما، رحمهم الله جميعا،وأطال الله في عمر(الشحرورة) ، وعمر أحد القراء كذلك.
1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع