الشهاب الحسني البغدادي
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )[الإسراء: 1]
من عجيب الاحداث وصروف الزمن الغادر منذ الاحتلال ووصول شراذم ذليلة مجللة بالعار والشنار الى كراسي الحكم بدءا من مجلس الصم والبكم حتى حكومة ابن طويريج الثانيه.... فعندما تتسلق الأمم القمم تكون جميع الأحداث حاضرة ومهمة في ذاكرتها وعند انحدارها تغيب ذاكرة الأمة عن كل شيء .. فصعود القمم يختلف عن نزولها ..
ففي يوم .. الثلاثاء 27 آيار 2014 ميلادى المصادف 27 رجب 1435 مرت ذكرى الاسراء والمعراج دون أن يشعر بها أحد في العراق ، لانها استلبت من قبل (هذه الشرذمة ) ككل الأحداث الفاصلة في تاريخ الأمة.
وياليت شعبنا المغلوب على امره ان يدرك ان هذه الشرذمة الفاسده هي السبب في تدمير العراق الذي اصبح في زمن هولاء الخونه مضرب الامثال في سفك الدماء والتضييق على الشعب وسرقة ثرواته فالذي يعانيه ابناء الانبار يعانيه ابن ذي قار والقادسيه وميسان وبغداد والبصره والموصل وصلاح الدين فهم يشربون السم الزعاف من مجرم يريد ان يترك العراق اطلالا ينعب فيها البوم ليقف على اطلالها.. فياشعبنا الجريح ضعوا ايديكم في ايادي بعضكم لانقاذ العراق من محنته التي عاشها منذ الاحتلال.. لاتستمعوا الى دعاة الطائفيه فهي تمزق هذا الشعب المبتلى بهولاء الخونه الذين جاءوا على ظهور دبابات الاحتلال.. فألى متى السكوت ودفن الرؤوس بالرمال ومصير البلد على كف عفريت.؟ هل من سامع او مجيب؟.فاني أسْمَعَـتْ كلماتـي مَـنْ بـه صَمَـمُ..........
الذكرى العطرة:
لي فيك يا ليل آهات أرددها
أواه لو أجدت المحزون أواه
لا تحسبني محباً أشتكي وصباً
أهون بما في سبيل الحب ألقاه
إني تذكرت والذكرى مؤرقة
مجداً تليداً بايدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها
وبات يحكمنا شعب ملكناه
هل تطلبون من المختار معجزة
يكفيه شعب من الأجداث أحياه
عبقَ الذكرى العطرة، ذكرى الإسراء و المعراج، وهي إحدى النفحات التي يكرم بها الله أمةَ الإسلام، وهي الآن في مسيس الحاجة إلى أن نتعرض لها ونتدبر فيها، ونستمد منها الدروس والعبر، ونفيق من غفلتها، وننهض من كبوتها، ومن هذه الدروس:
تولد المنح من رحم المحن، وبعد العسر يأتي اليسر، وقد تعرض رسول الله ـ صلى لله عليه وآله سلم ـ لمحن كثيرة ومع ذلك كله فرسول الله ـ صلى الله عليه وآله سلم ـ ماض في طريق دينه ودعوته، صابر لأمر ربه . . فجاءت رحلة الإسراء والمعراج مكافأة ومنحة ربانية ، على ما لاقاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من آلام وأحزان، ونَصَب وتعب، في سبيل إبلاغ دينه ونشر دعوته .
تعد معجزة الإسراء والمعراج آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، أكرم الله بها نبيَّه محمد .
إنها رحلة الإسراء والمعراج التي أرى اللهُ فيها النبيَّ عجائب آياته الكبرى، ومنحه فيها عطاءً رُوحيًّا عظيمًا؛ وذلك تثبيتًا لفؤاده، ليتمكَّن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتكون تمحيصًا من الله للمؤمنين، وتمييزًا للصادقين منهم، فيكونوا خَلِيقين بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، وجديرين بما يحتمله من أعباء وتكاليف.
أمَّا الإسراء: فهي تلك الرحلة الأرضيَّة وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقُدْرَة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1].
من عجائب ما رأى الرسول في إسراءه نوجزه في مشهدين:
الاول: المجاهدون في سبيل الله : رءاهم بصورة قوم يزرعون ويحصدون في يومين .
رأى فئات لهم زرع بدا نضرا
وكلما حصدوه ضوعف الثمر
فقال من هؤلاء القوم قيل له
أهل الجهاد لهم ضعف الذي بذروا
ليعلم الناس أن الحرب أولها
مر وآخرها الجنات والسكر
الثاني: خطباء الفتنة : رءاهم بصورة أناس تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار. فسأل: من هؤلاء يا جبريل: فقال هم خطباء الفتنة. الذين يبررون لكل ظالم ظلمه. ويجعلون دين الله خدمة لأهواء البشر. فهم يبررون ما يقع. ولا يدبرون ما سيقع.. ذلك أن الدين ليس لتبرير أهواء البشر ولكن الدين هو لتدبير أمور البشر.
هؤلاء الذين يسيئون للدين، متسننا كان ام شيعيا ، فأتبعوا أهواءهم وجعلوا من أنفسهم أداة يُبَرر بها سفك دماء العراقيين، فصدقوا على التهم التي ألصقتها حكومة المالكي على الثوار في الرمادي وباقي المحافظات ظلما وبهتانا، وحرضوا ضدهم على منابر المساجد والحسينيات ، فصدقهم البسطاء المنقادون كالقطيع عن ظاهر الدين دون وعي، فجعلوها فتنة بين أبناء الشعب الواحد، وكل ذلك تلونا ونفاقا، لإرضاء (مختار العصر)،ومتبوعه (الولي الفقيه) فمن افتى وهلل لصدام وحرم الخروج عليه من قبل، هو نفسه من افتى وهلل للاحتلال وحكومة عصر الكهانة ودعا على المنابر يحرم الخروج عليها الآن، فاللعنة على كل من وقف حائلا بين هذا الشعب وبين حريته.
وأمَّا المعراج :فهو الرحلة السماويَّة والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى:{وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا َغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:13-18].
من عجائب ما رأى الرسول في المعراج وحصل له نوجزه:
1_ البيت المعمور : وهو بيت مشرف في السماء السابعة وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض ، كل يوم يدخُلُهُ سبعون ألف ملكٍ يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبداً .
2 _ سدرة المنتهى : وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله ، يغشاها فَراشٌ من ذهب ، وأصلها في السماء السادسة وتصل إلى السابعة ، ورءاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في السماء السابعة
3_ الجنة : وهي فوق السموات السبع فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشر مما أعدّه الله للمسلمين الأتقياء خاصة ، ولغيرهم ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم .
4 _ العرش : وهو أعظم المخلوقات ، وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله . وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملائكة ، ويوم القيامة يكونون ثمانية .
5_وصوله إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام :انفرد رسول الله عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ .
6_سماعه كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر.
هناك حيث رأى ما لا يكيفه
عقل أو يحتويه في الورى بصر
وكلم الله طه حيث خاطبه
من غير وحي وصح الخُبر والخبر
تبارك الله لا ند يشابهه
و لا شريك و لا صحب و لا وزر
توقيت الرحلة الكبرى:
وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة، وكان زمنها قبل الهجرة بسَنَةٍ. على أنه أُثِيرَ حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عِدَّة، فيما إذا كانت قد تمَّت هذه الرحلة بالرُّوح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمَّت؟
وقع حادث الإسراء والمعـراج. واختلف في تعيين زمنه على أقوال شتى:
1 ـ فقيل: كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله فيها بالنبوة، واختاره الطبرى.
2 ـ وقيل: كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 10 من النبوة.
كان الإسراء والمعراج قبل الهجرة بثلاث سنين على الأرجح، وأكثر العلماء على أنه في شهر رجب والعلم عند الله، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم جاءه الملك ليشق صدره، ويخرج قلبه، وغسل القلب الطاهر الشريف في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، وقدم له البراق ينتهي حافره حيث ينتهي طرفه، وكان معه جبريل، وقد ارتحل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكل ذلك كان في برهة من الليل.
والفرق بينهما أن المسجد الأقصى مكان مبارك ومقدس، لكن مكة والمدينة حرم، ولا يقال للمسجد الأقصى إنه حرم إلا من باب التغليب، وإنما ورد في الشرع أن الحرمين اثنان:
مكة والمدينة، وأما بيت المقدس فهي أرض مباركة، قال الله:
) الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف:137]، وهناك فرق بين كونها مباركة وبين كونها حرماً، فلا يمنع الصيد بالمسجد الأقصى ولا في قاعة بيت المقدس، أي: في مدينة القدس اليوم، بخلاف مكة والمدينة فإنهما حرم، لكن يجوز من باب التغليب عندما نشركها سوياً كأن نقول: المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، فباب التغليب باب واسع.
وهكذا يقال عن مكة ومدينة: المكتان؛ على أن مكة أفضل عند جمهور العلماء خلافاً لـمالك ومن يرى رأيه أن المدينة أفضل.
الحكمة من عروجه صلى الله عليه وآله وسلم
ويبقى السؤال لماذا عرج به صلى الله عليه وآله وسلم؟
نعلم أن من الأجوبة: أنه احتفاء به، لكن الجواب الأهم أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبلغ عن الله رسالاته، وناصح له في ذرياته، وهو آخر الأنبياء، فلا بد أن يكون هذا النبي الذي سيبلغ على يقين بما يقول، فرحلة الإسراء والمعراج أطلعت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عما يخبر عنه، فكان عليه الصلاة والسلام عندما يتحدث عن الجنة يتحدث عنها وقد رآها عياناً، وعندما يحذر من النار يتحدث عنها وقد رآها عياناً، وبهذا يعظم حديثه وأثره في الناس؛ لأنه خارج من قلب شاهد ورأى، ولهذا قال الله في النجم: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) [النجم:11]، فأسند الرؤية إلى فؤاده صلوات الله وسلامه عليه، وهذه خصيصة، وكأن الله أشار في القرآن أنه قد أعطاها إبراهيم، قال الله جل وعلا: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام:75].
ومثلت لحبيب الله أمته
وواجهته لدى إسرائه صور
أراه ربه من مكة للشام طائفة
من الخلائق للواعين مدكر
رأى وشاهد في أسرائه صورا
تسمو بها النفس في الدنيا وتعتبر
وعلى ماذكرنا يمكن أن نفسِّر حادث الإسراء والمعراج؛ "فالرسول لم يتحدَّ أحدًا بهذه الرحلة، ولم يطلب من المشركين أنْ يُعَارِضُوه فيأتوا بمثلها، ولذلك: إنها معجزة على سبيل المجاز؛ فهي أمر خارق للعادة، ولكنه لم يكن للتحدِّي، ولم يرَهُ الناس بأعينهم حتى يؤمنوا به كإحدى معجزات النبوَّة،لكنها ستظل معجزة ومدرسة للمسلمين، يستلهمون منها الدروس والعبر، حتى يحققوا قول الله فيهم:
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ ِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (آل عمران:110) ..
أحيانا الله وإياكم على سنة محمد وإبراهيم، ورزقنا الله وإياكم التوفيق.
اهمية المسجد الاقصى
للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الانبياء جميعاً قبل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.
ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام، و المسجد النبوي والمسجد الأقصى قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :
(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )( البخاري ).
وفي ذلك توجيه للمسلمين بأن يعرفوا منزلته، ويستشعروا مسئوليتهم نحوه، بتحريره من أهل الكفر والشرك.. نسأل الله تعالى أن يطهره من اليهود، وأن ترفرف راية الإسلام مرة ثانية على القدس، وغيرها من بلاد المسلمين
فكم من الوقت سنقضي ونحن نستصرخ بالمعتصم وصلاح الدين ؟؟
وكيف سنقف على أبواب هذه الذكرى وهي تمر وتمضي وساحات البراق تعاني من الأذى والتغريب والتهويد ما تعاني ؟؟
إلى المسجد الأقصى وأحبته في كل مكان ...
أمام مئات القصائد التي توقفت عند ذكرى الإسراء والمعراج ، كان لا بد أن تكون القوافي قد عاشت نكبة فلسطين ، وتغنت بالمجاهدين السائرين على درب الحبيب المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم .
أردنا أن نُطلق صرخات المسجد الأقصى وهو يستغيث وينادي أبناءه في ظل التهديد الصهيوني المتواصل ، ولذلك فإنّ القصائد هنا هي غناء في فضاء الوجع والأمل ، وإيمان بأن الإسراء والمعراج هو إسلامي ، ببراقه ومسجده وتاريخه ....
وإنا لمنصورون مادام عندنا يقين وإيمان يغذيهما صبر وإيماننا بالله أكبر ناصروحجتنا قول الكريم : وما النصر
إليهم قصائد الشعراء في ذكرى الإسراء ..لعلّ بعضها يكون أناشيد حين ندخل المسجد فاتحين محررين ...
استحوذت معجزة الإسراء والمعراج على نصيب كبير من الشعر الإسلامي بصفة عامة، والمدائح النبوية بصفة خاصة، واستولت على مخيلة الشعراء، وتجلى هذا بصورة واضحة وبشكل بارز في توظيف هذه المعجزة الباهرة في بنية القصيدة العربية شكلا ومضمونا، وفرضت المعجزة الخارقة والآية الخالدة نفسها فرضا على بيوت الشعر وقوافي القريض، ضافية روحانية إيمانية على العاطفة الشعرية، فاتحة ضفاف سماوية على الخيال والصور البيانية.
ومن أبرز هؤلاء الشعراء الذين استلهموا معجزة الإسراء والمعراج وما فيها من آيات باهرة، بعدما سيطرت على وجدانهم، وتمكنت من خلدهم شاعر الإسلام وأمير الشعراء أحمد شوقي، الذي"سيطرت خلفيته الدينية على فكره ونظمه وسلوكه، فكان يهتبل أية فرصة ليذود عن الإسلام وأبنائه، حتى عرف، منذ فترة مبكرة بأنه شاعر الإسلام[1]. ذلك اللقب الذي كان يفضله على لقب أمير الشعراء الذي بايعه به الشعراء في مؤتمر أقيم خصيصا لهذه البيعة الأدبية، حيث قال صراحة لصاحب مجلة المعرفة الذي كان يلقبه بشاعر الشرق والإسلام: "إن قولك عني إني شاعر الإسلام لأحب إلي من هذا اللقب الرنان الذي يطلقه الصحفيون علي، ذلك أني أتمنى أن أكون شاعر الإسلام حقا".
وقد خلّد شوقي شعره بذكرى الإسراء والمعراج حين قال في "نهج البردة":
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكة
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرتَ به التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
مستلهما ومسترشدا بقوله تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )[الإسراء: 1]
ومشيرا إلى اجتماع الأنبياء في المسجد الأقصى وصلاتهم خلف سيد المرسلين وإمام المتقين، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
صلى وراءك منهم كل ذي خَطَرٍ
ومَن يفز بحبيب الله يأتممِ
لما خطرتَ به التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
ويعرج شوقي إلى معراج النبي وإلى البراق الذي وُصف في الحديث الشري
) بأنه دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، إلا أن خيال شاعرنا الصادق وحسه النابض يضفي عليه صفة العز والشرف:
ركوبة لك من عز ومن شرف
لا في الجياد ولا في الأينق الرُّسُمِ
وتتجلى صوفية شوقي عندما يؤكد على انكشاف خزائن العلم وأسرار الحكمة للنبي الأمي معلم البشرية، وكأنه يحيلنا لقوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)
ولا تقف صوفية شوقي عند هذا الحد بل تتجاوزه عندما تعلن أن النبي هو مَن خطط للدين والدنيا علومهما حينما لامس القلم واستلم العرش.
وقيل كل نبي عنـد رتبته
ويا محمد هذا العرش فاستلم
وفي إيجاز بليغ يرد على المرجفين والمتشككين في هذا الحادث الجلل فيُذكرنا بقدرة القدير، العلي الكبير، سبحانه وتعالى:
فضل عليك لذي الجلال ومنّة
والله يفعل ما يريد ويشاء
وحادثة الإسراء والمعراج حادثة جليلة مبنىً ومعنىً، وقد كانت ميزاناً خصباً لكثيرٍ من المادحين الذين مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأحدهم يقول مستلهما ذكرى الاسراء والمعراج في قصيدة عصماء:
يا سائلي عنْ قصَّة ِ الإسراء ِ
القدسُ مسرى صاحبِ الأسماء ِ
القبلة ُ الأولى وثانيَ مسجد ٍ
لله ِ أنشئ َ فوقَ خير ِ ثراء ِ
سنَّ َ الرسول ُبأنْ تُعَدُّ رواحلٌ
يا مسجدَ البركات ِ والأفياء ِ
قد سبَّحتْ فيكَ الملائك ُ ربَّها
فإذا ببابك َ مصدرُ اللألاء ِ
ودَعَت إله َالعرش ِأن يهب َالحمى
فيضاً منَ الأقداس ِ والأنداء ِ
قالَ انظروا إني اصطفيتُ من الورى
خلقاً وهذا البيت َ في الأشياء ِ
أرض ُ الرِّباط ِ وقبلة ٌ أولى لهمْ
والحشر ُ فيه ِ ومدرجٌُ الشهداء ِ
اللهُ أكبر ُ يا بُشـارة َ أحمد ٍ
عُقدت ْ إمامتهُ لخير ِ لُواء ِ
يسهو لك َ الجفن ُ المعطَّرُ بالسّنا
لَسعادة ٌ أفضت ْ إلى إغفاء ِ
يا مهبط َ الأديان ِ أنت ِ الملتقى
دار ُ السلام ِ ومنبت ُ الحكماء ِ
والله ُ عوَّضَها براية ِ مسلم ٍ
وقضى عليهمْ في الورى لِعَناء ِ
شاهتْ وجوه ُالكاذبين َفما لهم
غير ُ العذاب ِ وذلَّـة ُ الجبناء ِ
أهل ُ الخيانة ِ والنذالة ِ خسَّة ٌ
في الطبع قدْ جبلوا على الأهواء ِ
لم يستحقوها ولا هم كفؤها
كذبت يهود ُ بمنطق ِ الإلغاء ِ
والله ُ أخزى مكرَهم وفسادَهم
فسهامهم لتشتُّت ٍ وفناء ِ
ما أشبه َالأمسَ الذي بَصُرَتْ به ِ
باليوم ِ والتاريخ ُ في إحياء ِ
يا أهل َمقدس َ قد تبارك َموطن ٌ
فيه ِ الكرامة ُغرَّة ُ الإبلاء ِ
فيكم حمية ُ يعرب ٍما قد خبت ْ
وَلَذكركم شهب ٌ على الجوزاء ِ
لكن َّ أقدارا ً تسير ُ بسابق ٍ
من علم ِ ربِّ الكون ِ أوْ بقضاء ِ
منْ قال إنَّ الروم َ شادوا دولة ً
بالعدل فهو َ بما يقول ُ مرائي
فالروم ُ ما عرفوا ْ الحضارة َ إنما
هي قوة ٌ عمياء ُ في عمياء ِ
ملئوا الديار َ ببطشهم وضلالهم
فتَمَثَّلوا في الصفحة ِ السوداء ِ
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتها
جاء َ البشير ُ يذيع ُ في الأرجاء ِ
هذا هو الفاروق ُ هبَّ ملبيا ً
ليقرَّ مبدأ رحمة ٍ وجزاء ِ
أمضى الجيوش َإلى الشآم ِفواتحا ً
بالعدل ِ لا بالقهر ِ و الشّحناء ِ
يدعون َ للإسلام ِ وعظاً ليناً
ويبيِّنون َ الحقَّ للعقلاء ِ
أو أحجمت ْ فلجزية ٍ مدفوعة ٍ
هيَ ذمَّة ُ الإسلام ِ والخلفاء ِ
هذا الخليفة ُ قدْ أهل َّ فمرحبا ً
بالفتح ِ يُشرق ُ منْ ُربىً غنّاء ِ
وإذا به ِ للقدس ِ أوَّل ُ فاتح ٍ
بعد َ الأمين ِ وليلة ِ الإسراء ِ
خفَّت إليه ِالقدس ُ عند َ شروقه ِ
فرحا ًونار ُالشوق ِ في الأحشاء ِ
خالوه ُ خادمه ُ لفرط ِ نزاهـة ٍ
في الحكم ِ أوحسبوا لفرط ِحياء ِ
يمشي ويركب ُ غيره ُ لعدالة ٍ
والكلُّ مفتدي ٌ أعزَّ فداء ِ
لله ِ درُّك َ عهدة ٌ عمرية ٌ
وشمائل ٌ شفَّتْ عنِ الإبداء ِ
من ْ أي ِّمدرسة ٍ تخرَّج َ يا تُرى
من دار ِ كسرى أمْ يد ِ الحكماء ِ
حاشاه ُ بلْ منْ خير ِصحب ِمحمد ٍ
أكرم ْ بهمْ من ْ سادة ٍ نجباء ِ
بيديه ِيمسح ُ صخرة ً قد داسها
خيرُ الهدى في الليلة ِ القمراء ِ
تاريخ ُ أيام ِ الملوك ِ قد ِ اختفى
خجلا ً منَ الفاروق ِ والفُقهاء ِ
أخلاقهم أندى وأسمى سعيهم
لله همْ في الصفحة ِ البيضاء ِ
أيَّ الخلائق ِ قد زرعت َ محمداً
في عصبة ٍ ربيت ْ على الإصغاء ِ
والحكم ُ عدل ٌ فارس ٌ متمترس ٌ
خلف َ الكتاب ِ وماثل ٌ لقضاء ِ
تاريخنا أنقى وأبلغ ُ حجة ً
لكنَّ آذانا ً على استحياء ِ
يا سوْء َ أحفاد ٍوسوْءة َ جاهل ٍ
نسب ٌ نبا أو فرية ُ النسباء ِ
أتُرى يعون َاليوم َ درسَ كرامة ٍ
أم صبحهم ْ لم ْ يختصمْ لمساءِ
هي محنة ٌ أخرى تخبِّيء لوعة ً
منْ فتنة ٍ هي أخطر الأدواء ِ
هي فتنة ُ الصُّلبان ِ أنّى تنتهي
ظني يهود َ محرِّك َ الغوغاء ِ
والصبر ُ عيلَ فهل لها من فرجة ٍ
منْ حال ِ ضرّاء ٍ إلى سرّاء ِ
حتى إذا ما الله قدَّر َ نُصرة ً
وقضىالخلاصَ وجيءَ بالشعراء ِ
أبكى صلاح َ الدين ِ وهو منزَّه ٌ
عن طبع ِ رعديد ٍ و طبع ِ إماء ِ
فمضى إلى حطين َ ينجز ُ بعثها
منْ غير تسويف ٍ وغيرِ ِمراء ِ
ألقى بهم للموت ِ فهو مخير ٌ
بالسيف ِأو بالرعب ِ أو كشواء ِ
يا خيل َربي َقد غدوتَ فمرحبا
بصهيلها والصَّوْلة ِ الصولاء ِ
قدّمت ِ للإسلام ِفتحا ً أعظماً
وصحائفا من ْ نورك ِ الوضّاء ِ
في منهج ِالإسلام ِكان َجهادُهم
لا في سبيل ِ المجد ِ أو لعداء ِ
لم يقبلوا في دينهم ذلا ً ولا
خضعوا لبطش ِ سياسة ِ الإملاء ِ
في الحق ِّ والإحسان ِكان كفاحهم
لا للقصور ِ ورغبة ِ الإثراء ِ
يا هذه ِالأمم ُ التي قدْ زوَّرت
تاريخها بالدَّس ِ والإقصاء ِ
إن َّ الحضارة لا تكون ُ لمدع ٍ
كلا ولا لترنُّم ٍ وحُداء ِ
يا كاتب َالتاريخ ِ أنصف ْ أمة ً
ما أُنصفت ْ منْ حملة ٍ شعواء ِ
أيكون ُفخراً للعدو إذا أعتدى
ويكونُ إرهابا ً من َ السجناء ِ
حتى إذا ما الناس ُذاقت نعمة ً
في الأمن ِوالنسيان ِبعد َ شقاء ِ
صاح َ النذير ُ تأهبوا لعدوكم ْ
ولربَّ أشعث َ م يُجب ْلدعاء ِ
زحف التتار ُعلى أخواتهاكسفاً
مثل َ الجراد ِ تغذُّ بالضوضاء ِ
هدموا ببغداد َالحضارة َ جملة ً
وتيمموا غربا ً على الأشلاء ِ
عبروا ولكنْ نصف ماعبروا دماً
ودم ُ العلوم ِ تضجُّ بينَ الماء ِ
هم أهل ُحرب ٍ إنما همجيَّـةٌ
بل عصبة ٌ للجهل ِ والفحشاء ِ
قد دمروا مَدَنية ً ما مثلها
هي إرث ُكل ِّخلاصة ِ القدماء ِ
كان َالمغول ُسفير َموت ٍمطبق ٍ
مثل َ الوحوش ِالنهمة ِ الصمّاء ِ
نيرانهم بالكرخ ِكانت تصطلي
ودخانها سحب ٌ على البلقاء ِ
قد غادروها والخراب ُ لها أخ ٌ
واليوم َ أخوتهم من الأجواء ِ
بغداد ُخاصرة ُ العروبة ِ غربةٌ
قدْ مزّقتها في يد ِ الغرباء ِ
هي هكذا الدنيا على دورانها
دول ٌ وما الأيام ُ غير ُ كراء ِ
هلا أعرت ِ من القبور ِ أحبةً
فلعل َّ في بطن ِ الثرى شفعائي
لا تحسبوا عقلي تبدّد َوالنهى
أفضت إلى التشتيت ِ والغُلواء ِ
الله ُ أكبر ُ إنما هي لوعة ٌ
والله ُ فوق َ الكيد ِ والخصماء ِ
قدموا إليها فاستقروا غيلة ً
فإذا اللواء ُ يخرُّ خلف َ لواء ِ
يتسللون َ إلى البلادِ ودأبهم
مثل َ العناكب ِلسعةِ السوداء ِ
يتسترون َ بذلة ٍ ترثي لها
فإذا الحبالُ غدوا كوحشِ خلاء ِ
يستعمرون َالأرض َغصبا سافراً
والعرب ُ في سمر ٍ وفي استلقاءِ
حتى إذا ما الوقتُ حان تساقطوا
مثل َ الهوام ِ على يد ِ الندماء ِ
يا أمة العرب ِ اليهود ُ تغلغلتْ
فالحقْ أخي بالغوث ِ لا الوسطاء ِ
فإذا النداءُ كأنه عدم ٌ وهم
صرعى اللذائذ ِ أو منَ البسطاء ِ
والبعض ُهبَّ وإنما هيَ حيلة ٌ
قصرتْ وحيْل ٌشبَّ في استرخاء ِ
نبقى ويذهب ُمن أتانا غازيا ً
والأرض ُ للاحفاد ِ والأبناء ِ
بغداد سلمت َستنتهي آثارهم
لم يقرأوا التاريخ َ في البتراء ِ
يا عزَّ حرٍ َلو لثمت ُلكم يداً
يا سيد َ الفرسان ِ والشهداء ِ
أطلقت َ فيهم إنها لشهادة ٌ
ومضيت َ للفردوس ِ خير ِ بقاء
أنشأت َتطلب ُمن يمدُّ لنا يداً
حتى ولو في بلقع ٍ كدراء ِ
دفعوك َللجرف ِالبعيد ِورددوا
قصصا ًعن الأوهام ِ والأخطاء ِ
قد أسلموها كالهدية ِ ربما
وتعجلوا في موعد ِ الإجلاء ِ
قد شردوا شعبا ًوأخلوا موطناً
لمواكب ِ الأنذال ِ واللقطاء ِ
لم نستكن كلا ولا أرزى بنا
عوز ٌ ولا كنا من الضعفاء ِ
ولّادة ٌ فينا الرجولة ُ لم تزلْ
أرحامنا شرف ٌ إلى حوّاء ِ
وطن ٌ يباع ُويشترى كفنادق ٍ
والسوسُ ينخرُ في دم ِالنزلاء ِ
فإذانظرت َوجدت َبؤساً فاقعاً
ويُمجِّد ُ الأفاق ُ في الآلاء ِ
يا أيها الوطن ُ الكبيرُ تحررا ً
وتوحداً مع ظئرها الضرعاء ِ
حاولت َ فينا غير َ أنا أمة ٌ
في بعضنا إبليس ُ في الخبثاء ِ
لوكنت َتبدأُ من هناك َلأثمرتْ
بينَ السنابل ِ بذرةُ النصحاء ِ
قتلوكَ يوم َتنصلوا من جلدهم
ومضوا لنعشكَ مشية َالكُلماء ِ
وتحولوا من بعد ِسيفكَ ركّعا ً
باب َ اليهود ِ وهيئة ِ الحولاء ِ
كان َالعزاءُ على رحيلك َثورةً
ما زال َ خافقها مع العنقاء ِ
يا أيها الشعب ُالعظيم ُلك العلا
واصمدْ فإنك َصانع ُالعظماء ِ
لن يكسروا فيك َالإرادة َ إنما
هي فلوجة ٌوالنصر ُفي الأجواءِِ
قسمي على صدر الشهيد ِتلوته ُ
كتبْته ُ أجساد ٌ ونهر ُ دماء ِ
أنا على درب ِالكرامة ِ قبلة ً
حتى نزفَّ المجد َتحتَ لواء ِ
لا يمهر ِ الحسناءَ إلا فارس ٌ
فإذا تبوّأ كان َ أهل َ رفاء ِ
غاب ُالأسنة ِ ما علمنا غيرها
يأتي بحق ٍ كامل ٍ وثناء ِ
أو يردع العدوان َما نبست له
شفة ٌ أو اندفعت لدسِّ وباء ِ
إلا يكن فالموت ُدون َ ِعرينه
شرف ٌ وعزٌّ وارتداءُ وفاء ِ
فاقسم لنا اللهم َّسهم َ غنيمة ٍ
منها وأسبغ أنت َخير ُرجاء ِ
2145 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع