طرائف من أخبار العراق في منتصف عام ١٩١٢..حر شديد.. حرائق.. وأرتفاع أسعار الأراضي
إعداد: ذاكرة عراقية:نشرت مجلة لغة العرب التي أصدرها الاب انستاس الكرملي في فصل(تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره) طرائف من تاريخنا الاجتماعي المطوي، واخترنا منها ما نشرته في عددها الصادر في شهر آب 1912.
ــ تسقيف الأسواق بالتوتياء
جميع أسواق بغداد مسقفة بالحصر والبواري والقصب، ممدودة على المرادي المقاومة بهيئة مسنم، فكانت إذا أصابتها النار تضطرم اضطرام الهشيم، فلا تلبث أن تصير رماداً في قليل من الزمن. ولهذا كان يكثر الحريق في بغداد لاسيما في أيام الصيف. وأما الآن فأن البلدية اهتمت بإبدال الحصر بالتوتياء (الزنك) وقد سقفت كثير منها على هذه الصورة المستحسنة وأمن الناس شر الحريق.
ــ وفاة الشيخ غلام رسول الهندي
توفي هذا الشيخ مبطونا في ١ تموز وله من العمر نحو ستين عاما. وهو هندي الموطن، وقد قدم العراق منذ اكثر من ٢٠ سنة، وكان صادق اللهجة العربية، عارفاً بقواعدها وشواردها. يحسن التكلم بها على الأصول الأعرابية بدون تعمل أو تصنع. وكان أول تدريسه في بغداد في جامع عبد القادر الجيلى، ثم انتقل بعد نحو سنة إلى جامع الست نفيسة، ثم درس في جامع حبيب الأعجمي، ومنه تحول إلى جامع الباجه جي، ومنه ذهب إلى مندلي (البندنيجين)، ولما قدم منها عين مدرساً في جامع الخضار. وكان متفرغا لعلوم الدين، ولا سيما لتعلم الكلام منها. وكان يعلم أيضاً الرياضيات. وقد رحل إلى الأستانة ثلاث مرات. وكان في منتهى القناعة وقد تخرج عليه جم غفير من أبناء هذه المدينة ومن غيرها من مدن العراق. - وهو لم يؤلف شيئاً سوى بعض التعليقات وهذه أيضاً لم تر عالم المطبوعات. وقد حضر دفنته زرافات من الناس من طلبته ومن معارفه ومن غيرهم. إن الله مع الصابرين.
ــ ارتفاع أسعار الأرضين (الاراضي) في بغداد
منذ أن سمع الناس بأن الحكومة صممت على مد السكة الحديدية بين بغداد وحلب، ثم بين بغداد والبصرة، جد كثير في مشترى الأراضي في بغداد وما جاورها، ولا سيما ما كان منها واقعاً على إحدى ضفتي دجلة. ولما أعلن الدستور في أنحاء الدولة زادت الرغبة في مشترى الأملاك حتى أن أثمانها ارتفعت أضعاف الأضعاف. واليوم اغلب المشترين هم الاجانب، واليهود الوطنيون، واغلب البائعين هم المسلمون ثم النصارى. ولا بد أن نذكر بعض الشواهد على ارتفاع هذه الأسعار الفاحشة، من ذلك:
ما اشتراه سعادة الكونت جبرائيل أصفر في سنة ١٩٠٦ في محلة السيد سلطان علي، وهو بستان مساحته ٩٠٠٠ ذراع مربعة بقيمة ٢٠٠٠ ليرة مع النفقات. والآن طلب منه الراغبين في مقتنى قطعة منه دافعين في الذراع منليرتين إلى ليرتين ونصف؛ والبائع يطلب ٣ ليرات بالذراع. فتكون قيمة تلك الأرض سبعة أضعاف ما كانت عليه قبل ٦ سنوات.
اشترى قيومجيان أفندي في نحو سنة ١٩٠٥ أرضا في محلة الدباغ خانة بقيمة ٥٠٠ ليرة عثمانية. والآن يدفع له بها ٢٣٠٠ ليرة وهو يأبى بيعها بهذه القيمة.
لصديقنا ن. أرض اشتراها سنة ١٩٠٨ بقيمة ٣٠٠ ليرة عثمانية. والآن يدفع له بها ١٢٠٠ ليرة. والأرض واقعة في كرادة البو جمعة أي تحت كرد الباشا حيث تشيد القصور. وصاحب الأرض لا يبيع منها قيد ذراع.
وفي سنة ١٩٠٣ اشترى حضرة القس يوحنا مقصود جاقر بستاناً في محلة الزاوية، بقرب السيد ادريس، طوله ٢٥٠ متراً في عرض ٥٠، بمبلغ قدره ٣٠٠ ليرة. فبيع بهذا الشهر بمبلغ ١٣٠٠ ليرة وقد اقتطع منها قطعة لنفسه بقيمة ٣٠٠ ليرة، فيكون حضرة القس ربح ١٣٠٠ ليرة مع أناء بستانه في مدة السنوات التسع التي مضت.
وأما أثمان الدور في داخل المدينة فقد تضاعفت أيضا، ولا سيما ما كان منها مبنيا على شاطئ دجلة من جانب الرصافة.
والآن اخذ الألمانيون في تعيين موقع محطة السكة الحديدية وهو في جانب الكرخ بازاء دار ريشارتز قنصل ألمانية سابقا، الواقع في جانب الرصافة، ولهذا ارتفعت فجأة أسعار أراضي كرادة مريم بما يفوق التصور. وقد اشترى الألمانيون اغلب تلك الأملاك.
وقالت الرياض: كانت قيمة السيفية ٣٠٠ ليرة فاشتراها الأجانب بمبلغ ٧٢٠٠ ليرة. وكانت قيمة اليوسفية ٦٠٠ ليرة فاشتراها الأعراب بمبلغ قدره ٦٢٠٠ ليرة. وهناك غير هذه الأملاك مما هو في شرقي بغداد وغربيها.
ــ الحرائق في بغداد
كثرت الحرائق في بغداد حتى حار أهلها في أمرها وتتاليها، وبأضرارها،ودونك الآن عددها في هذا الشهر:
١ - حريق ليلة الاثنين الواقع في ٨ من هذا الشهر. وقد شبت النار نحو الساعة ١٢ زوالية في قهوة محمود بن حسين الواقعة في محلة الصدرية. وأطفأت بعد ثلاث ساعات من نشوبها. ولم تتجاوز مشرب القهوة.
٢ - شبت النار يوم الجمعة في ١٢ من هذا الشهر بساعتين بعد الظهر في حجرة الملا حسين صاحب خان الدجاج الواقع في سوق العطارين، وكان سببها بقايا لفيفة تبغ، ألقيت هناك، فسرت نارها إلى ما يقرب منها من الكاغد، فاحترق الخان وما فيه ثم اندلع لسانها إلى ما يجاورها فكلفت طعمتها من ٢٥ إلى ٣٠ ألف ليرة على ما يتناقله الناس. ولعل في المبلغ مبالغة.
٣ - استعرت النار في ضحوة ذلك اليوم في المنضحة (مكينة السقي أو طرمبة الماء كما يقول أهل بغداد) التي تسقي أرض محمود أفندي في ديالى. فأضرت بمتولي أمرها وهما: حسن بن عباس وابنه جاسم، حتى أصبحت اليوم حياتهما في خطر. وقد دبت النار إلى الغابة المجاورة المعروفة بالجادرية فأكلت الحطب المقطوع وأشجار الحرجة، وبقيت تضطرم إلى أن لم تجد ما تفترسه.
٤ - في ذلك النهار دبت النار في دار مختار محلة (فضوة العرب) وهو الحاج ناصر،
فأحرقت الدار برمتها، ولم تبق فيها شيئاً ولم تذر، لكنها لم تتعداها إلى سائر الدور، وسبب نشوبها الحطب الموضوع في المطبخ بجوار النار المتقدة للطعام.
٥ - شبت النار أيضاً في ذلك النهار (وكانت حرارته في الظل ٤٥ درجة مع رياح غربية حارة من نوع السموم) في دار زهرة بنت صالح من أهالي محلة الحاج فتحي، فسرت النار من الموقد إلى ما يجاوره، فأحرقت الدار وحدها ولم تتجاوزها.
٦ - في اليوم الثاني في ١٣ من هذا الشهر شبت النار في موقد حمام الحاج رسول أفندي فأخمدت من فورها بهمة رجال الإطفاء ولم يصب الحمام أو غيره مما يجاوره بضرر يذكر.
ــ تغير حالة الهواء
كانت حرارة حزيران غير مألوفة هذه السنة، لشدتها في غير أوانها، كما ذكرنا في العدد السابق. وفي أوائل شهر تموز حدث تغير فجائي وهبوط غريب في الحرارة حتى كان معظم الحرارة في بعض الأيام ٣٧ درجة مئوية، وهو أمر غريب يكذب المثل العامي البغدادي: حر تموز، يحمي الماء بالكوز. وفي الموصل شعر الناس ببرد شديد في الليل حتى تذكروا برد تشرين الأول، إلا أن الهواء كان طيباً في النهار؛ وسبب هذا البرد وقوع ثلج في الجبال المجاورة للموصل مع مطر في ديار بكر وجوارها. فأصبحت هذه السنة، صيفها وشتاؤها من اغرب السنين.
ــ ادمون أفندي بشارة
قدم في أوائل هذا الشهر حضرة المهندس البارع الشهير ادمون أفندي بشارة، وقد عينته الدولة العلية مندوباً عثمانياً لها ومهندساً أكبر لأعمال الري في العراق. ونحن نفخر به لأنه من أبناء الدولة المخلصين لها، والعاملين لنجاح الوطن وترقيه. ونأمل بقدومه تقدم الأشغال وسرعتها.
مجلة (لغة العرب)، العدد ١٤ - بتاريخ: ١ - ٨ - ١٩١٢
552 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع