الصراع العربي الإسرائيلي حرب ١٩٦٧- ودور الجيش العراقي فيه – الجزء الثالث
أسباب النكسة (الهزيمة)
قبل الخوض في أسباب النكسة لابد التطرق الىٰ البعد التاريخي للعداء بين المسلمين العرب واليهود علىٰ مر الزمن حيث بدأ هذا التناحر والصراع مع بداية الهجرة النبوية من مكة المكرمة الىٰ المدينة المنورة التي شهدت أربع غزوات للنبي (محمد ﷺ) وهي (بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر) ومن نتائجها إخراج اليهود من المدينة المنورة ثم من شبه الجزيرة العربية كلها، وتختلف أسباب محاربة النبي (محمد ﷺ) لليهود وحسب المصادر التاريخية ما بين محاولة قتل النبي (محمد ﷺ) أو خيانة اليهود مع المسلمين أو التحالف مع الكفار ضد الصحابة في غزوة الخندق وكان لهذه العلاقة السيئة في بداياتها بين الطرفين تداعياتها البالغة في استمرار العلاقات التي تخلو من جوانب الود والتفاهم وللتأكيد علىٰ هذا البعد التاريخي للعداء بين العرب واليهود نكشف بأن الرمز (الكود) التعريفي لحرب (5 حزيران 1967) لدىٰ الجانب الإسرائيلي كان (خيبر)، لقد خضع اليهود للمسلمين علىٰ مر التاريخ بدوافع الخوف ودفع البلاء عن انفسهم منتظرين الفرصة السانحة عند رفع الضغط والقيود عنهم للإعلان عن انفسهم وطموحهم في إنشاء دولة يهودية مستقلة علىٰ ارض فلسطين بالذات بدوافع ومـبررات أسـاسـها الاعــتماد علىٰ السـبـي البــابلـي لليهــود في فلسـطيـن في عامـي (586-597 ق.م) كحجة إثبات علىٰ وجودهم التاريخي فيه وهذا ما حصل بالفعل عندما انتهت الحرب العالمية الأولى بخسارة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وكانت من تداعيات ذلك سيطرة بريطانيا علىٰ فلسطين عام (1920) وتزامن معه بيان للحكومة البريطانية (وعد بلفور) المتضمن دعم تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية وفيها أقلية يهودية وكان لهذا الموقف البريطاني دوره في انعاش آمال اليهود وتنظيم صفوفهم والانتقال من حالة الخضوع الىٰ حالة التحدي وقتال العرب الفلسطينيين لحين الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في عام (1948) وفيها اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولىٰ وهنا نرىٰ ضرورة الحديث عن وضع اليهود في الدول العربية قبل إنشاء دولة إسرائيل حيث ذكرنا بأنهم كانوا يعاملون كأقلية مجردة من حق المواطنة الكاملة وكثيراً ما كانوا يتعرضون للاعتداء البدني واللفظي، فعلىٰ سبيل المثال لا الحصر كان اليهود في العراق يقدر عددهم بــ (150,000) مائة وخمسون ألف وكانوا عرضة لأعمال العنف خلال تاريخهم الطويل ومنها تدمير معابدهم وإجبارهم علىٰ اعتناق الدين الإسلامي وهنا لابد أن نشير الىٰ أعمال الشغب والاعتداء الموجهة ضـد اليهود فـي بغداد يومي ( 1 و 2 حزيران 1941) عقب انتصار القوات البريطانية وانهيار حكومة (رشيد عالي الگيلاني – حكومة الإنقاذ الوطني) علىٰ اثر مزاعم بأن اليهود قد ساعدوا البريطانيين وكانت تداعيات هذه الأحداث التي سميت بأعمال (الفرهود) مقتل اكثر من (180) يهودياً وجرح (1000) ونهب ممتلكاتهم وتدمير (900) منزلاً لهم في بغداد وكانت هذه الأحداث سبباً في إقبال اليهود علىٰ التفكير للهجرة الىٰ فلسطين بتشجيع وتسهيل من المنظمات اليهودية السرية وتجاهل السلطات في العراق والدول العربية تأمين الأوضاع الأمنية لمواطنيها من اليهود بغية تشجيعهم علىٰ البقاء، وكان اليهودي مضطراً للانصياع والقبول بما هو فيه خوفاً واستسلاماً لقوة
تفوق إمكانياته في المجابهة والتصدي وهذا الوضع جعل الرجل اليهودي يوصف بالجبان والمتخاذل والذي بانت حقيقته بعد تأسيس الدولة الإسرائيلية وشتان بين اليهودي السابق واليهودي اللاحق والذي يقف متحدياً ومجاهراً وبادئاً بالهجوم والتجاوز علىٰ كل هذه الدول العربية وما فيها من إمكانيات بشرية ومادية تفوق مثيلاتها لدىٰ الجانب الإسرائيلي بقدر وفارق كبير لا يقاس ودون أن يتراجع أو يتنازل عن المكاسب التي حققها في الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية منذ قيام دولة إسرائيل المعترف بها من قِبل المحافل الدولية وانحسار حالة العداء بينها وبين الدول العربية بالتدريج حيث كانت هناك علاقات سرية بينها وبين العديد من هذه الدول إلا أن هذه العلاقات أصبحت علنية ورسمية وفي موضوع ذو صلة حيث نسمع الكثير من الانتقادات التي توجه للبعض من القيادات الكردية هنا وهناك واتهامها بوجود علاقات لها مع إسرائيل وكأن الأمر حرام على الكرد وحلالٌ عليهم وهم أصحاب القضية والمشكلة، بعد أن تلاشت فرص اندلاع أية حروب جديدة بين الطرفين في الوقت الراهن لانعدام العوامل الرسمية والشعبية للتحضير لها والعبرة المؤلمة من الماضي والظروف الدولية الحالية، وقبل أن ننتقل الىٰ مرحلة ذكر أسباب النكسة ارتأينا أن نردد لكم هذا الحوار الشعري حول الأغنية التي غنتها المطربة (فيروز) بعد أحداث النكسة مباشرة ومطلعها :
الآن الآن وليس غداً
ويجيبها الشاعر نزار قباني:
أجراس العودة فلتقرع
مِن أينَ العـودة فـيروزٌ
والعـــودة ُ تـحتـاجُ لـمدفــــع
عـفواً فـيروزُ ومعـذرة ً
أجراسُ العَـودة لــن تـُـقـرع
خـازوقٌ دُقَّ بأسـفــلـنـا
ويأتي الدور للشاعر تميم البرغوثي فيعقب:
من شَرَم الشيخ إلـى سَعسَـع
عفــواً فيــروزٌ ونــزارٌ
فالحالُ الآنَ هـو الأفـظع
إنْ كـــانَ زمـانكـما بَشِـعٌ
فزمــانُ زعـامتنا أبــشَـع
أوغــــادٌ تلــهـو بأمَّـــتِـنا
وبلـحم الأطفالِ الرّضــّـَع
والمَوقِعُ يحتـــاجُ لشعـْب
والشـعـبُ يحتاجُ لمـَـــدفع
والشعبُ الأعزلُ مِسكينٌ
ويشارك الشاعر كريم العراقي التعقيب فيقول:
مِـن أينَ سيـأتيكَ بمــــَدفع
عفواً فيروز ونزار
عفواً لمقامكما الأرفع
عفواً تميم البرغوثي
إن كنت سأقول الأفظع
لا الآن الآن وليس غداً
أجراسُ التّاريخ تُقرع
بغدادٌ لحقت بالقدس
والكلّ على مرأى ومسمع
والشعب العربي ذليلٌ
ما عاد يبحث عن مدفع
يبحث عن دولار أخضر
يدخل ملهى العروبة أسرع
وبعد الانتهاء من ذكر السمات السيئة المميزة للعلاقات التاريخية بـين المسلمين العــرب واليهود نــأتي علىٰ بيان أسـباب نكسة (5 حزيران 1967) حيث اجتمعت أسباب ومعطيات كثيرة لتشكل مجمل الأسباب التي أدت الىٰ هذه النتيجة المنكرة والمدمرة للحرب العربية الإسرائيلية علىٰ الجانب العربي في هذه الحرب نجمعها فيما يلي: -
أولا – الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) الذي اعترف بمسؤوليته الخاصة عن هذه الكارثة وخرج بدراما هزلية أعدت بإتقان في (9 حزيران 1967) ليلقي كل الذنب علىٰ نفسه فيما حصل وأعلن أنه يتحمل التبعية وحده وأنه تخلىٰ عن رئاسة الدولة لنائبه (زكريا محي الدين) والذي لم يكن علىٰ علم بهذا القرار ومن الجدير بالذكر أن مسؤوليته هذه بقيت وحتىٰ يومنا هذا غير محددة ومنع من تحديدها أنصاره ومحبيه الذين أحاطوه بسياج من الحصانة من خلال الدفاع عنه والتغاضي عن مسؤوليته في الهزيمة وتبرير ما حصل بمختلف الحجج والأسباب الواهية بقصد انتشال سمعة (عبدالناصر) واستكمالاً لهذا السيناريو وبتبرير مسبق معد بدقة من قِبل الاتحاد العربي الاشتراكي تدفقت الىٰ شوارع القاهرة حشود هائلة من القاهريين من البيوت والمقاهي ومحلات العمل والجميع يتجه الىٰ حيث يسكن (عبدالناصر) وكانت هذه الحشود تناشد الرئيس بالبقاء وسحب الاستقالة، المثير للعجب من أنه وبعد مضي تسعة أشهر علىٰ الكارثة واعترافه بمسؤوليته الخاصة عن هذا الفشل خرج إلينا في (23 شباط 1968) ليلقي اللوم علىٰ الطبقة العسكرية الذين اتهمهم بالانحراف والخيانة والتآمر متناسيا مسؤوليته في خلق هذه الطبقة العسكرية والذي كان قريبا منها وأغرقها بأنواع الامتيازات واغرب تصريح له في هذا الشأن عندما يتحدث عن صديقه المشير (عبدالحكيم عامر) حيث يقول... أنه كان مدنيا وبلباس عسكري وهو الذي أغدق عليه كل هذي الرتب والنياشين والمناصب الحساسة والصلاحيات والسلطات الواسعة والآن يمكننا أن نجمل ونحصر الأخطاء القاتلة المرتكبة من هذا الرجل في الجوانب التالية: -
1 – اعتماده علىٰ السوفييت وثقته الكاملة بهم في دعمه والوقوف معه ومنع الخطر عنه والذين شجعوه علىٰ التصعيد، ولكنهم لم يكونوا يريدون أن تصل الحالة بين الطرفين الىٰ مرحلة الحرب الشاملة كما وان الاتحاد السوفيتي لم يكن مستعداً للتدخل واقتصر دعمه للعرب علىٰ الدعاية والدعم السياسي والتهديد بقطع العلاقات مع إسرائيل، بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي لم يستطع أن يمنع تكبد البلدان العربية المعنية بهذه الحرب هزيمة عسكرية إلا أنه استطاع تجنيبها الانهيار السياسي والاستراتيجي وهنا لابد أن نشير الىٰ ما ورد في مذكرات (صلاح نصر) مدير المخابرات المصرية عن دور الاتحاد السوفيتي في هذه الحرب ويُؤكد بأنهم كانوا متواطئين في هذه المؤامرة أو علىٰ الأقل شاركوا فيها بنصيب من بعيد.
2- لم يقدر مخاطر العمل الذي قام به عندما اغلق خليج العقبة ومضايق تيران وإبعاد قوات الطوارئ الدولية كما قام بحشد (100) مِائة ألف جندي في سيناء وكانوا غير مدربين وتحت قيادة فاشلة والانسحاب العشوائي دون خطة عسكرية وكشف الجيش المصري المنسحب للقوة الجوية الإسرائيلية وفي هذا الصدد يذكر (سامي شرف) ما نصه (قرار الانسحاب كان لابد أن يتم وفق خطة ولها إجراءاتها التفصيلية التي يعرفها العسكريون وهي من اصعب العمليات في العلوم العسكرية لها مبادئها وآلياتها وأهدافها، (عبدالحكيم عامر) اصدر امر الانسحاب دون خطة للقادة بانسحاب القوات غرب القناة في (6 ساعات) وحصل من جراء هذا الأمر شلل وانهيار وبالتالي خذلان للبلد والقوات المسلحة) .
3- اعتقد جازماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بكبح جماح إسرائيل ولن تدعها تجاوز الحد المعقول وإيصال الوضع الى الحرب الشاملة بالإضافة الىٰ ظن (عبد الناصر) بأن إسرائيل لن تحارب من غير المساهمة العسكرية الأمريكية.
4- تجاهل الإمكانيات الحقيقية للقوات المسلحة وضعفها النسبي وكانت تصريحاته السابقة للحرب بأنه ليس في حاجة من الأهبة والاستعداد وأنه قد أكمل عدته مردداً (إسرائيل تريد الحرب فأهلا وسهلاً) واتخذ موقف التحدي والاستفزاز والدعوة الىٰ القتال رغم معرفته بضعف جيشه وجيوش حلفائه.
5- إبعاد الضباط الكبار وذوي الخبرة عن الجيش المصري واعتماده علىٰ قيادات ثورية طائشة غير مهنية كما قام النظام السوري بنفس السلوك عندما سرح الكثير من الضباط الأكفاء بذريعة اختلاف ميولهم السياسية من البعث.
6 – انشغال الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) بمشكلة اليمن وجيشه الذي أرسله إليها بالإضافة الىٰ تفكيره العميق والدائم في صراعه مع المشير (عبد الحكيم عامر) وكيفية إنهاء تجاوزاته وتماديه في استغلال مواقعه في السلطة، بينما كانت الحكومة الإسرائيلية تعد العدة للحرب من خلال تلقيها الإمدادات العسكرية في مختلف المجالات استعداداً للمعركة وهي تنَظِر مبررات انطلاقها.
7- دخل هذه الحرب دون أن تكون هناك أية استراتيجية عليا للدولة مع انعدام القدرة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا – الانقسامات في الساحة العربية وعدم وجود توافق بين حكوماتها في الكثير من القضايا وقضية فلسطين علىٰ الخصوص التي شهدت مواقف متباينة نستطيع أن نذكرها علىٰ النحو التالي: -
• مواقف جدية من القضية الفلسطينية من الدول العربية (مصر، سورية، الأردن، العراق) من خلال مشاركتها الفعلية في كافة الحروب مع إسرائيل بأدوار مختلفة وتحملها لتداعيات هذه الحروب.
• مواقف غير جدية لدول أخرىٰ يقتصر علىٰ الدعم المعنوي والمادي والإعلامي ومشاركات عسكرية غير مؤثرة وغير حقيقية كما حصل عندما سحبت المملكة العربية السعودية قواتها والبالغ عددهم خمسة وعشرون ألف جندي من جنوب الأردن والعقبة في الوقت المناسب مع بدأ الهجوم الإسرائيلي وبوادر هزيمة الجيوش العربية والجيش المصري بالذات.
• مواقف خيانية وهذا ما كشف عنه الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (شلومو جازيت) حيث يقول بأنه عقد اجتماع في مدينة (الدار البيضاء) في المغرب في شهر (أيلول 1965) للقادة العرب وتحت إجراءات أمنية مشددة للبحث في الأعداد لهجوم عربي مشترك ضد الاحتلال الإسرائيلي وشاركهم الاجتماع القادة العسكريين ورؤساء أجهزة الاستخبارات العربية وكانت مفرزة للموساد الإسرائيلي تتخذ لها مكاناً في الطابق العلوي من البناية نفسها التي شهدت جلسة القادة العرب وفي نهاية هذه الجلسات سلمت كافة تسجيلات هذه الاجتماعات الىٰ الموساد الإسرائيلي وبذلك اصبح لدىٰ قادة الجيش الإسرائيلي ثقة من انهم سوف ينتصرون في الحرب بعدما اصبحوا بفضل هذه التسجيلات علىٰ ثقة بعدم استعداد العرب للحرب نتيجة خلافاتهم وعدم جديتهم وخيانتهم في اطار هذه القضية والتي لازالوا يسمونها (قضية العرب الكبرىٰ).
ثالثا – الجيش الإسرائيلي كان يملك معلومات كافية ودقيقة عن حجم القطعات العسكرية العربية وتسليحها وتجهيزها وتضاريس مناطق العمليات العسكرية المحتملة بينما كان الجانب العربي يفتقر الىٰ مثل هذه المعلومات بسبب انشغال أجهزة الاستخبارات والأمن العربية بجمع المعلومات عن الدول العربية فيما بينها.
وهذا يقودنا للحديث عن الطرق والوسائل التي مكنت إسرائيل من التوغل العميق في مؤسسات الدول العربية ذات الاهتمام من قِبل إسرائيل في سبيل جمع المعلومات عن النواحي العسكرية والأمنية والعلمية التي تحتاجها في مجال صراعها مع هذه الدول وهنا لابد أن نشير الىٰ نقاوة الشعب اليهودي وإخلاصه لدولته فنادراً ما نسمع أو نرىٰ يهودياً يتجسس لصالح العدو من أي توع كان علىٰ حساب مصالح دولته وقومه وما اكثر هؤلاء الخونة والجواسيس في أوساط العرب الذين يعملون لصالح اليهود والصهاينة وعلىٰ مر تاريخهم المعاصر وبالمناسبة فأنني اعتقد من أن كل يهودي لابد أن يكون صهيونياً في توجهه وأفكاره ومسألة الفصل بين الدين اليهودي والفكرة الصهيونية أراها تطرح هنا وهناك لغايات ومقاصد يراد منها ذر الرماد في العيون ونكران الحقائق والوقائع، لقد كانت شبكات التجسس الإسرائيلية في مصر والدول العربية تعمل بدون كلل وملل في جمع المعلومات وأرسالها الىٰ إسرائيل ونستشهد هنا بالجاسوس الإسرائيلي (أساف ليفي) الذي تطرق إليه الكاتب (موسىٰ العدوان) في مقالة بعنوان (الجاسوس الذي تسبب في كارثة حرب حزيران 1967) نشرت في صحيفة رأي اليوم حيث يقول عنه بأنه تميز بذكاء حاد، أعطيَ الاسم العربي المستعار (آرام نوير) وذلك لتسهيل مهمته في العمل في مصر وقد لعب دوراً هاماً في الحرب (حزيران 1967) وكان سببا في انتصار إسرائيل علىٰ العرب فيها، وأفرز دولة قوية ستتحكم في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود اللاحقة، لقد مثّل (نويّر) في ستينيات القرن الماضي، دور تاجر سلاح كبير مدعوم من إسرائيل. وتمكن بذكائه ودهائه، من اكتساب ثقة كبار المسئولين والقادة المصريين مدنيين وعسكريين، وعلى رأسهم...عبد الناصر رئيس الجمهورية، زكريا محي الدين رئيس الوزراء، المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية، محمد فوزي رئيس أركان الجيش، صدقي محمود قائد سلاح الجو، صلاح نصر مدير المخابرات، وقادة أفرع القوات المسلحة. وهكذا تمكن (نوير) من خلال علاقاته الشخصية، أن يصبح موردا للسلاح والذخائر وقطع الغيار لسلاح الجو المصري. فراح يتنقل بين باريس وتركيا والهند، للحصول على احتياجات القوات المسلحة المصرية من تلك المواد بأسعار مناسبة. بلغت ثقة المسئولين العسكريين ب (نوير) درجة كبيرة، بحيث أن رئيس الوزراء منحه هوية شخصية تمكنه من الوصول إلى أي معسكر أو أي بناية في سلاح الجو في جميع أنحاء الجمهورية المصرية وكان المسؤولون يطلعونه على خططهم والتعرف على أحجام القوات العسكرية وأماكن تمركزها وأعداد وأنواع الطائرات والقواعد التي تتواجد بها وهكذا راح (نويّر) يقوم بزيارات إلى مختلف الوحدات والمواقع العسكرية ثم يعود ليمررها إلى إسرائيل لاسلكيا في حينها، يقول (نويّر) في إحدى المرات جلست أمام جهاز الإرسال وأنا حائر في كيفية صياغة المخابرة المصيرية وتذكرت الضحكة المدوية التي أطلقها الرئيس (ناصر) حين قال (إسرائيل تريد الحرب؟ وأنا أقول لها أهلا وسهلا) وتذكرت المشير (عامر) وهو يضحك وتذكرت طياري النفاثات الذين وقفوا يحيطون بالرئيس وطالبوه بأن يصدر الأوامر ليدمروا إسرائيل فورا قبل أن تقوم بإبادة مصر، وتحوطا لعدم تسليم نفسه في حال اكتشافه من قبل السلـطات المصـــرية، فقد قـام (نويّر) بزيـارة سـرية لإسرائيل، وطـلب أن يركـبوا لـه (سنا مستعارا) وبداخله حبة (سُمّ) مغلقة بغطاء بلاستيكي تكفي لقتل إنسان بعد مرور (4) دقائق إذا لمسها باللسان بعد قضم غطاءها البلاستيكي، وحكاية أخرىٰ من بين الحكايات الكثيرة نشرت في (موقع المجد الإلكتروني) تحت عنوان (كيف كانت الفنانة سبباً في نكسة 1967) تقول الحكاية بأن الرئيس المصري (جمال عبدالناصر) كان قد استحوذ علىٰ رادارات روسـية حديثة جداً تسطيع أن تكشف الطـائرات الإسرائيلية حتىٰ قبل إقلاعها من مطاراتها كما ابلغوه بذلك السوفييت وهذه المعلومات عن قدرات الرادارات علمت بها إسرائيل بجملة واحدة مشفرة أرسـلتها جـاسوسة عمـلت لحسـاب الموسـاد فـي شبكة السـيدات سـيئات الســمعة التابـعـــــــة لـ (صلاح نصر) مدير المخابرات المصرية حينذاك وقد أدت هذه المعلومة التي أكدت فيها العميلة إن هذه الرادارات لا تستطيع أن ترصد الطائرات التي تحلق علىٰ ارتفاع اقل من (500 م) واستغلت إسرائيل هذه الثغرة في أجهزة الرادار الروسية عندما قامت بالهجوم بطائراتها التي حلقت علىٰ ارتفاعات منخفضة دون أن تتمكن أجهزة الرصد المصرية من اكتشافها.
نعود فنقول بأن كل جوانب الخطأ والإهمال التي أسندت للرئيس المصري (جمال عبد الناصر) في مسؤوليته عن نكسة (5 حزيران) لم تجعله بمنأىٰ عن حب واعتزاز الغالبية من الشعب المصري والعربي فحين وفاته في (1 تشرين الأول 1970) عرض جثمانه في قصر القبة ثلاثة أيام ومرت أمام نعشه ملايين كما كانت جنازته اكبر جنازة شعبية في التاريخ شارك في تشيعها الملايين يتقدمهم (30) رئيس دولة ومائة وفد برئاسة رئيس وزراء ووزراء خارجية، دفن في الجامع الذي سمي باسمه وتشيعه يعتبر بمقاييس التاريخ والذاكرة اعظم تشيع لأي زعيم في الشرق الأوسط ، وفي هذا الصدد يذكر الرئيس العراقي(صدام حسين) من انه وبالرغم من خسارة الحرب فإن (ناصر) لم يخسر احترام الناس لكن آمال الناس كانت اكبر من قدرات (ناصر) والقوات العسكرية المصرية.
رابعا – عندما نتحدث عن أسباب الهزيمة فلا بد أن نتطرق الىٰ ميزان القوىٰ بين العرب والإسرائيليين قبل حرب (1967) والجدول الإحصائي المرفق يبين موازين القوىٰ العسكرية بين الطرفين ونستنتج منه زيادة ملحوظة في الإمكانيات البشرية وأنواع الأسلحة التي تمتلكها الدول العربية التي شاركت في الحرب ونستنتج كذلك بأن العبرة ليست في العدة والعدد وإنما في العزم والتخطيط المتقن والكفاءة والإخلاص.
خامسا – الجيش الإسرائيلي أوحىٰ للمصريين والعرب بأنه يحشد قواته علىٰ الحدود السورية لصرف انتباههم عن الوجهة الحقيقية للمعركة وبقاء القيادات العربية علىٰ هذا التصور لنهاية المشوار الذي سبق بدأ الحرب وفي هذا المجال حرص مدير المخابرات المصرية (صلاح نصر) في مذكراته أن يدلو بدلوه فيذكر بأن حكام إسرائيل كانوا يحاولون نصب الشراك لـ (عبدالناصر) حتى يقع في الفخ، كان مطلوباً أن يلقىٰ إليه طعم ما وكان هذا الطعم في شكل معلومات غير صحيحة تصله عن طريق غير مباشر لتوحي إليه بأن إسرائيل ستقوم بعملية غزو شاملة لسوريا للقضاء على النظام القائم في دمشق، وقد جرىٰ تسريب معلومات زائفة عن حشود إسرائيلية على حدود سورية الىٰ السفارة السوفيتية في تل أبيب كما عمدت إسرائيل الىٰ إرسال إشارات لاسلكية بالشفرة كي تلتقطها سفن الأسطول السوفيتي في البحر المتوسط وقد قام الروس بإرسال هذه المعلومات الىٰ (عبدالناصر).
الجدول الإحصائي المتعلق بميزان القوىٰ العسكرية قبل (5 حزيران 1967)
سادساً – ما أنفك القادة العرب وخاصة من المعنين بالقضية الفلسطينية في الإعلان صراحة عن نيتهم القضاء علىٰ الدولة اليهودية ومسح إسرائيل من الوجود وتداعيات هذه الشعارات علىٰ العرب هو تجريدهم من كل عطف وأعطىٰ دوافع لبقاء إسرائيل وسهل عليها كسب حرب الدعاية وكرد فعل علىٰ هذه النوايا قرر اليهود بأنهم لن يجلسوا مكتوفي الأيدي في انتظار ذلك.
سابعا – غياب الخطط العسكرية الحربية علىٰ مستوىٰ القيادة العربية الموحدة بسبب غياب إرادة القتال وكان أدائهم القتالي غير مواكبا لقدراتهم العسكرية والقرارات السياسية علىٰ المستويات التكتيكية والميدانية وكان العكس صحيحا لدىٰ الجانب الإسرائيلي.
ثامنا – كان لعنصر المفاجئة دوره الفعال والمؤثر في نتائج هذه الحرب لصالح إسرائيل بعد أن جعلت العرب يفقدون صوابهم ويتخبطون في سلوكهم وقراراتهم المتضاربة من هول ما لحق بهم.
تاسعا – علىٰ الرغم من نفي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لأي دور لها في مساندة الجانب الإسرائيلي في هذه الحرب إلا أن نتائجها وبهذا الشكل الذي لا يتصوره العقل يوكد عكس ذلك ويعطي انطباعاً في وجود مجالات كثيرة مادية ومعنوية ساهمت بها هذه الدول للوصول للغاية المشتركة بينهما في هزيمة مصر والدول العربية المتحالفة معها بعد أن قدم الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) الذريعة لتنطلق إسرائيل في تنفيذ هجومها وصولاً لاستحقاقات هذا المخطط.
وبما أننا نتحدث عن النكسة وأسبابها وخلصنا الىٰ عدة أسباب وعوامل كمحصلة أساسية لنتائج حرب (5 حزيران 1967) وهزيمة مصر والدول العربية التي شاركتها وتحملت وزر تداعياتها المرة ورأينا ضرورة الرجوع الىٰ التقييم الذي توصل إليه الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) لأسباب الهزيمة والتي ذكرها سكرتيره الشخصي (سامي شرف) علىٰ لسانه في مذكراته المنشورة في كتابه الذي هو بعنوان (سامي شرف – عبد الناصر كيف حكم مصر) وهي: -
1- الثقة بالنفس أكثر من اللازم.. ووصل الأمر الىٰ حد التبجح بهذه الثقة، ورحنا نتكلم ونتكلم حتى إننا نستطيع أن نتصدىٰ لإسرائيل وأمريكا، ولم يكن الجيش بالكفاءة التي كنا نقدرها وأنا أقول هذا الكلام بصراحة فتحت اسم الأمن جلس ناس في غير مقاعدهم والمثل الظاهر هو الطيران. نحن للأسف لم نستفيد من دروس سنة (1956) ولا من دروس الانفصال، وهكذا بقيَ (صدقي محمود) قائدا للطيران (11) سنة بعد السويس وما دمنا نتحدث عن الثقة الزائدة بالنفس حيث نذكر بأنه في احد اجتماعات مجلس الوزراء سَأَلَ احدهم (شمس بدران) وزير الحربية عن الموقف اذا ما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً لصالح إسرائيل بالأسطول السادس حيث إنه هو احتياطي الاستراتيجي لإسرائيل فكانت إجابته أن القوات المصرية كفيلة بمواجهة الموقف وكان قد عاد لتوه من زيارة الاتحاد السوفيتي وأيضا عند خروج (عبدالحكيم عامر) من احد الاجتماعات في قصر القبة سأله (محمود رياض) عن تصوره للموقف فرد عليه قائلا...إنه لو قامت إسرائيل بأي عمل ضدنا فأننا نستطيع بثلث قواتنا فقط أن نصل الىٰ آخر نقطة في إسرائيل وكان يؤكد أن القوات الجوية المصرية علىٰ استعداد كامل لمواجهة الموقف.
2 – اتجاهنا لعدم أخذ الأمور بجدية ونتيجة نقص المعلومات ونتيجة التراخي في تنفيذ ما يترتب علىٰ هذه المعلومات. أنا شخصياً حذرت (صدقي محمود) وقلت له في آخر اجتماع حضرته أنا برئاسة هيئة أركان الحرب أن الهجوم سيحصل يوم الاثنين، وان الضربة الأولىٰ ستكون ضد الطيران وانا في هذا لم أكن متنبئاً، أنا كنت حاسب ومقدر أن ذلك سيحدث. في البداية قلت إن الحرب بنسبة (50%)، ثم قلت إن النسبة أصبحت (80%) ثم وصلت الىٰ أن الحرب واقعة بنسبة (100%) وتكلمت معهم يوم الجمعة (2 حزيران) علىٰ أساس أن الضربة قادمة يوم الاثنين (5 حزيران) ويوم السبت قام الطيران بمظلة جوية للإنذار المبكر والاشتباك ويوم الأحد حدث نفس الشيء وخرجت مظلة جوية، ويوم الاثنين لم تكن هناك مظلة وفوجئنا بالطائرات الإسرائيلية فوق مطاراتنا دون أن يشعر بها أحد. هذا موضوع نحقق فيه، كنت اعتقد أن خطتنا للدفاع الجوي مضبوطة وقد رأيتها علىٰ الورق وجاء نائب قائد الدفاع الجوي السوفيتي وقابلني ومعه (صدقي محمود) قبل الأزمة بوقت طويل وقال لي نائب قائد الدفاء الجوي السوفيتي إن خطة الدفاع التي رآها علىٰ الورق وعلىٰ الطبيعة معقولة جداً وانه وخبراؤه لاحظوا وجود ثغرات فيها وقد أخطر بذلك (صدقي محمود) وتم الاتفاق علىٰ عمليات تكملة، ولكن هذا لم يحدث كما يظهر لي الآن فدفاعنا الجوي أصيب بالشلل وهذا موضوع نحقق فيه الآن.
3 – القيادة العسكرية عندنا لم تكن مستعدة لتصديق المعلومات التي تستجد، وكان لديهم تصور محدد ولم يكونوا مستعدين لقبول أي شيء يختلف عن هذا التصور، علىٰ سبيل المثال فالروس أبلغونا يوم الخميس أول حزيران عن حجم القوات الإسرائيلية من المدرعات وقالوا إنها (9) ألوية وكانت القيادة عندنا مصممة علىٰ أن اليهود ليس عندهم إلا خمسة ألوية. لقد ناقشنا هذا الكلام في اجتماع يوم الجمعة (2 حزيران) وقلت لهم: علىٰ أي أساس تقولون إن إسرائيل لديها (5) ألوية بينما الروس ولديهم كل إمكانيات المعلومات يقولون إن لديها تسعة.
وكان الرد الذي كرره (عبد الحكيم عامر) وعدد من القادة هو أن معلومات السوفييت مبالغ فيها وهم يهولون لكي يخيفونا ويجعلونا نتردد ولا ندخل المعركة، وقالوا أيضاً إن الروس فيما يظهر حسبوا الدبابات الإسرائيلية القديمة من طراز (شيرمان) وهي لم تعد صالحة للعمل وبالتالي لا تدخل في الحساب وكان هذا كله ضمن عوارض الثقة بالنفس أكثر من اللازم مما يجعلك تقلل من قوة العدو.
4 – الذي يذهلني حتىٰ الآن هو أن القيادة العامة بعد ضربة الطيران أصبحت مثل واحد حصل له انفجار في المخ وأصاب الشلل جسمه كله.
5 – الخطط التي كانت معدة كانت محكومة أيضاً بالثقة بالنفس ولقد دهشنا من أنه لم تكن هناك دفاعات في الخطة وراء (العريش) ولذلك فانه حينما حدث الارتباك والانفجار في المخ تمكنت القوات الإسرائيلية من دخول (العريش) لم يحدث قتال وراءها في القطاع الشمالي وإنما اندفعت المدرعات الإسرائيلية علىٰ طريق أسفلت جديد كنا بنيناه بين (العريش والقنطرة) حتىٰ وصلت دون قتال الىٰ شاطئ قناة السويس.
6 – الخلط بين الوهم والواقع.. أنا قلت للقيادة من البداية أننا سندخل معركة دفاعية وهي معركة تتفق مع خططنا التي كانت موجودة مع إمكانياتنا المتوفرة ولا اعرف منين ركبتهم حكاية أنهم لازم يبدأوا الهجوم بينما هو مستحيل من الناحية السياسية.
في المقابلة التي أجريت من قبل (احمد منصور) مع (حسين الشافعي) نائب رئيس الجمهورية في برنامج (شاهد علىٰ العصر) اخترت العبارات التالية التي تعطي تصورا عن أحداث النكسة من وجهة نظره وهي: -
• اتفقوا علينا في عام (1967)
• كان الهدف إسقاط جمال عبد الناصر
• الصراع علىٰ السلطة
• الازدواجية
• استدراج السذج
• القوىٰ الخارجية لها عناصر خائنة في الداخل
• كانت الطائرات المصرية مرصوصة جناح فوق جناح وكأنها معدة للذبح
• جمال عبد الناصر حقق من خلال قرار التنحي التخلص من الازدواجية
• جمال عبد الناصر ترك لمنافسيه الحبل علىٰ الغارب
• حرب (1973) كانت أحياء للجسم المريض
كما لفت انتباهي ما ذكره الدكتور (عزمي بشارة) عن هزيمة (1967) حيث يقول بأنه أكبر إخفاق عسكري عرفه العرب في تاريخهم الحديث ويعتبره هو التاريخ الحقيقي لنشوء إسرائيل أو تثبيته علىٰ الأقل.
للراغبين الأطلاع على الجزء الثاني:
https://www.algardenia.com/ayamwathekreat/58226-2023-04-02-08-50-14.html
387 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع