الروائي الكبير ....غائب طعمة فرمان
ولد عام 1927 في أحياء بغداد الفقيرة ( محلة الفضل ), وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها ،أصيب بالتدرن في وقت مبكر ، وينحدر غائب من عائلة فقيرة كانت تسكن في أحياء بغداد الشعبيه القديمة، وكان والده أحد سائقي السيارات الأوائل في بغداد، وكان (يحدثه في طفولته عن انطباعاته ورحلاته، مما ادى إلى تعلقه بالماضي والذكريات فصوّرها فيما بعد في روايته ( المخاض).
نجيب محفوظ
سافر غائب إلى القاهرة عام 1947 لغرض الدراسة في كلية الآداب رغم فقر والده، الذي كان يرسل له خمسة دنانير بين فترة وأخرى. واستفاد الكاتب من حياته في مصر، فتعرف على نجيب محفوظ وحضر جلساته في مقهى الأوبرا، وسلامه موسى وطه حسين ونشر بعض قصصه القصيرة ومقالاته الأولى في المجلات المصرية مثل ( الرسالة) و( الثقافة) و( الثقافة الوطنية) وغيرها
وتعكس قصص غائب ومقالاته الأولى مفاهيمه وأفكاره عن مختلف قضايا الحياة الإجتماعية والأدبية متجنبا القضايا السياسية المباشرة. وعند عودته إلى بلده العراق بعد ثلاثة أعوام وبضعة شهور من إقامته في مصر، عمل غائب في صحيفة ( الأهالي) لسان (حال الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة الديمقراطي الليبرالي العراقي المعروف ( كامل الجادرجي)
كامل الجادرجي
واكتسب غائب من عمله في هذه الصحيفه خبرة كبيرة تجسدت فيما بعد في نتاجاته الروائية، وبخاصة في رواية ( خمسة أصوات) . صوّر غائب في هذه الرواية حياة المثقفين العراقيين في الخمسينات من خلال خمسة أبطال من امزجة مختلفة واهتمامات ادبية واجتماعية متنوعة. ولدى قراءة هذه الرواية يطلع القاريء على الحياة الأدبية العراقية ومفاهيمها في الخمسينات
وبعد عام 1954 أُضطر غائب إلى مغادرة العراق متجها نحو لبنان وسوريا حيث شارك في مؤتمر الأدباء العرب، الذي عُقد في مدينة بلودان وأنتخب عضوا في لجنة ( الأدب الجديد) ، التي أصدرت بيانها حول ضرورة التوفيق بين اللغة العربية الفصحى والعامية في النتاج الأدبي
ثم توجه غائب إلى القاهره مرة ثانية ومكث فيها فترة قصيرة، أصدر فيها كتابه ( الحكم الأسود في العراق) عام 1957 المكرّس لممارسات النظام الملكي العراقي
وشارك غائب مع الناقد المصري محمود أمين العالم في كتابة مقدمة طويلة لمجموعة قصص قصيره صدرت عام 1956 بعنوان ( قصص واقعيه من العالم العربي) . تضمنت هذه المقدمة أهم أفكار غائب ومفاهيمه عن الواقعية الجديدة في الأدب، التي لاتختلف في حقيقة الأمر عن الواقعية الاشتراكية. وقد ذكر غائب فيما بعد في حواراته الشخصية بأنه هو الذي اعد هذه المقدمة
وأسقطت عن غائب الجنسية عندما كان متجها إل بوخارست للمشاركة في مهرجان الشبيبه، فأضطر إلى السفر إلى جمهورية الصين الشعبيه، حيث أخذ يعمل منذ ذلك الحين في وكالة أنباء الصين الجديده
وبعد ثورة 14 تموز 1958، التي أطاحت بالنظام الملكي، عاد غائب إلى العراق وعمل في الصحافة لفترة قصيرة، إلا أنه غادره بعد سنتين أو أكثر بقليل إلى الاتحاد السوفييتي حيث أقام فيه ثلاثين عاما حتى رحيله الأبدي
وأُسقطت الجنسية عنه مرة أخرى بعد انقلاب 8 شباط 1963 العسكري، الذي أطاح بحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم
ومن الجدير بالذكر أنه لم يكن سياسيا نشطا ولم يقم بأعمال تنظيمية مغامرة أو صدامية عنيفة ولم تكن صحته لتساعده عل ذلك فقد عانى من مرض خبيث، إلا أنه كان قريبا جدا من أوساط الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي بالذات الذي رعاه واهتم بأدبه
الراحل غائب طعمه فرمان مع د. زهير ياسين شليبه، موسكو 1982
في الاتحاد السوفييتي عمل غائب في مجال الابداع والترجمة، فانتقل من الأساليب الواقعية البسيطة والبدائية، التي انعكست في مجموعتيه ( حصيد الرحى) 1954 و( مولود آخر) 1959 إلى الطرق الفنية الناضجة المتجسدة في روايته الأولى ورائعة الأدب العراقي ( النخله والجيران) 1966، التي عدّها النقاد أول عراقية فنية ناضجة تتوفر فيها مقومات الرواية الحديثة مثل الحوار والحوار الداخلي أو المناجاة والوصف الخارجي والداخلي للشخصيات والاهتمام بالبطل الروائي الخاص، الذي يجب أن يعبر عن ملامح العصر، إضافة إلى الزمان والمكان وتغييراتهما وتقاطعاتهما الزمكانية.
لقطات من مسرحية النخلة والجيران
ونُقلت رواية ( النخلة والجيران) إلى المسرح من قبل فرقة المسرح الفني الحديث، ذات التوجهات الديمقراطية، وحصلت على شهرة واسعة ليس في أوساط المثقفين فحسب، بل مختلف فئات المجتمع. وقد لعب الحزب الشيوعي ومؤسساته الثقافية دورا كبيرا في زيادة الوعي لدى الناس بأدب غائب وكل المؤلفين الديمقراطيين
هذا وقد اهتم غائب برواياته الثماني بموضوعات مثل الغربة والحنين الى الوطن والعودة الى الجذور والتراث أو ما يسمى بالناستولجيا وحرية المرأة، إلا أن كل ذلك كان يحدث بطريقة غيرمباشرة وتقريرية كما تعودنا عليه في قصصه القصيرة الأولى
وعلى الرغم من أن غائبا عاش فترة طويلة في الاتحاد السوفييتي وروسيا إلا أنه لم يتناول في أدبه موضوعات الحياة السوفييتيه، التي كان يعرفها بشكل جيد بسبب عمله هناك وزواجه من امرأة روسيه. ويبدو لنا أن سبب ذلك يكمن في عدم رغبته في اثارة مثل هذه القضايا الحساسة والخطيرة التي كان يمكن ان تجلب له الكثير من المتاعب على مختلف الأصعدة
فاروق أوهان يحاور الروائي العراقي الأشهر غائب طعمة فرمان في بيته بموسكو 1988
هذا وقد نُقلت روايته ( خمسة أصوات) إلى السينما، وتصلح كل رواياته الأخرى للأعمال السينمائية والمسرحية كونها تؤرخ لحقبات من تاريخ العراق وتتناول مختلف شرائح مجتمعه. وكذلك تم اخرجها الفنان محمود ابو العباس مسرحيا بعنوان (خمسة اصوات). وقد ترجم غائب الى العربية مجموعة كبيرة من القصص والروايات الروسية والسوفييتية لكتاب روسيا الكبار مثل تولستوي ودوستوييفسكي وبوشكين، وكان يستعين بالانجليزية اضافة الى الروسية التي لم يتقنها في ترجمته لهذه الأعمال. وقد أعانته معرفته الجيدة للغة الأنجليزية في الاطلاع على أعمال فوكنر وجويس وميلر وهمنغواي وطبعا الروس ايضا. ومما يجدر ذكره أن غائبا ذهب الى العراق في زيارة قصيرة وبقي فيه فترة قصيرة عام 1974 وهي المرة الأخيرة التي التقى فيها بذويه، إلا أن أخته زارته قبل أحداث الخليج
وكان سعيدا بوجودها الى جانبه وقد عبّر من خلاال حديث هاتفي لاحدى الصحف التي اجرت معه الحوار في الدنمارك عن فرحته بزيارتها له، لكنه تمرض بعد رحيلها مباشرة وتوفي في المستشفى كما قال اصدقاؤه العراقيون المقربون له وزوجته التي اتصلت بها هاتفيا من الدنمارك حالما سمعت بالخبر المؤلم
وهكذا الكاتب الروائي الكبير غائب طعمة فرمان توفي يوم السبت الثامن عشر من آب عام 1990 في موسكو حيث دفن فيها.
عبد الرحمن منيف
وقال عبد الرحمن منيف عن غربة غائب ( لا أعتقد أن كاتبا عراقيا كتب عنها كما كتب غائب ، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات ، وربما إذا أردنا أن نعود للتعرف على أواخر الأربعينات والخمسينات لابد أن نعود إلى ما كتبه غائب )
د. يمنى العيد
وتقول د. يمنى العيد عن رواية المركب ( المركب وسيلة عبور وعنوان مرحلة للمدينة التي غادرها غائب ولم يعد إليها ، المركب لا تحكي الماضي بل الحاضر المكتظ بالمعاناة التي تدفع راكبيه إلى الالتفات إلى ماضيهم بحسرة ).
محمد دكروب
ونشر محمد دكروب ذكرياته مع غائب طعمة فرمان ، وكذلك فعل سعد الله ونوس كل النقاد العراقيين يتفقون إن رواية النخلة والجيران هي البداية الحقيقية للرواية العراقية المعاصرة
جبرا إبراهيم جبرا
وجبرا إبراهيم جبرا يقول عنه (يكاد يكون غائب طعمة فرمان الكاتب العراقي الوحيد الذي يركب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيبا حقيقيا)
رحم الله الروائي الكبير غائب طعمة فرمان من كُتب عليه الغياب، هي لعنة الاسم ربما!!! أو هو قضاء التاريخ العراقي الحديث الذي شتت الكثير من المثقفين وقذف بهم إلى المنفى سادا وراءهم كل طرق الرجعة حاكما عليهم بالغياب
المصدر مقالات متنوعة عن الروائي الكبير غائب طعمة فرمان
367 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع