قصر الحمراء — جوهرة الفن الاسلامي في غرناطة
«كم حيكت عن هذه الابنية الشرقية اساطير وحكايات، صحيحة وخرافية، وكم أُلِّفت عنها قصائد وأغانٍ، عربية وإسبانية، تتغنى كلها بالحب والحرب والشهامة!». — واشنطن ايرفنغ، اديب اميركي من القرن التاسع عشر.
هو قصر أثري وحصن شيده الملك الامازيغي باديس بن حبوس في مملكة غرناطة خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي. وهو من أهم المعالم السياحية بأسبانيا ويقع على بعد 267 ميلاً (430 كيلومتر) جنوب مدريد.
تعود بداية تشييد قصر الحمراء إلى القرن الرابع الهجري، الموافق للقرن العاشر الميلادي، وترجع بعض أجزائه إلى القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي
من سمات العمارة الإسلامية الواضحة في أبنية القصر؛ استخدام العناصر الزخرفية الرقيقة في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية، بل حتى بعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء كابن زمرك، وتحيط بها زخارف من الجص الملون الذي يكسو الجدران، وبلاطات القيشاني الملون ذات النقوش الهندسية، التي تغطي الأجزاء السفلى من الجدران
سبب التسمية
ثمة خلاف بشأن سبب تسمية هذا المعلم البارز باسم قصر الحمراء، فهناك من يرى أنه مشتق من بني الأحمر، وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 629 - 897 هـ / 1232 - 1492م، بينما يرى آخرون أن التسمية تعود إلى التربة الحمراء التي يمتاز بها التل الذي تم تشييده عليها. من التفسيرات الأخرى للتسمية أن بعض القلاع المجاورة لقصر الحمراء كان يُعرف منذ نهاية القرن الثالث الهجري، الموافق للقرن التاسع الميلادي؛ باسم المدينة الحمراء..
تاريخه
بداية لم يكن قصر الحمراء سوى جزء من مدينة الحمراء أو "قصبة الحمراء" التي تشمل قصر الحاكم والقلعة التي تحميه. وكانت مباني دور الوزراء والحاشية تنمو مع الوقت حتى غدت قاعدة ملكية حصينة
وعندما تولى زعيم الامازيغ باديس بن حبوس حكم غرناطة، بعد ظهور دول الطوائف في بداية القرن الخامس الهجري، أنشأ سوراً منيعاً حول الهضبة التي قامت عليها "قلعة الحمراء"، وبنى داخل هذا السور قصراً أو مركز حكومته، وسميت القلعة "القصبة الحمراء"، وصار قصر الحمراء جزءاً منها، وغدت معقل غرناطة الهام
اتخذ محمد بن الأحمر النصري مركزه في القصبة عام 635 هـ / 1238م وأنشأ داخل أسوارها قصره الحصين واتخذه قاعدة لملكه. وجلب إليه الماء من نهر حدرّه. وأنشأ حوله عدة أبراج منيعة
في أواخر القرن السابع الهجري، أنشأ محمد بن محمد بن الأحمر الغالب بالله ـ ثاني سلاطين غرناطة ـ مباني الحصن الجديد والقصر الملكي، ثم أنشأ ولده (محمد) في جوار القصر مسجداً قامت محلّه فيما بعد كنيسة سانتاماريا
تم الانتهاء من بنائة قبالة نهاية حكم المسلمين في الأندلس على يد يوسف الأول (1333-1353)م (733-754) هجري ومحمد الخامس سلطان غرناطة (1353-1391) ميلادي (754-792) هجري مع انقطاع بين سنتي 760 و763 خُلع خلالهما عن الحكم، ثم عاد إليه مجدداً ليبدأ في المرحلة الثانية من حكمه أهم التطويرات، ويكتب أغلب الأشعار التي يزدان بها القصر
عمارته وأقسامه
فناء الريحان الكبير: تتقدمه ساحة البركة أو "فناء الريحان" الكبير المستطيل الشكل، تتوسطه بركة المياه وتظللها أشجار الريحان؛ ونقشت في زوايا فناء الريحان عبارة (النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين...) والآية الكريمة (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم)، وفي النهاية الجنوبية لهذا البهو باب عربي ضخم، هدمت المباني التي كانت وراءه، ولم يبق منها سوى أطلال. وتوجد في هذه الأطلال بعض النقوش مثل "لاغالب إلا الله" "عزّ لمولانا السلطان أبي عبد الله الغني بالله". ويؤدي باب فناء الريحان الشمالي إلى بهو صغير اسمه "بهو البركة"
بهو السفراء: يؤدي البهو الذي يلي فناء الريحان من الجهة الشمالية إلى بهو السفراء (أو بهو قمارش) الذي يعد أضخم أبهاء الحمراء سعةً، ويبلغ ارتفاع قبته 23م. ولهذا البهو شكل مستطيل أبعاده (18 × 11م). وفيه كان يعقد "مجلس العرش"، ويعلوه "برج قمارش" المستطيل
فناء السّرو: يؤدي بهو البركة من جهة اليمين إلى (باحة السرو). وإلى جانبها الحمامات الملكية، وأول ما يلفت النظر غرفة فسيحة زخارفها متعددة الألوان مع بروز اللون الذهبي ثم الأزرق والأخضر والأحمر وفي وسطها نافورة ماء صغيرة، وتعرف باسم غرفة الانتظار. أما الحمامات فتغمرها الأنوار الداخلة عبر كوات بشكل ثريات وأرضها مرصوفة بالرخام الأبيض، ومن الحمام يتم الدخول إلى غرفة الامتشاط والاستراحة التي تكثر فيها الرسوم الغريبة عن الفن الإسلامي، ويتخلل الحمامات أبهاء صغيرة
قاعة الأختين: تقع في شرق بهو البركة. عُرفت هذه القاعة بهذا الاسم لأن أرضها تحتوي على قطعتين من الرخام متساويتين وضخمتين
بهو الأسود
بهو الأسود: تؤدي قاعة الأختين من بابها الجنوبي إلى بهو الأسود أشهر أجنحة قصر الحمراء. قام بإنشاء هذا الجناح السلطان محمد الغني بالله 755 هـ / 1354م ـ 793 هـ / 1391م. وهو بهو مستطيل الشكل أبعاده (35م × 20م) تحيط به من الجهات الأربع أروقة ذات عقود يحملها /124/ عموداً من الرخام الأبيض صغيرة الحجم وعليها أربع قباب مضلّعة. في وسط البهو (نافورة الأسود)، على حوضها المرمري المستدير اثنا عشر أسداً من الرخام، تخرج المياه من أفواهها بحسب ساعات النهار والليل
تعطلت مخارج المياه في هذه البركة حين حاول الأسبان التعرف على سر انتظام تدفق المياه بالشكل الزمني الذي كانت عليه. من الجدير بالذكر أن الحضارة الإسلامية استخدمت الفوارات في زخرفة الحدائق العامة والخاصة، وقد وصلت براعة المهندسين المسلمين في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي حداً كبيراً في صنع أشكال مختلفة من الفوارات يفور منها الماء كهيئة السوسنة، ويتم تغييرها حسب الحاجة ليفور الماء كهيئة الترس وفي أوقات زمنية محددة، وتمثل فوارات قصر الحمراء وجنة العريف نموذجاً متطوراً لما وصلت إليه إبداعات المسلمين في ذلك الوقت
باب الشريعة المدخل الرئيسي حاليا للحمراء
قاعة بني سراج: منتصف الناحية الجنوبية من بهو الأسود مدخل قاعة بني سراج الغرناطيين. ولهذه القاعة شكل مستطيل أبعاده (12م × 8م). فرشت أرضها بالرخام. وتعلوها قبة عالية في جوانبها نوافذ يدخل منها النور. وفي وسط القاعة حوض نافورة مستديرة من الرخام
قاعة الملوك (أو قاعة العدل): في جهة شرق بهو الأسود مدخل قاعة الملوك Sala de Los Reyes. زين سقف الحنية الوسطى بصور عشرة من ملوك غرناطة تعلوهم العمائم، تعبر ملامحهم عن الوقار والكبرياء. أولهم محمد الغني بالله. وآخرهم السلطان أبو الحسن والد أبي عبد الله. وهناك صور فرسان ومشاهد صيد
"النقوش على أحد الجدران"
منظرة اللندراخا: في جهة شمال بهو الأسود وقاعة الأختين بهو منظرة اللندراخا وذهب بعضهم في تفسير هذا اللفظ بأنه محّرف لثلاث كلمات عربية (عين دار عائشة). والجدير بالذكر أن عائشة كانت إحدى ملكات غرناطة في القرن الرابع عشر الميلادي. وإن لفظ (عين) يفيد (نافذة). وتتألف هذه القاعة من بهو صغير مضلّع
متزين الملكة : جناح علوي صغير في نهاية الطرف الشمالي للحمراء. تحت (برج المتزين) الذي يعود إلى عهد السلطان يوسف أبي الحجاج
أسود قصر الحمراء بغرناطة تتخلص من لونها الأسود
الجدير بالذكر أن الجناح المجاور لساحة الإمبراطور شارلكان من جهة الجنوب يحمل لوحة رخامية تذكارية تذكر أنه كان مقاماً للكاتب الأمريكي واشنطن إيرفينج عام 1829 الذي اشتهر بكتابته فتح غرناطة وقصر الحمراء
الزاوية والروضة: وهناك منطقة مهجورة من القصر في جهة الغرب كانت زاوية أو مصلّى فيها ميضأة وقاعدة مأذنة... وكانت خرائب الروضة مدفناً لملوك بني نصر ملوك غرناطة في جهة جنوب باحة السباع. وعثر في الروضة على شواهد عدة لقبور تعود لملوك غرناطة
صورة أثناء الليل
المصادر الموسوعة الحرة
1248 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع