عرض موجز للطبعة الرابعة لكتاب "الرئيس عبدالسلام عارف.. كما رأيتُهُ"
زينب صبحي ناظم توفيق
27/12/2019
سعدتُ من أعماقي أيّما سعادة حالما كلّفني والدي الحبيب "د.صبحي ناظم توفيق" إعداد عرض موجز يسلّط شيئاً من الضوء على الطبعة الرابعة لكتابه الموسوم "الرئيس عبدالسلام عارف.. كما رأيتُهُ"، رغم عدم خوضي أية تجربة سابقة في عالم الكتابة الأدبية، فإستشعرتُ بثقل يجثم على رقبتي قبل أن ألتجئ للعليّ المقتدر وأدعوه أن يجعلني بمستوى طموحه فلا أخجل أمامه إنْ أخفقتُ.
والذي لفت نظري أني لم أرَ والدي سعيداً بهذه الطبعة من الكتاب قدر سعادته بجميع كتبه الـ(23) المنشورات طوال (ثلاثة) عقود مضت، كونه لم يعتمد في إعداد مسوّدته ومبيّضته اللتين سطّرهما بأنامله سوى على يومياته وقتما كان ضابطاً يانعاً برتبة "ملازم" في فوج الحرس الجمهوري المكلّف بحماية رئيس الدولة ونظام حكمه ومسكنه المتواضع والقصر الرئاسي ومبنى الإذاعة والتلفزيون للفترة (1964-1966).
أما الإقدام المشكور على نشر الكتاب مجدداً بطبعته الرابعة فكان من بنات أفكار "الأستاذ الدكتور عصام خضيّر"، وقد أصدرتها "دار الذاكرة للنشر والتوزيع" وتشجيع منقطع النظير من لدن المؤرخ المبدع الأستاذ "صفوة فاهم كامل" الذي تحمّل أعباء مراجعة الكتاب بكل دقة ورويّة، وقد تصدّرت جملة الكتب التي عُرِضَت في أروقة معرض الكتاب العراقي الذي أقامه "د.عصام خضيّر" في "قاعة الأورفلي" بعاصمة المملكة الأردنية الهاشمية العامرة وبرعاية خاصة من لدن سموّ الأمير المبجّل "رعد بن زيد" وبحضور العشرات من الشخصيات العراقية والأردنية المعتبَرة ومن أصحاب الصيت والرفعة في غضون الأيام الخمسة (1-5/تشرين الأول-أكتوبر/2019)، حيث لاقى الكتاب رواجاً ملموساً يُحمَد عليه.
نبذة عن الكتاب وطبعاته الثلاث
هذا الكتاب بطبعته الأولى المؤلّفة من (598) صفحة، أصدرته "دار الحكمة" في العاصمة البريطانية "لندن" عام 2007، ونشرته في العديد من مكتبات شارع المتنبّيء وبغداد وعموم العراقي، ناهيك عن "مصر، الأردن، سوريا، الإمارات، الكويت" ومعظم الدول العربية، حتى نفدت المعروضات لديها خلال ثلاث سنوات.
غلاف الطبعة الأولى من الكتاب
ما آلت إليه الطبعة الثانية
وبعد أن أجرى السيد الوالد العديد من التعديلات وتلافى أخطاء الكتاب الطبعية واللغوية، أقدَمَ على طبعته الثانية التي هي شبيهة للأولى بمحتوياتها من حيث المعلومات الأساس مع القليل من الإضافات المستجدة ليبلغ عدد صفحاتها (648) صفحة، فأصدرها على نفقته الخاصة بواقع (2000) نسخة أواخر عام 2010 وقتما كان في "دمشق" عن طريق "دار تالة للنشر والتوزيع".
ولكن ما أن بادرت بتوزيعها للمحافظات السورية حتى بدأت أحداث بلاد الشام العزيزة والمروّعة أواسط شهر آذار/مارت 2011، ولم يصل الكتاب إلى "العراق"، قبل أن تشتّت أواصر بلاد الشام وإنقطعت الطرق ما بين محافظاتها قبل أن تُغلَق منافذها الحدودية مع دول الجوار ولم يَبقَ سوى الطريق الدولي نحو "لبنان"، وإضطر السيد الوالد للسفر عن طريق "بيروت" إلى "إستانبول" في تموز/2012 من دون أن يطّلع على مصير مئات النسخ التي وُزِّعَت في العديد من المدن السورية.
غلاف الطبعة الثانية من الكتاب
الطبعة الثالثة
لم تزد أعداد النسخ المطبوعة من الطبعة الثالثة على بضع عشرات، لإهدائها لأصدقاء من مُتابعي تأريخ العراق السياسي المعاصر، إضافة لوضعها للبعض من مكتبات أقسام اللغة العربية والتأريخ لدى عدد من الكليات والجامعات في عموم "تركيا" من دون مقابل مادّي، وكانت مستنسخة طبق الأصل من الطبعة الثانية من دون أي تغيير.
ماذا تعني الطبعة الرابعة؟؟
قلّما يحظى في العراق والعالم المعاصر -وبعد ثورة المعلومات وإكتساح الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي حياة جيل الشباب- كتابُ ما بأربع طبعات إثر نفاد طبعاته الثلاث السابقات في غضون (عشرة) أعوام.. ولكن هذا ما حدث بحق الكتاب الموسوم "الرئيس عبدالسلام محمد عارف... كما رأيته"، ما يشير إلى عمق إهتمام الجمهور العراقي والعربي بشخص "الرئيس عبدالسلام" وحقبة حكمه المثيرة للكثير من الجدل والنقاش، رغم كونها لم تزد على (ثلاث) سنوات من تأريخ العراق السياسي المعاصر.
فهو رئيس دولة -مهما قيل عنه وتعاكست الآراء نحوه- ينبغي دراسته والتعمّق في أغواره وسبر أعماقه، بأيجابياته وسلبياته، وصولاً إلى تقييم دوره وأدائه لغاية يوم مصرعه في حادث الطائرة المشكوك في تفاصيله مساء (الأربعاء-13/نيسان/1966)، حيث سطّر السيد الوالد مشاهداته عن قرب لهذا الرجل الذي شارك في قيادة العراق قبل أن يصنع أحداثه الساخنة وقراراته، وكان خلالها حديث المجتمع العراقي والشرق الأوسط ومعظم الوطن العربي وبعض العالم، ومن دون أن يستند السيد الوالد إلى مقالات ودراسات وبحوث، فقد شاء القدر في حينه أن يُنتَقى -من حيث لا يعلم ولا يدري ولم يرغب- ضابطاً في "فوج الحرس الجمهوري الأول"، ويُكتبَ عليه أن يغدو وجهاً لوجه مع الرئيس "عبدالسلام"، أو إلى جنبه، أو ناظراً إليه بمعدلات يومية وأسبوعية حتى بلغت المئات، مُسجِّلاً البعض مما يبدر من شخصه وعن المحيطين به وبعض أهم ضيوفه وزائريه من أحاديث وتصرفات إيجابية وسلبية.
فصول الكتاب
ولذلك، فإن "صبحي ناظم" لا يسلّط مجرد ضوء على رجل يستحق الأضواء فحسب، بل على أحداث ووقائع فرضت أوزارها لأعوام متسلسلة على هذا البلد الذي أُبتُلِيَ بـ"ثورة بيضاء" حيناً، و"إنقلاب أسود" حيناً آخر، و"إنتفاضة شفافة" وهذه "حركة رعناء"، وما إلى ذلك من مُسَمَّيات شاءت أدبيات أنظمة الحكم المتنوعة ووسائل إعلامها المختلفة إطلاقَها على هذا التحرّك السياسي أو ذاك، وهذه العملية أو تلك، في كتاب يحتوي (505) صفحات والفصول الآتيات:-
• الفصل التمهيدي:- إنتقاء "الملازم صبحي ناظم توفيق" للحرس الجمهوري.
• الفصل الأول:- "عبدالسلام محمد عارف" في حياته الخاصة (ثلاثة مباحث).
• الفصل الثاني:- "عبدالسلام محمد عارف" في إدارته للدولة (عشرة مباحث).
• الفصل الثالث:- "عبدالسلام محمد عارف" والإرهاصات السياسية (ثلاثة مباحث).
• الفصل الرابع:- "عبدالسلام محمد عارف" والمحاولة الإنقلابية الأخطر في عهده (ثلاثة مباحث).
• الفصل الخامس:- مصرع "عبدالسلام محمد عارف" (سبعة مباحث).
الشخصيات التي قدّمت للكتاب
ما يستجلب النظر ويُفتَخَر به في سابقة نادرة قلّما تلمّسناها بحق معظم الكتب المنشورة في العراق، أن (ست) شخصيات عراقية سياسية وأكاديمية مرموقة قد قدّموا لهذا الكتاب مشكورين بخط أيديهم وأناملهم الكريمة، مُبدين آراءَهم السديدة سواء إزاء شخص الرئيس الراحل "عبدالسلام عارف" وبحق الكتاب وكاتبه... وهم السادة الأجلاء:-
الأستاذ ناجي طالب...
رئيس الوزراء الأسبق، وحامل العديد من الحقائب الوزارية في العهود الجمهورية المتلاحقة، الذي قدَّمَ للكتاب بخط يده بواقع (ست) صفحات أمضاه يوم (25/3/2005)، ندرج في أدناه البعض منه:-
]]]]] لم أكن راغباً في أن أُقدِّم لهذا الكتاب الموسوم "عبدالسلام محمد عارف" كما هو شأني مع غيره.... إلاّ أن الدكتور صبحي ناظم توفيق -الذي يحلو أن يُسمّي نفسه "تلميذي"- في الوقت الذي أعتبرُه أخاً أصغر لي وصديقاً، حين أَودَعَ لي مسوّدة كتابه هذا، فقد أثار في ذاكرتي -بعد تصفّحي لعموم أوراقه- العديد من الأحداث المهمة التي أعادتني إلى تلكم الأيام التي عشتُها عن قرب مع الكثير منها عند منتصف القرن الماضي (القرن العشرين)، وهي أحداث تركت، من غير شك، آثاراً عميقة في تأريخ عراقنا المعاصر... ولذلك لم أجد بُدّأً أن أُلَبّي رغبتَه، وخصوصاً بعد أن لمستُ كَمْ من الجُهد المشهود قد بَذَلَه هذا الأخ في إنجاز هذا العمل المهم، الذي لا يسعني إلاّ أن أُهنّئه عليه... فقد كان الكاتب، والحقّ يُقال، دقيقاً في ملاحظاته، مُخلصاً في تسجيل مشاهداته عن حياة "عبدالسلام محمد عارف" وتصرّفاته الشخصية، كرئيس للجمهورية، ووفقاً لرؤية ضابط حدث في "الحرس الجمهوري"، يرصد رئيسَه عن بُعد أو قُرب، معتمداً على ذاكرته، وعلى يوميات كتبها في حينها، فكان موفَّقاً في ذلك، وخصوصاً بعد أن أضاف إليها ما سمعه من أشخاص عاصروا "عبدالسلام" سواءً كانوا من مؤيّديه أو مُناوئيه وخصومه، أو صُنّاع القرار في عهده، ممّن أبدوا رأيهم حيال الأحداث التي وقعت خلال السنتين اللتين سبقتا وفاته مساء يوم 13/نيسان/1966.
ومهما يكن من أمر، فأن "المؤلّف" في كتابه هذا لم يَكتَفِ بمجرد ذكر مشاهداته لمجريات حياة "عبدالسلام" كما قد يبدو للقارئ من عنوان الكتاب، ولكنه جاء ليغطّي وبعمق العديد من أحداث سنتين حُبلَيَين من تأريخ العراق المعاصر، وقد أثارت تلك الأحداث في نفسي الرغبة في أن أُضيف إليها وبإختصار شديد بعض الخواطر والإنطباعات التي أراها ذات فائدة للدارسين.
ولا بُدَّ لي أن أقول أن كتاب أخي "الدكتور صبحي ناظم توفيق" هذا، كتاب ممتع ومفيد حقاً، وعلى الأخص بما تحتويه هوامشه وتحليلاته للأحداث من معلومات كثيرة وصور متعددة ينقل القارئ بينها، وتشدّه إليها، وأنا واثق أنه بكتابه الجديد هذا يضيف إلى المكتبة التاريخية/السياسية العراقية والعربية مؤلَّفاً جديراً بالاهتمام والدراسة، اُهنِّئُه عليه بكل إخلاص.
الأستاذ صبحي عبدالحميد
وزير الخارجية والداخلية الأسبق، وعضو المجلس الوطني لقيادة الثورة، والذي قدَّمَ بحق الكتاب بواقع صفحتين سطّرهما يوم 12/1/2005، وفي أدناه جزءاً منهما:-
كان "عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف" عضوَين في "اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار"، وفي حزيران/1958 قرّرا الإنفراد بالقيام بالثورة فإمتنع "عبدالسلام" عن حضور إجتماعات اللجنة، بينما واصل "عبدالكريم" إجتماعاتها للتغطية على ما كان يخطّطان له.
وكان شجاعاً إلى حد التهَوُّر، ولولا شجاعته وإقدامه لما قامت ثورة 14/تموز/1958، وكان قومياً، وَحدَوياً، مؤمناً بوحدة العراق مع الجمهورية العربية المتحدة، ومتحمّساً لذلك، إلى حدّ أزعج "عبدالكريم قاسم" الذي لم يكن مؤمناً ومتحمساً لهذه الوحدة، وكان نزيهاً، نظيف اليد، حريصاً على أموال الدولة، متديّناً يخاف الله، ولم يُعدِم أي شخص سياسي في عهده منذ 18/تشرين الثاني/1963 حتى وفاته)
الأستاذ الدكتور كمال مُظهِر أحمد
أستاذ التأريخ المعاصر بجامعة بغداد، والذي قدَّم للكتاب (ست) صفحات ملفتة للأنظار يوم 2/6/2005 نقتطف من متونها جزءاً يسيراً:-
مذكرات فريدة في بابها
أغلب الظن يصعب على القارئ أن يترك جانباً أي مبحث أو صفحة ممّا ورد بين دفَّتَي هذه المذكرات، لا فقط لأنها تعالج، بدقة متناهية وعن كثب، أحداثاً في غاية الأهمية شهدها العراق، وإنعكست بصورة مباشرة على الساحة السياسية في مجموعة كبيرة من دول المنطقة وغيرها في مرحلة تأريخية حرجة طافحة بالمتغيّرات، بل أيضاً لأنها تنطوي على قدرٍ كبيرٍ من المعلومات الجديدة والمفيدة التي تضع النقاط على الحروف، وتميط اللثام عن خفايا كثيرة ومحرّكاتها غير المرئية.
وهي، فضلاً عن هذا وذاك، ترسم لنا بموضوعية منقطعة النظير، لم يسبق لها مثيل في مجال موضوعها-على حد معلوماتي- صورة شخصية مركّبة تجمع بين أفضل الصفات وأسوأها، فصاحب تلك الصورة حازم، جريء، طيب، متواضع، أمين، وفـيّ، قَويم، متديِّن، وفي الوقت نفسه مزاجي، عنصري، طائفي، أناني، فردي، ذرب اللسان، متعطش للحكم، تملّك منه داء العظمة.
ويبدو لي أن مثل هذا الحياد المطلَق في رواية كل ما لعبدالسلام محمد عارف، وكل ما عليه على حدٍّ سواء، مُتَأتٍّ من عوامل عدّة، أوّلها أن صاحب المذكرات لم يبحث عن الموقع الذي جعله قاب قوسين أو أدنى من شخص رئيس الجمهورية على مدى نيفٍ وعامين، إنَّما جدارته هي التي مهّدت له الطريق إلى هناك دون أن يتوقّع هو ذلك، أو يخطر على باله من قريبٍ أو بعيد... وهذا يفرض علينا أن نتطرّق إلى بعضٍ من صفات هذا الإنسان التي لاحظناها عن كثب من خلال علاقات يربو عمرها على حوالي عقدين من الزمن، خلاصتها التواضع والأدب الجّم والذكاء وسرعة البديهة والتواصل والدأب، مما أهَّـلَه لأن يكون معروفاً لدى المعنيّين وغيرهم على نطاق واسع بفضل كتاباته المنشورة، وتعليقاته الرصينة التي تلجأ إليها "إذاعة لندن" وغيرها بين الحين والآخر، فضلاً عن أطروحته المتميّزة عن جيش المغول، وقد أهَّـلَه كل ذلك، وغير ذلك ليكون أكاديمياً في ثوبٍ عسكري.
وبفضل ذلك أيضاً نعرف تفصيلات الأوصاف خُلقاً وخِلقَةً لكل من كان على علاقة مباشرة بعبدالسلام محمد عارف من أفراد الأسرة أو غيرهم، والتي إختار منها صاحب المذكرات نماذج معبِّرة تساعد حتماً على فهم شخصية عبدالسلام محمد عارف بصورة أفضل.
وبالأسلوب الهادئ، الرصين نفسه يتحدث صاحب المذكرات عن تصرفاتٍ منبوذة للعديد من المنافقين الأفّاكين الذين كانوا يعلمون معه ضباطاً في الحرس الجمهوري، دون أن يُشير إلى أسمائهم، فهدفه وضع اليد بأمانة على ما كان يعانيه النظام، ومعه أبناء الشعب، من أمثال هؤلاء الذين تحوّلوا إلى مِعولِ هدمٍ وإفسادٍ طوال العهد الجمهوري، وإزدادوا عدداً ومكراً مقيتاً من يومٍ إلى آخر، فأوصلوا البلاد والعباد إلى وضع لا يُحسد عليه.
وقدَّم لنا صاحب المذكرات مادة دسمة، من أفضلها على ما أعتقد، الحوار الطويل والقيم بكل معنى الكلمة، الذي جرى بين الرئيس والدكتور عبدالرحمن البزاز في حديقة القصر على مقربةٍ منه، مما حوَّلَه " إلى آذانٍ صاغية كلياً" ليستوعب كل ما ذكره البزاز للرئيس مخلصاً، مدركاً، إذْ ألقى عليه محاضرة رائعة، عميقة، عزّزها بأمثلة وشواهد مقنعة تستوقف القارئ مهما كان مَشربُه، وتجعله يُقيّم عالياً رجلاً أكاديمياً، سياسياً، مفكراً لم نقدِّره حقّ قدرِه، بل لا أرى أي حرج في التأكيد على أن عبدالسلام لو أخذ بنُصحِه لما آل مصيره إلى ما آل إليه قطعاً.
ولا أشك في أن الرواية المفصّلة التي يعرضها علينا صاحب المذكرات بخصوص المحاولة الإنقلابية لرئيس الوزراء "عميد الجو الركن عارف عبدالرزاق" في غياب رئيس الجمهورية عبدالسلام محمد عارف، في أنها تستوقف أنظار القراء لأكثر من سببٍ وجيه، فهو شاهد عيان قريبٍ من الحدث الذي يُعَدُّ أغرب حدثٍ من نوعه في التأريخ -حسب وصف "تايمس" اللندنية- لكنه لم يكتف بما رآه بأمّ عينيه، بل تابع فيما بعد أبعاده بالإعتماد على ما ذكره له أبرز صناع القرار في تلك الحقبة.
هذه الشواهد، وغيرها بالعشرات، تجعل أكثر الناس تعاطفاً مع عبدالسلام محمد عارف مقتنعاً بأن الرجل، ومن كان حوله، أوصلوا البلد، بغض النظر عن نواياهم، إلى حدّ "أن يحترق"، وتدنّت الأمور بسببهم بشكل "لم يسبق له مثيل في أي عهد من العهود التي مرت على العراق".
وبالمناسبة لا يمكنني أن أتفق مع صاحب المذكرات في وسمه الحركة الكردية بالعصيان والتمرد، مع العلم أنه سجّل لنا تعريفاً دقيقاً لتلك الحركة على لسان الدكتور عبدالرحمن البزاز الذي أراد مخلصاً، من أجل العرب والكرد والعراق برمّته، أن يُفهم عبدالسلام محمد عارف أن البارزاني "بات رمزاً للقومية الكردية" في "عصر هو عصر القوميات وليس الأديان والحدود الجغرافية"، فيما تمكّن هو من "جمع الدين والقومية، مما أضاف قوة متزايدة إلى قوته"، كما بيّن له خطأ إعتماده على من أسماهم عبدالسلام "بأفواج من الأكراد مستعدة للقتال ضد البارزاني"... فهم، كما أكّـد له البزاز، ليسوا "سوى مجاميع من المرتزقة، ولربما يكون معظمهم ذوي وجهَين".
وبعد، يحقّ لصاحب هذه الأسطر أن لا يخامره أدنى شك في أن "عبدالسلام محمد عارف.. كما رأيتُهُ" سوف يحتلّ المقام الجدير به في المكتبة العراقية، وفي قلوب قرائه، بغضّ النظر عن قناعاتهم الفكرية.[[[[[[
الأستاذ الدكتور سعد ناجي جواد...
أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد... والذي سطَّرَ (أربع) صفحات في تقديمه للكتاب يوم 23/8/2004، نجتزئ منها ما يأتي:-
]]]]]]عندما طلب مني الأخ الأستاذ "صبحي ناظم توفيق" أن أكتب تقديماً لجهده المتميز "الرئيس عبدالسلام عارف.. كما رأيته" شعرتُ بحرج كبير ولأسباب عديدة، أوّلها وأهمّها أن الأخ الطيب "صبحي" لا يمكن أن يُردّ، خاصة وأنه بذل جهداً كبيراً يستحق عليه التهنئة.
فالمرحوم "المشير الركن عبدالسلام عارف" شخصية أثارت وتثير الكثير من الجدل بين العراقيين… فهناك من يرى فيه شخصية شجاعة إستطاعت أن تثبت شجاعتها في كثير من الأحداث، ويستدلّون على ذلك بإقدامه على القيام بثورة 14 تموز 1958، في عملية لم تمتلك من حظوظ النجاح سوى النزر اليسير، وإقدامه على مواجهة هيمنة حزب البعث في عام 1963 والإطاحة به، وتصرفاته الشخصية الأخرى التي كانت لا تبالي بالحماية والمرافقين والإجراءات الأمنية الأخرى… وقسم آخر يرى فيه شخصية طائشة، ويستدلّون على ذلك بتصرفاته وأحاديثه بعد نجاح ثورة 14 تموز مباشرة.. في حين أن قسماً آخر يرى فيه شخصية جلبت الكوارث على العراق عندما أقدم على تنفيذ الثورة والإنفراد بها مع المرحوم "الفريق الركن عبدالكريم قاسم"، ونقل البلد من دولة مؤسسات و(ديمقراطية) محدودة جداً إلى بلد تهيمن عليه المؤسسة العسكرية التي لم تكن لها خبرة في الشؤون السياسية… وقسم رابع يرى فيه شخصية ناكرة للجميل وحَقودة، ويستدلّون على ذلك، بموافقته، أو سكوته، على إعدام "عبدالكريم قاسم" في الوقت الذي كان فيه الأخير قد عفا عنه وألغى عقوبة الإعدام بحقه بعد أن حاول إغتياله، وبعمله على الإطاحة بحزب البعث والبعثيين الذين أتوا به إلى الحكم وجعلوه رئيساً للجمهورية، وهو الذي لم يكن مشتركاً في الإعداد أو التنفيذ، بعد ثورة 14رمضان1963... وأخيراً وليس آخراً محاولته تصفية أو إبعاد رفاقه والمقربين إليه من الإتجاه القومي لأنهم إختلفوا معه في الرأي.
والرجل كان بالتأكيد مستقيماً ونزيهاً وزاهداً من الناحية الشخصية، ولكن هذه الصفة -والتي أصبحت نادرة في أيامنا هذه- لم تكن ميزة لم يتّصف بها أحد، أو شبه معدومة عند رجالات الحكم العراقيين الأوائل، إبتداءً من الملك "فيصل الأول" رحمه الله وإنتهاءً بعبدالرحمن عارف... فالعائلة المالكة ذهبت ولم تكن تملك من حطام الدنيا شيئاً يذكر، و"نوري السعيد" الشخصية التي هيمنت على السلطة طوال العهد الملكي، والذي كان يُعتبَر العدو الأول للحركة الوطنية، مات ولم يكن يمتلك سوى دار سكن ومبلغاً نقدياً تافهاً في أحد المصارف العراقية... وربما كان "عبدالكريم قاسم" المثل الأبرز في هذا المجال، فمهما قيل عن أخطائه السياسية، إلاّ أنه فارق الدنيا ولم يكن يمتلك حتى داراً سكنية بإسمه، وكان يوزع الجزء الأكبر من راتبه الشهري على العوائل الفقيرة والمحتاجة... من ناحية أخرى حرص الكاتب، وبتجرؤ وموضوعية، على تثبيت آراء أشخاص إختلفوا مع "عبدالسلام عارف" وإنتقدوه بشدة، مثل المرحوم البطل "عمر علي" والأستاذين الجليلين "ناجي طالب" و"صبحي عبدالحميد"، ولم يحاول أن يزّوق.
وختاماً فإن هذا الكتاب يُعدُّ إضافة للمكتبة السياسية، وبالتأكيد سيُكتب ويُتحدَّث عنه كثيراً[[[[[
الأستاذ الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف...
أستاذ التأريخ الحديث بجامعة بغداد... وقد قدّم للكتاب (أربع) صفحات أمضاها يوم (21/9/2005)، ننقل منها السطور الآتيات:-
]]]]]إن ظهور هذا الكتاب، في هذا الوقت بالذات، يثير قضية مهمة تتجاوز الكتاب نفسه إلى قضية التأريخ كله، فهذا التأريخ الذي تعرَّض، منذ عدة عقود، وما زال يتعرَّض، إلى أنواع من التزييف والتحريف والتغيير والإضافة والنقص، غدا غير مقنعٍ لكثيرين، على أساس أنه مجرّد تأريخ مُسيَّس، يُكتب على وفق نظرة الحاكم، أو الحزب، أو الفئة، دون أن تتوخى فيه الحقيقة ذاتها، وصار من المألوف تماماً أن يتعرّض هذا العلم الجليل، إلى سِهام من النقد، تقول أن التاريخ كله حديثٌ مُلفَّق، كما قال الرصافي مرة.
والقضية التي يثيرها الكتاب هي أن الحاضر ليس ثمرة الماضي فحسب، وإنما العكس صحيح أيضاً، فالماضي هو أحياناً ثمرة الحاضر، بمعنى أننا ننظر إليه ليس على وفق كان عليه هذا الماضي نفسه، وإنما على وفق ما نريده من حاضرنا أيضاً.
وهكذا صرنا نعيد النظر إلى الشخصيات المهمة في تأريخنا المعاصر على وفق المتغيرات السياسية التي تتبدل في كل يوم، فمن كان يُعَدُّ وطنياً، صرنا نعدّه وفق معايير ضعف الإنتماء الوطني، ضالاً أو مُضلِّلاً، ومن كان يُعدّ من روّاد العمل القومي، صار، في ظل نكسة القومية العربية الحالية، مخدوعاً أو مُخادِعاً.
وشخصية الرئيس الراحل عبدالسلام محمد عارف، هي واحدة من الشخصيات التي أثارت من الجدل الكثير، ليس لغموض دورها، أو تعقيدها مثلاً، وإنما لأن هذه الشخصية عَبّرت، من خلال سلوكها السياسي، عن منعطف مهم في تأريخ العراق المعاصر، منعطفٍ عسيرٍ إختزن في دواخله كل تناقضات الماضي القريب، وطموحات المستقبل الآتي، وعبّر عن صراعات النزعات القطرية المنغلِقة مع الحركة القومية العربية، هذا مع شيء غير قليل من المراهقة السياسية لأكثر الحركات السياسية على إختلاف أسمائها ومواقعها.
وللسبب نفسه، فكّرت بالإعتذار للصديق الدكتور صبحي ناظم حين طلب مني أن أقدم لكتابه هذا... بيد أنني أشفقتُ أن يكون إعتذاري عن كتابة هذا التقديم يمثل ظلماً آخر يُضاف إلى ما أصاب الرجل في حياته وفي مماته معاً. ومكمن هذا الظلم -في تقديري- هو في عدم الفهم الذي أحاطه، وكأن رغبة ما كانت وراء أن يبقى تأريخ العراق في عهده بعيداً عن البحث العلمي النزيه.
من هنا تأتي أهمية أن يخوض باحث عراقي نابه، هو الدكتور صبحي ناظم توفيق، المتخصص بالدراسات الوثائقية المعاصرة، غمار هذه التجربة الرائدة، فيكتب حيث سَكتَ الآخرون، ويَقدِم إذ أحجم الكثيرون، والمهم أنه خَرقَ جدار الصمت عن مدة مهمة من تأريخ العراق العزيز، حافلة بالتجارب، وهي على مرارتها، فإنها يمكن أن تقدِّم، إذا ما جرى تأمّلها بهدوء وروية، دروساً مستفادة ما أحوَجَنا إليها اليوم[[[[[
الدكتور محمود عبدالسلام عارف وبعد تقديمات أولئك القامات الخمس والرايات الكبار، إستطاع السيد الوالد عن طريق صديقه السيد "صفوة فاهم كامل" الوصول إلى نجل الرئيس الراحل المستقر في "دبي" ليرجو منه تشريفه بتقديم سادس يُضاف للكتاب الذي يحمل إسم أبيه، فلم يتردد في تسطير (خمس) صفحات خلال شهر (تموز/2019) محمّلة بمعلومات وحقائق ذات معانٍ لم يسردها أحد من قبلُ، نقتطف منها جزءاً يسيراً:-
]]]]وللتاريخ اسجّل وأقول إن هذا الكتاب وما إحتواه من معلومات غنيّة وصور متنوعة، فأنه يعتبر بحق من أصدق الكتب وأقربها للحقيقة والأمانة التأريخية، إذا ما قورنت مع كتب ودراسات عديدة صدرت عن الرئيس الراحل عبد السلام عارف، والباعث في ذلك أن هذا الكتاب كُتِب َبيد أمينة وشاهد حيّ على تلك الأحداث وأقربهم منها، ونقلها بحِرَفيّة لا غبار عليها وحرية غير مقيدة بتفاصيلها.
لذلك فأنني أتشرف بطلب الدكتور صبحي، بكتابة هذه المقدمة المقتضبة لما يجول في خاطري من ذكريات وحكايات عن والدي، لتضاف إلى بقية المقدّمات لهذا الكتاب القيّم[[[[[
مسك الختام
وفي الختام وبعد المعذرة عن القصور الذي أستشعره في محدودية إيفائي بقدر هذه الطبعة الرابعة، إلاّ أني مغتبطة لما أنجزتُه من عرض موجز للكتاب، وسعيدة لكون أولى كتابة تُنشَر لي تحمل عنوان مؤلَّف مُزدان بإسم والدي الحبيب "الدكتور صبحي ناظم توفيق" الذي نعتبره مثالاً لأب حنون لنا وجِدّاً مُحِبّاً لأولادنا، ونقدّسه من عظم حبّه ومعزّته لي وشقيقتاي الحبيبتين "سنبل ونور" منذ إحتضننا أواسط عقدَي السبعينيّات والثمانينيّات سويّة بمنتهى الدلال والرعاية إلى جانب السيدة الوالدة ستّ الحبايب العزيزة، فلم نلمس منه تصرّفاً فَظّاً، أو نسمع كلمة نابية منذ نعومة أظفارنا ولغاية يومنا الراهن، وسوف لن نلمس ولا نسمع.
ومن الله العليّ المقتدر السداد والتوفيق.
وسلام من الله على المتابعين الكرام ورحمة منه وبركات.
707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع