اللواء الركن
علاء الدين حسين مكي خماس
28 مايو 2025
عملية "البنيان المرصوص": أحدث نموذج واقعي لاستخدام الحرب السيبرانية في نزاع بين قوتين إقليميتين نوويتين
تمهيد
في شهر مايو من عام 2025، وفي خضم وضع اللمسات الأخيرة على كتابي المزمع نشره قريبا ان شاء الله والمعنون ( الحرب السيبرانية - مستقبل الحروب في عالم ما وراء الجغرافيا) شهد العالم واحدة من أكثر العمليات السيبرانية إرباكًا وتعقيدًا في تاريخ الحروب الرقمية الحديثة. فقد نفذت باكستان، في سياق التصعيد الأخير مع الهند، هجومًا سيبرانيًا واسع النطاق أُطلق عليه اسم "عملية البنيان المرصوص"، استهدف البنية التحتية الهندية المدنية والعسكرية بشكل متزامن وذكي، دون أن تُطلق رصاصة واحدة. ولقد وردني من احد الأصدقاء فديو مهم عن هذا الهجوم ، أدرجت رابطه في نهاية جدول المراجع لمن يعجبه المشاهدة . لكنني وقبل ان ابدأ كتابتي وتعليقي أرى من المناسب ان نبدأ هذا المقال بترجمة مكتوبة لما قاله المعلق على مقطع الفديو وهو يصف هذا الهجوم السيبراني .
قال المعلق الاتي :
(( ماذا لو اختفت قوة أمة وقطاراتها وأسرارها في ثوانٍ، دون إطلاق رصاصة واحدة؟ لم يكن هذا فيلمًا، بل كانت الضربة الافتتاحية لحرب سيبرانية حقيقية. في جوف الليل، كانت العاصمة الهندية هادئة. هدوءٌ مُفرط. أطفأت المباني الحكومية أنوارها.
كانت رسائل البريد الإلكتروني تُهمهم في صمت. لكن شيئًا خفيًا كان يخترق سماء العالم الرقمي. لم يكن هذا تدريبًا. كانت هذه عملية "بنيان المرصوص"، هجوم سيبراني استراتيجي صامت نفذته قيادة النخبة السيبرانية الباكستانية، المعروفة باسم "الظلال". في ثوانٍ، تم اختراق أكثر بيانات الهند أمانًا، واستخبارات الدفاع، وملفات الانتخابات، والأسرار الاقتصادية.
تجمدت 507 أنظمة عالية القيمة. حدق الخبراء في حالة صدمة بينما تحولت الشاشات إلى حالة سكون. وصلت الرسالة، هذه مجرد ضربة رقمية. الحرب الحقيقية لا تزال قادمة. لكنها لم تتوقف عند هذا الحد. الهدف الأول: شبكات سكادا، العمود الفقري الرقمي للبنية التحتية الهندية، وشبكات الكهرباء، والتحكم في المياه، والمنشآت الصناعية، جميعها مُخترقة. انقطعت الكهرباء عن 70% من شمال الهند. أكثر من 50 مليون مواطن بدون كهرباء. حرائق في محطات الطاقة. مضخات المياه معطلة. حتى المستشفيات والمطارات لجأت إلى أنظمة احتياطية. ثم جاءت الضربة الثانية، وتعطلت السكك الحديدية الهندية، وعاصفة من هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة، وحقن برمجيات خبيثة شلت KRIS ، مركز قيادة السكك الحديدية. توقفت القطارات. تقطعت السبل بأكثر من 2900 قاطرة، وتعطلت الإشارات، ونجا 12 قطارًا من كارثة بأعجوبة.
والتكلفة؟ ملايين الدولارات فُقدت بسبب انقطاع الشحن. الفحم، الحبوب، النفط، السلع الصناعية. توقف كل شيء. الضربة الثالثة، شبكة الطاقة الذكية في الهند. مزارع الرياح في غوجارات، وشبكات الكهرباء في دلهي، ومحطات الكهرباء الفرعية في كشمير، تعرضت للاختراق، والإغلاق، والاحتراق. انفجرت المحولات، وتعطلت المولدات، وانهارت المدن في الظلام. لكن الجزء الأكثر رعبًا، لم يكن فوضى، بل دقة. حرب سيبرانية صُممت ليس فقط لتدمير الأجهزة، بل لكسر الروح المعنوية، وكشف نقاط الضعف، وتذكير العالم بأن ساحة المعركة تجاوزت الحدود إلى الشبكات والخوادم والعقول. لم تكن عملية بونال مارسوس مجرد ضربة، بل كانت رسالة. إذا استطعنا التواصل بصمت، فتخيلوا ما سيحدث لاحقًا. مرحبًا بكم في عصر الحرب الجديد حيث تتسرب البيانات وتضرب الظلال.)) انتهى قول المعلق .
وفيما يلي ما كتبته ، وارجو ان أكون قد وفقت في ذلك . متمنيا للجميع قراءة ممتعة
مدخل
تُعد هذه العملية أحدث مثال حيّ وملموس على تحول الحروب بين القوى الإقليمية وخاصة الدول النووية من الحروب التقليدية إلى ميادين غير مألوفة، تعتمد على الكودات والشيفرات أكثر من القنابل والمدافع. وقد شكّلت هذه العملية اختبارًا عمليًا لمعنى الردع السيبراني، وقدرة الدول الأقل تسليحًا على إحداث شلل استراتيجي لدى خصومها من خلال أدوات رقمية ذات طابع هجومي خالص.
السياق العام للعملية
لطالما كانت العلاقة بين الهند وباكستان متوترة منذ لحظة التقسيم في عام 1947. وعلى مدار العقود، خاض البلدان ثلاث حروب تقليدية، وتبادلا التهديدات النووية، وخاضا مواجهات حدودية متكررة، كان أبرزها اشتباك كارجيل في 1999. لكن التحولات الكبرى في البيئة الاستراتيجية لم تكن نتيجة سباق التسلح التقليدي، بل بسبب صعود القوة السيبرانية بوصفها ساحة صراع جديدة.
عملت باكستان، التي كثيرًا ما توصف بأنها الطرف الأضعف عسكريًا واقتصاديًا مقارنة بالهند، في صمت على تطوير قدراتها الرقمية، وبدأت منذ عام 2017 بإنشاء وحدة نخبوية سرية أُطلق عليها اسم "الظلال" (Shadows Unit). وهي وحدة سيبرانية هجومية، تابعة لجناح الاستخبارات العسكرية، تتكوّن من نخبة من المبرمجين وخبراء التشفير وعلماء الحوسبة السحابية، وتعمل وفق هيكلية لامركزية مرنة. تهدف هذه الوحدة إلى شن عمليات رقمية دقيقة تستهدف البنية التحتية الحساسة للخصوم، بما في ذلك شبكات الطاقة، والسكك الحديدية، والاتصالات، والمعلومات الحكومية.
أما الهند، فقد كانت تبني في المقابل ما يُعرف بـ"جدار الحماية السيادي"، وهو مشروع متكامل يهدف إلى تأمين الشبكة القومية الهندية ضد الهجمات الخارجية. ومع ذلك، فإن تركيزها الأكبر ظل موجهًا نحو التجسس والمراقبة الرقمية، أكثر من تأمين البنية الحرجة، وهو ما ظهر بوضوح خلال هذه العملية
خريطة تعبيرية توضح شبه القارة الهندية أثناء تعرضها لهجوم سيبراني شامل
مراحل الهجوم: من الشلل المؤسسي إلى انهيار البنية التحتية
بدأت العملية في تمام الساعة 2:15 فجرًا بتوقيت نيودلهي، بهجوم أولي صامت استهدف خوادم البريد الإلكتروني الحكومي، ومراكز البيانات التابعة لوزارات الدفاع، الداخلية، والمالية، إضافة إلى مفوضية الانتخابات المركزية. تركزت الضربة الأولى على تعطيل الوصول إلى قواعد البيانات وتشفيرها جزئيًا، دون إتلافها، في إشارة واضحة إلى قدرة المُهاجم على فرض السيطرة دون التدمير الكامل.
المرحلة الثانية كانت أكثر عمقًا وخطورة. فقد تم استهداف أنظمة SCADA المسؤولة عن التحكم الصناعي في قطاعات حيوية، وعلى رأسها شبكات الكهرباء والمياه. وقد تبيّن أن المُهاجمين استغلوا ثغرات معروفة في برمجيات التحكم التي لم يتم تحديثها منذ 2022، مما سهّل عليهم تجاوز الجدران النارية، وزرع برمجيات خبيثة تعمل بتقنية "الكمون النشط"، بحيث تظل خاملة لعدة ساعات قبل أن تُفعل في توقيت واحد
مشهد تعبيري للهجوم السيبراني ضد أنظمة القيادة والتحكم في الهند
كانت النتائج كارثية: انقطعت الكهرباء عن نحو 70٪ من شمال الهند، شملت مناطق حيوية في دلهي، لكناو، وشانديغار. توقفت أنظمة الضخ والتحكم في محطات المياه، ما أدى إلى شح مفاجئ في التزود بالماء خلال أول 24 ساعة. عدد من المستشفيات أُجبرت على استخدام مولدات احتياطية لم تصمد أكثر من ست ساعات، وتوقفت أنظمة تبريد الأدوية والمختبرات الحيوية في عدة مواقع حساسة.
تأثير الهجوم على شبكات الطاقة الكهربائية، مع ظهور المحولات وخطوط التوزيع في مشهد متأزم
أما الضربة الثالثة، فقد ركزت على السكك الحديدية، وتحديدًا على مركز القيادة الرقمي المعروف باسم KRIS، وهو المسؤول عن إدارة إشارات القطارات وجدولة الرحلات. خلال هذه المرحلة، تم تنفيذ هجمات DDoS موسعة، ترافقها برمجيات شلّ الحركة داخل النظام، مما أدى إلى توقف أكثر من 2900 قاطرة في أماكن متفرقة، بعضها كان محمّلًا بمواد كيميائية خطرة. كادت عدة حوادث تصادم أن تقع، وتم الإبلاغ عن 12 حالة شبه كارثية تم تداركها بوسائل بدائية.
توقف شبكات القطارات الهندية نتيجة للهجوم الرقمي على مركز KRIS
المرحلة الأخيرة من الهجوم استهدفت شبكات الطاقة الذكية، وتحديدًا مزارع الرياح ومحطات التوزيع في غوجارات وكشمير ودلهي. تعرضت هذه المواقع لعمليات إدخال برمجيات تحكم مضادة، أدت إلى انفجار محولات كهربائية رئيسية، وتعطل أنظمة التحكم عن بعد، وانهيار جزء كبير من شبكة التوزيع. أظهرت صور الأقمار الصناعية انبعاث حرائق محدودة من بعض محطات التوليد، فيما استمرت الاستجابة الهندية في حالة ارتباك على مدار 48 ساعة.
الردود الرسمية والارتباك السياسي
أظهرت الحكومة الهندية في بداية الأمر رد فعل باهتًا وغامضًا. صدر أول تصريح رسمي عن وزارة الطاقة بعد 18 ساعة من بدء الانهيار، واصفًا ما حدث بأنه “عطل فني داخلي قيد التحقيق”. غير أن تسريبات داخلية من هيئة أمن المعلومات الهندية (NCIIPC) كشفت أن الهجوم كان واسعًا، ومنسقًا، وأنه تم اختراق ما لا يقل عن 11 مؤسسة حكومية ذات طابع سيادي.
وسائل الإعلام الهندية المستقلة بدأت في كشف جوانب من القصة، ما أجبر الحكومة على الاعتراف بوجود “هجوم رقمي منظم”، دون توجيه اتهام صريح إلى باكستان. أما المعارضة فقد استغلت الحدث لانتقاد ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية ومراكز الدفاع السيبراني، مشيرة إلى أن الاعتماد المفرط على موردين خارجيين في تطوير البنية الرقمية قد كشف البلاد لهشاشة غير مسبوقة.
في المقابل، لم تصدر باكستان أي تصريح رسمي يُعلن مسؤوليتها، غير أن عددًا من الحسابات المرتبطة بوحدة “الظلال” بدأت تنشر إشارات ورسائل رمزية على تطبيق X (تويتر سابقًا)، تتحدث عن “إعادة التوازن الإقليمي بأسلوب جديد”، وتتباهى بـ"الضربة دون بصمة". وهذا الأسلوب في الإعلان غير المباشر عن المسؤولية هو من سمات الحرب السيبرانية الحديثة، حيث تُستخدم الغموضات لإرباك الخصم دون كسر القواعد التقليدية للحرب.
الرسائل الاستراتيجية للهجوم
العملية لم تكن مجرد عمل تخريبي، بل كانت رسالة استراتيجية مركبة على ثلاثة مستويات:
1. المستوى الردعي: أوضحت باكستان أنها، رغم تفوق الهند الكمي في السلاح التقليدي، تمتلك أدوات ردع سيبراني قادرة على تعطيل مراكز الثقل الحيوي في الدولة، مما يقلّص الفجوة العسكرية الكلاسيكية.
2. المستوى السيكولوجي: أحدثت العملية صدمة نفسية لدى المواطن الهندي العادي، خصوصًا مع توقف القطارات، انقطاع الكهرباء، وتعطّل المستشفيات. أصبح واضحًا أن الحياة اليومية نفسها قابلة للانهيار في ثوانٍ دون طلقة واحدة.
3. المستوى الجيوسياسي: أرادت إسلام آباد أن تقول دون إعلان مباشر إن ساحة الحرب لم تعد جبلية أو برية فحسب، بل رقمية تتطلب أدوات جديدة، وإن الردع التقليدي لم يعد يضمن التفوق
دروس مستخلصة واستشراف للمستقبل
أظهرت "عملية “البنيان المرصوص بوضوح أن:
• الحرب السيبرانية ليست رفاهية تقنية، بل ضرورة استراتيجية.
• الدول النووية باتت أكثر ميلًا لاستخدام الأدوات السيبرانية لتفادي التصعيد المباشر.
• الحروب القادمة لن تندلع فقط على الشاشات، بل ستنتقل مباشرة إلى محطات الطاقة، القطارات، المستشفيات، وشبكات الدولة بأكملها.
كما أثبتت العملية أن دولًا إقليمية مثل باكستان، إذا ما ركّزت على الاستثمار في الذكاء البشري والتقنيات الرقمية، يمكنها أن تُحدث تأثيرًا يفوق وزنها الاستراتيجي، وتفرض نمطًا جديدًا من الحروب الذكية في عالم ما بعد الردع النووي.
خلاصة
تمثل عملية “البنيان المرصوص” علامة فارقة في تطور الصراعات السيبرانية، إذ أنها أول نموذج حيّ لتطبيق عقيدة “الضربة السيبرانية الشاملة” من طرف دولة إقليمية ضد دولة نووية. وتعيد هذه العملية التأكيد على أن مستقبل الحروب لن يُحسم بالتفوق العددي أو التفوق الجوي، بل بمن يمتلك مفاتيح الشبكات، ويمسك بخيوط البنى التحتية الرقمية.
المراجع
Global Times. (2025, May 12). Pakistan's cyber strike disables power grid in northern India. Retrieved from https://www.globaltimes.cn
Radio Pakistan. (2025, May 10). Pakistan launches Operation Bunyan al-Marsous in response to Indian aggression. Retrieved from https://www.radio.gov.pk
The Tribune. (2025, May 13). Security sources reveal details of Pakistan's cyberattack against India. Retrieved from https://tribune.com.pk
Azhar Observer. (2025, May 14). Operation Sindoor and Bunyan al-Marsous: New era of digital confrontation in South Asia. Retrieved from https://www.azhar.eg
TikTok. (2025, May 15). What if a nation’s power, trains, and secrets vanished in seconds? [Video]. TikTok. https://www.tiktok.com/@cyberwatch2025/video/7354679202928
662 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع