" من دحرج الكرة؟ السلاح البيولوجي في العراق"، كتاب صدر حديثا للدكتور باسل الساعاتي"
في هذا الزمن التأريخي فالتواصل بين الحاضر والماضي القريب قصة لا تنتهي فصولها، ونبع لا يرتوي منه الظمآن، ولا سيما ما يدونه من أحداث وتحولات اقليمية وعالمية خصوصاَ في مطقتنا والعراق بالاخص، حيث اصبحت مثار تساؤلات كثيرة تحتاج الى أجوبة صريحة وليست أجوبة مصطنعة او دعائية، فالمدرك لحركة التأريخ لكل نهضة يسبقه ليل طويل، وكما انطلق العراق في نهضته عندما امتلك القدرة البشرية، ووضعه الاقتصادي الملموس وامتلاكه قاعدة علمية لا يستهان بها، وكان قادرا على تحصيل اسباب القوة والمنعة، ولهذا اتخذت بعض الدول التي لا يروق لها تقدم العراق او اية دولة عربية من الولوج الى بناء وتوطين التكنلوجيا لصالح نموها ومنها البرنامج النووي، فبدأت موجة استهدفت وصف العراق بالشيطان او المارق من خلال امتلاكه في الثمانينات برنامجا نوويا كان يزعمها قاب قوسين او ادنى من السلاح النووي، وهيأت بذلك العالم لتقبل الاعتداء على العراق ولتدميره، وكما هو معلوم، ما حصل للعراق بعد احتلال الكويت في اب 1990 الخطأ الاسترتيجي الجسيم الذي اعطى الفرصة لتدمير العراق وعزله وحصاره ثم احتلاله، لقد حاول اشخاص تولوا ادرة فرق التفتيش واللجنة الخاصة او الذين قادوا تلك الفرق ونشرت في كتب تلك الاشخاص اصدروها لاحقا كيف كانت تلك الفرق كيف كانت تلك الفرق تعكس ما تمليه عليها الولايات المتحدة وبريطانيا، من بين الكتب على سبيل المثال ضابط مخابرات البحرية الامريكية سكوت ريترد الذي نشر عام 1998 كتابا بعنوان "سري للغاية، ومديرعام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاسبق هانز بلكس وكتابه المعنون " نزع اسلحة العراق، وكتاب تشارلز دولفر بعنوان" ألأختباء والبحث " والبرادعي في كتابه " سنوات الخداع " وغيرهم.
اصدر قادة البرنامج النووي وبعض من كوادره كتباً توثيقية ما امكن توثيقه قيل ان يرحل من تبقى منهم على قيد الحياة ، حيث وثقوا استراتيجية ومراحل البرنامج النووي بكل موضوعية مستندة الى حقائق لا تقبل الجدل، وكذلك وثقوا الدور التخريبي الذي انيط بفرق التفتيش، وممارساتها، وما قامت به تفصيلياً من تدمير للصناعة العراقية، وارهاب العقول العلمية وشلها اوتجميدها، وتقديم الذرائع لاستمرار العدوان طيلة فترة التسعينات، ومن ثم البدء بحرب 2003 واحتلال العراق.
ان ماكتبوه هو عرض لصورة البرنامج النووي كوثيقة تأريخية كما رسمت، وهي سرد للوقائع كما حدثت وليس كما يدعي المغرضون، اوروايات من كان لهم مصلحة تشويه الحقائق.
ان ماكتبوه لا يعبر عن آراء شخصية اومحاولة للشهرة، بل هي لأطلاع الرأي العام وللجيل الذي يتحمل مسؤلية النهوض بالبلد وهو جيل لم يتعايش احداث مرحلة البناء والتدمير فتغيب عنه الحقيقة، وبدورنا كأحد العاملين في النشاط النووي تنتابنا السعادة وتشعرنا بالفخر، بانه لازالت اقلام لها ماض علمي واداري تساهم بما تملكه من طاقات ودراية ومتابعة ان تشارك بخبرتها بأصدارات أو تأليف أو مساهمة في ابداء الرأي بهذا النشاط، ليس بدافع الشهرة وأنما بدافع تقديم ما هو أسمى لرسالة ناصية العلم والتكنولوجيا التي امتلكوها بغية عدم ضياع جهد، بذل بكافة جوانبه للوصول الى غاياتها في كشف ما حدث لهذا البرنامج في مراحله المتحققة امام التأريخ، فذاكرة الزمن ضعيفة.
هذه المقدمة ضرورية طالما أننا أمام كتاب صدر حديثاً عن دار الجديد، متوفر في الامازون، كتاب علمي توثيقي جديد للأستاذ الدكتور باسل الساعاتي، بعنوان" من
دحرج الكرة؟ السلاح البايولوجي في العراق" حيث تطرق بشكل منهجي ما حواه الكتاب بفصوله العشرة؛ الفصلين الأول والثاني منه يستعرضان نمو الخبرة الوطنية لتوطين القدرات الهندسية والتكنولوجية في منظمة الطاقة الذرية، وانتقالها لتتوحد مع الخبرة التي سبق ونمت في هيئة التصنيع العسكري.
الفصول من الثالث ولغاية الثامن توثق المشاريع التي قامت بها هيئة التصنيع العسكري بعد عام 1991 للنهوض بالصناعة العراقية التي اصابها التدهور اثناء حربي الخليج الاولى والثانية، وما تبعها من حصار تجاري وتكنولوجي، اضافة لبعض المشاريع التي تمت لتحسين اداء منشآت التصنيع الحربي الانتاجية التي سمحت بها قرارات مجلس الامن.
الفصلين التاسع والعاشر يستعرضان الأسس التي صاغتها فرق التفتيش وبتوجيه من الولايات المتحدة والاكاذيب وتأليف القصص وحياكة ونسج تهم امتلاك العراق لبرنامج لتصنيع السلاح البايولوجي، ومنها كانت قصة امتلاك العراق لوحدات متنقلة للسلاح البيولوجي، واصطناع قصة شراء العراق اليورانيوم من النيجر لاحياء برنامجه النووي، وادعاء شراء انابيب الالمنيوم، اضافة الى تزاحم التصريحات والاقاويل من مسؤولي الولايات المتحدة الامريكية رفيعي المستوى ، ومن جهات دولية مؤثرة موجهة جملة من الاتهامات ضد العراق،، مما ادى لاحتلال العراق وتدميره، وبعد الاحتلال في حزيران 2003 تم تشكيل لجنة مسح العراق والتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل من 1200 مفتشاً عهد رئاسته الى ضابط المخابرات ديفد كي، بحثت عن اي أثر لأسلحة الدمار الشامل، ومنها عن الوحدات المتنقلة للسلاح البيولوجي في كل اطراف العراق ولم تعثر مما اجبرها على الاعتراف نهاية 2003، بان العراق لم يكن يمتلك برنامج لانتاج السلاح البيولوجي ولا اي سلاح من اسلحة الدمار الشامل، وهذا الاعتراف هل اعاد للعراق مكانته بدل من تدميره وخرابه، وينبه المؤلف الساعاتي بالسؤال، لماذا قام العدوان وكيف تداولت دوائر المخابرات الغربية الاكاذيب، عسى ان نحدد من الذي رمى الكرة فعلا على الساحة العراقية، ولماذا.
يتوجب علي ان ابدي تثميني وشكري للاستاذ العزيز الدكتور باسل الساعاتي، على جهوده بأصدار هذا الكتاب، حيث سبق وان ساهم بأصدار كتاب في كانون الاول 2005" ملفات من البرنامج النووي والتصنيع العسكري " الذي تضمن توثيقا للاعمال التي تم انجازها منذ نشأة البرنامج النووي الوطني العراقي في نهاية عام 1982 ولغاية توقفه عام 1991، وكذلك توثيقا لما عمله المؤلف الساعاتي في هيئة التصنيع العسكري،
وقبل فترة صدر له كتاب " القصة من الداخل "، والذي استعرض " البرنامج النووي الوطني من البداية الى النهاية "، متضمناً الكثير من المعلومات المضافةالتي استجدت وانكشفت له عام 2007.
لقد قرأت جميع ما كتبه زميلنا الساعاتي، فلا زال قلمه ينبض بحيوية صادقة، وهي مسائل درج الدكتور باسل الساعاتي على التعبير عنها بأسلوبه العلمي وتجربته في منظمة الطاقة الذرية والبرنامج النووي العراقي الغنية بعلمها والغنية بمعالمها الفنية والأدارية، والتي كانت شعلة وضاءة سيظل التأريخ يذكرها رغم ماحصل لها من تدمير ممنهج لم يسبق ان حصلت لاي بلد في العالم، كما تجدر الاشارة فان الزميل الدكتور باسل الساعاتي هو احد البارزين في مسيرة الطاقة الذرية والبرنامج النووي العراقي، والتصنيع العسكري، والذي ترك بصمته واضحة في عمله العلمي والاداري..، لقد وجدت محطات مهمة في هذا الكتاب يتوجب علي ان انوه عنها، لأنها محاولة لسد النقص من جهة، والتوثيق لما قام به الجانب الفني العراقي وقيادته وبراعته في البناء ونزع الالغام التي كانت تقوم بها فرق التفتيش وممارساتها، ومن كان يقف خلفها ويديرها. ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود.
538 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع