قراءة في تأثيرات العقوبات الأميركية.. الاقتصاد العراقي ليس المتضرر الوحيد

شفق نيوز- بغداد/ لندن:تمثّل العقوبات الأميركية الأخيرة التي طالت شركات وشخصيات مصرفية عراقية مرتبطة بفصائل مسلحة موالية لإيران، أخطر تهديد للاقتصاد المحلي منذ سنوات، وفق لقراءات مختصين وخبراء على الجانبين الاقتصادي والأمني، حيث يرجحون إمكانية تصاعد تداعياتها إلى حد تهديد قدرة الحكومة العراقية على الإيفاء بالتزاماتها الأساسية، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين.

وشملت العقوبات، التي أعلنت عنها وزارة الخزانة الأميركية يوم الخميس الماضي، شركة "المهندس" العامة، الذراع الاقتصادي للحشد الشعبي، وعدداً من المصرفيين البارزين، وشركات يشتبه ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني وكتائب حزب الله.

وبحسب البيان الأميركي، فإن هذه الكيانات شاركت في "شبكات فساد وتبييض أموال" ساهمت في تمويل جماعات مسلحة تعمل داخل العراق وخارجه، وهو ما دفع بغداد إلى إعلان تشكيل لجنة تحقيق وطنية لبحث "مزاعم" الارتباط، وسط تصاعد القلق السياسي والشعبي من تداعيات قد تعصف بالتوازن المالي والاقتصادي للدولة.

خطر مباشر على الاقتصاد

تمثل هذه العقوبات خطراً مباشراً على البنية الاقتصادية العراقية، وفقاً ما يذهب إليه أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، الذي يعتبر أن العقوبات تمثل "إنذاراً حقيقياً" للاقتصاد العراقي، كونها لا تستهدف كيانات معزولة، بل تُحدث أثراً تراكمياً سلبياً على البيئة المالية والاستثمارية في البلاد.

ويقول السعدي لوكالة شفق نيوز، إن "العراق أصبح، دون قصد، جزءاً من ساحة صراع اقتصادي بين واشنطن وطهران، وبالتالي قد تؤدي العقوبات إلى انكماش كبير في السيولة المالية، وإرباك النظام المالي المعتمد على الدولار".

وبحسب السعدي، فإن العقوبات قد تؤدي إلى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق الموازية، وانخفاض قيمة الدينار، وتجميد أو تأخير المشاريع الاستثمارية، وصعوبة تأمين الشحنات التجارية، وهو ما يمثل "خطراً مباشراً على تنفيذ موازنة الدولة والرواتب في حال طالت العقوبات المصارف المرتبطة بالحكومة".

ويشدّد على أن "ما يحدث اليوم ليس مجرد عقوبة على شركات محددة، بل هو جرس إنذار لخلل هيكلي في المنظومة المالية العراقية".

تبعات تهدد الاستقرار

وفي الاتجاه نفسه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية، هيثم الهيتي، أن العقوبات تمس أسس استقرار الدولة العراقية، موضحاً أن الاقتصاد العراقي "هش" ومترابط بشكل كبير مع إيران.

ويحذر الهيتي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، من أن "العقوبات قد تؤدي إلى توقف استيراد الغاز من إيران، وبالتالي سيواجه العراق أزمة كهرباء واسعة، إلى جانب انسحاب المستثمرين الأجانب نتيجة صعوبة التحويلات البنكية وزيادة الضغط على المصارف المتبقية، وهو ما قد يعمق أزمة التنمية".

ويضيف أن "العقوبات قد تؤدي إلى عجز مالي قد يعوق دفع الرواتب الحكومية، لذلك إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات سريعة لفك الارتباط المالي مع الجهات المسلحة، فإنها قد تواجه مرحلة صعبة تهدد قدرتها على تسيير الدولة"، بحسب تعبيره.

البعد الأمني للعقوبات

ولا يُستبعد أن تكون هذه العقوبات مقدمة لقرارات عسكرية أو ضربات دقيقة لمواقع في الداخل العراقي، وفقاً لما يحذر منه الخبير الأمني والإستراتيجي علاء النشوع، الذي لفت خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن هذا الخيار سيؤدي إلى حالة "رعب مجتمعي" إذا ما توسع نطاقها.

وفي السياق نفسه، يُحذر الخبير الأمني والعسكري سرمد البياتي، من البعد الأمني المرتبط بالعقوبات، خاصةً أنها جاءت ضمن سياق اتهامات بقتل جنود أميركيين، وهو ما يفتح الباب أمام إجراءات انتقامية مستقبلية.

وينوّه البياتي في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "شركة المهندس مشمولة بالعقوبات، على الرغم من أنها خاضعة لديوان الرقابة المالية، وبالتالي على العراق توضيح ما إن كانت الأدلة الأميركية تستند إلى معلومات دقيقة أم تقارير سياسية".

وبحسب البياتي، فإن استمرار العقوبات على الرغم من التزام العراق بالإصلاحات المصرفية منذ عامين، يخلق "تشويشاً داخلياً وضغطاً غير مبرر على المنظومة المصرفية".

أبعاد سياسية خطيرة

بدوره يذهب المحلل السياسي عائد الهلالي، إلى أن العقوبات تحمل بُعداً سياسياً لا يقل خطورة عن تأثيرها الاقتصادي، وتستهدف تقويض السيادة العراقية عبر الضغط على مؤسسات الدولة.

ويشير الهلالي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "حكومة محمد شياع السوداني ستتجه نحو الحوار مع واشنطن لتخفيف وطأة العقوبات، مع حماية الداخل من الانهيار".

اتهام بـ"انتهاك للسيادة"

وتمثل العقوبات الأميركية "انتهاكاً" لسيادة العراق واستقلاله الأمني والسياسي والاقتصادي، وفق رؤية عمران الكركوشي، عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.

ويقول الكركوشي لوكالة شفق نيوز، إن "العقوبات تمثل فجوة في العلاقة مع واشنطن"، محذراً من أن استمرار هذا المسار "قد يؤدي إلى مشاكل سياسية وأمنية داخلية خطيرة".

ولم يتوقف القلق من التصعيد الأميركي عند العقوبات الحالية، فقد نشر النائب الأميركي جو ويلسون تدوينة على منصة "أكس" عقب العقوبات الأخيرة تضمنت تلميحات صريحة بفرض عقوبات على منظمة بدر وأمينها العام هادي العامري، ومصرف الرافدين الحكومي، واضعاً "ساعة" بجوار أسمائهم، في إشارة إلى أن العقوبات قادمة.

وسبق لويلسون أن اتهم مصرف الرافدين بالتعامل مالياً مع جماعة الحوثي، وهدد بقطع التمويل الأميركي عن العراق.

موقف الحكومة العراقية

بالمقابل، أعلنت الحكومة العراقية، مساء أمس السبت، تشكيل لجنة تحقيق وطنية عليا تضم ممثلين من وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، للوقوف على أسباب العقوبات.

وفي بيان رسمي، اعتبرت الحكومة أن "الإجراء الأميركي أحادي ومؤسف"، وطالبت بـ"تبادل المعلومات الفنية والمصرفية بدلاً من فرض العقوبات".

وأكدت في الختام أنها لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية، لكنها ترفض أيضاً أي نشاط اقتصادي يمول جماعات خارجة عن القانون.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع