ذكرياتي مع الاوفياء ...الحلقة الثانية/المرحوم فهد جواد الميرة
الذكريات...روافد تصب في مسار الحياة ... يسقط منها ما قد يؤثر سلبا في المسار ... ويترسب منها في وعاء الذاكرة ما يؤثر إيجابا في مسارنا الطويل فيتحقق ما يقوله الشاعر: (إن الذكريات معنى العمر في هذه الحياة) ... وفي سواقي الذاكرة رجال ساهموا بهذا القدر أو ذاك في بناء الرياضة العراقية وتحديد نهجها، ووفاء لهم نذكرهم بالخير .... هذا الوفاء هو الرابط الإنساني الذي يبقى يذكرنا بالمقولة:(من علمني حرفا ملكني عبدا )
إلى هؤلاء جميعا أحني رأسي إجلالا، وإلى ذكراهم أقدم لهم كلماتي التي يحكيها القلب والضمير عبر مجلة الگاردينيا .
خبرته الإدارية وشخصيته المتزنة سبب نجاحه في اتحاد الكرة !
لم يكن البعض من الوسط الرياضي متفائلين بنجاح المرحوم فهد الميره عندما أسندت إليه رئاسة اتحاد كرة القدم, معتقدين أنه لم يكن ملما ما فيه الكفاية بالجوانب الفنية, ولريما كان هذا الاعتقاد صائبا بعض الشيء, ولكن هناك عوامل أخرى في غاية الأهمية تعوض عن بعض الجوانب الفنية، وهي سمة القيادة الإدارية الناجحة والتنظيم الجيد والمتابعة الفاعلة، وكلها عوامل مؤثرة في تحقيق الهدف المطلوب للحصول على النتائج الإيجابية، وهذه السمات كانت لدى المرحوم الميره .... إن الإنجازات الرياضية لا تتحقق من خلال كفاية الأجهزة الفنية حسب، وإنما للجهاز الإداري دور كبير أيضا في عملية التفاعل والاستقرار للفريق كمجوعة، وهذا يعني إن الجهازين الفني والإداري يكملان بعضهما البعض ..
على الرغم من أن معرفتي وعلاقتي السابقة بالمرحوم فهد اجتماعية وليست رياضية, فقد توطدت أكثر من خلال عملنا معا في اتحاد كرة القدم منتصف السبعينيات، وللأمانة كان هو حريصا على حضور فعاليات الاتحاد باستمرار على الرغم من مسؤولياته الوظيفية العديدة،ومتابعا لكل تفاصيل القرارات شخصيا، ولم يأل جهدا بأي شيء من شأنه خدمة اللعبة وتذليل الصعاب والمعوقات إن وجدت، وهذا كان قد سهل الكثير من الأمور بحيث جعل الاتحاد في حالة من الاستقرار مكنته من تنفيذ برامجه سواء الداخلية التي تخص البطولات التي كانت تنظم آنذاك، كبطولة الدوري والكأس وبطولة الجمهورية، أم البطولات العديدة لفرق الفئات السنية، كالشباب والناشئين والأشبال، التي كان الاتحاد يوليها اهتماما خاصا لانهم كانوا القاعدة الأساس لبناء كرة القدم وتطورها.
رحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه
من إيجابيات سلوك وتصرف المرحوم فهد في إدارة شؤون الاتحاد خاصة في الاجتماعات المهمة التي عقدت في أحايين عدة، احتفاظه بالهدوء، وبالذات عند حدوث تباين في الآراء, ووجهات النظر في اتخاذ قرارات حاسمة، وكان مناقشا جيدا في طروحاته من دون تزمت، ولا يفرض رأيا أو يفند رأيا آخر، حتى وإن كان مغايرا لطروحاته الشخصية، وهذه من الحالات النادرة وتحسب له كصفة إيجابية، ودليل على مقدرته الجيدة وخبرته الإدارية المتميزة ... وعندما كنا نطلب منه ونلح عليه بضرورة سماع رأيه النهائي فيما اقترحناه من قرار يخص أحد الجوانب الفنية .... كان يردد وبتواضع "أؤيد قراركم فأنا لست فنيا", ويختتم حديثه بالقول "رحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه"، واعتقد أن هذه من سمات القيادة الإدارية النموذجية، و ينبغي أن تكون نهجا عاما في المجالات والمسؤوليات كافة، وأن لا تفهم على أنها تعكس ضعفا أو قلة دراية، فهي ليست ذلك على الاطلاق.
تقاطع الاتحاد مع ألعاب الجيش !!
في المرحلة التي شغل فيها المرحوم فهد جواد الميره رئاسة اتحاد كرة القدم, كان المرحوم عادل بشير مديرا لألعاب الجيش ... والتقاطع والخلاف ظهر بين الاتحاد وألعاب الجيش عندما رفض الاتحاد طلبا لألعاب الجيش بمشاركة منتخب الشباب العسكري ـ الذي أنشئ لأول مرة في تاريخ الرياضة العسكرية ـ في بطولة الجمهورية بدلا عن المنتخب العسكري الأول. وكانت مديرية ألعاب الجيش ترمي من مشاركة فريق الشباب إلى توسيع قاعدة اللعبة، واكتشاف ذوي المواهب من اللاعبين الذين قد يظهرون في تلك البطولة, وأن يكون هذا الفريق رافدا للمنتخب العسكري الأول الذي تنتظره استحقاقات كثيرة, منها مشاركاته الفاعلة في بطولات العالم العسكرية لكرة القدم،وتنفيذ التزاماته للبروتوكولات الرياضية التي كانت تعقد مع العديد من الدول الأوربية، ومنها مباريات كرة القدم, فضلا عن أن غالبية لاعبي المنتخب الوطني العراقي هم من الجيش والشرطة كما كان معروفا ......
أما وجهة نظر الاتحاد فكانت أن تشارك مديرية ألعاب الجيش في تلك البطولة بفريقها الأول الذي كان يضم أبرز نجوم المنتخب وليس بفريق الشباب العسكري، والغاية هي اعطاء الأهمية القصوى لتلك البطولة التي كانت تنظم سنويا آنذاك, وتحظى دائما باهتمام إعلامي واسع وبحضور جماهيري متميز خاصة جماهير المحافظات التي كانت ترافق منتخبات محافظاتهم، وتؤازرهم بإخلاص ينم عن الولاء لمناطقهم، الذي يخلق حالة الابداع والتطور للعبة واللاعبين من خلال التشجيع، وفعلا برز في منافسات تلك البطولة لاعبون فرضوا أنفسهم من خلال مهاراتهم على المنتخبات الوطنية وأندية المقدمة وفي الوقت ذاته كان لوجود اللاعبين من النجوم في المحافظات قد ساهم في توسيع القاعدة والنهوض باللعبة بتلك المحافظات , منهم على سبيل المثال فالح عبد حاجم من الديوانية، وحسين سلطان من السماوة، وإحسان بهية وسليم محمد وخالد عليوي من الحلة، وكريم علاوي ومنصور مرجان وهادي احمد وجليل حنون وعلاء احمد وعادل خضير والمرحوم صبيح عبد علي وجاسب شند وسورين هاريك وحمزة قاسم والمرحوم صبيح عبد علي من البصرة، وجبار عكلة من العمارة، وصلاح عبيد من الناصرية ، ومنعم حسين وسعدي شمة من الكوت , وعادل عبد الله وكريم افندي وكاظم ياسين وفاضل عبد المجيد وعدنان عبد القادر ومحمد مجيد ومحمد نوري وسهيل صابر ومحمود نور الدين من كركوك , وخالد جميل ومحمد رمو وحارس محمد وبسام ابراهيم من الموصل وغيرهم الذين اعتذر عن نسيان اسمائهم. وبينما نحن نأتي على ذكر بطولة الجمهورية وأهميتها من جوانب عدة سواء الفنية أم الاجتماعية, يحدوني الأمل بعودة تلك البطولة التي كانت بمثابة (كرنفالا رياضيا) بمنافساتها, لتضاف إلى روزنامة الاتحاد العراقي لكرة القدم.
ونتيجة لتمسك ألعاب الجيش بمقترحها, نوه الاتحاد إلى احتمال فرض عقوبة إن لم تجر المشاركة بالفريق الأول. وبعد تلك العاصفة الكروية ـ التي كانت تحدث بين مدة وأخرى ـ سويت الأمور كما كانت تتم سابقا على الرغم من ظهور الخلافات والتقاطعات وتباين وجهات النظر, لأن رجحان كفة العقل والتسامح لذلك الرعيل النموذج بالأخلاق والحكمة ونكران الذات،هي التي كانت سائدة، وتغلبت دوما على التعنت والصعاب......
وفعلا شارك منتخب الشباب العسكري رسميا ببطولة الجمهورية، حيث ضم لاعبين في وقتها من الشرطة والجيش, وقد كلفت ومعي المرحوم (جليل شهاب) بتدريب الفريق الذي كان مدافع يسار المنتخب الوطني والعسكري في بداية العصر الذهبي للكرة العراقية ـ
ومن جيله في خط الدفاع أيضا المرحوم جميل عباس الملقب ( جمولي ) الذي لم تنجب الكرة العراقية والعربية لاعبا بمستواه كشبه وسط متميز في مركزه, ولتاريخه المشرف فقد خصصنا له حلقة في ذكرياتي مع الاوفياء ...
حظيت مشاركة منتخب الشباب العسكري باهتمام ألعاب الجيش ووزارة الدفاع باعتبارها أول تجربة ناجحة للجيش خاصة بعد أن احرزنا البطولة وبلاعبين شباب جدد على الرغم من قصر مدة الاعداد, وقد اخترنا اللاعبين في حينه في ضوء مباريات بطولتي الجيش والشرطة:
ومنهم رعد حمودي، وعلي حسين , وحنون مشكور، ومحمد طبرة، وصباح عبد الرزاق، وتحسين عسل , ورزاق حاتم،وطالب عبد وقاسم محمد، وهشام مصطفى، وحسسن لعيبي، وعبد الزهرة عبود، وعادل وساقي محمد والمرحوم عباس عبد الكريم، وأموري ظاهر، وسامي جاسم، وغازي محمد... وقد أصبح لهؤلاء اللاعبين فيما بعد شأنا كبيرا في كرة القدم العراقية ومنتخباتها الوطنية.
مشاركة في أول دورة تدريبية دولية
بعد أن حققنا تلك النتيجة الإيجابية، التي كانت بالنسبة لي أول محطة تدريبية ناجحة خارج نطاق نادي الشرطة، والتي اعتز بذكرياتها حتى الآن ولله الحمد، سارت الأمور على نحو اعتيادي, وقد بادرت مديرية ألعاب الجيش بتكريم الفريق تكريما لائقا، وتفضلت مشكورة كذلك بالمساهمة بتغطية نفقات مشاركتي بأول دورة تدريبية دولية أقيمت في تركيا – بورصة - التي رشحني إليها المرحوم فهد الميره, وكان معي في تلك الدورة المرحوم المدرب ثامر محسن، وعادل جرجيس، ونجاة عزت ، وثامر عبد الله، حيث حاضر فيها الخبير الدولي الشهير ونتربتوم – الذي حظى في وقتها بتكريم كبير من ملكة بريطانيا التي منحته لقب فارس (سير) لجهوده المتميزة، وما قدمه للكرة الانكليزية والدولية، وكان يعد أحد مراجع كرة القدم في العالم ـ وحاضر معه في الدورة الخبير الفرنسي المعروف مستر بلوك.
مواقف مبدئية للمرحوم الميره .....
من ضمن تصفيات بطولة كاس العالم العسكرية التي جرت في الكويت، في مجموعة ضمت الإمارات، والبحرين، والكويت، والعراق، يترشح فريقان للمشاركة في النهائيات المقررة في المانيا، وكانت مفاجآت كرة القدم، وعكس كل التوقعات والاحتمالات, قد أفضت إلى أن يفقد منتخبنا فرصة التأهل ؟؟ بعد التعادل غير المنصف مع البحرين !! على الرغم من الفارق الكبير آنذاك بالمستوى الفني بين الفريقين سواء الجماعي أم الفردي، ومع فرق المجموعة كذلك ؟؟
أن من أحد الأسباب المباشرة لعدم تأهلنا, كان ظهور حارس المرمى المرحوم ستار خلف على غير مستواه المعهود, فقد بدا مهزوزا، وفي حال لا يمكن وصفها، على الرغم من الفرصة الذهبية التي منحتها شخصيا إياه لإعادة مكانته ومستواه، فهو ـ بكل أسف ـ لم يلتزم، وأنهى تاريخه بانتكاسة كروية ذات تأثير سلبي فينا جميعا، كجهاز فني ولاعبين ومسؤولين... وعند عودتنا ونحن في المطار فوجئنا بأن هناك قرارا يقضي بحجز الفريق، والتحقيق معه عن سبب الخسارة !! وقد أبلغت اللاعبين بالذهاب إلى بيوتهم على أمل أن نلتقيهم في اليوم التالي، ولم يخطر ببالي مطلقا أن القرار صادر من أحد المراجع العليا في البلد؟؟ , وأن مصدره وشاية ضد أحد اللاعبين تشير إلى تواطئه لقاء مبلغ من المال ؟؟ وكم كانت مثل هذه الوشاية وما ادعته خطرة، بل كارثة، على كرة القدم العراقية, لأنها تسيء إلى سمعتها !! وللأمانة إن الشخص الوحيد الذي وجدته بانتظارنا في المطار مساندا لنا هو المرحوم فهد الميره الذي كان يدرك خطورة الموقف، وما ستؤول إليه الأمور. وعلى الرغم من أنه غير مسؤول عن نتائج البطولة ومعرفته بخفاياها التي قد لا يحمد عقباها، فقد حرص شخصيا على الحضور، ورافقني بسيارته إلى البيت معززا الثقة فينا والوقوف إلى جانبنا ومساندتنا, وكنا حقا بأمس الحاجة للدعم في تلك اللحظة العصيبة ؟؟، هذه إحدى مواقف المرحوم فهد الميره المبدئية مع الرياضة والرياضيين.
لك من إخوانك يا أبا سعد الدعاء لله أن يرحمك، وإن شاء الله مثواك الجنة .... لقد كنت بحق إنسانا شهما، وتحمل قلبا طيبا، وقد أسهمت في مساعدة العديد من الرياضيين، وأنا مطلع على قسم منها، وهذه خصالك ..
للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى..
http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/menouats/9628-2014-03-25-08-52-32.html
1971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع