عبدالسلام عارف يحضر نهائي كأس العرب ١٩٦٦
مؤيد الزويني
فيْ مطلع العام 1966 زحفت الجماهير العاشقة لكرة القدم من مناطق العاصمة بغداد متجهة صوب ملعب الكشافة في منطقة الكسرة هذا الملعب العريق والعتيد الذي شهد على مر العقود الغابرة من القرن الماضي، وتحديداً منذ تأسيسه في العام 1929 حتى عقد الستينات، مئات المباريات المحلية والعربية والدولية ولعب على ارضيته الخضراء الالاف من اللاعبين العراقيين والعرب والاجانب ومن مختلف ارجاء العالم.
وبعد افتتاح ملعب الشعب الدولي في منطقة زيونة في اواخر العام نفسه عام 1966 من قبل الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف، خف زخم اجراء مباريات على ارضيه ملعب الكشافة ثم ترك نهائياً فيما بعد ليدخل عالم النسيان والاهمال حتى يومنا هذا.
وترجع عائدية (ملعب الكشافة) الى وزارة التربية بدلاً من عائديته الى وزارة الشباب والرياضة، وهي الجهة المشرفة عليه على مدى تلك العقود.
وما يهمنا هنا ان المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية العراقية انذاك كان على رأس الحاضرين في المباريات النهائية التي جرت بين منتخب العراق الوطني والمنتخب السوري الشقيق في بطولة كاس العرب التي اقيمت ليلاً وتحت الانوار الكاشفة.
وبعد وصول الرئيس عارف الى الملعب عزف السلامان الجمهوريان العراقي والسوري ثم جلس في المقصورة بصحبة شقيقه الفريق عبد الرحمن محمد عارف رئيس اركان الجيش وقتذاك وبمعيته بعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة العراقية بدأ الفريق الشقيق بالتسجيل وانتهى الشوط الاول من المباريات لصالحه بنتيجة (1ـ صفر).
وفي الشوط الثاني استطاع الفريق العراقي ان يحكم سيطرته التامة على الملعب ويتحكم بمجريات اللعب حتى استطاع اللاعب المبدع (كوركيس اسماعيل) ان يسجل هدفين متتاليين لتهتز مدرجات ملعب الكشافة ويعيد البسمة الى وجوه الحاضرين وتنتهي المباريات بفوز الفريق العراقي واحرازه بطولة كأس العرب عام 1966 بعد تغلبه على الفريق الضيف بنتيجة (2ـ1).
وفي اليوم التالي اطلقت الصحافة الرياضية وكذلك الجمهور الرياضي على اللاعب كوركيس اسماعيل لقب (ابو الشدايد) وقد اهدى له الرئيس عارف ساعة يدوية ثمينة مع بقية اللاعبين ثم وعدهم بتوزيع قطع اراض سكنية بينهم بعد عودته من جولة تفقدية لمدينة البصرة لكن الوعد الذي قطعه الرئيس على نفسه لم يتحقق وذلك لمقتله في حادث الطائرة الهليكوبتر المعروف بمنطقة النشوة ناحية الدير البصرة حيث احترقت الطائرة بعد ان ارتطمت اجنحتها بالارض نتيجة هبوب عواصف ترابية واحترق من في داخلها وبضمنهم رئيس الجمهورية.
وظلت الجماهير الرياضية في مناطق العراق كافة تتحدث عن المفارقة التي حصلت بفوز الفريق ومقتل الرئيس الذي تزامن بعد الحصول على البطولة بأيام.
ومن اللاعبين الذين مثلوا المنتخب الوطني في تلك المباريات:
حامد فوزي
جبار رشك
صاحب خزعل
حسن بلة
سلمان داود
شامل فليح
قيس حميد
كوركيس اسماعيل (ابو الشدايد)
هشام عطا عجاج
قاسم زوية
نوري ذياب.. وغيرهم.
وقاد الفريق العراقي لهذا الانجاز الكبير المدرب القدير المرحوم العقيد عادل بشير وعلق على المباريات شيخ المعلقين الاستاذ مؤيد البدري
لم يكن 10 تيسان 1966 يوما عاديا في التاريخ الرياضي للعراق وبخاصة بكرة القدم . ففي ذلك اليوم جرت المباراة النهائية لكأس العرب بدورته الثالثة وفي الساعة السادسة مساءاً على ملعب الكشافة اذ التقى منتخبنا مع المنتخب السوري وقد وصل فريقنا للنهائي بعد طريق صعب حين تجاوز الكويت والأردت والبحرين ولبنان وليبيا . وزحفت نحو الملعب ومنذ وقت مبكر جموع غفيرة زاد عددها على الثلاثين الف متفرج وهذا رقم قياسي يسجله الحضور الجماهيري لمباريات الكرة في بلاد الرافدين آنذاك .
وكان الفريق السوري افضل منتخب في تاريخ سوريا الكروي اذ جمع من النجوم الذين لم تجد الملاعب السورية بمثلهم حتى الان امثال الحارس {فارس السلطجي} والمدافع طارق علوش والكابتن اواديس في الوقت الذي غاب فيه عن فريقنا الاعبان من الوزن الكروي الثقيل هما حسين هاشم وقاسم زوية لاصابتهما .
بدأت المباراة التي قادها ممدوح خورمة من الاردن بهجمات عراقية وقف أمامها الدفاع السوري بصلابة
وأظهر مهاجمنا هشام عطا عجاج من المهارات والفن الرفيع والأداء الرائع ما أبهر به بصيرة الناظر قبل بصرة وتألق الحارس الماهر فارس السلطجي في مرماه منقذا اياه من اهداف أكيدة وعديدة ثم استطاع ثم استطاع لاعبو الدفاع والوسط السوريين من امتصاص الزخم والضغط العراقي بتهدئة اللعب وحاولوا بمناولات طويلة ان يحدثوا ثغرات في خط دفاعنا الذي تألق بكامله في ذلك الدورة بالأخص صمام الأمان جبار رشك حال دون تحقيق مبتغاهم . ومن هجمة عراقية قادها صاحب خزعل من جهة اليسار فحول الكرة الى الوسط ليشتتها المدافع السوري طارق علوش حيث تجد أواديس فيندفع بها من جهة يسارنا الخالية وقبل وصوله الى علم الزاوية يرفع كرة الى قرب نقطة الجزاء فيودعها نور الدين بقوة في مرمى حامد فوزي في الدقيقة 27 من الشوط الاول ويجري اللعب سجالا فيما تبقى من وقت الشوط لينتهي بتقدم سوريا بهدف واحد. وفي الاستراحة بذل مدرب الفريق العراقي عادل بشير رحمه الله وطيب ثراه من تكتيك فريقة اذ طلب من هشام ان يكثر من الحركة بعرض الملعب وبين المدافعين كي يسحبهم لقربه وبالتالي يتخلخل الدفاع السوري فينفذ منه كوركيس اسماعيل او محمود اسد { الذي اشترك في الشوط الثاني} او نوري ذياب. وأجاد هشام دوره وصال بعرض الملعب وطوله لوحده فتزاحم حوله السوريون وكانت الدقائق تجري بسرعة فائقة بالنسبة للاعبينا وفي منتصف الشوط يتصدى جبار رشك لكرة عالية فيهندس مسارها برأسه الى محمود اسد الذي يلعبها لهشام عطا فيندفع بها من جهة اليمين ويرفع كرة رائعة الى وسط منطقة الجزاء فيقفز{ ثعلب الكرة العراقية} كوركيس اسماعيل ليلعبها برأسه وبقوة الى سقف المرمى وعند التقاء العمود بالعارضة فيصيح مؤيد البدري " ممتازة أبو الثعالب .. گول .. گول " .
ويضاعف هدف كوركيس معنويات لاعبينا فيصعدون من ضغطهم ويلجأ السوريون لايقاف ذلك حتى ولو بالعنف وينهض عادل بشير من مكانه ويطلب من لاعبينا عدم المبالاة لذلك والاستمرار بالهجوم وأوعز لجبار رشك بعدم التقدم تحسبا وتجنبا لما لا يحمد عقباه ويمتثل جبار للتوجيه ويشد جمهورنا من أزر فريقه الذي راح يستعرض بكل خطوطه ميادين الفن الكروي وفي الدقيقة 39 من هذا الشوط ومن كرة هيأها شامل فليح الى محمود أسد الذي يمررها خفيفة من بين المدافعين فيتابعها كوركيس اسماعيل ليودعها الشباك ولينادي كل الجمهور:
" ككي .. ككي.. ذبها بالكول .. يجمهور صفكوله ..
عادل بشير يتسلم كأس العرب عام 1966 من الرئيس الراحل عبد السلام عارف.
وتنتهي المباراة ويعتلي الكابتن هشام عطا عجاج المنصة ليتسلم كأس البطولة والعراقيون يهتفون :
هذا الكاس يلمع .. وعينوهم تدمع
هذا الكأس يحچي .. والسلطجي يبچي
هذا الكاس ما ننطيه .. حسن بله تعب بيه
ومن الطرائف التي خلدت حول تلك المباراة ان الذي كان يرعى تلك المباراة هو عبد السلام عارف الذي كان رئيسا للجمهورية انذاك ..
فحين سجل كوركيس الهدف القاتل ليسجل انتصار العراق نهض عبد السلام من مكانه مصفقا ومنفعلا والتفت الى فهد الميرة/ رئيس اتحاد الكرة العراقي انذاك وساله :
ــ متكلي هذا منو اللي سوه الكولين ؟
أجاب الميرة:
ــ سيدي هذا كوركيس اسماعيل
فأجاب عبد السلام عارف متجهما:
ــ خوش لاعوب ..
وهكذا انتهت المباراة بفوز رائع لمنتخب العراق على المنتخب السوري وخرجت الجماهير الى شوارع بغداد حتى الصباح تهتف وتردد هذا الكأس يلمع وعينوهم تدمع... هذا الكأس يحجي والسلطجي يبجي حقاً انها ذكريات رائعة لمنتخبنا العراقي الرائع..
https://www.youtube.com/watch?v=2i0mPpOmJf8
738 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع