زهور حسين بكت حينما غنت (غريبة مــن بعـــد عينــج يا يمـه)
المشرق:زهورُ حسين أو زهرة عبدالحسين، المولودة في العام 1924 والتي لم يتهيأ لها دراسة الموسيقى او بعض الطرق الغنائية، انما الموهبة التي صقلتها بالمران والمعرفة المكتسبة من تجربتي الغناء والحياة معا، كانت بدأت مشوارها في اجواء الغناء الشعبي على هامش المناسبات الاجتماعية النسوية، بينما كانت لحظة الحقيقة الفنية بالنسبة لها، هي الممثلة بميول زوج والدتها، المحب للموسيقى والمقتني لاسطوانات قرّاء المقام العراقي:نجم الشيخلي، رشيد القندرجي، وحسن خيوكة، واهل الطرب العربي: فريد الاطرش، اسمهان وام كلثوم.
وهو من انتبه لاحقا لحلاوة صوتها، فشجّعها على الغناء، حتى وجدت طريقها لدار إذاعة بغداد، بعد ان استمع اليها الاخوان المؤسسان: صالح وداود الكويتي فانبهرا بصوتها وبحّته المميزة،وبإحساسها في أدائها لأغانيها، وعرضا عليها العمل في ملهى الفارابي يوم كانت “الملاهي” مسارا ثقافيا ليس بالضرورة قرينا بالرذائل.
وفي عام 1944 ساعدها صالح الكويتي في أداء أولى حفلاتها الغنائية من دار الاذاعة العراقية، حين كانت حفلات للكثير من المطربات والمطربين تذاع على الهواء مباشرة ولساعة يوميا.
زهور حسين ناحت كثيرا في اغنياتها كأنها كانت ترى نهايتها الحزينة ولم يكن صعبا تميزها عن غيرها من المطربات، فهي تغني بإحساس صادق مبتعدة عن النمطية ولا تتصنع في ادائها ولها قدرة كبيرة على الحفظ بحسب ما اكده كثير ممن لحنوا لها. هي من الورشة الفنية البارزة في الغناء العراقي المعاصر والتي ضمت اسماء: سليمة مراد، عفيفة اسكندر، نرجس شوقي، صديقة الملاية من المطربات، وحضيري ابو عزيز و داخل حسن من مطربي الريف، فضلا عن الملحنين عباس جميل، محمد نوشي، خضير الياس ورضا علي، و الشعراء: سبتي طاهر، جبوري النجار، سيف الدين الولائي، عبدالكريم العلاف واخرون .
مقام الدشت
لزهور حسين، رصيد من الاسطوانات في شركة جقماقجي البغدادية الرائدة في صناعة النغم المعاصر، برزّت فيه اصوات المطربين الرواد مثل حضيري ابو عزيز، وناصر حكيم في الغناء الريفي، ومحمد القبانجي ويوسف عمر من مؤدي المقام العراقي، مثلما كان لها حضور قوي في اذاعة بغداد، فضلا عن امسيات الغناء الحي، حين كانت تغني في ملهى أبو نواس في الباب الشرقي ببغداد جاذبة اسماع معجبين بصاحبة الصوت الذي صار اجمل من غنى مقام الدشت في اول اغنية لها وكان ذلك في ملهى الفارابي عام 1938 ومطلعها: (إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى/ فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا).
وهناك من رأى انها اختصت بقراءة مقام الدشت، وقد ابدعت فيه، وان الكثير من اغاني المطربة الكبيرة كانت ممنوعة لأنها استخدمت كلمات فارسية، وهو أمر كان دارجا في اداء القديم من الالحان واداء القراءات الحسينية في الكاظمية، المنطقة التي تربت فيها وترعرعت، وبخاصة استخدام مقام الدشت في هذه المناسبات. ويرى الشاعر والصحفي زهير الدجيلي انه وصل الاعجاب بغناء زهور حسين وبطريقة ادائها مقام الدشت في مقدمة أغانيها، وحين تدخل بعض المقاطع باللغة الفارسية مع العامية العراقية، حد أنها اصبحت مطربة العراق الأولى بعد سليمة مراد ومنيرة الهوزوز وزكية جورج وعفيفة اسكندر. ولم تعد مجالس الأنس والطرب في بغداد لدى العامة والخاصة منذ اربعينيات القرن حتى مطلع الستينات مكتملة، من دون حضور زهور حسين التي تلهب مشاعر الحضور حماسا وطربا ونشوة، وصارت مؤنسة المجالس بغنائها وخفة روحها وضحكتها التي تنطلق مع بحة صوتها وغنجها. وقال عنها، الملحن الذي ارتبط بصعودها نجما غنائيا ساطعا، الراحل عباس جميل: ((لحّنت لها أكثر من ثمانين أغنية، وقرأت في صوتها بحّة تسيل رقة وحناناً وشجى، تلامس بها أرق عواطف الانسان. حوربت كثيراً رحمها الله، من قبل بعضهن بمختلف الحجج والبعض الاخر من الفنانات حاولن منافستها في طورها فلم يلحقن بها ويلامسن جرفها، كانت متفردة رحمها الله وقد شكلنا معا ثنائيا كبيرا وكانت تربطني بها علاقة روحية حميمة، و هذا ما جعلني انسجم معها في اللحن الذي اقدمه لها ولا انسى انها بكت بكاء مرّا حينما غنت (غريبة من بعد عينج يا يمه)، اول مرة وكذلك في اغنية (جيت لاهل الهوى). لقد كانت رحمها الله تتفاعل مع اللحن والكلمة بشكل يمنحني القدرة على العطاء اكثر وهي مطربة كبيرة بكل المقاييس)). ويشير المطرب والملحن الراحل رضا علي، الى ان زهور حسين اجتهدت بحسب ثقافتها الشعبية، فكانت تغني بعفوية، اثناء ادائها الاطوار والبستات الشائعة، غير انها عندما بدأت تغني من الحان عباس جميل وألحاني، صارت تحسب لأهمية حفظ الكلمات وإتقان اللحن. مع ذلك ظلت بصمتها هي تلك البحّة والفطرة في الغناء، وسماعها في اي وقت، يبعث الطرب في النفس. ومع هذا التغير الذي يشير اليه علي، الا ان الناقد الراحل عادل الهاشمي يصف صوت زهور حسين بقوله إن “معدن صوتها غير نفيس، إنما يغشاه في الغالب رخص يزداد بتقطيع صوت يميل إلى الابتذال وتنعدم فيه روح التعبيرية تمامًا”. وهو بذلك يشير الى الطابع الفطري في غنائها، الذي لم تتهذب ملامحها حتى مع ما صاغه لصوتها، ملحنون خبروا الموسيقى المعاصرة واصولها السليمة.
قصة غريبة
الراحل عباس جميل يؤكد انها في (أخاف أحجي وعليّ الناس يكلون)، حوّلت زهور الخط الغنائي الذي كانت تسير عليه حسين، من الميزان الثقيل إلى السريع، لذلك وجدت لها شخصية متميزة لم ينافسها فيه سوى لميعة توفيق ووحيدة خليل، لأن الفنانتين كانتا تقدمان اللون الغنائي الريفي وهو الأقرب إلى لون زهور حسين. فتمكنت من أن أخلق نوعًا من المنافسة بين المطربات، وذلك عن طريق توزيع ألحاني على أكثر من صوت. وصوت زهور حسين تتخلله بحة محببة للقلوب، كانت تضيف إلى أذن المستمع الحنان والتعاطف. ومن أشهر الأغاني التي لحنتها لها (آني اللي أريد أحجي)، (غريبة من بعد عينج يا يمه)، (يم عيون حراقة) وعشرات غيرها. ويضيف الراحل جميل أذكر أنها قبل وفاتها بساعات زارتني في المدرسة التي كنت أعمل فيها حتى أكون معها لزيارة زوجها في سجن المثنى، ولكن الظروف حالت دون ذهابي معها فسافرت هي وأختها وشقيق زوجها، وعلى طريق الحلة انقلبت السيارة فتوفيت أختها ونقلت هي إلى المستشفى، وبقيت غائبة عن الوعي قرابة عشرة أيام فارقت الحياة بعدها سنة 1964.
https://www.youtube.com/watch?v=GGOtb6GI-VE
420 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع