كيف سمح الرئيس عبدالسلام عارف للخميني بالقدوم الى العراق والاقامة في النجف؟
بقلم: هارون محمد
لم يكن المرجع الشيعي آية الله محسن الحكيم طباطبائي مرتاحاً من القرار الذي اتخذه الرئيس الراحل عبدالسلام محمد عارف ورئيس وزرائه المرحوم الفريق طاهر يحيي بالسماح لرجل الدين الايراني المعارض للشاه روح الله الموسوي الخميني بالقدوم الى العراق والاقامة في النجف.
ولم يكتف الحكيم بالاعتراض على القرار وانما بعث ببرقية احتجاج الى رئيس الحكومة العراقية الفريق يحيي حمله مسؤولية ما يترتب على وجود هذا (الملا المشاغب) كما أسماه في النجف، وكان الخميني يقيم وقتئذ في تركيا بعد ان نفاه الشاه محمد رضا بهلوي من ايران عقابا له بسبب معارضته لقانون الاصلاح الزراعي الذي اصدره الشاه في اذار 1963 وسماه بـ(الثورة البيضاء).
كان الخميني وهو يحمل مرتبة دينية (حجة) وهي ادنى بدرجتين من مرتبتي (اية الله) و (اية الله العظمى) حسب التراتبية الدينية الشيعية، قد عارض قانون الاصلاح الزراعي الذي اصدره الشاه لانصاف الفقراء من الفلاحين والمزارعين كما صرح في الاسباب الموجبة لاصدار القانون، غير ان الخميني عد القانون منافياً للتعاليم الدينية لانه صادر اراض وبساتين وغابات ومساحات زراعية من كبار الاقطاعيين والبيوتات الاستقراطية الايرانية ووزعها على الفلاحين والعمال والمستخدمين، وتردد في حينه ان الاقطاعيين الذين تضرروا من القانون وجدوا الخميني الوحيد من رجال الدين الذي وقف الى جانبهم وتعاطف معهم، في حين قال انصار الشاه بان الاقطاعيين كانوا يسددون زكاة (الخمس) سنويا الى الخميني الذي كان يحملها الى آيات الله المراجع الكبار وكانوا اربعة يشكلون المرجعية الشيعية العليا في ايران وهم آيات الله شريعة مداري والكلبيكاني والميلاني والخونساري، أي انه كان واسطة بين الاقطاعيين الايرانيين والمراجع الكبار الذين عادة كانوا يكلفون وكلاءهم وممثليهم بتسلم اموال (الخمس) باعتباره من العقائد الشيعية المعمول بها منذ قرون وما تزال.
وكان الدستور الايراني يمنع السلطات الحكومية من اعتقال او سجن او اعدام رجال الدين ممن يحملون مرتبة (آية الله) وهذا يعني ان حجة الاسلام الخميني سيكون مصيره السجن لانه لم يكن قد بلغ درجة الاجتهاد ولم يحصل على مرتبة (آية الله) وهنا بادر المراجع الاربعة الكبار واصدروا بيانا مشتركا اعلنوا فيه ان الخميني حصل على المرجعية وبذلك يكونوا قد فوتوا الفرصة على الشاه بتنفيذ عقوبة السجن بحق الخميني الذي غادر الى تركيا واستقر في استانبول.
المرحوم عبدالسلام محمد عارف في احدى الجوامع ببغداد
في بغداد تلقى آل الخالصي وهم اسرة دينية شيعية تقيم في الكاظمية عرفت باعتدالها ووطنيتها وتمسكها بالتشيع العربي او العلوي كما يصفه المفكر الايراني على شريعتي لتفريقه عن التشيع الصفوي الذي تعتمده فئات واسعة من الشيعة الامامية في ايران والعراق، خبر نفي الخميني الى تركيا وكانت الاسرة ترتبط بعلاقات طيبة مع الرئيس عبدالسلام عارف الذي شوهد كثيرا وهو يصلي وراء الشيخ محمد مهدي الخالصي في جامع براثا في حي الشالجية بكرخ بغداد أو المدرسة الخالصية في الكاظمية، وقد بادرت الى ابلاغ الرئيس برغبة الخميني في القدوم الى العراق والاقامة في النجف ووافق الرئيس عبدالسلام فورا واوعز الى رئيس وزرائه الفريق طاهر يحيي باتخاذ ما يلزم بشأن تذليل العقبات لوصول رجل الدين الايراني الى العراق.
اللواء رشيد مصلح
وحسب الاصول المتبعة أنذاك احيل قرار مجلس الوزراء العراقي بالسماح للخميني بالقدوم الى العراق والاقامة في النجف الى وزيري الداخلية اللواء رشيد مصلح التكريتي والخارجية صبحي عبدالحميد حيث اتخذ الاول تدابير تأمين الاقامة والحماية للخميني واسرته، فيما تولى الثاني مهمة اشعار السفارة العراقية في تركيا باستكمال اجراءات سفره الى بغداد.
صبحي عبدالحميد
وبينما كانت الاجراءات الحكومية العراقية على وشك الانتهاء لاستقبال الخميني وتهيئة دار له في النجف، وصل الى بغداد الشيخ على كاشف الغطاء وهو رجل دين شيعي يدير مدرسة دينية تحمل اسم عائلته في النجف وله صلات طيبة مع كبار المسؤولين يحمل رسالة من اية الله محسن الحكيم الى رئيس الوزراء الفريق طاهر يحيي يقول فيها بالنص: انه سيغادر العراق مغاضبا اذا قدم الملا الايراني المشاغب الى النجف واقام فيها !
الفريق طاهر يحيى
ازاء ذلك اتخذت الحكومة العراقية قرارا سريعا تضمن ان يقيم الخميني واسرته المرافقة له في سامراء مؤقتا لطمأنة السيد الحكيم وامتصاص غضبه، وهو ما حصل بالفعل حيث وصل الخميني في منتصف نيسان 1964 وكان بصحبته ولداه مصطفى واحمد وزوجته وابنته ونقلوا جميعا الى سامراء حيث استأجرت السلطات الحكومية في القضاء دارا لهم تعود الى اسرة الكريم.
وبعد اربعة شهور من الاقامة في سامراء ونتيجة لمساع بذلها اية الله ابو القاسم الخوئي لدي السيد الحكيم، وافق الاخير على قدوم الخميني الى النجف والاقامة فيها، لكنه اشترط ان ينصرف الى الشؤون الدينية والابتعاد عن السياسة والتوقف عن انتقاد شاه ايران، وفي الخامس من ايلول 1964 وصل الخميني الى النجف واستقبله القوميون العرب في المدينة بحفاوة بالغة باعتباره شخصية سياسية ودينية معارضة لشاه ايران المعادي للقومية العربية ولم يكن من رجال الدين الشيعة في استقباله غير الشيخ على كاشف الغطاء.
بيت الخميني في النجف
وظل الخميني يتحين الفرص للقاء مع المرجع محسن الحكيم ومناظرته ويرسل اليه الوسطاء والمبعوثين لاقناعه باستقباله، لكن الاخير كان يتهرب من اللقاء به خشية استياء شاه ايران الذي كان الحكيم على علاقة وثيقة به ويعده قائد الشيعة في العالم، وبعد اكثر من سنة على اقامة الخميني في النجف وافق الحكيم على استقباله في منزله مشترطا ان يكون اللقاء مقتصرا عليهما فقط.
في الحلقة الثانية:
حوار عاصف بين محسن الحكيم والخميني في النجف
1326 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع