أحاديث من ذاكرة كركوك .... يكتبها / جمهور كركوكلي
رائحة البهارات...قرمزي باش ثنائية السوق الكبير
في ضحى كل جمعة ، راغبا بدافع نفسي جارف ،او مرغما بعاطفة تشبه الوله لأستذكار الماضي ،ايمّم وجهي شطر السوق الكبير في جانب المدينة الشرقي او (بويوك بازار ) كما تسميه العامة ،هناك حيث تسترجع الذاكرة بعضا من راحتها المفقودة بفعل تقادم العمر ، وتوالي الاعوام ، وما حوتها تلك المنصرمات من السنين من احداث تركت على جدران الذاكرة شروخا هي بلاشك بعضا من مخلفات الحروب ورائحة البارود ، وتداعيات الغربة ..
تسترجع الذاكرة هاهناك في افياء دكاكين وخانات بويوك بازار بعضا من مفقوداتها ،أمنيات بوطن لا يعكر صفوه كاتم للصوت يخنق صوتا يهدر ضد الفساد، ومساحات خضراء صغيرة تكون واحة لأطفال فقدوا ابائهم في الحروب مع الجيران ، او في معارك الاخوة التي اشعلت فتيلها يد الاحتلال لتستكمل مشوار العذاب لوطن اسمه ( العراق )..
في ضحى كل جمعة ، لي مع الذكريات موعد لا أخلفه ،صار بمثابة موعد عاشق،مع جولة ( بويوك بازار)التي تبدأ بالحنين الى ماض قريب ، وتنتهي ( أحيانا) ببعض قطرات من دمع تنساب على رؤية مراتع الصبا ومدارج الشباب لدى رؤية أطلال القلعة التي حولتها معاول الحقد الى بقايا من أحلام لم تكتمل.
في جولة بويوك بازار الأسبوعية ، حيث الثنائية المتلازمة ، أذ تشدك رائحة التوابل الذكية ونكهة الأعشاب الطبية المنبعثة من دكاكين العطارين المنتشرة على جانبي السوق ،لا بد ان تلتقي بوجوه مالوفة أن كنت من ابناء المدينة .
في غير موعد وعلى حين غرة ، كنت وجها لوجه مع أشهر عطاري بويوك بازار ومن هو غير الرجل الذي اصبح أسمه متلازما مع وصفات امهاتنا لبهارات الكليجة والدولمة والكبة والبرياني ، من هو ذلك الرجل ان لم يكن .. ( قرمزي باش ) ؟؟ الرجل الموادع اللطيف الطيب الحاج جرجيس صالح الذي احبته العامة من ابناء كركوك صغارا وكبارا حتى اختاروا له هذه التسمية ( قرمزي باش ) تسمية بريئة جاءت لتكمل صيرورة ذلك الرجل الطيب الحاج جرجيس او قرمزي باش فشعره الذهبي المائل الى الحمرة , وبشرته البيضاء كانا سبب تلك التسمية ،التي طغت على اسمه الحقيقي ، حتى غدا اسم قرمزي باش حين يذكر ، فأنه يعني فيما يعنيه رائحة الهيل وماء الورد والزعفران والمسك ،
ويعني نكهة أكلاتنا الشعبية ،ويعني طيبة اهل كركوك ، ويعني ويعني أشياءا كثيرة أخرى من تأريخ مدينة موغلة في القدم أسمها كركوك ....
شكرا لجولة الجمعة في بويوك بازار ، لأنها قيضت لي بعد عقود من الزمن أن ألتقي الحاج جرجيس أو ( قرمزي باش ) ومعه استرجع ذكريات بعيدة جدا ، ومعه اشم عطر الزعفران ونكهة البرياني ......
1724 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع