عامر عبدالرزاق الزبيدي
إنما تبنى الحضارات على أساسين مهمين الماضي والحاضر فليس هناك حضارة في الدنيا لم تكن متجذرة بماضيها في عمق التاريخ , والحاضر حينما يتكئ على ماض تليد بكل ما أوتي من إيمان واعتزاز وإصرار سيخلق مستقبلا زاهرا يعد امتداد طبيعي لذلك الماضي , وأي بلد مثل العراق أرسل جذوره عميقا في تاريخ الدنيا فترك لنا إرثا ثقيلا لو حملناه باستخفاف ولا مبالاة أركسنا في وحول الماضي و إن حملناه باعتزاز وعزيمة أدركنا في أبهى صور مستقبله .
فلو عرفنا أن الاستيطان في العراق يعود إلى عشرة ألاف سنة قبل الميلاد نرى أنه اختزل موروثا لشعوب وحضارات تعاقبت لآلاف السنين.
وقد عرفت منظمة اليونسكو بأن كل شيء مضى عليه خمسون عاما يعتبر موروثا حضاريا وتراثيا , فالمواقع الأثرية العراقية التي تجاوزت خمسة وعشرين ألف موقع اثري هي موروث وكذلك القطع الأثرية التي تستخرج من تلك المواقع , والبيوت التراثية التي بنيت في هذا البلد ولا زالت تحكي قصة الأمس السعيد بطرزها المعمارية الجميلة وزخارفها الدقيقة والمزدانة بالشناشيل والمقرنصات والأعمدة والعقود والشرف والدكات , وكذلك المساجد والجسور والسدود والمدارس والخانات والقصور والأسواق التي تجاوز عمرها 100 عام , ليست الأماكن فقط من التراث بل الأدوات التي استخدموها ولازالت تحتفظ بها تلك البيوت من دلال للقهوة , وستارات أبواب ومفاتيح , ورحى لطحن الحبوب , وجاون , ومبخرة , وشمعدان , وكذلك لاننسى العملات النقدية منذ أول سكها بعد استقلال العراق عام 1932 زمن الملك فيصل الأول , وقبلها من العمل النقدية العثمانية , وهل تعلمون بان حتى الصوت الذي تجاوز الخمسين عاما أصبح تراثا عراقيا من غناء وشعر.
إذن أصبح التراث العراقي لا يعد ولا يحصى إذ لا توجد محلة أو زقاق أو حتى بيتا يخلو من هذا التراث , لكن أين العمل الجدي والحقيقي لحماية هذا التراث العظيم , وهل وضعت دراسة من قبل المختصين لانتشال ذلك الإرث الحضاري , فآثار العراق ملأت متاحف الدنيا ولله الحمد ؟!!!!, ولا يمر يوما إلا وقد سرقت قطعة أثرية , أما المواقع الأثرية فهي ركام أتربة بلا حماية أو تسييج تتجول بها الكلاب السائبه وتخلو من أي مرفق سياحي , أما البيوت التراثية فلا يمر يوما لا يهدم بها بيتا حتى يبنى بدله بيت جديد !!,
والأدوات التراثية كسر بعضها ورمي بالنفايات البعض الأخر وما تبقى محفوظ تحت رحمة التراب ومشاعر الأهالي , كل هذا الموروث الحضاري وجميع متاحف المحافظات مغلقة بلا آثار ؟!!, ويوجد في العراق سوى متحف واحد في بغداد بني قبل أكثر من ستين عاما إذن هو أصبح أثر يحتاج أن نضعه بمتحف آخر !!.
(( نبني الملاعب بمليارات الدنانير ولا نبني متحفا لحضارتنا سنجني منه المليارات بعد سنين ))
وللعلم والاطلاع سادتي القراء لا يوجد أي متحف للتراثيات أو الشعبيات العراقية , أما حماية الموروث الحضاري فيحتاج أن تتضافر كل الجهود وأهمها الجهد الإعلامي فأننا بحاجه إلى إعلانات تلفزيونية تسلط الضوء لحماية هذا الإرث وتزويد ثقافة المواطن بحماية موروثة , وبحاجة أن تخصص الدولة من ميزانيتها مبلغ لشراء الدور التراثية المهمة وكذلك تمنع أي أقاله لأي صرح تراثي عام كجسر أو ناظم أو مسجد أو خان بل يجب أن نقيم البعثات لصيانته وترميمه , وعلى الدولة أن تقيم في كل محافظة من محافظات العراق متحفا للموروث العراقي تجمع به كل الأدوات التراثية بعد شراءها من المواطن أو أقناعهم بأن مكان تلك القطع التراثية هو المتحف فانه الحصن الجميل لحمايتها وكذلك مشاهدتها من قبل كل الناس .
وكذلك على وزارة التعليم العالي بأن تلعب دورها في المجتمع للحفاظ على الموروث والمساهمة الفعالة وأقامه الدورات والندوات التثقيفية بهذا المجال , وعلى وزارة التربية أن تضع في مناهجها التربوية بعض من تلك الصروح الحضارية وتحث الطالب على التعلق بها وحماية آثاره وتراثه لان التعلم في الصغر كالنقش على الحجر , وكذلك وزارة البلديات أن تسمي بعض الشوارع والساحات بأسماء لها علاقة بعمق العراق الحضاري وإقامة بعض المنحوتات التي تعكس دور بلاد وادي الرافدين في رسم الحضارة العالمية وإشعاعها للعلم كله , وكذلك قيام وزارة الشباب والرياضة لتعليم الشباب بأن حب حضارة العراق والتمسك بها سوف يخلق جيل متعطشا للعلم والبناء ونعلمهم بأن الحفاظ على هذا الإرث الحضاري هو مسؤولية الجميع .
وعلى البرلمان العراقي أن يشرع القوانين لحماية آثار العراق واستعادتها وان يضع أشد العقوبات لأي جهة كانت تمس أرث العراق الحضاري , أما وزارة الثقافة فيجب أن تأخذ على عاتقها المسؤولية الكبرى لأنها حاملة الراية الثقافية وعليها أن تضع الأسس الصحيحة لحماية الموروث العراقي وعدم أندثارة وأن تكون قناة ( الحضارة ) الفضائية الناطقة التثقيفية لكيفية حماية آثار وتراث وموروث العراق .
وعلى جميع مجالس محافظات العراق أن يتحلوا بقدر تلك المسؤولية وتفقد الأماكن الأثرية وتخصيص الأموال لبناء المتاحف وترميم الأبنية التراثية .
وفي الختام أقول رغم مرور أكثر من ثماني سنين على بداية عراق جديد لم نرى أي تقدم في حماية أو الحفاظ على الموروث العراقي العظيم وإذا أستمر الأمر كما هو علية ربما ستحدث كارثة ثقافية في ذلك البلد لكن في لحظة لا يفيد بها الندم أوعظ الأصابع وسوف تكون المسؤولية بأعناق الجميع لكن التاريخ لن يرحم كل من تخاذل وتهاون في الحفاظ على الموروث الحضاري العراقي .
1969 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع