إبراهيم الزبيدي
نوعان من العراقيين يجدون في بعض دول الخليج العربية أحضانا دافئة.النوع الأول،عراقيون ظهروا فجأة، بالمصادفة ، وبفضل الاحتلال والمحاصصة، وصاروا نوابا أو وزراء لأشهر قليلة، ثم انطفأوا، كأية فقاعة تظهر وتكبر ثم تنفجر وتنتهي برمشة عين.
ولأن واحدهم بلا مواهب، ولا خبرة، ولا كفاءة لم يكن في وطنه وبين ذويه شيئا له قيمة بأكثر من قيمة الكرسي الذي وجد نفسه عليه، وحين سقط عنه سقط من ذاكرة الزمن بسرعة وبرمشة عين، كذلك. ولكن بعض الخليجيين ما زالوا يستقبلونه ويغدقون عليه لاعتقادهم بأنه زعيم وقائد حقيقي، وبالتالي يمكن استثمار زعامته لمحاصرة نوري المالكي وإيران في العراق.
والنوع الآخر، دجالون شطار يتسولون باسم الطائفة السنية، ولكن بثياب رجال أعمال أثرياء أكابر، والحقيقية أنهم ليسوا أكثر من شحاذين يتاجرون بمصائب الطائفة، ويرتزقون بآلامها وأحزانها،وجدوا بيضهم الذهبي في بعض الخليجيين الطيبين الذين يتعاطفون، بصدق ونية صافية، مع أشقائهم العراقيين،وخاصة في الفلوجة والرمادي، فيتبرعون ، من وقت لآخر، ببعض المال لأهالي المدن المنكوبة، ولكن يعطونه لهؤلاء الوسطاء المزيفين، ظنا بأنهم أهل لحمل الأمانة، في حين أنهم حُواة محترفون، يأكلون مال الله وعباده، بلا ذمة ولا ضمير، فـ (يشفطون) تلك التبرعات، (ولا من شاف ولا من دري).
وبغض النظر عن المستور، وهو كثير وكبير، فقد نشرت مواقع عراقية عديدة حكاية أحد هؤلاء التماسيح من (شيوخ آخر زمن) حين أعطي عشرة ملايين دولار، كأمانة، لتوصيلها لزعيم (خردة) آخر من أقاربه، فلم يفعل. وحين سئل أقر باستلام الملايين العشرة، واعترف بعدم توصليها إلى صاحبها، بوقاحة وقلة حياء، زاعما أنه فعل ذلك لآنه يعرف أن حكومة المتبرع لا توافق على دعم الإخوان المسلمين، والمرسل إليه واحدٌ منهم. وادعى بأنه أنفقها على المعتصمين والمنتفضين في الفلوجة والرمادي.
أولا، إذا كان يعرف أن حكومة المتبرع لا توافق على منح أي إخواني أي مال، فلماذا وافق من البداية على القيام بمهمة التسلم والتسليم؟، وثانيا، أين هي الأدلة والمستندات التي تثبت أنه أنفقها على المنتفضين؟، وثالثا، هل هذه هي المرجلة والأمانة والمشيخة يا صاح؟.
فما يفعله هؤلاء المحتالون بتبرعات الخليجيين معلن، وعلى عينك يا تاجر.
فهم ينفقون أكثرها على شراء العقارات في دبي وعمان وأربيل، وبعضَها الباقي على الوجاهة: مراكز دراسات استراتيجية، مواقع الكترونية، فضائيات، حفلات توزيع هدايا بائسة، أعمال خير مفضوحة ومكشوفة وممجوجة، أوعلى تفصيل قوائم الانتخابات وخياطتها، وتصنيع النواب والوزراء، وأيضا ليس لوجه الله، ولا لخدمة الطائفة، ولا حبا بديمقراطية ولا عروبة ولا دين، بل للسطو على حصة الطائفة في حكومة المحاصصة ومقاولاتها وعقودها المغشوشة التي لم تعد بحاجة إلى بيان.
وإزاء إيمان بعض الخليجيين بقدرة الوزير المطرود على رفع الزير من البير، و(غشامة) البعض الآخر منهم الذي يرسل أموال زكاته إلى المحتاجين العراقيين مع نشالين متمرسين في النشل والسطو، يظل المواطن العراقي البريء والممتليء بالمخاوف والهموم، والمحتاج أمسَّ الحاجة إلى وقفة شهامة صادقة من أخوته وأشقائه وجيرانه، فيبقى في حالة (زعل) دائم من الخليجيين، ويعتب عليهم أشد العتاب، ويسأل.
هل هم سُذج إلى هذه الدرجة، ومضحوكٌ عليهم، ومغشوشون بهذه الشلة من العراقيين الذين يتحدثون باسم الطائفة السنية وعشائرها وحراكها ومعتصميها، وهم لا يملكون في الشارع السني شروى نقير ولا يجرؤون حتى على زيارة قصيرة لمساقط رؤوسهم، ولو في السنة مرة؟
فإن كان غرض الأخوة الخليجيين من إعطاء هؤلاء السماسرة كل تلك الأموال أن تنفق على فقراء الطائفة وأيتامها وأراملها وجرحاها ومُهجَريها، فهذا غير حاصل البتة. وفي إمكان المتبرعين أن يرصدوا هذه الأموال، وأبواب صرفها الحقيقية،ببساطة ودون عناء.
وإذا كان هدف التبرعات تقوية الطائفة وتوحيد صوتها وإعلاء شأنها وجعلها طائفة متماسكة في مواجهة ظلم نوري المالكي وديكتاتوريته الصارخة، وإجباره في النهاية على أن يغير نهجه الطائفي المتخلف ويعود إلى سواء السبيل، ليحل السلام في العراق الشقيق، وتتعايش مكوناته بأخوة وشراكة حقيقية عادلة، بدون حروب، ولا سفك دماء، ولا تهجير، ولا تجويع، فهذا أيضا لم يفعله السماسرة بأموال الخليجيين، بل فعلوا عكسه بالتمام والكمال. فرقوا به الصفوف، وأفسدوا الضمائر، وغرروا بالشباب، وحرضوهم على القتل والسرقة وتقطيع الرؤوس، وعمقوا الفرقة بين الطوائف، وحولوا علاقة الطائفة بالمكونات العراقية الأخرى إلى احتراب دموي لا يتوقف. والسبب أنهم بدون حرائق وحروب يموتون فقرا وجوعا ومذلة. ولو ساد الوطنَ الأمنُ والسلام وسلطة القانون، وأصبحت فيه حكومة عاقلة وعادلة تقيم علاقات أخوة واحترام متبادل مع دول الخليج، فماذا يبيعون ويشترون، وبأية بضاعة يتاجرون؟ وبأية كفاءة وخبرة ومواهب يصبحون وزراء ونوابا، وكيف يصيرون شيوخا وما هم بشيوخ.
أموالكم أيها الإخوة الخليجيون، بصراحة، دمرت شبابنا، وهجرت عوائلنا، وملأت سجون المالكي بنسائنا، وجعلت صعاليك الأمس قادة وزعماء ينفقون على المؤامرات والدسائس وشراء الذمم وتخريب الذي لم تصله معاول المخربين. بعبارة أخرى. أموالكم خربت بيوتنا.
1724 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع