قصة (متلازمة داون) - الجزء الثاني

بقلم احمد فخري

قصة (متلازمة داون) - الجزء الثاني

من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط

https://algardenia.com/maqalat/69372-2025-10-27-10-12-20.html

6 شهور ونيف مرت على جريمة زيونة والادلة تظلل الاراء وتتأرجح ما بين الشك واليقين. جميع اعضاء فريق التحقيق مستنفراً لاقصى الحدود يحاول ربط الامور ببعضها البعض للخروج بادلة جديدة بَيّنة.

في صباح احد الايام دخل المحقق فاروق مكتبه وهو منزعج يفكر بالقضية الفائقة التعقيد والتي ما فتئت تؤرقه لعدم انجاز اي تقدم فيها لحد الآن. ومما زاد في الطين بلة هو أن إدارة الشرطة والنيابة العامة بدأت تضغط عليه بشكل كبير وملحوظ في جميع المجالات بسبب مرور اكثر من نصف سنة على الحادث ولم يتم التوصل بعد الى خيوط ولو رفيعة تدله الى الجاني الذي قتل جيداء الزوجة الثانية للعقيد المتقاعد حسن الياسري في منطقة زيونة. جلس صاحبنا خلف منضدته وسحب ملف القضية من على الرف للمرة العاشرة بعد الالف كي يبحر في صفحاته لعله يستدل على الامل الذي يسعى اليه. وفجأة دخل مساعده الغرفة قال،

كرار : صباح الخير سيدي، هل تأمرني بشيء؟

فاروق : صباح الخير كرار. اريد قدحاً غامقاً من الشاي الاغمق كما هو لون وجهك.

كرار : الا زلت تشعر بالقلق بخصوص القضية؟

فاروق : كيف لا والقاتل مازال حراً طليقاً والجميع يضغط فوق جمجمتي كي اعثر عليه. ما عدت احتمل هذه الحالة، اكاد انفجر يا كرار.

كرار : إن تسألني سيدي فانا اقول انها السيدة كرامة الزوجة الأولى للعميد المتقاعد حسن.

فاروق : اولاً اسمها كبرياء وليست كرامة وثانياً زوجها عقيد متقاعد وليس عميداً متقاعداً.

كرار : بغض النظر عن كل ذلك. إسأل نفسك هذا السؤال سيدي، من له مصلحة بقتل المجني عليها؟ ومن لديه المعرفة الكافية بسم الافاعي النادرة؟ اليست هي بعينها السيدة كبرياء؟

فاروق : لو فرضنا ان تسائلاتك مبررة. فكيف نَفّذَتْ الجريمة وهي لا تقوى على مغادرة بيتها ابداً؟ فالمسافة بين بيتها وبين بيت ضرتها حوالي 3 كم. هل كان لديها جهاز تحكم عن بعد حتى تضغط عليه فتحقن ضرتها بالسم من تلك المسافة؟ ولو فرضنا ان ذلك كله ممكناً، فمن طعن المجني عليها الطعنات الثلاثة؟ لا بد من وجود فاعل.

كرار : إذاً لا بد لها من شريك في الجريمة قام بتنفيذ الجريمة بدلاً عنها. ذلك امر بديهي؟

فاروق : اسمع كركر، لقد علمنا سابقاً ان كبرياء لم يكن لديها صديقات يترددون على بيتها. فكيف تمكنت من اقناع شخص ما حتى يقوم بتنفيذ خطتها؟ لا تنسى ان جريمة من هذا النوع قد تؤدي الى الاعدام. لذلك يجب ان يكون لدى من يساعدها دافع قوي كي يفعلها وإلا، فإن الثمن سيكون باهظاً.

كرار : اقسم بالله انك في ورطة كبيرة سيادة المحقق. لماذا لا تسأل بعض من زملائك المحققين كي يعطوك النصح والمشورة؟ فهم ايضاً يملكون الخبرة بمثل هذه الامور وقد يكونوا قد مروا بمثل تلك القضية في السابق.

فاروق : لا يا كرار. الجميع يريد ان ينأى عن نفسه من المسؤولية لانهم يعلمون مدى تعقيد وشحة الادلة والمعطيات بهذه القضية.

كرار : سامحني سيدي ولكن، كم عدد اولاد السيدة كبرياء؟

فاروق : واحد فقط اسمه حقي وقد مات بحادث سير بسن العاشرة.

كرار : من قال لك ذلك؟ من قال ان ما قيل عنه صحيح؟

فاروق : والده طبعاً، العقيد المتقاعد وكذلك والدته السيدة كبرياء.

كرار : هل تأكدت مما قالوا؟

فاروق : كلا لم اتأكد ولكن... ولكن لم يكن لدي السبب كي اشك بكلامهم. عفاك يا كرار، انت عبقري. ساتحقق من هذه المعلومة اليوم. شكراً عزيزي.

كرار : على الرحب والسعة سيدي. يسعدني ان اكون لك عوناً. وكذلك... انت تعلم يا سيدي... الحليم بالاشارة يفهم.

فاروق : اعلم، اعلم جيداً ما تقوله. ساسعى لك بالترفيع يا كرار، لا تقلق. فانت كفؤ وتستحقها.

خرج المحقق مسرعاً وترك كرار يأخذ قدح الشاي الفارغ الذي جلس فوق منضدة المحقق. خرج المحقق وامسك بمقود سيارته وانطلق بها الى دائرة النفوس. هناك أدَلّوه على قسم الارشيف ليدخل ويحيي موظفة خمسينية محجبة فيعرّف عن نفسه بعد ان ابرز لها هويته الرسمية قال،

فاروق : يا اختي، اريدك ان تبحثي لي عن ملف رجل متقاعد بالجيش العراقي اسمه العقيد حسن مطلك الياسري.

وقفت الموظفة وصارت تبحث في سجلات الارشيف التي عفى عنها الزمن وامتلأت غباراً. وبعد بحث ليس بقصير سحبت احدى الملفات ورجعت منضدتها لتجلس وقالت،

الموظفة : هذا هو ملفه سيادة المحقق. العقيد هو من مواليد بغداد 1/7/1972. يسكن في بغداد/ منطقة زيونة شارع رقم 2 تسلسل 28/2. متزوج من زوجتين، الاولى اسمها كبرياء عبد الجبار من مواليد بغداد 14/11/1981 . والثانية تدعى جيداء حسين الملة من مولايد الصويرة 1/7/1992. لديها اخ واحد فقط يدعى محمد جاسم حسين من مواليد 1989/7/1.

فاروق : هل لديكِ عنوان عائلتها بالصويرة؟

الموظفة : لحظة واحدة استاذ دعني ابحث عن العنوان. اجل وجدته انه شارع رقم 9 متفرع من شارع الحلة تسلسل 4.

فاروق : اكتبي العنوان على ورقة لو سمحت.

اخذ العنوان منها وخرج من غرفة الارشيف مسرعاً ليركب سيارته ويتجه جنوباً قاصداً الصويرة. ما ان وصل مدينة الصويرة، اوقف سيارته امام مركز ومديرية شرطة الصويرة ليدخل ويستفسر عن العنوان فيخبره احد رجال الشرطة الواقف امام المركز يدخن سيجارة، كي يستمر بسيره جنوباً حتى يصل الى شارع الحلة ثم يستدير يساراً. رجع المحقق الى سيارته وتتبع ارشادات ذلك الشرطي حتى وصل الى المنزل رقم 4 فرآه بيتاً متواضعاً لا تزيد مساحته عن 80 متراً مربعاً. طرق الباب فخرجت له طفلة صغيرة قالت،

الطفلة : ماذا تريد؟

فاروق : هل السيد محمد جاسم حسين بالبيت؟

الطفلة : لا، خالي محمد لازال بالدكان.

فاروق : وأين يقع دكانه؟

الطفلة : بآخر هذا الشارع يا عمي.

فاروق : شكراً يا حلوتي.

رجع فاروق الى سيارته وقادها حتى آخر الشارع فوجد حانوتاً صغيراً على زاوية الشارع. دخله ليجد رجلاً جالساً على كرسي يبدو عليه انه طويل القامة قوي البدن. حياه وسأله،

فاروق : هل انت محمد جاسم حسين الملة؟

محمد : نعم هذا انا. من انت؟

فاروق : انا المحقق ملازم اول فاروق العاني من الامن العامة.

محمد : وكيف استطيع خدمتك سيادة المحقق؟

فاروق : هل هذا حانوتك؟

محمد : انه حانوتي انا واخي. نتناوب عليه. ولدي عمل آخر كذلك فانا مدرس رياضة بدنية بمدرسة ام البنين المتوسطة.

فاروق : هل لديك اخت تدعى جيداء تسكن في بغداد؟

تغيرت ملامح وجه محمد وقال،

محمد : اجل، ماذا عنها؟

فاروق : البقاء لله، لقد توفت اختك جيداء.

محمد : الى جهنم وبئس المصير.

فاروق : الم تكن على وفاق مع اختك؟

محمد : لا لم نكن على وفاق معها مطلقاً.

فاروق : انت تتحدث بصيغة الجمع. هل هذا رأيك ورأي جميع افراد عائلتك؟

محمد : اجل. كلنا لا نتحدث اليها منذ ان تزوجت للمرة الاولى قبل 11 سنوات تقريباً.

فاروق : هل استطيع ان اعرف السبب؟

محمد : السبب شخصي يا سيادة المحقق ولا يحق لك ان تعرفه.

فاروق : هل هو متعلق بامور اخلاقية لا سامح الله؟

محمد : لا. ليس كذلك.

فاروق : هل تستطيع ان تشرح لي سبب القطيعة إذاً؟

محمد : لان اختي السافلة قبلت الزواج من رجل غريب في المرة الاولى وعندما مات بقيت عزباء ل 5 سنوات ثم تزوجت من رجل هو الآخر كان غريباً عنا.

فاروق : يبدو ان معلوماتي عن ازواجها كانت خاطئة. فقد اخبروني بان زوجها الاول والثاني كانا عراقيين، وقيل انهما ضابطان متقاعدان بالجيش. اليس كذلك؟

محمد : اجل هذا صحيح.

فاروق : وكيف تقول انهما غريبان؟

محمد : قلت لك زوجاها اغراب عنا.

فاروق : لكن ازواجها الاول والثاني كانا عراقيا الجنسية وخدما بالجيش العراقي ثم تقاعدا بعد خدمة طويلة. فكيف يكونان اغراباً عنكم؟

محمد : لا تدعني ادخل بالتفاصيل سيادة المحقق. انها مسألة لها علاقة بالعقيدة.

فاروق : اها... اجل فهمت الآن. انه من مذهب مغاير لمذهبكم.

محمد : هذا صحيح. الآن فهمت.

فاروق : على العموم هذا امر يخصكم. والآن اخبرني هل قمتم بالتواصل مع المرحومة جيداء بعد زواجها وانتقالها الى بغداد؟

محمد : كلا ابداً. فبعد ان مات زوجها الاول، عادت وتزوجت من ضابط آخر. فاعتبرناها ماتت منذ اللحظة التي تزوجت وخرجت عن ديننا.

فاروق : فهمت كلامك. على العموم، ارجو منك ان تتصل بي وتخبرني إذا تذكرت اي معلومة اضافية عنها او استجد معك اي شيء.

محمد : ارجو ان لا تفهمني بشكل خاطئ. فنحن ليس لدينا اي مشاكل مع الجهة الاخرى لكننا فقط لا نتزوج منهم.

فاروق : فهمتك اخي محمد. وضحت الفكرة. استودعك الله.

ركب المحقق فاروق سيارته وعاد ادراجه الى بغداد. وفي الطريق وبينما هو يقود سيارته بدأ هاتفه يرن بالحاح فاجاب ليسمع صوت مساعده يقول،

كرار : هل عثرت على شيئ في الصويرة سيدي؟

فاروق : القليل فقط يا كرار. علمت ان سبب القطيعة هو اختلاف بالمذهب.

كرار : شكيت بذلك الأمر لكنني لم اكن متأكداً. وما العمل الآن سيدي؟

فاروق : يجب ان ابحث وراء الزوجة الأولى الآن.

كرار : الآن؟ تقصد هذه اللحظة؟

فاروق : انا لا اقصد الآن فوراً. بل اقصد بالمرحلة القادمة.

كرار : ومتى ستصل بغداد إذاً؟

فاروق : تقريباً مع صلاة المغرب لذلك سوف القاك غداً صباحاً في المكتب.

كرار : رافقتك السلامة. انتبه في قيادتك سيدي.

باليوم التالي دخل المحقق مكتبه وراح يدون في ملف القضية كل المعلومات التي تحصل عليها من الصويرة عن المجني عليها وعن سبب القطيعة بينها وبين اهلها وعشيرتها. وعندما انتهى من كل ذلك بدأ ينقل بعض المعلومات عن الزوجة الأولى كبرياء عبد الجبار الى ورقة صغيرة. وضع الورقة في جيبه وهم بالخروج ليرى مساعده كرار يدخل المكتب قال،

كرار : هل انت خارج يا سيدي؟

فاروق : اجل سأبدأ اليوم بالحفر والتنقيب عن السيدة كبرياء عبد الجبار هذه المرة.

كرار : السيدة البيتوتية اليس كذلك؟

فاروق : اجل انها المرأة التي لا تبرح بيتها.

كرار : رافقتك السلامة سيدي. ارجو ان لا تصيبك بالعدوى.

فاروق : لحسن الحظ ان مرضها لا يعدي.

كرار : هل ستتحدث مع طبيبها النفسي؟

فاروق : كلا. هذه المرة سابحث عن امور اخرى. إذا اتصل بي احد ما، اخبره باني في الميدان.

كرار : سافعل ذلك سيدي. لا تنسى ان تشتري لي موطة وانت راجع.

فاروق : ساشتري لك سم الافاعي لا تقلق.

خرج المحقق من المركز ليركب سيارته. وقبل ان يشغل المحرك نظر نظرة سريعة الى الملف ليقرأ بعض التفاصيل المتعلقة بالسيدة كبرياء فقرأ اسم المستشفى الذي ولدت فيها ابنها الوحيد حقي فقال لنفسه، "هذا مكان جيد كي ابدأ به التنقيب. دعني اذهب للمستشفى". وبعد نصف ساعة وصل مستشفى الشفاء فاوقف سيارته بالشارع ودخل الى المبنى ليسأل فتاة بالاستعلامات فادلته على قسم الارشيف. سار بالممرات حتى وصل الى باب كتب عليه (غرفة الارشيف). طرق الباب ودخل فرأى سيدة ترتدي ملابس بيضاء ولديها شارة على صدرها مكتوب عليها الممرضة سعاد ابراهيم. رفعت رأسها وسألته،

سعاد : كيف لي ان اخدمك سيدي؟

فاروق : انا محقق من الشرطة وابحث عن معلومات عن سيدة ولدت ابنها الوحيد قبل ما يقرب من 20 سنة.

سعاد : هل استطيع ان ارى هويتك اولاً؟

فاروق : اجل بالتأكيد تفضلي.

وعندما تأكدت من ان فاروق هو ضابط بالشرطة سألته،

سعاد : اسم المرأة التي تبحث عنها وتاريخ الولادة لو سمحت.

فاروق : اسمها كبرياء عبد الجبار ولدت بتاريخ 6 حزيران 2004.

بدأت تقلب اوراق السجل الذي امامها وصارت تدمدم مع نفسها بصوت خافت وتقول،

سعاد : 4 حزيران 5 حزيران 6 حزيران اجل وجدت المعلومة. هذا صحيح الاسم كبرياء عبد الجبار ولدت توأمين. اذكر تلك الولادة.

فاروق : اعتقد انك مخطئة يا اختي. رجاءاً تأكدي جيداً من الاسم فانها ولدت ولداً واحداً فقط ولم تلد توأمين.

سعاد : حضرة المحقق. انا بدأت اتذكر تلك المرأة جيداً لان الولادة كانت عسيرة وانا التي ولّدتها بنفسي. فقد بقيت بغرفة الولادة بضع ساعات حتى اجرينا لها ولادة قيصرية مع المرحومة الدكتورة وسن. انجبت ولدان وكانا بصحة جيدة ولكن...

فاروق : ولكن ماذا؟

سعاد : احد الولدين كان غير طبيعياً. يبدو انه كان منغولياً.

فاروق : وهل هذا ممكن برأيك؟ لماذا لم يطلع التوأمان منغوليان؟ اقصد لماذا لم يكونا كلاهما غير طبيعيان؟

سعاد : نعم انها حالة نادرة لكنها تحصل احيانا في التوائم الغير متطابقة اي انهما خلقا من بيضتين منفصلتين فيكون احدهما فقط مصاباً بمتلازمة (داون) او ما يسمى محلياً بالطفل المنغولي.

فاروق : لكن الكل اجمع على انها ولدت طفلاً واحداً فقط واسموه حقي. لم يخبروني عن توأمان. ربما مات الطفل الثاني اثناء الولادة. اليس كذلك؟

سعاد : لا، لم يمت ابداً. بالحقيقة كان بصحة جيدة تماماً لكن امه صارت تبكي عندما رأته وعلمت انه مصاب بمتلازمة داون. لذلك اصبح هناك لغط كبير عنه مع الممرضات وبالآخر قررت ان تُبْقي ابنها السليم فقط وتتخلص من الثاني.

فاروق : هل كان ذلك الأمر بعلم الاب؟

سعاد : كلا، توسلت الينا كي لا نخبر زوجها عن الطفل المنغولي لذلك تفهمنا الامر وتسترنا عنه. واخبرنا زوجها بانها ولدت طفلاً واحداً فقط.

فاروق : وماذا فعلتم بالثاني إذاً؟

سعاد : انا اشفقت عليه فمنحته لمؤسسة خيرية تعني بتربية الايتام.

فاروق : هل تذكرين اسم ذلك المولود؟

سعاد : كلا الولد لم يكن يحمل اسماً بعد، لكنني اذكر جيداً اسم المؤسسة الخيرية. اسمها مؤسسة الارحام للايتام. كانت في منطقة الشواكة وقتها بالقرب من دائرة التقاعد. حملته على يدي وركبت سيارة اجرة لاعطيه لدار الايتام.

فاروق : هل انت متأكدة مما تقولين؟

سعاد : انا اخذته بنفسي الى دار الايتام فكيف اكون مخطئة. عملت عملاً انسانياً وحسب.

فاروق : شكراً لك سيدتي.

سعاد : لا شكر على واجب حضرة المحقق.

رجع المحقق فاروق الى مكتبه يحفه امل كبير في العثور على الخيط الرفيع الذي كان يبحث عنه فربما سيمكنه من معرفة ما جرى من ملابسات تلك القضية الشائكة. دخل مكتبه فوجد قصاصة ورقية تركها له مساعده كرار موضوعة فوق منضدته يخبره فيها بان النائب العام يريد التحدث اليه. علم تماماً ما يريده النائب العام لكنه ذهب الى مكتبه بكل الاحوال، طرق الباب ودخل. حيا النائب ثم قال،

فاروق : سمعت انك طلبتني حضرة النائب.

النائب : اريد ان اعرف اي تفاصيل جديدة عن جريمة زيونة. هل لديك تحديث؟

فاروق : اجل سيادة النائب. اطلب لي قدحاً من الشاي الغامق ودعني اطلعك على آخر المستجدات.

النائب : الشاي فكرة صائبة. تفضل اجلس.

جلس المحقق فاروق على الاريكة الوثيرة بمكتب النائب فسمعه يطلب قدحين من الشاي عبر الهاتف ثم اقترب منه وجلس الى جانبه قال،

النائب : كلي آذان صاغية. هيا اخبرني.

هنا بدأ المحقق فاروق يقص عليه احداث زيارته الى الصويرة ولقائه مع شقيق المجني عليها ثم زيارته باليوم التالي الى المستشفى وما تحصل عليه من معطيات من خلال موظفة الارشيف. كانت المعلومات دسمة جداً وتبعث بالامل لدى النائب قال،

النائب : انا دائماً اقول انك أكفأ محقق لدينا. ماذا سنفعل لو انك غادرتنا ومتَ؟

قالها النائب بصيغة المزاح فرد عليه المحقق قائلاً،

فاروق : ساحقق بالجرائم في الآخرة.

خرج فاروق من مكتب النائب ورجع الى مكتبه كي يبدأ ابحاثه عن عنوان مؤسسة الارحام للايتام. ولما عثر عليه خرج من المبنى وركب سيارته الى منطقة الشواكة. وصل المأتم فأوقف سيارته امام الباب الخارجي وتفحص المبنى فوجده عبارة عن منزل صغير مزري يعاني من قلة الصيانة يكاد يسقط من كثرة التشققات على جدرانه. ضغط على زر الجرس لكنه لم يسمعه بنفسه فعلم انه عاطل لذلك لجأ للطرق على الباب بقوة. بعد قليل فتحت له الباب سيدة متوسطة العمر تحمل بيدها طفلاً رضيعاً لا يزيد عمره عن بضع شهور. نظرت بوجهه وسألته،

السيدة : نعم؟ ماذا تريد؟

قالتها وهي تهز الطفل الذي تحمله بيدها وتحاول اسكاته، الا ان الطفل اصر على البكاء بوتيرة واحدة دون توقف.

المحقق فاروق : انا المحقق ملازم اول فاروق العاني. جئت ابحث في معلومات عن احد الايتام.

السيدة : انا لست متفرغة اليوم فانا وحدي بهذا الجحيم الاحمر والسيدة فتنت مريضة في بيتها، لم تأتي لتساعدني منذ اكثر من اسبوع. تعال في الشهر القادم.

المحقق فاروق : انا لست قارئ مقياس او متسول سيدتي. انا محقق بالشرطة وابحث عن معلومات مهمة.

السيدة : اعذرني لكنني وحدي هنا واعتني باكثر من 25 طفلاً. ليس لدي الوقت كي اتحدث اليك.

المحقق فاروق : ما اسمكِ؟

السيدة : اسمي سميرة.

المحقق فاروق : يا سميرة، لدي فقط بعض الاسئلة وسوف اتركك بسلام بعدها. ارجوك، الامر مهم جداً.

سميرة : حسناً تفضل ادخل وحاول ان تختصر في كلامك.

المحقق فاروق : انا ابحث عن يتيم سُلّمَ اليكم قبل ما يقرب من 20 سنة.

سميرة : لكنني اعمل هنا منذ سنتين فقط. قبل 20 سنة كانت السيدة فتنت تعمل هنا مع ثلاث نساء اخريات. لكن الحالة المادية ذهبت الى الحضيض بعدها وكادوا ان يغلقوا المأتم الا ان السيدة فتنت اصرت على ابقاء المأتم يعمل وصارت تمنحني مرتبي الشهري من مالها الخاص خوفاً عليه من الاغلاق.

المحقق فاروق : يبدو انها امرأة محسنة. هل هي ثرية؟

سميرة : اجل لقد ورثت عن زوجها مالاً كثيراً فقررت ان تستثمره بالحسنات لدى رب العالمين.

المحقق فاروق : وهل استطيع ان اتحدث اليها؟

سميرة : سوف تكون سعيدة جداً لتساعدك حتى لو كانت على فراش الموت. انها في بيتها الآن.

المحقق فاروق : الا اعطيتني عنوانها إذاً؟

سميرة : لا داعي لذلك. فهي تسكن بالبيت المجاور لنا. ساخرج معك لادلك عليه.

المحقق فاروق : لا داعي لذلك. لا تتعبي نفسك يا سميرة ساجده بنفسي فانت من الواضح منشغلة مع الاطفال هنا.

سميرة : لديك الحق، شكراً لك سيدي، رافقتك السلامة.

خرج المحقق من المأتم وسار قليلاً حتى رأى المنزل المجاور الذي ثبتت على بابه يافطة باسم (فتنت الله ويردي). علم انه البيت الصحيح فضغط على الجرس لينفرج الباب وتخرج له سيدة طاعنة بالسن نحيفة الجسد يبدو عليها الوهن قالت،

فتنت : نعم يا ابني من انت وماذا تريد؟.

المحقق فاروق : انا ابحث عن السيدة فتنت.

فتنت : لقد وجدتها. انا فتنت، ما الامر؟

المحقق فاروق : سيدة فتنت انا المحقق ملازم اول فاروق العاني. جئت لابحث عن معلومات تخص احد الايتام الذي كان لديك بالمأتم قبل ما يقرب من 20 سنة.

فتنت : ماذا كان اسمه؟

المحقق فاروق : لا اعلم اسمه بالتحديد ولكن لدي معلومات عنه قد تساعدك على تذكر اسمه. لقد احيل اليك من قبل مستشفى الشفاء لان امه رفضت الاحتفاظ به.

فتنت : لكن هذه حالة تشبه الكثير من الحالات لدينا. هل تعرف المزيد عنه؟

المحقق فاروق : اجل كان يعاني من متلازمة داون وكان شكله منغولياً.

فتنت : اوه انت تتحدث عن سنان الذي كان ملقب بـ (ابليس).

المحقق فاروق : هل هو الوحيد الذي كان شكله منغولياً؟

فتنت : كان هناك طفل آخر جاء الى المأتم قبل 7 سنوات لكنه توفى بعد عام من قدومه الينا. اصيب بمرض يدعى الدفتيريا وقد انتفخت رقبته واصيب قلبه بالتلف فمات على اثرها.

المحقق فاروق : يبدو ان جميع الدلائل تشير الى ابليس. رجاءاً حدثيني عنه بادق التفاصيل.

فتنت : أُحضر الينا من قبل ممرضة من مستشفى الشفاء والممرضة كان اسمها... كان اسمها... سامحني يا ولدي لا اذكر اسمها جيداً.

المحقق فاروق : ربما كان اسمها سعاد؟

فتنت : احسنت يا ولدي. كان اسمها سعاد وتعمل لدى مستشفى الشفاء. قالت ان الطفل ولد نصف توأم لكن والدته رفضته لذلك جائت به الينا.

المحقق فاروق : وماذا عن هذا الولد؟

فتنت : في بادئ الامر كان ولداً هادءاً جداً ومفرط الذكاء لكننا شهدنا الكثير من الحوادث غير المبررة التي اكتشفنا لاحقًا أنها كانت بسبب ذلك الطفل سنان. وعندما تأكدنا من انه هو الذي كان ورائها بدأنا نطلق عليه اسم (ابليس). فقد قام بحرق المطبخ عمداً فقط لان الطعام لم يعجبه. احترقت فيه يد الطاهية پيريز والتي توقفت عن العمل لدينا على اثرها. بعدها قام بزرع الفتنة بين اثنان من الاطفال بسنه فقاموا بالاقتتال فيما بينهما مما تسبب في دفع احدهم للآخر كي يسقط من اعلى السلم الى الاسفل فتسبب له بالكثير من الكسور.

المحقق فاروق : كم كان عمره وقتها؟

فتنت : 4 سنوات، تخيل 4 سنوات فقط، ويعمل كل تلك المصائب؟

المحقق فاروق : واصلي حديثك سيدتي.

صارت السيدة فتنت تسعل كثيراً وتوقفت عن الحديث. لذلك ظل المحقق صامتاً حتى توقفت عن السعال. قام بمدها بكأس من الماء فشربته فهدأ سعالها قال،

المحقق فاروق : انا آسف لانني جعلتك تتكلمين وانت بحالة مرضية لا تسمح لك بالكلام.

فتنت : لا عليك يا ولدي. دعني اكمل حديثي عن سنان. ففي يوم من الأيام اعطى سنان بعض النقود لرجل غريب في الشارع كي يتصل بالهاتف ويخبر احدى الموظفات بالمأتم ان والدها قد اصيب بجلطة قلبية ومات على اثر الجلطة بالمستشفى. اصيبت المسكينة بالاغماء وسقطت على الارض ليرتطم رأسها بطاولة خشبية تسببت بجرح كبير في رأسها تطلب 10 اقطاب. كان عمر سنان وقتها 10 سنوات. بعدها عمل زلزالاً كبيراً هز المأتم حين سرق ملابس احدى العاملات لدينا بينما كانت تستحم بعد ان رمى على رأسها حاوية الفضلات فخرجت عارية تصرخ. لذلك قمنا بسترها ومنحناها ملابس غيرها. ثم تجاوزنا ما فعل لنتستر على عملته.

المحقق فاروق : يا ساتر يا ربي. وماذا كان السبب؟

فتنت : قال انه كان يمازحها وحسب. اصيب وقتها بحالة هستيرية من الضحك.

المحقق فاروق : يبدو انه اختتمها بهذه العملية الشيطانية.

فتنت : انتظر الحدث الاكبر سيادة المحقق إذ انها كانت عملية كارثية بكل المقاييس ففي يوم من الايام استعمل الهاتف الذي بمكتبي من دون علمي واتصل بالشرطة ليخبرهم بان هناك رجلاً ارهابياً يرتدي حزاماً ناسفاً دخل المأتم يريد تفجير نفسه بكل من فيه. حضرت الشرطة اثر ذلك البلاغ، طوقت المكان ودخلت فرقة التدخل السريع الى المأتم لتعتقل الجميع فيأخذونا الى مركز الشرطة. لم يكتشفوا الشخص الذي تحدث اليهم بالهاتف لكننا كنا نعرف تماماً من كان ورائها. وقتها كان عمر سنان 15 سنة.

المحقق فاروق : الم يتبناه احد طوال وجوده لديكم؟

فتنت : كانوا يتبنوه ليوم واحد او يومين ثم يرجعونه بعدها.

المحقق فاروق : ولماذا لم تقوموا بالتخلص منه إذاً؟

فتنت : لو فرضنا اننا اردنا فعل ذلك، اين سيذهب؟ ومن الذي سيرضى بتربيته؟ والحق يقال، كنا نخشى على انفسنا منه لانه قد يوقعنا بكارثة، لنا ولزملائه الايتام انتقاماً على طرده. لذلك سكتنا وتسترنا عليه.

المحقق فاروق : لديك الحق. ارجوك سيدة فتنت واصلي حديثك.

فتنت : توالت الاعيبه وافعاله الشيطانية المفتعلة لسنين طويلة حتى بلغ سن الثامنة عشر حين سُرّح رسمياً كي يخرج من المأتم ويستقل لنفسه.

المحقق فاروق : ماذا حل به بعدها؟

فتنت : لا نعلم عنه شيئاً. وبصراحة لم يكن يهمنا ماذا سيحل به بعد ان رحل عنا لاننا شعرنا بالارتياح الكبير كي يغادر المأتم فنتخلص من شره الى الابد.

المحقق فاروق : اتعرفين اين ذهب؟

فتنت : سمعت من بعض الموظفات انهن رأوه في الاعظمية بالقرب من ساحة عنتر.

المحقق فاروق : هل تحدثوا اليه؟

فتنت : هل انت مجنون سيادة المحقق؟ بالعكس غادروا المكان ليهربوا منه على جناح السرعة. فمثل هؤلاء الناس تتجنبهم ولا تتحدث اليهم ابداً. ومع ذلك فقد رأوه عدة مرات بعدها بالقرب من ساحة عنتر.

المحقق فاروق : سؤال أخير سيدة فتنت لو سمحت وانا اعلم انني اطلت الحديث اليك ولكن، هل لديك صورة للسيد ابليس هذا؟

فتنت : لدينا آخر صورة له عندما تخرج من المأتم وربما صور اخرى عندما كان صغيراً.

المحقق فاروق : هل لي ان ارى هذه الصور؟

فتنت : اجل لحظة واحدة ساحضرها اليك.

وقفت واستدارت كي تجلب له الصورة فاصابتها نوبة طويلة من السعال. وعندما توقفت عن السعال ذهبت الى مكتبها وجلبت صورتان واعطتهما للمحقق.

** صورة لسنان أو ابليس بعمر 10 سنين

** صورة سنان أو ابليس بعمر 18 سنة

تفحص المحقق الصورة وقال،

المحقق فاروق : زملائه وزميلاته يبدون في غاية السعادة وهن واقفات الى جانبه.

فتنت : انهن يتصنعن السعادة ويبتسمن خوفاً منه وتجنباً لشروره. تصور انهن يضطررن الى شراء الفول السوداني ومنحه لسنان كل يوم. كان ذلك بمثابة رشوة لكي يأمنوا شره.

المحقق فاروق : لماذا؟

فتنت : لانه يعشق الفول السوداني. تخيل انه من شدة براعته باستعمال الحاسوب، يستطيع ان يُشَهّرْ باي فتاة على الانترنيت فينشر اكاذيب ملفقة ليطيح بشرفها وسمعتها الى الحظيظ.

المحقق فاروق : شيء مثير للاشمئزاز. انا دائماً كنت اتصور ان المنغوليين كانوا في غاية اللطافة ولا يعملون اعمالاً شريرة.

فتنت : سيادة المحقق. المصابون بمتلازمة داون اناس عاديون. فيهم الطيبون وفيهم الشريرون.

المحقق فاروق : انت محقة. والآن سيدة فتنت، انا عاجز عن الشكر لك سيدتي. لقد استفدت كثيراً من المعلومات التي تحصلت عليها.

فتنت : لا عليك يا ولدي. ارجو ان تتمكنوا من الامساك به لتضعوه بالمكان الصحيح بحيث لا يمكنه فيه ايذاء الآخرين.

المحقق فاروق : سنعمل جاهدين سيدتي، كوني مطمئنة. اتمنى لك الشفاء العاجل سيدة فتنت.

فتنت : رافقتك السلامة يا ولدي.

خرج المحقق فاروق ليعود مباشرةً الى مقره. وعندما وصل المكتب رأى نائب المدعي العام واقفاً ينتظره بالباب فابتسم بوجهه وسأله،

النائب طلال : حمامة لو غراب؟

المحقق فاروق : بل هي حمامة بحجم الدجاجة سيادة النائب. لقد جئتك بمعلومات ستجعلك تهتز رعباً من هول محتواها.

النائب طلال : حدثني يا فاروق بسرعة هيا. لقد اثرت فضولي.

فتح باب مكتبه وادخل النائب ليجلسه على الاريكة وطلب قدحي شاي ثم جلس امامه ليبدأ الحديث حين قال،

المحقق فاروق : لقد امسكنا بالمجرم من رقبته.

النائب طلال : كيف ذلك هل القيتم القبض عليه؟

المحقق فاروق : لا، ليس بعد ولكن استمع للآخر. فلدينا ما يسركم.

بدأ المحقق يشرح له ما حدث في المأتم ثم خبره عن كل ما دار بينه وبين السيدة فتنت وكيف زودته بصورتان للمشتبه به. عرضها على النائب العام فحدق بها وقال،

النائب طلال : لقد قمت بعمل جبار يا سيادة المحقق. انت منحتنا الامل بعد ان فقدناه تماماً. ما هي الخطوة التالية يا ترى؟

المحقق فاروق : سازرع اثنان من رجالي كي يتنكروا ويرابطوا في ساحة عنتر بشكل دائم على مدار الساعة لكي يحاولوا اصطياد المشتبه به طالما ان لدينا صورته والتي تكاد تمثل شكله الحالي تقريباً مع اختلاف بسيط في العمر.

النائب طلال : لكن يجب على مخبريك ان يتضاهروا وكأنهم اصحاب مهن مختلفة يسترزقون منها. لانك لو وضعت اناس عاديين يتسكعون دون جدوى فإن المجرم سنان سيشعر بالامر وسيتعرف عليهم لأنه شديد الذكاء كما وصفته لك السيدة فتنت الا انه سوف لن يشك باصحاب المهن.

المحقق فاروق : خطرت برأسي فكرة جيدة. يعمل بفريقي عنصر من العناصر هو رجل من البصرة اسمه شيث، ويلقبونه زملائه بـ (ابو زنجار). لانه شديد السمار ويميل الى السواد. ساجعله يبيع الفول السوداني المحمص لان السيدة فتنت اكدت لي ان سنان كان يحب الفول السوداني بشكل جنوني. كذلك لدي عنصر آخر اسمه عقيل كان والده يبيع اللبلبي بالشوارع وكان يرافق والده في طفولته. لذلك لديه القدرة على تلبس الدور بشكل جيد. سيقفان هذان العنصران على طرفي الساحة بمكانين متباعدين وستتربص لهما سيارتان تقفان من بعيد سيكونان مزودتان باربع عناصر بكل سيارة منهما بموقعين مختلفين في الشوارع الفرعية. سيارة مدنية ستقف بشارع المشتل والثانية ستقف بالشارع المؤدي الى حديقة الف ليلة وليلة.

النائب طلال : يجب على الجميع ان لا يرتكبوا اي خطأ لأننا سوف لن نحصل على فرصة غيرها للامساك به.

المحقق فاروق : ساوكل مهمة العناصر بداخل السيارتين لخيرة رجالي ممن لديهم قدرات كبيرة بالامساك بالمجرمين. على سبيل المثال، هل تعرف العريف ستار يا حضرة النائب؟

النائب طلال : اليس هو من القى القبض على الملاكم جاسم حسين الملقب بـ (چاكوچ) لان يده قوية كالمطرقة.

المحقق فاروق : اجل قارع الملاكم (چاكوچ) وطرحه ارضاً ثم ثبّتَ الاصفاد على معصميه من وراء ظهره.

النائب طلال : والله هذا العريف ستار يجب ان يترفع على ما فعل.

المحقق فاروق : لقد قمنا فعلاً بترفيعه سيادة النائب.

النائب طلال : إذاً على بركة الله. ابقيني بالصورة لجميع مراحل العملية.

المحقق فاروق : سافعل ذلك بالتأكيد لا تقلق يا سيادة النائب.

باليوم التالي وفي تمام الساعة الخامسة فجراً مشى رجل شديد السمرة يرتدي ملابس رثة حاملاً صينية مصنوعة من القصدير ووضع قاعدة خشبية حول عنقه وبيده الثانية كان يحمل كيساً كبيراً يحتوي على لوازم اخرى. نصب المنصة الخشبية ووضع آلته التي تحتوي على الفحم ثم أضرم النار تحت الفول السوداني وصار يقلبه فبدأت الرائحة الزكية تتطاير في الهواء. وعلى الجهة الاخرى من ساحة عنتر وصل رجل آخر منضره مزري يدفع عربة خشبية للبلبي اوقفها بالجهة المقابلة لجهة الفول السوداني وصار يضرم النار تحت القدر الكبير كي يبدأ بطهي الحمص. بعد مرور ما يقرب من نصف ساعة وقف بعض الرجال الكسبة بالقرب من البائعين وصاروا ينتظرون دورهم لشراء الفول واللبلبي. وما هي سوى ساعة واحدة ليصبح الكثير من الزبائن يتهافتون عليهما بجميع فئاتهم العمرية. بقوا يبيعون سلعتهم ليجنوا الكثير من المال. وفي المساء عندما توقف الناس عن الشراء ونفذت جل سلعتهم تحدث عقيل مع المحقق فاروق عبر اللاسلكي قال،

عقيل : يبدو انني ساستقيل من سلك الشرطة لاصبح بياع لبلبي سيدي.

ضحك المحقق وقال له،

المحقق فاروق : سالقي القبض عليك لانك تمارس العمل من دون ترخيص.

فسألهما،

المحقق فاروق : الم تروا اي شخص يشبه ولو من بعيد المشتبه به؟

عقيل : كلا سيدي لم ارى احداً.

شيث : ولا انا سيدي. لكننا سنلقي القبض عليه ان شاء الله لا تقلق. فاليوم هو اليوم الاول فقط، ونحن سعداء ان نأخذ اجازة من اعمال الشرطة الروتينية.

جمعوا ادواتهم وعادوا الى منازلهم بينما بقيت دوريات الشرطة بداخل السيارات تترصد المكان على مدار الساعة. وفي اليوم التالي عاد بائع الفول السوداني شيث ينصب منصته بنفس المكان ويدفع عقيل عربة اللبلبي ليستقر بالجهة المقابلة على محيط الساحة.

بعد مرور اكثر من شهر اصبح عمل رجلي الشرطة شيث وعقيل يتحول الى مهنة ثابتة يجنون منها الكثير من المال لانهم لا يريدون ان يظن الزبائن بانهم يمثلون دور البائعين فصاروا يجيدون الدور باحتراف كبير. لكن احداً منهم لم يرى اي شخص يشبه سنان طوال تلك الفترة. وفي احدى الايام وبعد ان باع شيث الوجبة الاولى من الفول السوداني وصار يهم بتحضير الوجبة الثانية بدأ يقترب منه رجل منغولي يرتدي قميصاً احمر. ضغط على جهاز اللاسلكي المثبت على اذنه وتحدث قائلاً، "الى جميع العناصر، الى جميع العناصر، انتباه، المشتبه به يتجه مباشرةً نحوي. نفذوا المداهمة اكرر نفذوا المداهمة".

خرج جميع من في السيارتين ليترجلوا ويركضوا باتجاه منصة شيث فراوا رجلاً يرتدي قميصاً احمر يسير باتجاه المنصة. امسكوا به وطرحوه ارضاً. ركب المحقق فاروق سيارته وانطلق باقصى سرعة متجهاً الى ساحة عنتر وعندما صار على مقربة من الساحة شاهد رجاله ممسكين بالرجل ذو القميص الاحمر. نزل من السيارة واقترب من المشتبه به ليجد انه رجل منغولي في الخمسينات من العمر فصرخ قائلاً، "ما هذا؟ ماذا فعلتم؟".

شيث : سيدي انه المشتبه به المنغولي.

المحقق فاروق : اولا المشتبه به سنان ليس المنغولي الوحيد بالعراق. ثانيا التحقيقات تقول بانه في بداية العشرينات وهذا الرجل اكبرمن ذلك بكثير. انت يا شيث، كم عمر هذا الرجل بتقديرك؟

شيث : لا اعلم سيدي، ربما 40 او 45 سنة.

المحقق فاروق : هذا الرجل على الاقل 50.

التفت المحقق الى الرجل ذو القميص الاحمر وسأله،

المحقق فاروق : كم عمرك يا رجل؟

الرجل : انا لم افعل شيئاً سيدي. انا فقط اردت شراء الفول السوداني اقسم بالله. لكنني عدلت عن شرائه ولا اريد فولاً سودانياً ولا فولاً مصرياً ولا فولاً برازيلياً.

المحقق فاروق : سألتك عن عمرك، اخبرني يا رجل كم عمرك؟

الرجل : انا عمري 53 سنة سيدي.

المحقق فاروق : اطلقوا سراحه واعطوه الفول السوداني مجاناً.

الرجل : لا اريد السم السوداني. اقسم بالله انني سوف لن اضعه في فمي مدى ما حييت.

المحقق فاروق : نحن نعتذر منك يا رجل. ارجوك سامحنا.

الرجل : حسناً ساذهب الى عملي الآن.

المحقق فاروق : اين تعمل؟

الرجل : انا مسؤول عن موقف السيارات القريب من هنا.

المحقق فاروق : رافقتك السلامة يا اخي. نحن نعتذر منك مجدداً. لا تؤاخذنا.

وقف المحقق بوسط الساحة وهو في غاية الغضب فجائه شيث وقال،

شيث : انا آسف سيدي. يبدو انني وقعت بالخطأ.

المحقق فاروق : لا عليك يا ولدي. كلنا نخطأ ولكن ارجوكم ارجوكم تذكروا ان المشتبه به يبلغ من العمر حوالي 20 سنة مفهوم؟. فاجابه الجميع سوية قالوا "مفهوم".

رجع الجميع الى مواقعهم فركب فاروق سيارته وعاد الى مكتبه والغضب يأخذ منه مأخذاً.

كانت تلك الحادثة تحتوي في ثناياها على فوائد جمة للجميع إذ انها جعلت من رجال المراقبة اكثر دقة فصاروا لا ينخدعون باشخاص يعانون فقط من متلازمة داون بل يحاولون التدقيق في سنهم التقريبي كي يطابق سن الشخص المطلوب.

بقيت فرق الدورية تتوالى على المراقبة لشهرين اخريين عندما جاء تقرير من قبل شيث في تمام الساعة العاشرة صباحاً يقول،

شيث : انتباه انتباه الى المحقق فاروق.

المحقق فاروق : ما ورائك يا ابو زنجار؟

شيث : اعتقد ان المشتبه به يتجه نحوي سيدي.

المحقق فاروق : هل انت متأكد هذه المرة؟ هل تاكدت من عمره؟

شيث : اجل سيدي. جميع الاوصاف تنطبق عليه انا متأكد من ذلك. انه شاب في بداية العشرينات منغولي الشكل اقصد يعاني من متلازمة داون يرتدي قميصاً ازرقاً، يشبه الصورة التي اعطيتنا اياها عندما كان يقف وسط الفتيات زميلاته. الشيء الوحيد المختلف هو عدم ارتدائه لنظارات طبية.

** سنان

هنا اصدر المحقق فاروق اوامره بالانقضاض على المشتبه به والامساك به حتى يصل هو الى الموقع.

وما هي سوى ربع ساعة وأوقف فاروق سيارته بالقرب من الساحة ونزل من السيارة ليجد رجاله ممسكين بالشاب فاقترب منهم وتفحصه جيداً. بقي يدور حوله ثم سأله،

المحقق فاروق : ما اسمك؟

المشتبه به : صدام حسين التكريتي.

المحقق فاروق : تكلم بشكل لائق والا القيت بك بالتوقيف لمدة اسبوع كامل بلا طعام او شراب. انا لا امازحك يا غبي. تكلم جيداً، ما اسمك؟

المشتبه به : اسمي سنان.

المحقق فاروق : اهلاً وسهلاً بالسيد سنان. لقد سببت لنا الكثير من الصداع. والآن وقعت بالمصيدة.

سنان : لماذا؟ هل هي جريمة ان يكون اسمي سنان؟ ما هذا الغباء؟

المحقق فاروق : هناك الكثير من الناس اسمهم سنان لكن ليس جميعهم مجرمون قتلة. تكلم فوراً ما هو لقبك؟

سنان : حسناً لا تغضب بسرعة. فشكلك يوحي بانك اليف. اسمي سنان ارحام.

المحقق فاروق : هل انت خريج مؤسسة الارحام للايتام؟

سنان : وهل يكون الانسان تلقائياً مجرماً إذا كان يتيماً؟

المحقق فاروق : ليس جميع الايتام مجرمون.

التفت الى رجاله وقال بحدة، "ثبتوا الاصفاد على معصميه واتوا به الى المركز".

ركب المحقق سيارته وانطلق خلف السيارة التي تقل سنان. وحينما وصلوا مركز الشرطة وقف ورائهم وراقب رجاله ينزلون الصيد الثمين ليدخلوه مبنى المركز فدخل ورائهم ليجد حشداً كبيراً من رجال الشرطة يصفقون له وطبطبون على كتفه. عرف انهم كانوا يستمعون الى اشارات اللاسلكي. اعطى اوامره بايداع سنان التوقيف وقال، "دعوه يتخمر ليومين كاملين دون طعام قبل ان نستجوبه" فسأله مديره،

المدير : كيف تبدأ بعقاب شخص لا زال مشتبهاً به ولم تثبت عليه التهمة يا فاروق؟

المحقق فاروق : لدي ما يكفي من الادلة تلف حبل المشنقة حول عنقه عشر مرات. صدقني سيدي انا اعي ما افعل.

أُدخل سنان زنزانة التوقيف وأُغلقت الابواب خلفه ليجد نفسه وحيداً خلف الجدران فلم يجد امامه سوى ان يستلقي على صبة كونكريتية صلبة.

وبعد مرور ساعة سمع الحراس صوته وهو يناديهم ويقول،

سنان : اين الطعام يا اوباش؟

الحارس : المطعم مغلق وليس لدينا اي شيء نقدمه لك. اغلق فمك ولا تثير الضجيج ولا تزعجنا.

سنان : لكن هذه اعمال غير قانونية وغير انسانية.

الحارس : قلت لك اخرس ولا تزعجنا.

سنان : كم انتم سفلة، لعنكم الله.

خرج الحارس من غرفة الزنازين وبقي سنان يدمدم ويشتم دون جدوى حتى شعر بالتعب فوضع رأسه على حذائه ونام حتى اليوم التالي. وفي الصباح الباكر من اليوم التالي عاد بالصراخ من جديد وصار يقذف الحراس بكل انواع الشتائم والكلام البذيء حتى جائه احدهم وهدده بشكل مباشر من وراء القضبان قال،

الحارس : اسمع ايها المنغولي المعتوه ، إن لم تتوقف عن النهيق فسوف انفذ فيك حكم الاعدام قبل ان تمثل امام المحكمة. مفهوم؟

كانت كلمة (منغولي) تثير غضبه وتصيبه بالجنون لكنه تمالك اعصابه وسكت كي لا يتلقى المزيد من الاهانات. لكنه قال،

سنان : حسناً ساسكت ولكن انا جوعان، متى ستعطوني شيئاً اسد به رمقي؟

لم يرد عليه الحارس. فقط ادار ظهره واغلق الباب ورائه. بقي سنان بلا طعام حتى صار يشعر بالدوار لكن احداً لم يأتيه لمدة يومين بعد ان وضعوا له ثلاثة قناني ماء بداخل الزنزانة. وفي مكتب المحقق دخل المساعد كرار فرأى فاروق يطبع ورقة لاصقة على طابعة حاسوبه فسأله،

كرار : ماذا تصنع سيدي؟

فاروق : انا اصنع حصان طروادة.

كرار : لا افهمك سيدي. سامحني فانا غبي.

فاروق : عزيزي كرار. الم تشاهد الفلم (تروي) عندما اخذتك للسينما قبل سنة؟

كرار : اجل اذكره. وماذا عنه؟

فاروق : هل تذكر كيف دخل المقاتلون الى معسكر الاعداء المحصن؟

كرار : اجل اذكر. قاموا ببناء حصان خشبي ودخلوا بقلبه ليقتحموا اسوار المخيم.

فاروق : وانا اعمل ذلك الحصان. لقد قمت بطبع ملصقة ورقية تحتوي على اسم السم (تبيان) الذي قُتِلَتْ به المجني عليها جيداء.

كرار : لازلت لا افهمك سيدي. وضح اكثر. قلت لك باني حمار.

فاروق : ساحقق مع المتهم سنان ثم اقوم باعطائه الماء عندما يطلبه مني لان الماء قد نفذ من زنزانته والماء الذي ساعطيه اياه عليه هذا الملصق.

كرار : اجل، اجل، الآن فهمتك يا سيدي. إذا امتنع عن شرب الماء عندما يرى الملصق فهذا يعني انه يعرف اسم السم وانه هو من حقن المجني عليها بالسم.

فاروق : احسنت يا كرار. سيكون ذلك بمثابة اعتراف ضمني بالجريمة. ساتيقن وقتها من انه هو القاتل.

كرار : لعنك الله سيدي، كم انت داهية.

فاروق : مـــــــاذا قلت؟

كرار : انا آسف سيدي اقصد انك داهية وذكي جداً. (اخو خيتك)

فاروق : سنرى ردة فعل سنان عندما يتلقى قنينة الماء غداً.

وفي صباح اليوم التالي دخل على غرفة الزنازين احد الحراس وبدأ يفتح القفل من على الباب الحديدي ثم امسك بسنان وثبت الاصفاد على معصميه ليقوده الى احدى غرف التحقيق. اجلسه على طاولة حديدة وربط اصفاده باصفاد اخرى مربوطة بالطاولة. ثم خرج وتركه وحيداً. بقي على هذه الحالة لاكثر من ساعة كاملة وبالآخر انفتح الباب من جديد ودخل المحقق ومعه مساعده ليدون التحقيق، جلسا امامه فسمع المحقق يقول،

فاروق : انا الملازم اول فاروق العاني، اعتقد انك تتذكرني.

سنان : نتشرف بك سيادة الملازم اول وهل يخفى القمر؟ ولكن لماذا جئتم بي الى هنا؟ انا لم اقترف ذنباً. لماذا لا تعطوني الطعام؟ حتى الماء قطعتموه عني منذ ليلة امس. لماذا هذه المعاملة اللا انسانية؟ اهي بسبب كوني اعاني من متلازمة داون؟

فاروق : انا اعتذر عن زملائي لانهم لم يعطوك الطعام.

سنان : وماذا عن الماء؟ الجو ساخن جداً وانا اكاد اموت من العطش. سوف لن اتكلم بحرف واحد قبل ان تسقيني الماء.

فاروق : ساعطيك الماء بعد ان تجيب على اسئلتي.

سنان : انا لا استطيع فتح فمي من شدة العطش فكيف اجيبك على اسئلتك؟ ارجوك جرعة واحدة من الماء وبعدها افعل ما شئت.

فاروق : قلت لك فيما بعد. والآن لنبدأ التحقيق. اسمك الكامل، سنك، عنوانك؟

سنان : اسمي سنان ارحام لقبي هو (ارحام)، العمر 20 سنة ليس لدي عنوان ثابت.

فاروق : ماذا تقصد؟ هل تنام بالحدائق العامة؟

سنان : لا ليس كذلك. انام في الفنادق احياناً وابات لدى بعض الاصدقاء في احيان اخرى.

فاروق : ماذا تعرف عن السيدة جيداء؟

سنان : من هي السيدة جيداء؟ سيادة المحقق انا لا اعرفها ابداً ولم اسمع بهذا الاسم من قبل.

فاروق : طيب أخبرني عن العقيد المتقاعد حسن مطلك؟

سنان : انا لا اعرف احد بهذا الاسم؟

فاروق : وماذا عن السيدة كبرياء وما علاقتك بها؟

سنان : هل انت تمزح؟ هل هناك انسانة تدعى كبرياء؟

فاروق : نحن لن نأتي هنا لكي نمازحك سيد سنان. اخبرني عن السيدة كبرياء.

سنان : قلت لك انني لم اسمع بها مطلقاً ولا اعرف من تكون.

فاروق : من هم ابويك، واين تربيت؟

سنان : انا يتيم الابوين تربيت بمأتم يدعى دار الارحام لرعاية الايتام. لذلك اصبح لقبي ارحام. لا اعرف ابوي ولا اعرف من اي محافضة يأتون.

فاروق : وقبل ان تؤخذ للمأتم، الم ترى ابويك؟

سنان : سيادة المحقق، تخبرني رئيسة المأتم بانهم احضروني الى المأتم وعمري مجرد ساعات فكيف تريدني ان اتذكر ابوي؟

التفت الى العنصر الذي معه وسأله،

فاروق : هل سجلت كل ذلك يا ابني؟

العنصر : اجل سيادة الملازم.

نظر المحقق الى سنان وقال،

فاروق : إذا بقيت بهذا التعنت فسوف تسبب لنفسك معانات اكبر. يجب ان لا تنكر الحقائق.

سنان : اي حقائقٍ هذه؟ انا لم انكر اي شيء سيدي. انا لم افعل شيئاً ولا اعرف اي احد ممن ذكرتهم للتو. لماذا لا تصدقني؟

فاروق : اين كنت في مساء يوم الاربعاء المصادف 25 تموز؟

سنان : لا اذكر.

فاروق : حسناً دعني اسألك سؤالاً آخر، هل ذهبت الى منطقة زيونة مؤخراً؟

سنان : بالحقيقة اجل ذهبت هناك مرة واحدة فقط قبل سنة لانني كنت ابحث عن عمل وقد استدعتني سيدة اسمها (طيبة) لكي اعمل لديها في صالون التجميل.

فاروق : إذاً اشتغلت هناك بالصالون؟

سنان : كلا، لم تمنحني الوظيفة لانني لم اكن املك الخبرة في تصفيف شعر السيدات. حتى اذكر انني طلبت منها ان تعطيني وظيفة منظف او اي شيء آخر لكنها رفضت. وكانت تلك آخر مرة ذهبت بها الى زيونة.

فاروق : ما رأيك إن قلت لك ان هناك شهود رأوك وانت تخرج من بيت السيدة جيداء الكائن بشارع الربيعي بزيونة يوم الاربعاء المصادف 2 تشرين اول؟

سنان : اقول ان ذلك كذب وافتراء. انا لم اكن في زيونة بهذا التاريخ.

نظر المحقق الى مساعده وقال،

فاروق : اكتب يا ابني، سيعرض امام الشهود لغرض التعرف عليه.

نظر الى المتهم وقال،

فاروق : يبدو ان مهمتنا قد انتهت سيد سنان. لنا لقاء آخر بعد ان تعرض على الشهود.

سنان : وماذا عن الماء؟ ارجوك سيد فاروق. انا اكاد اموت من العطش.

ابتسم المحقق فاروق وامسك بقنينة الماء البلاستيكية ليفتح غطائها ويضعها على الطاولة امام سنان عارضاً اسم الشركة المنتجة امام عين سنان وقال،

** قنينة ماء عليها اسم تايبان

فاروق : تفضل سيد سنان، انت تستحق قنينة الماء هذه.

نظر سنان الى قنينة الماء وامسك بها ليشربها مرة واحدة ويطفئ ظمأه. وعندما افرغها تماماً نظر الى المحقق وقال،

سنان : هل من مزيد؟

استغرب المحقق كثيراً لان الخدعة لم تنطلي على سنان فاعتقد ان سنان كان يعرف بان الماء لا يحتوي على سم التايبان. وان لصقة اسم (تايبان) التي ثبتت على القنينة فيما بعد لم تخدعه او ربما انه لا يعرف اي شيء عن السم. ارتبك المحقق وقرر المغادرة قال،

فاروق : ساتركك الآن يا سيد سنان.

سنان : وداعاً سيادة المحقق. إذا كان لديك المزيد من هذا الماء فارجو ان لا تبخل به عليّ لقد أعجبني طعمه.

اخذ المحقق القنينة الفارغة وخرج من القبو اين تقع الزنازين. رأى مساعده العريف كرار واقفاً قال،

فاروق : خذ هذه القنينة واعطها للمختبر الجنائي كي يجروا عليها فحص DNA باسرع وقت ممكن ويقارنوها بالحمض النووي للأب والام.

دخل مكتبه وهو في غاية الحماس لمعرفة نتائج الفحص بالرغم من علمه بأن ذلك الفحص يتطلب بضعة ايام. بعدها امر بمنح الموقوف سنان الماء والطعام بشكل طبيعي.

بقي ينتظر بفارغ الصبر صدور تقرير الحمض النووي لعدة ايام وفي اليوم الرابع وصل التقرير فنادى على مساعده وطلب منه استداع العقيد المتقاعد حسن على الفور. وبعد ساعتين طرق باب المكتب ودخل المساعد قائلاً،

كرار : لقد وصل العقيد المتقاعد حسن. هل ادخله اليك سيدي؟

فاروق : اجل اجل ادخله فوراً.

دخل العقيد حسن فحيى المحقق ثم جلس وسأله،

العقيد حسن : هل لديكم اي معلومات جديدة عن قاتل زوجتي يا سيادة المحقق؟

فاروق : نحن لا زلنا نحقق بالقضية وقد توصلنا الى الكثير من الخيوط التي من الممكن ان تدلنا على القاتل. لكننا لا نستطيع الادلاء بها بالوقت الحالي.

العقيد حسن : لماذا استدعيتني اليوم إذاً؟

فاروق : اريد ان اسألك بعض الاسئلة.

العقيد حسن : طيب تفضل، انا مستعد للاجابة عن كل اسئلتك.

فاروق : كم ولد عندك؟

العقيد حسن : ما هذا السؤال حضرة المحقق؟ لقد اخبرتك مراراً وتكراراً ان كل ما رزقني به الله هو ابني حقي من زوجتي الاولى كبرياء. لم اخفي عنك اي شيء بهذا الخصوص.

فاروق : اجل، اجل قلت ان زوجتك انجبت ولداً واحداً اسميته حقي ثم توفى بحادث سير بسن العاشرة فاصيبت زوجتك بمرضها النفسي.

العقيد حسن : وهذا كل ما في الامر.

فاروق : وكيف كانت ولادتها؟

العقيد حسن : ما هذا اسؤال سيد فاروق؟ الا ترى انه شخصي اكثر مما ينبغي؟

فاروق : ليس هناك اي شيء شخصي بعد ان وقعت جريمة قتل. الآن اخبرني كيف كانت ولادة زوجتك كبرياء؟

العقيد حسن : كانت ولادة عسيرة نوعاً ما لكن الجنين كان بصحة جيدة وزوجتي كذلك.

فاروق : وماذا عن الثاني؟

العقيد حسن : اي ثاني يا سيادة المحقق؟ زوجتي لم تحمل بعد ذلك ابداً. لذلك لم يكن هناك ثاني ولا ثالث.

فاروق : انا لا اتحدث عن حمل ثاني. انا اسألك عن الولد الثاني التــــــــــــوأم التــــــــــــوأم التــــــــــــوأم. لماذا اخفيتم عنا هذه المعلومة؟

العقيد حسن : اي توأم تتحدث عنه؟ نحن لم نخفي عنك شيئاً بتاتاً. راجع معلوماتك وتأكد مما تقوله فالامر جلل. المرحوم حقي لم يكن له اخٌ توأم.

فاروق : المثل يقول (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة اعظمُ). نحن نعلم جيداً ان زوجتك انجبت توأمين. حقي وولد آخر. لكن الثاني كان معاق يعاني من مرض يسمى متلازمة داون وبالعربي طفل مشوه او (منغولي) وقد رُفِضَ من قِبَلِ امه وسلم الى دار الايتام.

العقيد حسن : لا، لا مستحيل، ما تقوله لا يدخل العقل ابداً. لو كان ما تقوله صحيحاً لعلمت به. حتى لو كان ذلك ما حصل فأنا لم يكن لدي علم بذلك. كيف تأكدت من هذا سيادة المحقق؟

فاروق : تفضل، هذه نتائج تحليل الحمض النووي. انظر هناك تطابق بينك وبين ابنك التوأم الثاني كذلك وجدوا تطابق بينه وبين زوجتك كبرياء.

العقيد حسن : هل يعقل ذلك؟ هل يعقل ان يكون لدي ولد آخر؟ هل انت متأكد مما تقول؟ هل هو حي يرزق؟ امر يصعب تصديقه. اين هو؟

فاروق : إذا لم يكن لديك علم بوجود ولد ثاني فهذا يعني ان الذي نسق لكل هذ العملية هي زوجتك الاولى كبرياء يا سيادة العقيد.

العقيد حسن : يا لها من عقرب دنيئة. كيف تتخلى عن فلدة كبدها حتى وإن كان معاقاً؟ اين هو؟

فاروق : للاسف انه حي يرزق وموجود لدينا في التوقيف. ساستدعيه الآن لتلقي عليه نظرة.

العقيد حسن : سيكون ذلك اسعد يوم بحياتي بعد ان يئست من ان يكون لدي خليفة.

ضغط المحقق على زر الجرس فدخل مساعده ليأمره باحضار الموقوف. وبعد قليل عاد المساعد ممسكأ بيد سنان ليقفا امام المحقق فاروق. اومأ فاروق لمساعده كي يخرج من المكتب فبقي سنان واقفاً بوسط الغرفة مكبل اليدين ليقترب منه والده حسن وصار يلف حوله ويتفحص تقاطيعه ثم توقف امامه فوجه السؤال للمحقق وقال،

العقيد حسن : هل يستطيع ان يتكلم يا حضرة المحقق؟

صار سنان يضحك ضحكة هستيرية عالية ثم سأل،

سنان : ماذا احضرت لي سيادة المحقق؟ هل تعتقد انني احتاج الى طبيب نفسي؟

فاروق : انه ليس طبيباً نفسياً. انه ابوك ياسنان.

سنان : اي اب فيهم؟ لقد تبناني الكثير من الآباء ولم يصمدوا معي اكثر من يوم واحد. لكنني لم احب أي احداً منهم.

فاروق : انه ابوك الحقيقي.

سنان : هل يعقل انك حفرت باطين لتجد لي اباً جديداً؟ ما هذا الجنون؟

العقيد حسن : ما اسمك يا ولد؟

سنان : اسمي ارنولد شوارزنيگر. ما دخلك انت باسمي ايها العجوز الخرف؟

فاروق : امسك لسانك يا سنان. قلت لك انه والدك. يجب ان تبدي له الاحترام.

سنان : هل تريدني ان آخذه بالأحضان واقبل يده مثلاً؟ كنت ساحترمه لو كان هو الذي رباني سيادة المحقق. إن من رباني هو الشارع. الشارع هو ابي الحقيقي وكذلك من رباني هو دار الأيتام يا مثقف يا متعلم. لقد اعتنت بي نساء كثر يعملن بدار الايتام واستمتعن في تعذيبي وضربي وحرماني من الطعام والشراب كما فعلتم انتم بي هنا بهذا المعتقل.

فاروق : انت لست بمعتقل. انت فقط قيد التوقيف اثناء فترة التحقيق. والآن تكلم مع والدك بأدب يا سنان.

العقيد حسن : هل اسمك سنان يا ولدي؟ من اعطاك هذا الاسم؟

سنان : زوجتك الحقيرة كبرياء لم تتعب نفسها باختيار اسم لي عند ولادتي. رمتني على دار الايتام باسرع وقت ممكن كي تتملص من مسؤولية تربية طفل معاق. في المأتم فقط اختاروا لي اسمي. كانت هناك سيدة عجوز اسمها فتنت تدير دار الايتام. هي من اسمتني سنان. كان بالامكان ان تسميني (لاسي) او (بوبي) او (طرزان) او (شيتا).

فاروق : لقد ذكرت اسم والدتك كبرياء. منذ متى وانت تعرف اسمها؟

سنان : منذ ان جائت تبحث عني قبل سنة.

فاروق : جائت؟ هل قلت جائت؟ الى اين جائت؟

سنان : جائتني الى بيتي وعرفتني عن نفسها لكنني اخبرتها باني لا اريد ان اعرفها. لذلك وعدتني بالكثير من المال إذا نفذت خطتها.

فاروق : لكن ذلك مستحيل. فهي لا تقدر ان تبرح بيتها. انت تكذب.

سنان : كنت اظنك ذكياً حضرة المحقق لكنك اثبت لي انك غبي ساذج مثل الباقين. عملية رهاب الخلاء كانت تمثيلية تتستر من ورائها كي تنفذ جميع مخططاتها.

فاروق : دعك من والدتك الآن. اين يقع بيتك؟

سنان : اسكن باحدى المشتملات بمنطقة الصليخ.

فاروق : لكنك قلت في بداية التحقيق انك تنام في الفنادق واحياناً لدى الاصدقاء.

سنان : كنت وقتها اكذب عليكم فهذا حق من حقوقي. اما الآن فانا اخبرك بالحقيقة لانني اسكن بمشتمل. جائتني كبرياء الى بيتي وعرفتني عن نفسها.

العقيد حسن : هذه كذبة كبيرة يا حضرة المحقق لا تصدقه. كبرياء لم تذهب الى بيته او الى اي بيت آخر لانها ببساطة لا تقدر ان تخرج من بيتها نهائياً. لقد أكد الاطباء تلك الحقيقة وانت تعرف ذلك.

فاروق : انتظر قليلاً سيادة العقيد. دعنا نستمع لما يقوله سنان.

نظر الى سنان وقال،

فاروق : متى جائتك كبرياء وماذا دار بينكما وكم عرضت عليك؟

سنان : جائتني الى بيتي 3 اشهر قبل تنفيذ العملية تلك العاهر اتفقت معي كي اقتل عاهر اخرى مقابل 10 مليون دينار. 5 مقدماً و 5 بعد الانتهاء من العملية.

العقيد حسن : هذا كله تلفيق. انا لا اصدق كلمة واحدة مما يقول. كبرياء لا تخرج من البيت ابداً وانت تعرف ذلك.

وقف المحقق فاروق وأمر.

فاروق : آن الاوان ان نحضر كبرياء الى هنا ونستجوبها مثل الباقين. واثناء ذلك سيقوم فريق آخر بتفتيش بيت سنان.

العقيد حسن : لا ارجوك سيادة المحقق لا تفعل ذلك. سوف تقتلها إن اجبرتها على الخروج من بيتها. ستصاب بالسكتة القلبية.

فاروق : دعنا نرى كيف ستقوم بالتمثيل هذه المرة. لدي احساس بانها تمثل عليك وعلينا دور المريضة النفسية منذ امد بعيد كي تحصل على مآربها.

العقيد حسن : لكنك سمعت ما قاله الطبيب النفسي. سوف يتوقف قلبها وتموت إن اجبرتها على الخروج من البيت.

سنان : كم انت ساذج ايها الدينصور الخرف. لقد كنت انت ثاني ضحية بقائمة كبرياء. كنا سنقتلك بعد ان تهدأ العاصفة لكي يوضع اللوم على قاتل متسلسل مجهول.

العقيد حسن : هذا هراء. ما مصلحة كبرياء بقتلي؟

سنان : مصلحتها هو الانتقام طبعاً. الانتقام يعتبر الدافع الاساسي بكثير من الجرائم. لماذا لا تتكلم حضرة المحقق. اليس ذلك صحيحاً؟

فاروق : كفاك ثرثرة يا سنان، هيا قل لي، كيف نفذت عملية القتل؟ هل كنت وحدك؟

سنان : اكرر ما قلته سابقاً. انتم جميعاً سُذّجْ ولا تعرفون حجم الشر المكتوم بداخل تلك المرأة التي ضحكت على ذقونكم واقنعتكم بانها مريضة نفسياً. يا سيادة المحقق، انا وكبرياء نفذنا العملية سوية.

فاروق : اشرح لي بالتفصيل كيف قمتم بقتلها؟

سنان : اتفقنا على تنفيذ العملية بعد منتصف الليل. جائتني بسيارة اجرة واخذتني من بيتي لنذهب الى بيت العاهر الثانية جيداء. اوقفنا سيارة الاجرة بعيداً عن البيت ومشينا باقي المسافة حتى وصلنا بيتها. طرقنا الباب ففتحت لنا الباب بشق صغير كي تتحقق منا لكننا دفعنا الباب واقتحمناه عنوة. قمت انا بتكميمها وادخلناها الى غرفة الاستقبال، نفذنا العملية هناك.

فاروق : اشرح لي بالتفصيل كيف تمت العملية؟

سنان : طلبت كبرياء مني ان اقوم بقتلها فاقتربت منها وطعنتها فخرت على الارض. وبينما هي على الارض قمت بتسديد عدة طعنات وهي مستلقية على الارض. لكن كبرياء قالت بأن هذا لا يكفي كي تشفي غليلها. لذلك اخرجت من جيبها علبة بلاستيكية تحتوي على ابرة مليئة بسائل اصفر اللون. سألتها عن السائل قالت انه سم.

فاروق : انتظر لحظة يا سنان. اخبرني كم طعنة طعنتها وباي خنجر؟

سنان : لم يكن خنجراً بل كان لدي سكين صغير احمله في جيبي دائماً. لا اذكر كم طعنة طعنتها به، ربما 3 او 4 مرات.

فاروق : واين سكينك الآن؟

سنان : إذا كنت بارعاً بالعوم فاغطس بدجلة وسوف تحصل عليه بقعر النهر.

العقيد حسن : هذا كله هراء. انها قصة مختلقة من بنات افكار الولد. قصة لا يمكن ان يصدقها العقل. من اين تحصلت على السم؟

فاروق : انتظر سيادة العقيد. التفاصيل التي يذكرها سنان مطابقة تماماً مع تقرير الطب الجنائي لانهم وجدوا ثلاث طعنات من خنجر صغير النصل. لكن الطعنات لم تكن سبب الوفاة. بل حُقِنَتْ المجني عليها بسم افعى التبيان في رقبتها مما تسبب في موتها. وهذا يتطابق مع ما قاله سنان للتو. أي ان كبرياء هي من خططت وشاركت ونفذت عملية القتل بمساعدة سنان. حسناً سيد سنان، لو فرضنا ان كل ما قلته صحيح. هل لديك دليل لا يقبل الشك على صدق اقوالك؟

سنان : بالتأكيد. لدي فديو مسجل على شريحة فلاشة في البيت.

فاروق : لكن فريقنا فتش بيتك بدقة عالية ولم يجد اي شيء مما تقول.

سنان : هذا لان رجالك اغبياء لا يستطيعون البحث جيداً. تعال معي الى بيتي وسوف اعطيك الشريحة.

نظر المحقق فاروق الى العقيد حسن وقال له،

فاروق : ستبقى انت هنا سيادة العقيد وسنذهب مع المتهم ليعطينا الشريحة.

خرج فاروق ومعه اثنان من رجاله يصطحبون سنان. ركبوا سيارة شرطة رسمية وانطلقوا بها الى منطقة الصليخ. اوقفوا السيارة امام المشتمل ونزلوا جميعاً. فتحوا الباب بالمفتاح الذي سلمهم اياه سنان ودخلوا. فتحوا الاصفاد عن سنان كي يدلهم على الشريحة فسار الى غرفة نومه فتبعه الرجال الاربعة. اقترب من سريره وصار يفتح احدى عواميد السرير فاخرج الشريحة منه واعطاها للمحقق. اشار فاروق لاحد رجاله كي يحضر جهاز حاسوب متنقل من السيارة. وبعد ان عاد الرجل اعطاه للمحقق فتح الحاسوب ووضع الشريحة فيه فشاهد المقطع بوضوح. رأى كيف قام الاثنان بتنفيذ العملية كما وصف سنان بالضبط. هنا بقي الجميع في حالة ذهول كبير. نظر المحقق الى سنان وسأله،

فاروق : هل قمت بتصوير المقطع دون علم كبرياء؟

سنان : كلا. بل هي من طلب مني ان اصور عملية اعدام جيداء لانها قالت بانها تريد ان تشاهده للاستمتاع به فيما بعد. لكنها لم تكن تعرف انني اخذت نسخة منه لاحتفظ بها لنفسي. لقد كنت اعلم انها داهية وانها تستطيع ان تلصق التهمة بي وتخرج من العملية دون اي خدش إذا ما انفضح الامر. لذلك قررت ان اخذ دليلاً يدينها هي الاخرى نكاية بها دون علمها.

نظر المحقق فاروق الى رجاله وقال بحزم،

فاروق : دعنا نعود الى المركز وانتم اجلبوا كبرياء من بيتها فوراً.

خرج الجميع من بيت سنان وعاد نصفهم الى المركز بينما ذهب فريق آخر لاحضار كبرياء. وعندما وصلوا المركز، ادخلوها في احدى الغرف المغلقة واحكموا الباب عليها. فامر المحقق بعض رجاله بوضع سنان في غرفة ثانية مجاورة لمكتبه.

بقي العقيد جالساً على كرسي مع المحقق لاكثر من 20 دقيقة حتى سمع وقع اقدام عناصر الشرطة وهم يقتربون من مكتب المحقق ثم سمع طرقاً على الباب ودخلوا ممسكين بكبرياء وهي ترتدي بدلة نوم منزلية. كان الوهن بادياً عليها ممسكةً برأسها تشكو من صداع شديد اصابها. اقترب منها المحقق فاروق وقال،

فاروق : نحن نعتذر منك سيدة كبرياء على طريقة احضارك الى هنا، لكنك تعلمين اننا نحقق بجريمة القتل اليس كذلك؟

كبرياء : لحد الآن لا افهم لماذا اصر رجالك على احضاري. فانا اشعر بصداع وغثيان.

نظرت الى زوجها حسن وقالت،

كبرياء : الم تخبرهم بان حالتي الصحية لا تسمح بالظهور خارج البيت؟ حاولت ان اشرح للرجال ذلك لكنهم امسكوا بي بالقوة واحضروني الى هنا. سيكون الذنب ذنبهم إذا أُصِبْتُ بنوبة قلبية ومت ها هنا.

العقيد حسن : كفاك تمثيلاً يا كبرياء. لقد انفضحت خطتك وعلمنا كل شيء.

كبرياء : اي خطة هذه؟ الم يخبرك الدكتور مازن عن حالتي؟

بهذه اللحظة اومأ المحقق لاحد رجاله برأسه كي يدخل سنان من الغرفة المجاورة. ففتحوا الباب وادخلوا سنان. مشى سنان نحو والدته كبرياء وهو يبتسم ابتسامة خبيثة قال،

سنان : اطمئني يا ماما، لقد اخبرتهم بكل شيء، صدقيني كل شيء. لا تخافي.

اقترب منها المحقق وقال،

فاروق : ها... هل ما زلت تنكرين يا كبرياء؟

كبرياء : من هذا الولد المعاق؟ انا لا اعرفه. ولماذا يناديني ماما؟ انا لست امه.

العقيد حسن : كم انت شريرة وسافلة. إن كنت لا تعرفين من هو فإن فحص الحمض النووي يقول انه ابننا يا حقيرة. كم انت سافلة منحطة! كيف تخليت عن فلدة كبدك عندما ولدتيه وكيف تآمرت معه كي تحققي مآربك؟

كبرياء : انا لا زلت لا اعرف ماذا يقول زوجي الخرف ولا ما تقولون انتم جميعاً. الامور اختلطت عندي ولا ادري ماذا يجري هنا. فانا عندي امراض نفسية كثيرة وانا لست على ما يرام.

فاروق : لدينا مقطع الفديو يا كبرياء يا بنت الاكابر. المقطع الذي سجلتيه كي تستمتعي به والذي استنسخه ابنك سنان لنفسه. رأينا كيف حقنت ضرتك بسم افعى التبيان وقتلتيها. لقد تآمرتم على قتلها انتم الاثنان معاً.

ذهب الى منضدته وضغط على زر التشغيل ليعرض الفديو ثم ادار شاشة الحاسوب الى كبرياء كي ترى بعينها فعلمت ان لدى كل من في الغرفة علم اليقين بما فعلت. سكتت وصارت تنظر الى الجميع بغضب شديد. تفحصت منضدة المحقق فرأت مسدسه على الطاولة. ركضت اليه والتقطت المسدس بيدها ثم سحبت الاقسام ووجهته نحو سنان وضغطت على الزناد لكن المسدس لم يطلق النار فامسك المحقق بالمسدس واخذه من يدها وقال،

فاروق : لقد وضعت مسدسي فارغاً من الرصاص عمداً على طاولتي كي ارى الى أي مدى يصل حقدك. كنتِ تريدين قتل ابنك الوحيد لمجرد انه تسبب بفضح جريمتكِ.

لم تنطق كبرياء بكلمة واحدة. فقط انزلت رأسها للارض فسمع الجميع المحقق فاروق يقول.

فاروق : كنتِ تضحكين علينا وعلى زوجك بمرض رهاب الخلاء. متى شفيت منه يا كبرياء؟ هيا اخبرينا فنحن متشوقون لسماع مغامراتك.

كبرياء : عندما كنت طفلة صغيرة، كانت لدينا جارة اسمها الخالة باهرة. كانت تعاني من رهاب الخلاء لكنني سألتها يوماً عنه قالت ان هذا المرض يكون احياناً طريقة ذكية كي تتخفي خلفها لتفعلي ما تريدين وقتما تريدين.

فاروق : بما ان لعبتك قد انكشفت ولم يبقى شيئاً الا وعرفناه. يراودني سؤال في ذهني اتمنى ان اعرف الجواب عنه. لماذا فعلت كل ذلك يا كبرياء يا مثقفة يا متعلمة يا بنت الاصول؟

كبرياء : انت رجل ولا يمكنك ان تشعر بشعور المرأة التي يقوم شريك حياتك بالزواج عليك. لذلك سوف لن تفهم جدوى ما فعلت ابداً.

فاروق : بقي لدي سؤال اخير سيدة كبرياء. كيف حصلت على سم التبيان هذا؟

كبرياء : ببساطة من الانترنيت. من الشبكة المظلمة طبعاً. The Dark Web. تخيل اشتريت الجرعة الكاملة بخمسة دولارات و99 سنتاً فقط.

فاروق : لدي فضول ان اعرف امراً حيرني كثيراً بعد سماعي لما قلتِ. لماذا اخترت ابنك سنان كي يساعدك في الجريمة؟

كبرياء : لانني كنت ساتخلص منه فيما بعد بشكل نهائي. فبحثت عنه سراً من خلال الحاسوب كي اعرف مكانه. وعثرت عليه ببيته في الصليخ فعلمت من خلال حديثي معه بانه يعبد المال فمنحته ٥ ملايين ووعدته بخمسة ملايين اخرى فيما بعد. لكنني لم اكن سأوفي بوعدي.

نظر المحقق اليها بازدراء وقال،

فاروق : يسعدني ان اقول لك سيدتي Game over انتهت اللعبة. ثبتوا الأغلال حول معصمها وخذوها الى التوقيف كي ترحل باقرب وقت مع ابنها الى المحكمة.

وبعد مرور شهر من ذلك التاريخ ادانت المحكمة كل من كبرياء عبد الجبار وسنان ارحام ليصدر الحكم بحقهما بالاعدام شنقاً حتى الموت. نُفّذَ الحكم في باحة السجن المركزي بحضور عائلة المجني عليها وزوجها العقيد المتقاعد حسن مطلك الياسري وجميع عناصر الشرطة المعنيين ومن ضمنهم المحقق فاروق.

** تمت **

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

725 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع