عبد يونس لافي
الرحلة الرائدة للعراقي الموصلي المسيحي الكلداني القس إلياس حنا، من بغداد الى أمريكا قبل اكثر من 350 سنة / الحلقة الثانية
كيف كانت رحلة إلياس المثيرة؟
من بغداد، وقد تعلَّم على ثُلَّةٍ من الرُّهبان الكبوشيّين1، متسلِّحًا بالعربية والكردية والتركية، وشيءٍ من السريانية المنطوقة، وشيءٍ من الفرنسية، إضافةً الى الايطالية والأسبانية، اللتين تعلَّمهما في رحلته، يغادر إلياس بن حنا صُحْبَةَ ضابطٍ عثمانيٍّ يُعرَفُ بمايكل أغا (Michael Agha) ، عِبْرَ الصحراء الى دمشق عام 1668.
هذه بدايةُ الانطلاقة لهذا الرجل الذي اتَّسم بروح المغامرةِ في اكْتشاف العالم الجديد، ليكونَ أوَّلَ عراقيٍّ في العصر الحديث، يركب الصٍّعابَ، ويصل الى امريكا،
يوم أن كانت امريكا ترزح تحت سيطرة الإستعمار البريطاني، كما ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا المقال2.
لقد أحاط الرجلُ بظروف العالم الجديد، بما لم يحط به كريستُفَر كولُمْبُس
(Christopher Columbus)، او آخرون قبل رحلة كولومبوس الاولى وهم كل من البُرتُغاليَّيْن: رُوي فَليرو (Rui Faleiro) وفرناندو ماجلان
(Fernando Magallan)، او من رافق كولومبوس في رحلته الثانية، وهم الونسو دي اوخيدا (Alonso de Ojeda) وامَريگو ڤَسْپوچـي
(Amerigo Vespucci)، كما أورد پول لَنْد (Paul Lunde) في تقريره.
يواصل إلياس رحلته من دمشق الى القدس، ليزورَ الأماكنَ المقدسة هناك، ثم يسافر الى حلب ثم لواء الاسكندرون، ليصل مدينة البندقية (Venice) على ظهر احدى السفن الانكايزية بعد 70 يوما.
يمكث الرجلُ في البندقية شهرين كاملين، قضى اربعين يومًا منها في الحجر الصحي، وعشرين لِلاسْتجمام على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. يغادر بعدها الى روما ويمكث فيها ستة اشهر، ثم يسافر الى فرنسا.
تمتَّع إلياس باحْترامٍ بالغٍ من اعلى المستويات، حيث اسْتُقبِل من قبل لويس الرابع عشر (Louis XIV) وهي حالةٌ فريدةٌ ان يستقبل ملك فرنسا مسافرًا بهذا المستوى وبالهيئة التي كان إلياس عليها، حتى ظُنَّ أنَّه ربما كان يحمل صفةً
معينةً في زيارته، غير أنَّه التزم جانبَ الصمتِ ولم يُفصِحْ. مما يجدر ذكره أنَّه اضافةً الى احْتفاء الملك به، ان إلياس أهدى سيفًا لأخيه دوهْ لِيو (d'Or-léans).
مكث إلياس في باريس ثمانيةَ اشهرٍ، ثم انطلق بعدها الى إسبانيا. في إسبانيا التقى ملكتَها الأُم،الوصيةَ على الملك چارلس الثاني (Charles II )، او كارلوس بالإسبانية، فأعطته رسائلَ الى نواب الملك في ناپولي وصقلية
(Naples and Sicily) تأمر كلًّا منهما بمنح إلياس مبلغ 1000 قطعةٍ من ثمانية3.
كان هدفُ الملكة المُعلَن، أن تساعدَ إلياس بألفي قطعةٍ من ثمانية، لإصلاح كنيسة كاثوليكية في بغداد، اصابها الضررُ جرّاءَ الحصار العثماني الثاني عام 1638 الذي تم فيه الانتصار على الصفويين، والسيطرة على بغداد إبّانَ ما كان إلياس طفلًا صغيرًا في الموصل.
غضبتْ الملكةْ اشدَّ الغضبِ حين اخبرها الياس بأنَّه لم يحصل على شيءٍ من النواب بسبب الضائقة المالية والديون المتراكمة. يبدو أنَّ الملكة نفسها، لم تتمكنْ
من توفير ألفي قطعة من ثمانية لتمنحَها إلياس، حيث أنَّ البلاطَ الإسباني كان يرزحُ تحت ضغط ديونٍ ثقيلةٍ متراكمةٍ على الرغم مما يردُ الى إسبانيا من اموال،
من پيرو (Peru) والمكسك (Maxico).
غادر صاحبنا مدريد متَجهِّمًا مبتئسًا الى البرتغال (Portugal)، ومكث سبعة أشهر في لشبونة (Lisbon). ثم قفل راجعًا الى العاصمة الإسبانية، فأُتيحت له فرصة اللقاء بمربية الملك حيث كان الملك حينها صبيًّا صغيرا.
طلبت الملكة الأم من المربية ان تقف على ما يحتاجه إلياس لخدمة مجتمعه الكلدانيِّ في بغداد، لانها ما زالت مبتئسةً من عدم حصوله على شيءٍ من نواب الملك في نابولي وصقلية كما تقدم.
اشار اصدقاء إلياس عليه ان يطلب جوازَ سفرٍ الى العالم الجديد. لم يكن إلياس يفكر في هذا، لكنه ترك الأمر الى الله، متوكلًا عليه كما روى، وطلب الامر الملكيَّ بمنحه الجواز، وكان صعبًا على شخص من غير الإسبان الحصول عليه...
صدر الامر الملكيُّ بمنحه الجواز، لجمع المساعدات لمجتمعه الكلداني.
ذهب إلياس الى قادس (Cádiz) وهي مدينة ساحلية فينقية قديمة جنوب غرب اسبانيا في الأندلس. وفي اليوم الثالث عشر من شهر شباط عام 1675، قدم إلياس جواز سفره الى قُبطان الأُسطول المكون من 16 سفينة، فخصص له مقصورةً
خاصةً من السفينة الرئيسية، وضع فيها متعلقاتِه وغلق بابَها، لينطلق الأُسطول الى البحر المحيط كما يسميه إلياس.
عزيزي القارئ، الى لقاء آخرَ في الحلقة الثالثة التي تبتدئ بإبحار الأُسطول الى العالم الجديد.
1 الرهبنة الكبوشية هي رهبنة كاثوليكية اصلاحية نشأت في القرن السادس عشر.
2 https://algardenia.com/maqalat/69235-2025-10-12-14-46-25.html
3 العملة الأسبانية كانت على شكل قطع، قيمة القطعة ثماني ريالات.
882 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع