
المحارب
قحطان حسن التميمي
رئيس جمعية المحاربين العراقية
30/12/2025
لعبة القمم
1. انتهت لعبة الامم وبدأت لعبة القمم حيث عندما كنا في سن مبكرة من الشباب نقرأ كتاب لعبة الامم فننبهر لهذه الخطط المحيرة في ادارة الامم من قبل اصحاب القرار المخفيين وكنا نظن أنها لعبة سياسية عادية ولا نعرف النوايا الخفية بين سطور هذا الكتاب الا بعد ان يقع حدث إقليمي او قاري او عالمي ونتذكر ان ماشابه هذا الحدث مذكور بشكل مجازي في ذلك الكتاب.
2. كانت صناعة الزعماء في العالم المسيطرعليهم وعلى قراراتهم من قبل قوة عالمية خفية كانت تبدو ضبابية أو غير مصدقة التطبيق لما مرسوم في مخيلتنا عن بعض الزعماء العالميين او الاقليميين من الناحية القدسية والوطنية. لكن بعد ذلك عرفنا أنهم صناعة معدة مسبقاً سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة فخسرنا التصديق والحب لهم وخسرنا مستقبلنا. ان ميزة لعبة الامم هي النوايا الخفية لتحقيق الاهداف اما لعبة القمم فأن ميزتها ان نواياها ظاهرية مكشوفة.
3. القمة تعني اعلى نقطة في الشيء لذلك فأنها تستخدم جغرافياً وجيوسياسياً فتطلق على اعلى نقطة في الجبال وعلى الاجتماعات الرفيعة لمستوى القادة وتطلق كذلك على الكيانات السياسية التي تتزعم المناطق الاقليمية او الدولية وعليه فأن مواصفات القمة انها تنفرد على ما دونها بمميزات لا تستطيع ان تداينها القمم الادنى منها الا في حالة تخليها عن تلك المميزات وهناك خطأ اصطلاحي ساد بعد الحرب العالمية الثانية وهو الاقطاب. وكان ولا يزال يطلق على الدول الاعظم في كافة المستويات وهذا المصطلح مخطوء لأن من الناحية الفيزيائية ان الاقطاب متعادلة بالذات ومتنافرة بالاتجاه حيث ان اي قصور في ذات قطب مقابل فأنه فيزيائياً ينجذب الى القطب الكامل الاوصاف. اي ان اية دولتين يطلق عليهما مصطلح قطبين غير صحيح وليس عملي لأنه لابد لأحدهما ان تتفوق على الاخرى بميزة او اكثر وعليه يجب ان نغادر مصطلح الاقطاب ونستخدم مصطلح القمم. وعليه فأن مستوى القطبية التي عشناها بعد الحرب العالمية الثانية ولحد سقوط الاتحاد السوفيتي هي قطبية مغلوطة لأن امريكا كانت متفردة في كثير من الجوانب على الاتحاد السوفيتي وعلى اساس القانون الفيزيائي ولا قطبية بدون قطبية متساوية معها في الفعالية والا تسمى قممية وليست قطبية. ولهذا فأن مصطلح القمة هو انسب في اطلاقه على من يتفوق على الاخرين لأن القمة هي أعلى نقطة في الشيء اما القطبية هي ابعد نقطة من الشيء المقابل متساوية في القوة ومتعاكسة في الاتجاه.
4. في هذا المقال سنطلق (قمة) من الناحية الجيوسياسية على امن هو اعلى واقوى من الاخرين ولو كانوا قمم الا انهم ليسوا القمة الاعلى فمن يستحق من الكيانات السياسية الدولية ان ينطبق عليها مصطلح (القمة) وبالتالي من هي الوحدة السياسية التي ينطبق عليها مصطلح (قمة القمم)؟
5. على مر التاريخ نجد ان كثير من الكيانات السياسية تربعت على اعلى القمم ونتيجة لحتمية صعود وسقوط الحضارات فأن تلك الكيانات تبادلت هذا الموقع او غادرته قسراً وليس اختياراً فنجد ان بلاد مابين النهرين كانت قمة القمم من خلال ادوار امبراطوراياتها الخمسة (السومرية / الاكدية / البابلية / الاشورية / الكلدانية) ثم تبادل الرومان والفرس الادوار في زعامه القمة الاعلى وبعدها الدولة الاسلامية (الاموية والعباسية والعثمانية) بالتعاقب يمكن ان ينطبق عليها قمة القمم. ثم جاء دور فرنسا نابليون التي اصبحت قمة القمم ولكن كلياً في اوربا وجزئياً في العالم وبعدها تربعت الجزيرة البريطانية على تلك القمة منتصف القرن التاسع عشر ولحد منتصف القرن العشرين. لكن ظهرت قوة جديدة تقع في العالم الجديد وهي الولايات المتحدة الامريكية التي كانت منغلقة على نفسها منذ تأسيسها في القرن الثامن عشر حيث كانت تتكون من ثلاث عشر ولاية عاصمتها كاليفورنيا. وكانت سياستها الخارجية في عهد الرئيس (مونرو) دون الحد المطلوب ثم اصبحت في بداية القرن العشرين في عهد الرئيس ويلسن ضمن الحد المطلوب ثم اصبحت منذ ثلاثينيات القرن العشرين خارج الحد المطلوب (الحد المطلوب هي سياسة انفلاقية وطنية) وخاصة اثناء الحرب العالمية الثانية. فبدأت تتأثر وتؤثر في العالم لأن مواردها الطبيعية رغم اولياتها على العالم اصبحت لا تكفي ان تلبي النهضة الصناعية فيها وان مستقبلها الجيوسياسي يحكم عليها ان تخرج خارج الحد المطلوب وساعدها في ذلك ظهور بوادر ضعف اقوى الامبراطورية البريطانية التي اجهزت على دورها الحرب العالمية الثانية في قيادة العالم.
6. بدأ دور امريكا من حيث انتهى دور بريطانيا التي بدأت تتخلى عن مواقعها الاستراتيجية في العالم الى أمريكا وفق مبدأ (مليء الفراغ) الذي يتبناه الرئيس الامريكي الجديد (دوايت ايزنهاور) في عام 1954 لأن امريكا كانت تحتاج هذه المواقع لغرض الطوق على القوة الناهضة الجديدة والاتحاد السوفيتي الذي امتلك السلاح النووي بعد امتلاك واستعمال امريكا لهذا السلاح ضد مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في صيف عام 1945 مع لحاظ ان امريكا بعد مليء الفراغ اكملت الطوق الجيوسياسي والعسكري على الاتحاد السوفيتي واصبحت أمريكا تتحول من القطبية الى القممية وسادت العالم رغم قوة وفعالية وجماهيرية الاتحاد السوفيتي وكان الطوق كما يأتي:
أ. حلف شمال الاطلسي (الناتو) الذي يمثل طرفه الغربي الولايات المتحدة الامريكية وطرفه الشرقي تركيا.
ب. حلف بغداد (السنتو) الذي يمثل طرفه الغربي تركيا (الحلقة الرابطة بين الحلقتين) والطرف الشرقي باكستان.
ج. حلف جنوب شرق اسيا (السيتو) والذي يمثل طرفه الغربي باكستان (الحلقة الرابطة بين الحلقتين) والطرف الشرقي الفليبين.
7. بدأت امريكا تفكر في كيفية تحافظ على مركزها القممي بعد امتلاك الاتحاد السوفيتي للسلاح النووي في نهاية الاربعينيات من القرن العشرين وغزو القضاء الخارجي من قبل الاتحاد السوفيتي وتحديداً في عام 1957 عندما اطلق الاتحاد السوفيتي قمره الصناعي الفضائي ( فوستوك 1) فأصبح هذا الكيان فعلا يهدد قممية امريكا. فقررت العمل على تفكيك المنظومة الاشتراكية بقوتها الرئيسية الاتحاد السوفيتي فقامت بالاجراءات الاتية:
أ. شجعت او لم تقاوم بصورة غير مباشرة على زيادة التسليح النووي للاتحاد السوفيتي والكل يعلم ضخامة الكلفة المالية والاقتصادية والامنية لأنتاج والمحافظة على هذا السلاح. وان امريكا تعلم جيداً ان حظر هذا السلاح ليس تفوق جانب على جانب اخر بالعددية للسلاح وانه ليس مؤشر للتهديد الوجودي لامريكا لظهور الردع وبعده التوازن النووي بالنوع وليس بالعدد (لأن استخدام السلاح النووي بين الطرفين لن يبق من هذين الاسدين الا الذيلين) وكانت امريكا تتحمل الكلفة القوة اقتصادها ولا يتحمل الاتحاد السوفيتي ذلك.
ب. كانت امريكا تطلق اكثر من قمر اصطناعي عندما يطلق الاتحاد السوفيتي قمراً واحداً لأستمرار استنزاف في القدرة الاقتصادية السوفيتية.
ج. وجهت امريكا (175) اذاعة باتجاه قوميات الاتحاد السوفيتي لأبراز رفاهية الشعوب الرأسمالية واظهار العوز والحرمان والعمل القسري للمكونات العمالية والفلاحية السوفيتية.
د. ان امريكا سمحت او تغاضت عن قيام الثورات في العالم الثالث ضدها وضد النظام الرأسمالي وكانت كثير من هذه الثورات صناعة غربية وليست وطنية (صناعة الزعماء). فقامت تلك البلدان التائرة بالتوجه لطلب المساعدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية من الاتحاد السوفيتي فزادت اعباء هذا البلد واصبح امام امر محير بين الاسناد ولهذه الثورات وهي محدودة الامكانيات وبين التخلي عنها وبذلك ستكون قد خالفت وعودها وعقيدتها الفكرية بأنها نصيرة الشعوب وخاصة (الطبقة البرولينارية) (العمال والفلاحين) وهاتان الطبقتان تؤلفات معظم شعوب العالم الثالث.
ه. قامت امريكا بتشجيع الخلاف الفكري السوفيتي الصيني بطريقة تطبيقهما للنظرية (الماركسية اللنينية) فحدث انشقاق فكري بين الدولتين الشيوعيتين الى حد التقاطع.
8. بدأ الاتحاد السوفيتي بدل ان يتقدم نحو القمة اخذ يتراجع وخصوصاً بعد عام 1970 الى ان أجهز عليه الرئيس السوفيتي (كورباشوف) وفكك منظومة زعامة العالم الاشتراكي عام 1990 وورثت روسيا الاتحادية اعباء ومسؤوليات ومديوينات والتزامات واخطاء الاتحاد السوفيتي. فأنزوت هذه الدولة عن النشاط الدولي وتخلت عن قطبيتها مكرهة. في ذلك الحين اصبحت امريكا القمة الرئيسية في التأثير العالمي واستمرت امريكا تؤثر ولا تتأثر الى بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حيث بدأت روسيا تستيقض من سباتها القسري فظهر عليها ملامح التأثير الجزئي في النشاط السياسي والاقتصادي العالمي. حيث قامت بالتسلل الى مناطق النفوذ الغربي ببطيء وهدوء وكان ميدان هذا النشاط في اوربا وافريقيا حيث عقدت اتفاقيات مع اوربا في مجال النظام النقدي والمصرفي والنفط والغاز والمجال الامني مع حلف الناتو (الشراكة الامنية) اما في افريقيا فأنها استغلت التذمر الافريقي من اسلوب نهب الدول الغربية لثروات افريقيا فعقدت اتفاقيات مهمة للتعاون في مجال المعادن كما أقامت علاقات متينة تجارية واقتصادية مع الموقع الجنوبي الشرقي لحلف الناتو (تركيا) واتفاقيات تعاون اقتصادي وامني مع الدول السلافية الاوربية بعد التفكيك يوغسلافيا.
9. ارادت روسيا الاتحادية ان تؤكد دورها العالمي دون استفزاز امريكا فقامت بنشاطين استراتيجيين كبالون إختبار لمعرفة درجة رد فعل امريكا عليها الاول انها استولت في عام 2014 على شبه جزيرة القرم الاوكرانية والثاني انها اسست لها قاعدة عسكرية وبحرية في سوريا (قاعدة حميحيم) وكان الرد الامريكي باهتاً حيث كان الرد على النشاط الاول انها زادت من دعمها العسكري لأوكرانيا والرد على النشاط الثاني انها زادت من وجودها العسكري في سوريا مما شجع روسيا الى الانتقال الى خطوات اعلى واخطر فأقتحمت اوكرانيا وكذلك كان الرد الامريكي اكثر بهاتة.
10. الآن امريكا في القمة الاعلى وقد استخدمت لعبة القمم بصورة مباشرة ومكشوفة وكانت لها الحرية الكاملة في استخدام السياسة الجغرافية حيث بسطت مجالها الحيوي على معظم بقاع العالم كما انها سيطرت على المنظمات الدولية السياسية والاقتصادية والنقدية الا انها كانت غير مطمئنة بشكل كامل على حيازتها لهذا الامتياز من نهوض قوة جديدة تنافسها على ارتقاءها القمة الاعلى فمن هي هذه القوة الجديدة؟ لذا علينا استعراض القوى العالمية.
أ. اوربا . يقول علم السياسة الجغرافية (كاندل) قديماً بوصف المجال الحيوي (ان من يسيطر على اوربا يسيطر على العالم) لكن وفق قانون نهوض وسقوط الحضارات الحتمي فأن اوربا اليوم غير اوربا في القرون الثلاثة الماضية وقد اجهزت الحربين العالمتين الاولى والثانية على اخر دور مؤثر لأوربا على العالم وعليه لا يمكن وعلى الاقل لنهاية القرن الحادي والعشرين ان يكون للقارة العجوز قوة مؤثرة او تدخل في سياق التنافس على تسلق قمة القمم لذا فهي خارجه من ميدان المنافسة لزمن طويل.
ب. روسيا. لن تكون منافسة على قمة القمم بل ستكون في مقدمة القمم الادنى لأنها مشغولة بنهوض كيانها السياسي والاقتصادي اللذان يعاينيان من اخفاقات استراتيجية تحتاج الى وقت طويل لمعالجتها. كما انها مشغولة في اعادة مجالها الحيوي الاقليمي مع الدول المحيطة بها لأمكان تعديلها لصالحها بالقوة او بالاتفاق. ان روسيا الاتحادية شعباً وحكومة تعيش في دوامة محيرة بين الحنين الى الفترة السوفيتية وأفضلية الاستقلالية الروسية التي تغنيها عن تبعات انضمام الدول المستقلة لها مجدداً الذي سيربك الموقف الاقتصادي والاجتماعي الروسي. ان ارقى ما تتمناه روسيا من الكعكة العالمية ان تمد نفوذها السياسي على دول نصف المحيط الغربي من حدودها اما النصف الجنوبي والشرقي من حدودها فهو امين نوعاً ما. اضافة الى ذلك انها تعلم جيداً ان هناك قوة عظيمة ستتسلق القمة الاعلى في المستقبل القريب فلا تجدي المنافسة معها كما انها ترتبط مع هذه القوة الناهضة بتاريخ وحدود وعلاقات سياسية وفكرية (عقائدية) متناغمة لحد ما. وعليه لا معنى لمناقشة احتمال ان تكون من المتنافسين على القمة الاعلى في الوقت الحاضر.
ج. العرب. ليس لهم نصيب من هذا التسلق رغم ان كثير من مقومات التسلق متوفرة فيهم لأن زعمائهم جهلة سلطويون متهورون وشعوبهم تطيع القائد الظالم وتثور على القائد العادل فلا مكان لهم بالتسلق لأن التسلق يحتاج قادة استراتيجيين وفريق عمل علمي وشعب واعي يعرف حقوقه و واجباته. لذا فأن متهوروهم دمروا الانظمة الملكية الدستورية والجمهوريات الوطنية الديمقراطية وايدهم الشعب بدون وعي (اذ اراد احدكم ان يعرف هل ان الشعب العراقي واعي ام جاهل فليقرأ كتابي الثاني من كتبي الثمانية التي الفتها الموسوم (اوراق تساقطت بعد الاحتلال الفصل الرابع - لماذا لم يقاتل الشعب العراقي؟) و مصداقاً لما وصفت به العرب فلنأتي الى مثالين لأصدار قرارات استراتيجية متهورة لا معنى لها.
اولاً. مصر . قام جمال عبد الناصر بثورته عام 1952 وبعد اربعة سنوات فقط أمم قناة السويس دون ان تستقر مصر لفترة مناسبة حيث تسبب ذلك القرار الذي اتخذه عبد الناصر عام 1956 قبل موعد تسليم القناة نهائياً الى مصر عام 1968 خسائر لمصر ارجعتها للوراء سنين طويلة وقد تسبب قرار التأميم بما يأتي:
(1) الحجز على ممتلكات مصر من النقد والذهب المودع في الدول الاجنبية والممتلكات المنقولة وغير المنقولة كالسفارات والطائرات في الخارج نتيجةً لصدور احكام من المحاكم الاوربية المرفوعة من المساهمين الاجانب واستجابت مصر للتعويضات التي كلفت الخزينة المصرية (200) مليون دولار وهو رقم اكثر بكثير من عائدات تشغيل القناة لحين انتهاء العقد اضافة الى ذلك فأن القناة لم تعمل لعدة سنوات بسبب نشوب حرب (العدوان الثلاثي).
(2) قيام فرنسا وبريطانيا بالتعاون مع اسرائيل لشن عدوان على مصر تسبب بغلق القناة وخسائر تقدر بمليار جنيه مصري وان هذه الحرب ادت الى:
(أ) تدمير اكثر افرع القوات المسلحة المصرية وخاصة القوات الجوية.
(ب) تدمير مدن بورسعيد والسويس والاسماعيلية وبور توفيق.
(ج) قتل لا يقل عن (10) الاف مصري وعدد هائل من الجرحى.
(د) تشريد وتهجير معظم سكان المدن المدمرة اعلاه.
ملحوظة عجيبة. كان ايراد قناة السويس السنوي 35 مليون جنيه
ثانياً. العراق. ورث القائمون بتغيير نظام الرئيس عبد الرحمن عارف مؤسسات علمية وصناعية وزراعية ومالية واجتماعية وعسكرية رصينة ومتطورة جداً قياساً للمحيط الاقليمي والعربي عموماً وخططت الحكومة التي قامت بالتغيير عام 1968 (ليس لي علاقة بالنوايا) ان تستمر بالنهوض فأستعانت بالعلماء و الخبراء المهنيين والاكاديميين العراقيين لوضع خطة تهدف خروج العراق من الدول المتخلفة الى الدول النامية (ماليزيا / كوريا الجنوبية / اندونيسيا) وخلصت الدراسة التي وضعها هؤلاء الخبراء الى ان السقف الزمني للخروج من التخلف يصل الى عام 1985 لأن متطلبات النهوض متوفرة في العراق خصوصاً بعد ارتفاع اسعار النفط بعد حرب 1973 وسارت الامور وفق الخطة المرسومة حتى عام 1979 فبدأ هذا الحلم يتبدد حيث قامت الحكومة العراقية بعد عام 1979 (بدون ذكر النوايا والمسببات) في الدخول في حرب مع ايران استمرت لثمان سنوات وتبدل الهدف من البناء والنهوض الى الدمار والحرب التي وصفها رئيس وزراء الهند الاسبق (جواهر لالي نهرو) عندما سألته ابنته (انديرا غاندي). ما هي تداعيات الحرب يا ابي؟ فقال: ان نشبت الحرب فأول ما ينهار الاقتصاد ثم تنهار الاخلاق وكانت نتائج هذه الحرب عدم الحصول على هدف الغاء اتفاقية الجزائر عام 1975 هي:
(أ) بعد ان كان لدى العراق فائض نقدي (40) مليار دينار (الدينار 4 دولارات) اصبحت مديونية بعد الحرب (400) مليار دولار (الدولار 3000 دينار عراقي).
(ب) استشهاد (750) الف عراقي و (1) مليون جريح ومعوق ونصف مليون يتيم و (250) الف ارملة.
(ج) توقف استهلاك ودمار معظم المواقع والمشاريع الصناعية والزراعية.
(د) تدمير البنية الاجتماعية العراقية (الاخلاق)
(هـ) خرج العراق من حرب الثمان سنوات حطاماً. وكان يفترض وضع خطة استراتيجية لأعادة التنظيم وترميم التهديم والنهوض بالاقتصاد العراقي من جديد. ولكن بدل ان تقوم الدولة العراقية وتتعض من نتائج الحرب العراقية الايرانية دخلت من جديد في حرب أخطر من الاولى وهي اقتحام الكويت وهذه ضمن منطقة نفوذ امريكي التي لا يمكن المساس بها حيث قال الرئيس الامريكي الاسبق (جيمي كارتر) (لو ارادت اية قوة عظمى بما في ذلك الاتحاد السوفيتي ان يمد يده الى منطقة الخليج سنستخدم كل قوانا بما فيها العسكرية لمنع ذلك) فكيف لدولة مثل العراق قياساً لأمريكا تقوم بأقتحام احدى مناطق نفوذ امريكا (الكويت) فكانت النتائج كارثية ولا تحتاج الى تذكير لأنها قريبة من الذاكرة العراقية ومستمرة نتائجها السلبية لحد الان.
ثالثاً. اعلاه نموذجان لدول تعتبر وطنية جربت التصادم مع الغرب بدون تأمين متطلبات التصادم فكانت نتائجها معروفة وقامت دول عربية خاضعة للنفوذ الغربي (الامريكي) الى الاعتراف بأسرائيل واقامة علاقات سياسية واقتصادية معها وجانبت قضية العرب المركزية فلسطين وعليه لا مستقبل للعرب في تسلق اي قمة حتى لو كانت تلك القمة واطئة الا قمة التنافر والفرقة.
د. اليابان. لا مستقبل لها في تسلق القمة لأن وضعها الجغرافي والاجتماعي والاخلاقي والجيوسياسي لا يسمح لها بهذا التنافس حتى ان كثير من دول اسيا بدأت تنافسها صناعياً وتجارياً حيث توقف نموها الاقتصادي منذ سنين عند حد 3% سنوياً.
هـ . الهند . لا تستطيع ان تتسلق القمة لعوامل كثيرة منها:
اولاً. لا تستطيع ان تجاري وتنافس جارتها الشمالية الصين.
ثانياً. الكثافة السكانية بكافة تناقضاتها الدينية والعرقية والمذهبية والاجتماعية والسياسية تعتبر عامل معوق لتحقيق ذلك الهدف (1,250) مليار نفوس الهند فهذا العدد مستهلك الثروة المادية الوطنية بشكل كبير.
ثالثاً. ان سباق التسليح النووي بينها وبين باكستان يستنزف القدرة المالية للهند علماً انها لا تستطيع التخلي عنها وعدوتها اللدودة باكستان تمتلك هذا السلاح.
رابعاً. محدودية مواردها من المعادن والنفط والغاز.
خامساً. اغلب المحيط الاقليمي ليس على وفاق مع الهند.
و. الصين .الصين وما ادراك ما الصين لا ادعي انني لوحدي اتوقع تسلق الصين للقمة الاعلى بل ان معظم الخبراء والمحللين اصدقاء او اعداء يتوقعون ذلك لأن المعطيات تؤكد ان المتيسرات لدى الصين تفوق المتطلبات المسببة للأرتقاء. وان هذه الدولة تستطيع ان تتغلب على التحديات التي تعيق او تؤخر هذا الارتقاء. وقد وضعت بصورة علمية ومخطط لها لأستخدام الاسبقيات بأقل المعرقلات. فكيف ذلك :
اولاً. انها لم تقع في خطأ الرئيس السوفيتي الاسبق (غورباشوف) لمعالجة محنة بلاده السياسية والاقتصادية دون المساس بالعقيدة الفكرية للاتحاد السوفيتي وذهب الى الحل السلمي والمدمر وهو تفكيك ذلك الاتحاد بينما قامت الصين بمزاوجة النظام الاشتراكي بالنظام الراسمالي وتعديل العقيدة السياسية للحزب الشيوعي الصيني لتلائم متطلبات القرن الحادي والعشرين. حيث استقرأت القيادة الصينية الوضع السياسي والاقتصادي العالمي منذ مطلع السبعينات للقرن الماضي فخلصت الى ان المعضلة الرئيسية لعدم تقديم الصين ونهوضها في (اوتوقراطيه النظام السياسي الصيني والنظام الاقتصادي الاحادي وتبين لهذه القيادة ان أس معضلة هذين النظامين سوء ادارة الدولة فقررت القيادة الصينية تعديل عقيدتها السياسية والاقتصادية فأعطت الاولوية لمعالجة النظام الاداري. فأستعانت بخبراء اداريون كبار في وضع عقيدة ادارية للصين وبالتالي صلح النظام السياسي والنظام الاقتصادي. وبدأت الصين تنهض وتتقدم حيث بدأت بالتقليد للمنتجات الصناعية العالمية ثم سرقت تقنياتها وبعدها ابتكرت وصنعت وحورت وهي الان في طريقها الى تسلق القمة الاعلى ومن اجل الوصول الى هذا الهدف وصفت سياستها الى اجل اخر لا تدخل في نزاعات او حروب جزئية او اقليمية او دولية. وتحرص على ان لا تستفز امريكا حتى لا تنحرف عن هدفها الاستراتيجي (ارتقاء القمة الاعلى). وكل ما يقال انها تريد استعادة تايوان محض هراء لأن اعادة هذه الجزيرة مؤجلة في الوقت الحاضر وانها صبورة الى حد تعجيز الخصم المقابل حيث انها بقيت لمدة (97) سنة تنتظر عودة هونك كونك اليها واستعادتها دون قتال ولا خسائر.

1246 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع