سميرعبد الحميد
كتاب دليل خارطة بغداد تاليف الدكتور مصطفى جواد و الدكتور احمد سوسة
الدكتورمصطفى جواد رحمه الله غني عن التعريف، فهو الاستاذ الكبير الباحث والمحقق والمنقب الخططي واللغوي الذي بحث وكتب في مختلف الفنون والعلوم المتعلقة بالتاريخ العباسي وخصوصا بغداد، وذلك طيلة نصف قرن او اكثر، وقد اغنى المكتبة العربية بكتاباته هذه وبحوثه، وزودنا بتاريخ كان مجهولا وغير مطروق، الا من فئة قليلة من المستشرقين الاجانب، وبعض الهاوين من الباحثين العراقيين- وعلى نطاق ضيق- الا وهو البحث في التحقيق الخططي لمدينة بغداد. ولقد قرات كتاب دليل خارطة بغداد قديما وحديثا مرات عديدة، فاعجبت به اعجابا شديدا، لما جاء به من معلومات، وليس للغته واسلوبه فقط، ومن خلال القرات المتكررة ،لاحظت كما لاحظ غيري اختلاف بين وصفه في تعيين المواقع القديمة، وبما وصفه الاقدمون في كتبهم التاريخية القديمة، اذ عين بعضها في غير مواقعها الصحيحة، باجتهاد شخصي، مما جعلني ارجع الى المصادر القديمة بحثا عن الصحيح والموثوق، وهكذا كان الامر مع هذا الكتاب، وغرضي من ذلك الحقيقة، خدمة للعلم والتاريخ ،والله من وراء القصد.
1-نظرية نهر عيسى الاعظم يقول الدكتور مصطفى جواد رحمه الله في الصفحة 68 من كتابه اعلاه:انه كان في غربي دجلة نهران باسم نهر عيسى ،الاول هو نهر عيسى الرئيس وقد سماه بعض المؤرخين باسم عيسى الاعظم كان ياخذ من نهر الفرات وينتهي الى دجلة جنوب بغداد بمسافة اثني عشر كيلومترا منها،وكانت الوسائط النهريةالتي تنقل تجارات الشام ومصر تسير بطريق هذا النهر حتى تدخل نهر دجلة ثم تصعد فيه حتى تصل مدينة بغداد،اما النهرالثاني فهو نهر عيسى الفرع الذي يتفرع من نهر عيسى الرئيس فيمتد شرقا بموازات نهر الصراة العظمى من الجنوب حتى ينتهي الى دجلةفي جوف مدينة بغداد.ويقول ايضا ويلحظ ان اكثر المؤرخين اشاروا الى نهر عيسى الرئيس دون ان يضيفوا كلمة الاعظم اليه ،وتعليل ذلك هو ان نهر عيسى الفرع لم يكن يعرف باسم نهر عيسى الا بعدان شيد عيسى ى قصره عليه فقد كان يعرف باسم الرفيل وقد بقي يعرف بهذا الاسم مدة من الزمن وكان قد انشيء سد من الحجر على النهر الرئيس عند صدري فرعي الصراة والرفيل وذلك لرفع مستوى المياه وتحويلها الى الفرعين المذكورين الرفيل والصراة وكان السد والناظمان المشيدان في صدريهما لتقسيم الماءبينهما تحول دون وصول السفن الى دجلة لذلك كانت البضائع من السفن التي تصل الى هذا الموضع تحول الى سفن اخرى وراء السد لمواصلة نقلهما الى بغداد التي كانت مركزيا تجاريا رئيسا في ذلك العصر وقد نشات في زمن العرب بلدة في هذا الموضع سميت المحول اي الموضع الذي تحول فيه البضائع وغيرها من شحن السفن والتجارات من الشام ومصر،تدخل الى فرضة عليها الاسواق وحوانيت التجار،لاتنقطع في وقت من الاوقات، فالماء لاينقطع ولكن ما توصل اليه البحث من الناحية الخططية –كما يقول الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه خطط بغداد في دراسةالمؤرخينالمحدثين الصفحة66 نقلا عن ابحاث الدكتور صالح احمد العلي:(انه لم يثبت وجود نهر اخر يحمل اسم عيسى في نهاية القسم الجنوبي من غربي بغداد استنادا الى سكوت المصادر الكامل عن مسالة وجوده فنقض بذلك –وان لم يصرح تصريحا- اهم ما كان مصطفى جواد واحمد سوسة قد اثبتاه في دراستهما لخطط هذا الجانب وردهما على دراسة لسترنج التي تفرق بين النهرين.انتهى والحقيقة ان نهر عيسى كان ياخذ من الفرات وكان في صدره قنطرة مهولة تسمى قنطرة دمما. كان فيها باب كبير واربعة ابواب صغار، وان الباب الكبير تسير فيه السفن القادمة من الرقة ومصر.
، تحمل الدقيق وعبر نهر الفرات ، وكانت تقف عند السد ،وتحول ما تحمله من بضائع الى سفن اخرى في الجانب الاخر من السد، صغيرة الحجم لتتمكن من اجتياز القناطر الكثيرة المشيدة على نهر عيسى كونه صالح للملاحة عكس نهر الصراة فانه غير صالح للملاحة لوجود القناطر والارحاء، لتنحدر من هناك الى دجلة في مجرى نهر عيسى حتى تصل بغداد.يقول ياقوت ان اشتقاق المحمول واضح من حولت الشيءاذا نقلته من موضع الى اخر.
وفاته رحمه الله ان كلمة الاعظم لاتعني التفرقة او التميز بين الشيءين فهذا صاحب كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب يقول عن نهر الفرات (نهر الفرات الاعظم،وهو نهر عظيم عذب....الصفحة 251 فهل هناك من قال ان هناك فراتان .
وفي الصفحة 67 من الكتاب قال الدكتور :(وذكر ابن سعيد في جغرافيته قال:((وينزل من الفرات نهر عيسى فيصب في دجلة بين القرية والرملة وهو من الانهار الكبار التي تخرج من الفرات فيسقي من الضياع عدد ايام الشهور)).يقول والقرية هي باب السيف الحالية والرملة هي محلة الجعيفر والصحيح ان القرية هي منطقة الشيخ بشار الى النهر والرملة هي خضر الياس.ويقول في الصفحة 88 :((ومحلة قصر عيسى واقطاعه هي اليوم محلة سوق الجديد وبعض الشيخ بشار والجعيفر في غربي بغداد))،والصحيح انها محلة خضر الياس ومحلة التكارتة والقسم الجنوبي من الجعيفر..
2-دارمؤنس المظفرو المدرسة النظامية وقصر الخلافة
قال الدكتور مصطفى جواد عن المدرسة النظامية وموقعها في الصفحة 128، في اوائل القرن الرابع الهجري، اقام الامير مؤنس المظفر دارا فخمة على دجلة من شمال قصور الخلفاء.وفي الصفحة 140 من الكتاب نفسه قال:(( ومن الابنية المهمة الاخرى التي انشات في عهد السلطان الب ارسلان والد ملك شاه ايضا المدرسة النظامية التي كانت في محلة الحظائرالقديمة في اخر سوق الثلاثاء ،ومحلة الحظائر هذه كانت في موضع سوق الكمرك الحالي وخان جغان الذي حول الى اسواق وان المدرسة تقع في سوق الخفافين الحالية وقد ذكرنا انها شيدت على قسم من دار الامير مؤنس المظفرالتي كانت قد انشات في هذا الموضع قبل النظامية باكثر من قرن.ومن الغريب ان كي لسترانج عين موضع المدرسة في جنوب قصور الخلفاء )).يقول صاحب كتاب رسوم دار الخلافة ابو الحسين هلال الصابيء في الصفحة 136:(فلما ملك معز الدولة،تشوفت نفسه الى الضرب على بابه بمدينة السلام ،وكان نازلا في دار مؤنس المجاورة لدار الخلافة.يقول ابن الجوزي بالمنتظم في حوادث سنة 383 هـ:(وفي يوم الاربعاء لاربع بقين من جمادى الاولى وقع الفراغ من الجسر الذي عمله بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرةدار مؤنس واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطاريد).
يقول الدكتور مصطفى في الهامش تعليقا:(مشرعة القطانين تقابل اليوم شريعة بيت الايلجي قرب دار النواب على شاطيء دجلة الغربي،وعلى هذا يكون الطرف الشرقي للجسر في شارع المحاكم المدنية المعروف بشارع المتنبي.ومعنى بحضرة دار مؤنس هو قرب دار مؤنس يتضح من اعلاه ان دار مؤنس قرب دار الخلافة وان النظامية قرب دار مؤنس او بنيت في قسم منه فالنظامية حتما قرب دار الخلافة وانها تقع في شارع المتنبي.وليس في سوق الخفافين.يقول ابن الاثير في الكامل في حوادث سنة 510هـ:( في هذه السنة وقعت النار في الحظائر للمدرسة النظامية ببغدادفاحترقت الاخشاب التي بها،واتصل الحريق الى درب السلسلة وتطايرالشرر الى باب المراتب فاحترقت منه عدة دور واحترقت خزانة كتب النظامية وسلمت الكتب لان الفقهاء لما احسوا بالنار نقلوها). من هذا يبان ان النظامية ودرب السلسلة وباب المراتب تقع في مكان واحد قرب شارع المتنبي ولما كان باب المراتب هو الباب الجنوبي لدار الخلافة اذن فان دار الخلافة تقع قرب شارع المتنبي في المنطقة المحصورة بين باب المعظم والميدان ،وليس بين شارع السمؤل والمربعة كما حددها الدكتور في مقالاته المتعددة معتبرا باب المراتب في محلة المربعةقرب جامع السيد سلطان علي. وقد اورد الدكتور حادثة الحريق نقلا من ابن الاثير ومن ابن الجوزي. ففي مجلة سومر مقالة له المجلد 34 ص 77-188 سنة 1981 قال:( في سنة 510 شبت النار في الحظائر المجاورة للمدرسة النظامية ببغداد كما جاء في الكامل، فاحرقت الاخشاب التي بها، واتصل الحريق الى درب السلسلة يعني سوق البزازين الحالي الملاصق لخان جغان المنتهي عند جامع القبلانية فاحترقت دار كتب النظامية لكن الكتب سلمت لان تلامذتها لما احسوا بالنار نقلوها الى مكان يؤمن فيه من النار. وزاد ابن الجوزي في المنتظم ان النار احرقت الدور الشارعة على دجلة من جملتها دار نور الهدى ابي طالب الحسين العباسي الزينبي الحنفي النقيب الفقيه المدرس ورباط بهروز الذي بناه للصوفية، وكان في موضع قهوة الشط ).لاحظ انه لم يشر لامن قريب او بعيد الى باب المراتب والكل يعرف ان باب المراتب هو الباب الجنوبي لدار الخلافة وقد اسقطعه لانه يتعارض مع فرضيته كون موقع دار الخلافة يقع بين شارع السمؤل والمربعة وان باب المراتب يقع في المربعة قرب قبر ابن الجوزي المزعوم.
وبالحاصل فان جامع القصر الملاصق لقصر التاج مركز حكم الخلافة قصر التاج يقع ايضا قرب شارع المتنبي اقرب الى منطقة الميدان تحديدا قرب الجامع الاحمدي وما حواليه، باعتبار ان قصور دار الخلافة ومنها قصر التاج تقع في هذه المنطقة وليس في سوق الغزل قرب الشورجة كما حدده الدكتور قي كتاب الجزء التاسع من مختصر التاريخ لابن الساعي ص2 يقول عن جامع القصر:( هو جامع سوق الغزل الحالي ببغداد ،والقصر الذي اضيف هو اليه قصر التاج ويسمى ايضا جامع الخليفة) . علما ان جامع سوق الغزل المعروف بجامع الخليفة قد بناه الخليفة المستنصر العباسي سنة633هـ كجامع بديل عن جامع القصر، وذلك تحسبا من انداع الحرب مع المغول مع ورود الانباء من تقربهم من بغداد في سنة 629هـ قال صاحب كتاب الحوادث الجامعة المنسوب خطا لابن الفوطي:( في هذه السنة وردت الاخبار بانتشار عساكر المغول في بلاد اذربجان وتطرقهم الى ما يقاربها من النواحي والاعمال الى نحو شهرزور(تعرف الان باسم خورمال-التابعة لكركوك)، فاخرج الخليفة المستنصر بالله الاموال وجهز العساكر وارسل الى سائر البلاد للجمع والاحتشاد
3-موقع دار المسناة:قال في صفحة 186 من كتابه دليل خارط بغداد،:(( وفي الجانب الشرقي من بغداد اليوم بقايا قصر ضخم مرمم يرجح انه من المباني التي شيدت في العهد العباسي الاخير هو القصر المسمى اليوم باسم القصر العباسي، ويقع على ضفة دجلة اليسرى، ويقول ذكرنا انه توصل المعنيون بشؤون خطط بغداد القديمة الى ان البناية المذكورة هي القصر الذي ذكره ابن جبير حين قال:( انه راى الناصر لدين الله ينحدر من منظرته في الجانب الغربي الى دجلة صاعدا في الزورق الى قصره باعلى الجانب الشرقي من الشط).
وقد ذهب احد مؤلفي الكتاب مصطفى جواد والاستاذ يعقوب سركيس الى ان بناية القصر هي الدار التي ورد ذكرها في كتاب الحوادث باسم دار المسناة، وقال: ووصفت ايضا انها بجوار خندق السور وان الخندق مما يلي الدار شيدت في العهد العباسي الاخير الذي لايتقدم على تاريخ المستنصرية بكثير من السنين هو القصر المسمى اليوم باسم ((القصر العباسي)) ويقع على ضفة دجلة اليسرى شمالي بناية مجلس الامة ))....ويقول بعد الانتهاء من الوصف العمراني :(واشهر الاقوال وادعاها الى التصديق انه(دار المسناة ) التي انشاها الناصر لدين الله واقام فيها خزانة كتب جليلة لمفاوضة العلماء فيها فهي على التحقيق دار علم ولذاكانت بنايتها اقرب الى بنايات المدارس قد اقتبس من تصميمها المعمار الذي شيد المستنصرية مستندين بذلك الى ان وصفها في الكتاب المذكور جاء موافقا لوصف ابن جبير اي انها باعلى بغداد على شاطئ دجلة (حوادث سنة 680 هجرية وقد وصفت ايضا انها بجوار خندق السور مما يلي الدار وبعد ذلك يقول ان الناصر لدين الله انشا خزانة كتب جليلة في هذا القصر لمفاوضة العلماء ومشاركتهم كما كان المامون يفعل في ايام خلافته انتهى كلام الدكتور.!ولكن بالرجوع الى كتاب مضمار الحقائق وسر الخلائق لمحمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه الايوبي 567-617 هـــــــجري الصفحة88 من تحقيق الدكتور حسن حبشي الصادر عن عالم الكتب في القاهرة عام 1968 حوادث سنة 578 هجري يقول :((وفيها كان الفراغ من بناء دار المسناة التي على شاطئ دجلة وكان المتولي عمارتها الحاجب الاعز وهي اول دار شرع الخليفة في عمارتها للتنزه والفرجة وهي اول دار فرشت طوابيق ملونة ازرق واحمر وسائر الالوان وكان الخليفة كثير الملازمة لها والحضور فيها وهي من الدور المستحسنة بنيت على طرف السور مما يلي دجلة قد غرم عليها اموالا جمة ولما تم عملها نقل اليها فرشا كثيرة وانية من ذهب وفضة ورتب فيها جماعة من المماليك والخدم لحفظها وحراستها يلازمون الخدمة فيها دائما والى الان فأن كان راكبا في دجلة او على ظهر واراد الدخول اليها تكون مهياة للقعود فيها والسكنى بها وجعل لهذه الدار حرمة قاطعة كحرمة التاج الشريف بحيث لايقدر احد يقعد تحتها ولايدنو منها الا ان كان سائرا في سفينة فحسب...من هذا النص المهم تبين لنا ان دار المسناة هي (دارتنزه وفرجة وليست دار علم)
963 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع