أحمد الحاج جود الخير
النصح الأمين لحماية الوقف الثمين من الهدر المهين وعبث العابثين
لنتفق ابتداء على أنه ومن الخطأ بمكان التعامل مع ملفات الهدرالمالي ،والعبث بالأصول الوقفية والخيرية المشفوع بقصور التدقيق ، وضعف المتابعة ، وفقدان الرقابة ،واستشراء آفات الرشوة والاختلاس، أو حرق و تزوير واخفاء الوثائق وسندات الملكية ، وغياب النزاهة والشفافية في بعض المؤسسات والدوائر الوقفية في أرجاء المعمورة وبدرجات متفاوتة انطلاقا من زاوية ضيقة عادة ما تنحى باللائمة على وزراء الاوقاف ،أو رؤسائها المعينين بمراسم ملكية وأميرية وسلطانية وجمهورية ، متبوعا بإلقاء اللوم على صغار الموظفين،وبعض المديرين العموميين ،وقسم من الجباة والنظار والمتولين،وبعض ورثة الواقفين بدوافع الأنانية والجشع والأطماع الشخصية ، وهدفهم الأول والأخير هو تحقيق الجاه والإثراء السريع ولو بأكل المال الحرام ، والحق يقال بأن هذه النظرة الأحادية القاصرة مع صحتها يجب أن تتوسع لترصد أبعد مما تحت أقدامها، لأن ما وراء كواليس الهدر والاختلاس والتزوير في بعض وزارات ومؤسسات ودوائر الأوقاف أهم وأكبر ، ولأن ما خفي من عظم جبل جليدها أجل وأخطر بكثير مما سلف ذكره، فمن يتابع عن كثب ما فعله المستدمرون عبر التاريخ بأوقاف المسلمين في كل من أفريقيا وآسيا فإنه سيفهم كثيرا مما أشكل عليه ، وبعض ما يقض مضجعه في أسباب الهدر والفساد الهائل المستشري في بعض المؤسسات الوقفية في العديد من الدول العربية والاسلامية ، وتأسيسا على ما تقدم أقولها وبضرس قاطع ، بأن الهدر الوقفي يعود في جانب كبير منه الى إرادات دول وحكومات بعيدة ، أو قريبة ،لها مصلحة كبرى في تعطيل عمل الوقف واستنزاف أمواله وعرقلة أنشطته وزعزعة أركانه وتشكيك المحسنين بقيمة الوقف وبجدواه الاقتصادية والانسانية والخيرية ، كما يؤشر الى مخططات وأجندات جيو - سياسية هدفها الأساس هو إحداث تغييرات ديموغرافية ،ولوثات فكرية،وتزييفات تاريخية خطيرة كلها لن تتحقق إلا من خلال العبث بالأوقاف وملكياتها وأصولها وملفاتها ووثائقها في كل - زمكان - والى ذلك استرعي انتباه كل من في رأسه عقل راجح ، وأذن واعية ، وبما تشيب من هوله الولدان ، وتقشعر من فظاعاته الأبدان !
قوى الاستدمار العالمية والعبث بالأوقاف الإسلامية
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فلقد كنت أقلب الطرف، وأمعن النظر في كتاب "الإستعمار الفرنسي في مواجهة الدين الاسلامي : مؤسسة الأوقاف أنموذجا" لمؤلفه الاستاذ رحايلي حياة، وقد راعني حجم العبث الهائل الذي مارسه الفرنسيون بأوقاف الجزائر من مصادرة وهدم وتعطيل ونهب وسلب ورفع حصانة وبيع أصول وقفية مع أن الأصل في الاوقاف أنها لا تباع ولا تورث ولا توهب، مع جواز أكل متوليها بالمعروف بعيدا كل البعد عن مواطن الشك والريبة والشبهة ،وهدف الفرنسيين من وراء ذلك كله هو تضييق الخناق على المؤسسات الانسانية والجمعيات الخيرية المتفرعة عن الوقف، والمتأتية من أموال الصدقات الجارية الدائمة،ومثلها الوقتية والآنية، زيادة على محاولة الفرنسيين عرقلة جمع واستثمار وانسيابية أموال الوقف التي تدفع منها رواتب الائمة والخطباء والوعاظ والدعاة والمؤذنين وخدام المساجد وحراسها، اضافة الى التحكم بأموال الزكاة والصدقات المخصصة للفقراء والمساكين والايتام والارامل والعاطلين والمشردين والعاملين عليها وبقية المشمولين بأشكال الوقف وأقسامه وصوره المذهلة في تنوعها،المتفردة بحجم عطائها،وقد لخص الامام السيوطي جانبا من أنواع الصدقات الجارية في أبيات مستلهمة من الاحاديث النبوية الشريفة قال فيها :
إذا مات ابن آدم ليس يجري ..عليه من فعال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل ..وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر..وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي...إليه أو بناء محل ذكر
وتعليم لقرآن كريم ...فخذها من أحاديث بحصر
وما سبق سرده مع الفرنجة هو عين ما جرى في الصين الشيوعية من قبل ومن بعد مع طائفتي الإيغور والهوي المسلمتين ، حيث جرى تدمير ما لا يقل عن 533 موقعاً ووقفا وأثرا ومسجداً إسلاميا في جميع أنحاء إقليم شينجيانغ في عهد ماو تسي تونغ ، فيما تم تدمير 8500 مسجد في جميع أنحاء شينجيانغ الصينية ومصادرة أوقافها منذ عام 2017 وذلك في حملة تدمير واستئصال ثقافي وديني لم يسبق لها مثيل ، بحسب دويتشة فيله الالمانية ، زيادة على منع اللباس الاسلامي ، وحظر الحج ، وصوم رمضان ، واطلاق اللحى ،وبناء المآذن ، ورفع الاذان ، وأداء صلاة الجمعة والجماعة ، وتعليم القرآن الكريم ، وتسمية المواليد الجدد بـ "مو هان مو دي" التي تشير الى النبي الاكرم محمد ﷺ .
كذلك هو الحال في الهند وقد صوت برلمانها في نيسان 2025 على مشروع قانون يقضي بتعديل القوانين التي تحكم أوقاف المسلمين بهدف مصادرة المساجد التاريخية وطمس المعالم الاسلامية قاطبة ضمن خطة الهندوتفا الرامية الى تحويل الهند الى "دولة هندوسية مطلقا " وذلك من خلال فرض سيطرة الحزب الهندوسي اليميني الحاكم "بهاراتيا جاناتا" وأذرعه ووكلائه على أوقاف المسلمين والعمل على إدارتها ، والتحقق من ملكيتها، واستنزاف مواردها ، والعبث بأموالها مشفوعا بنزع صفة وقف اسلامي عن عشرات المواقع الاثرية تمهيدا لابتلاعها بزعم أنها كانت أملاكا ومواقع هندوسية قبل أن تتحول الى معالم وأوقاف إسلامية !!
وعلى منوال ما سبق ، ما جرى أيام الاتحاد السوفياتي المقبور حيث تم إغلاق وهدم 10 الاف مسجد ، واغلاق ومصادرة 14 ألف مدرسة إسلامية،زيادة على اعتقال الاف الدعاة والائمة والخطباء والتضييق عليهم ماديا ومعنويا ، ونفي آلاف مؤلفة من المسلمين الى سيبريا ولاسيما في عهد الطاغية اللقيط ستالين،مع منع مناسك الحج وممارسة شعائر الصوم والصلاة وتلاوة القرآن !
ولم يختلف الحال مع أوقاف فلسطين التي عبث بها الصهاينة الانجاس عبثا مريعا طيلة 100 عام من وجودهم المشؤوم منذ وعد بلفور 1917، وبما أسهب في استعراض جانب منه الدكتور نصر محمود الشقيرات، في كتابه المهم ( التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس) وقد لفتت مقدمة الكتاب بقلم الاستاذ عبد الله توفيق كنعان ،الى، أن"الهدف الرئيس من العبث بالاوقاف المقدسية هو تعريضها لمخططات الطمس والتزوير والتغيير ودعم الرواية التلمودية المضللة التي ابتدعتها الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بال عام 1897".
من جهتها أصدرت وزارة الأوقاف الفلسطينية تقريراً خطيرا أجمل انتهاكات الاحتلال على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الضفة الغربية وقطاع غزة لعام 2024" جاء في جانب منه ، أن "الاحتلال دمَّر 815 مسجداً بشكل كلي، و151 مسجداً بشكل جزئي في قطاع غزة ، فيما اقتحم المسجد الأقصى 256 مرة، ومنع رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي 674 مرة ، واستهدف ثلاث كنائس ودمَّرها، علاوة على تدمير 19 مقبرة اسلامية بشكل كامل مع نبش قبورها وإخراج رفاتها !!" .
ورب سائل يسأل محتارا وما حاجة الكيان المسخ اللقيط الى اخراج رفات المقابر ؟ والجواب هو : لتحويل الرفات حديثة الدفن منها الى بنك مخصص بالاعضاء البشرية ، والجلد الآدمي يتم استخدامه في عمليات زراعة الاعضاء وترقيع أو زراعة الجلد ، ومعظمها منتزعة من جثث فلسطينيين ،وعمال أفارقة ، وعادة ما تنتزع الأعضاء من جثث الضحايا المحتجزة في ثلاجات الموتى،أو المدفونة في ما يسمى بـ" مقابر الأرقام" وهي مقابر سرية من دون شواهد أبرزها مقبرة ريفيديم،وشحيطة ، وجسر بنات يعقوب، وأريحا ، تستخدم لإخفاء ضحايا التعذيب،والقصف ، وسرقة اعضائهم ، وفقا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وأما ما يخص رفات الموتى المتحللة فهذه تنقل كجزء من التغيير الديمغرافي فضلا على ترويج وتسويق الرواية الزوهارية والتلمودية مستقبلا ، والزعم بأن هذه الارض يهودية 100% ولم يسكنها غيرهم ، والدليل وفقا لمخططاتهم الجهنمية هو أن لا مقابر لغير موتاهم تحت ثراها،ولا رفات مدفونة في أرضها لسواهم عند إجراء تحليل DNA !
وأضافت الاوقاف الفلسطينية ،أن" القرار الذي أصدره الاحتلال الصهيوني باستملاك صحن الحرم الإبراهيمي وإباحة العمل فيه من خلال سقفه يهدف الى استملاكه بهدف تحويله الى كنيس يهودي خالص،وسحب صلاحيات وزارة الأوقاف الفلسطينية وبالتالي السيطرة عليه كاملاً من خلال طمس معالمه الدينية والتاريخية والتراثية الإسلامية".
ولعل ما يؤكد أهمية المعالم والمخطوطات واللقى الأثرية والأوقاف بالنسبة للصهاينة هي إصرار النتن ياهو على مطالبة تركيا باعادة " نقش سلوان " التاريخي بصفته يمثل برهانا على وجود مملكة يهوذا بزعمه، وأن القدس مدينة يهودية لا حق فيها لأية ديانة أخرى، وادعائه بأن النقش التاريخي مكتوب باللغة العبرية مع أنه مكتوب باللغة الكنعانية وبالأبجدية الفينيقية ، واصفا التقاء فريقين من العمال كاننا يعملان سوية تحت الأرض لحفر نفق من الجهتين مخصص لنقل المياه تحت المدينة وقد عثر على الحجر أثناء عمليات تنقيب في القدس الشرقية عام 1880م، قبل أن ينقل الى اسطنبول عام 1882م ليوضع في أحد متاحفها وما الأزمة السياسة الكبيرة التي اندلعت مؤخرا بين الجانبين على خلفية هذا النقش سوى تأكيد على أهمية اللقى والمواقع الاثارية، والأوقاف ، والمعالم الفلكلورية والتراثية، والمخطوطات، التي تحرص الدول المتحضرة على صيانتها وادامتها واصلاحها وتأهيلها باستمرار لكونها تثبت وبشكل قاطع، أو تنفي كليا جهود شعب وحضارة ما في أرض وبقعة ما من عدمها ، وبالتالي فإن طمس المعالم ، أو مصادرتها، أو التحايل لتغيير ملكيتها،أو إهمالها عمدا لتندرس بمرور الوقت بفعل العوامل البيئية والظروف الجوية،يعد جرما أخلاقيا وتاريخيا وثقافيا وحضاريا لا يمكن غض الطرف عنه ولا عن المتورطين بجريرته ، والمدنسين بإثمه بتاتا !!
أمة لا أوقاف ترعاها وتستحدثها وتديمها وتحافظ عليها لا خير فيها
يستلهم الوقف مشروعيته من قوله تعالى: "لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" .
ومن ثم من قوله ﷺ"إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أوولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
ويعرف الوقف اصطلاحا بأنه "حبس عين المال وتسبيل منفعته؛ طلباً للأجر من الله تعالى".
ومن أقسام الوقف " الوقف الخيري ، والوقف الذري ، والوقف المضبوط ، والوقف الملحق ، والوقف الصحيح " ، ولقد أبدع المسلمون أيما إبداع وبما يفوق الوصف عبر التأريخ في وقفياتهم ودعوني أنقل لكم هنا صورة من صور هذه الوقفيات نقلا عن رابطة العلماء السوريين جزاهم الله تعالى خيرا،حيث كان هناك وقف خدمة الفقراء المعمرين - المسنين - في بيوتهم ، ووقف مساعدة الطلاب، كذلك وقف حفر الآبار وتهيئتها للشرب، وقف بيت الطعام للمحتاجين ، وقف المرضى الغرباء ، وقف تنظيف وجمالية المدن وعمارتها ، وقف حماية الأشجار والغابات ، وقف تجهيز البنات للعرس ، وقف تعويض المتضررين في البحر، وقف الأعراس لإعارة العروسين كل تجهيزات العرس من الملابس والاكسسوارات المطلوية بدلا من شرائها ومن ثم اعادتها ثانية بعد العرس الى الوقفية لغرض اعارتها لعروسين جديدين وهكذا دواليك، وقف المكتبات ،وقف المستشفيات " البيمارستانات "، وقف قضاء الديون ، وقف المياه وسقيها ، وقف الاستراحات في طرق المسافرين، وقف تزويج الشباب ، وقف العميان والصم والبكم والعجزة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ،وقف الامهات المرضعات ، وقف تأمين العمل للعاطلين، وقف الأيتام ،اضافة الى الاطفال اللقطاء - كريمي النسب - وقف اطعام وسقي الطيور في أعالي المنائر والمآذن ، وقف تقديم الطعام لأبناء السبيل والمسافرين والفقراء والمساكين، كذلك وقف اطعام وسقي وعلاج القطط والكلاب المشردة ، وغيرها من أشكال الأوقاف التي أذهلت القاصي والداني ، ولقد عملت عدة تقارير عن روائع الوقف عبر التاريخ قبل عامين خلت بمناسبة شهر رمضان المبارك وما زلت مذهولا بأنواعه وأقسامه ونتائجه الطيبة التي لا تحصى ومنها وقف العقار ،والمنقول ، والوقف المؤبد ، والوقف المؤقت، ووقف النقود للإقراض والاستثمار.
ومع إعفاء رئيس ديوان الوقف السني في العراق من قبل رئاسة الوزراء ، وتعيين رئيس بدلا منه بالوكالة ولمدة ستة أشهر بحسب المعلن ، وبحسب البيان فإن ذلك يأتي بناء على كتاب من المجمع الفقهي العراقي، الذي رشح بدوره ثلاثة أسماء بديلة لتولي المنصب، وفقا لقانون الوقف السني لسنة 2012، فدعوني أقترح وبالحاح على رئاسة المجمع الفقهي العراقي وبما يضمه من نخبة تمثل خيرة علماء العراق وأعلامه المشهود لهم بالألمعية والأعلمية والأسبقية ، لتقديم طاقة من النصائح الشرعية الى رئاسة الوقف الحالية والمستقبلية لتعلق مؤطرة في أقسام الوقف السني وفروعه وفي جميع المحافظات العراقية كافة، وبما يصلح أن يكون بمثابة وثيقة عهد ملزمة للجميع ، ومذكرة لهم، والذكرى تنفع المؤمنين من جهة ، وليُحاسب المقصرون بموجبها وبمقتضاها من جهة أخرى ، ولتكون هذه الوثيقة بمثابة منهج عمل للجميع حاضرا ومستقبلا لتحسين أداء وإدارة أموال الوقف ، وضمان جودة ونزاهة وشفافية وشرعية عمل مؤسساته كافة على أن يتعهد كل رئيس أو مرشح لرئاسة ديوان الوقف السني ومن يناظرهم بالالتزام التام بها ولاسيما خلال الـ 100 يوم الأولى من تولي أحدهم منصبه - أصالة أو وكالة - لمنصب حساس المفترض به أنه منصب تكليفي ، وليس تشريفيا بالمرة، لأنها أموال المسلمين ووقفياتهم وما أعظمها من مهمة جسيمة ،وما أثقلها من أمانة كبيرة ليس بوسع الجبال الراسيات حملها ولا تحملها، كان أسلافنا العظام يستخيرون ،ويستشيرون ، ويترددون ،ويدعون ،ويبكون خوفا من تبعاتها وعواقبها ، ومن همومها وآثامها التي لا تحصى في حال التقصير،أو التكاسل في أدائها على الوجه الأمثل ، أو العبث عمدا أو سهوا بأصولها وفروعها وعقودها واستثماراتها، قبل أن يعتذر معظمهم عن توليها لعظمها ولخطورتها في الدنيا قبل الآخرة ، وبما من شأنه أن ينسحب على أحفاد أحفادهم ولعقود طويلة فيما بعد ، ولات حين مناص ، فيما كان بعضهم يفر من هذه المسؤولية العظيمة فرار الخائف في البراري من الأسود الضواري ،وبخلافه فعلى المرشح أن يقدم استقالته بنفسه ، وأن يعتذر عن اكمال مهامه قبل أن يُعزل أو يُعفى أو يُقصى من منصبه .
أما الى المرشحين لوزارات الأوقاف، أو لرئاسة دواوين الأوقاف في طول العالم الإسلامي وعرضه فأتمنى أن يُعزي أحدهم نفسه فور ترشيحه للمنصب الحساس وتوليه هذه المسؤولية الجسيمة - هكذا أقولها بكل وضوح وصراحة ولا أخشى في قول الحق لومة لائم - وعلى المعلقين أن لايهنئونه مطلقا،وعليهم بدلا من ذلك أن يعظونه وينصحونه ويذكرونه بهذه الأمانة التي إن لم يأخذها بحقها، وإن لم يؤد الذي عليه فيها، فستكون وبلا أدنى شك على صاحبها يوم القيامة خزيا وحسرة وندامة ،وسيصيب المهنئين والمرشحين كثير من غبارها ، والعكس صحيح ، ولتؤجل التهاني والتبريكات الى حين خروج أحدهم من هذا المنصب براية وبيد بيضاء، وبثوب أبيض ليس في عنقه ملف فساد ولا تهمة ولا جناية ولا مظلمة لأحد ، وأما ساعة تولي أحدهم هذا المنصب فالنصح النصح، والوعظ الوعظ ،والتذكير التذكير فقط لا غير !
وأما الى الكتاب والدعاة والباحثين والإعلاميين فأقترح عليهم اطلاق سلسلة من المؤلفات والكتب والمقالات والتحقيقات والحوارات والكراسات التي تدور حول الوقف،مفهومه ومشروعيته وضوابطه وأصوله وآدابه وأنواعه،وما هي أبرز الصفات والميزات والأخلاقيات والقيم والضوابط الواجب على من يتولى مسؤوليته التحلي والالتزام بها لأنه وعلى ما يبدو بأن كثيرا من الناس بات يجهلها ، أو يتجاهلها ، ولاغرو بأن نتائج الجهل والتجاهل سيان = عدم وصول أموال الوقف الى أماكنها الصحيحة ولا الى مستحقيها إلا لماما وبما سيدفع كثير من الاغنياء الى صرف النظر كليا عن فكرة وقف بعض أملاكهم على جهة من جهات البر لطالما أن بعضها لم تعد تصل الى وجهتها التي أوقفت من أجلها الاعيان، أو ذهابها الى وجهة هي خلاف نية الواقف ومن دون مبرر منطقي ، ولا مسوغ شرعي ، ولا ضرورة ملجئة ، والعمل على توريثها لأبنائهم وأحفادهم بدلا من ذلك وبما سمعته من بعض الاغنياء حين عُرضَت عليهم فكرة وقف خيري ، ولم يخبرن به أحد ، ولله در القائل :
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا..وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ..صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْجَحَافِلُ
حكمة ومقترحات للمحافظة على الأوقاف والممتلكات
انطلاقا من القول المأثور "الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق الناس بها " دعوني هاهنا وقبل الختام أن ألخص أهم وأبرز ضوابط الأوقاف وجلها مقتبس من القوانين ومنقولة عن التشريعات الخاصة بتنظيم عمل الوقف والمحافظة على أصوله في بعض الدول العربية والاسلامية ، ولاسيما المصرية منها والسعودية والتركية ، ومعلوم ما لهذه الدول من أوقاف هائلة أسوة بالعراق تمتد لقرون طويلة في عمق التاريخ ، لتكون هذه الفقرات بمثابة وثيقة عهد على الجميع الالتزام بفقراتها خدمة للبلاد والعباد بهدف حماية أصول الأوقاف من التعديات والاستغلال غير المشروع، اضافة الى تعزيز استدامة الأوقاف وعوائدها والتأكد من الالتزام بشروط الواقفين المتعلقة بمصارف الأوقاف،وعلى النحو الاتي :
1- لابد من تحديث وتوثيق البيانات المتعلقة بالأوقاف بدقة متناهية بما في ذلك خرائط الوقف، وسندات الملكية، وشروط الواقف،وأية تغييرات تطرأ على الوقف، وذلك لضمان عدم الاستيلاء على العقارات الوقفية - بيعا أو إجارة - وبما يخالف شروط الواقف، أو التصرف فيها بشكل غير قانوني.
2- رقمنة سجلات الأوقاف وتسهيل الوصول إليها لتقليل فرص التلاعب والتعدي ، ولتسهيل متابعة وإدارة الأوقاف بكفاءة عالية ،ولحماية الأراضي الوقفية من التجاوزات، أو تغيير المعالم لأن الهدف من الوقف تحقيق المنفعة العامة التي حبس لأجلها، بحبس العين على وجه التأبيد ابتغاء لمرضاة الله تعالى .
3- إنشاء منصات إلكترونية لتلقي الشكاوى والبلاغات من قبل المواطنين بهدف تسهيل عملية المتابعة ، وتعزيز المراقبة الدورية للأوقاف ، واكتشاف التجاوزات على الوقفيات وبالسرعة الممكنة .
4-الحذر من تحويل مبالغ مالية من الوقف إلى الخارج دون اتباع الإجراءات المعتمدة.
5-الحذر من الصرف لغير المستفيدين من عوائد الوقف.
6- الحذر من التعامل مع الجهات غير المرخصة محليا .
7-الحذر من الامتناع عن صرف عوائد الوقف للمستحقين.
8-الحذر من تقديم مصلحة الناظر على مصلحة الوقف.
9-الحذر من استغلال الوقف لتحقيق منافع شخصية .
10- الحذر من مخالفة شرط الواقف بالصرف لغير المستفيدين من عوائد الوقـف،أو مخالفة شرط الواقف بالصـرف على الموقوف عليهـم بأقل مما ورد في وثيقة الوقف ، أو مخالفة شرط الواقف في مصارف الوقف.
11-الحذر من مخالفة الأحكام والإجراءات المتعلقة بالتصرف في الأصـول الموقوفة دون إذن الجهة المختصة وفي غير مصلحة الوقف، ومثلها عدم مراعاة الأسس والإجراءات المتبعة في توثيق وحفظ أصول الوقف واستثماراته بما يعرضها للخطر.
12-الحذر من تأخير صرف غلة الوقف عن المواعيد المحددة دون مبــرر مشروع، ومثلها عـدم تسجيل أو تحديث بيانات المستفيدين من عوائد الوقف، أو عدم التحقق منها باستخدام وثائق أو بيانات أو معلومات من مصدر موثوق ومستقل.
13- لا يجوز استبدال الوقف الأول إلا بوقف أنفع منه .
14-لا يجوز نقل الوقف إلا إذا تعطلت منافعه الى نظيره مما فيه مصلحة الوقف .
15- لا يجوز صرف الوقف إلا في مصارفه التي وقف من أجلها بناء على وصية الواقف وشرطه إذا خلا من مخالفة شرعية.
16-يجوز انماء الوقْفِ بالإجارةِ إذا كان مما يؤجر،ولا إجارة لمن يلحق ضررا به .
17- لا يجوز تأجير الأرض الوقفية بأسعار رمزية محاباة أو مجاملة أو ممالأة لأحد وبما لا يتناسب مع مواقعها وأقيامها الحقيقية ، وإنما بأسعار تناسبها وتحقق الفائدة المرجوة من ريعها وغلتها للصالح العام .
18-لا يجوز اعادة أرض أوقفها صاحبها في حياته ، وصح منه ذلك ، الى ورثته بعد وفاته لأنها قد خرجت من تركته .
19- لا يجوز لناظر الوقف تأجير أعيان الوقف لنفسه ولا لولده القاصر المشمول بولايته، ولا لأصوله وفروعه وزوجته تجنبا للشبهة والاتهام .
20-لا بد من تحديد مدة إجارة الوقف على خلفية تغير الأحوال المادية والأوضاع الاقتصادية المتذبذبة بمرور الوقت بين رخص ورخاء وازدهار،وبين انكماش وغلاء وركود وتضخم وانهيار، والله من وراء القصد ، ولله در القائل :
من جاد ساد ومن شحت أنامله ..بالبذل أمست له الأعوان خذالا
ثنتان كلتاهما للود جالبة .... صبر جميل وكف يبذل المالا
أودعناكم أغاتي
654 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع