سياسة الظل

 بقلم : جابر رسول الجابري

سياسة الظل

المقدمة:

١- السياسة :

هي منهج فكري لصنع القرارات الخاصة بالنظام الحاكم لرسم وتوجيه أنظمة و مؤسسات الدولة وتحديد علاقتها إتجاه الداخل (الشعب) من جهة وباتجاه المحيط الخارجي (الدولي ) من جهة أخرى.

أ- السياسة الداخلية :

سياسة نظام الحكم اتجاه الشعب والتي تمثل رؤية النظام الحاكم في ادارة علاقته مع الشعب
سياسة الشعب اتجاه نظام الحكم والذي يتبناها الفكر الديني والتراث الشعبي أو الإنتماءات القومية أو الثقافية وتلك هي التي تحدد و ترسم علاقة الشعب بالنظام الحاكم
سياسة الشعب أو المجتمع اتجاه الفرد والأسرة والتي تحددها مجموعة الأعراف والتقاليد والموروثات الشعبية والقبلية وهي المسؤولة عن رسم نوع و شكل العلاقة بين الفرد والمجتمع .
ب- السياسة الخارجية :

القنوات الديبلوماسية ومنظومة القوانين والأعراف والاتفاقات الدولية والتي غالبا ما تكون سرية غير معلنة أو قد تكن مختلفة تماما عما هو مُعلن في الإعلام .

وبما أن الدولة في كلتا الحالتين هي صاحبة القرار و السلطة في إدارة سياساتها لذلك فهي المسؤولة عن نجاح او فشل تلك السياسة ، لذا يلجأ القادة والسياسيون لإستخدام فكرة الإزدواجية في السياسة أو ما نطلق عليه بسياسة الظل التي تعني التخطيط و التنفيذ وفق منهجين مختلفين

المنهج الباطني : وهو المنهج الذي يرسمه نظام الحكم وفق فكر ورؤية الحاكم في ادارة أنظمة ومؤسسات الدولة لضمان وجوده وبقاءه في الحكم وتحقيقا لمصالحه سواء كانت تلك المصالح شخصية كما هو الحال في الأنظمة الديكتاتورية او قد تكن مصالح دينية كما هو الحال في الدول التي ترفع شعارات دينية متطرفة او تنفيذا لأجندة خارجية كما هو الحال في الدول المحتلة سواء كان ذاك الاحتلال عسكري او اقتصادي او ثقافي أو ديني كما هو الحال في العراق وليبيا واغلب دول العالم الثالث ،
المنهج الظاهري : مجموعة الشعارات والأفكار التي يستخدمها النظام الحاكم ويطلقها للعلن لتوضيح أهدافه ومنهجه السياسي للشعب والتي قد لا تتطابق مع حقيقة رؤيته الباطنية .
٢- الظل :

ويمثل دائما الصورة الخفية الموازية للحقيقة وبالرغم من أن وجود الصورة يرتبط بوجود الحقيقة الأصل لكن الصورة غامضة تتخفى في الظلام فلا يمكن ادراك تفاصيلها أو تقاسيمها لغرض مقارنتها مع الحقيقة الأصل أو لمعرفة الفوارق بين الصورة (الظل) وبين الحقيقة الأصل (الجسم ) بسبب غموض التفاصيل،

تم التشبيه بالظل لأنه يختلف حتى في حجمه وقياساته عن الجسم الأصل ( يمكننا قياس كتلة ووزن الجسم الأصل ولكننا لا نتمكن من قياس كتلة ووزن ظله) ،

أدوات ووسائل الظل :

التجسس والمخابرات
الإعلام الموجه
الأحزاب والذيول
المنتديات الثقافية والاجتماعية
القنوات الديبلوماسية السرية .
الموضوع :
في أغلب الأحيان يلمس المواطن وجود تناقضات في خطابات القادة والسياسيين في الإعلام حول حدث معين ،

فهل يا ترى تلك الخطابات التي يستخدمها القائد أو السياسي في الإعلام هي تمثل ردة فعل صادقة و حقيقية له ؟

أم هي مجرد قناع يخفي وراءه صفقات أو إتفاقات في الظل؟

لا يمكن للمواطن العادي ان يدرك تفاصيل تلك الصفقات او الاتفاقيات بسبب سريتها وحساسيتها ،

هذا التناقض السياسي لم يكن عفويا بل هو إسلوب سياسي نطلق عليه مصطلح سياسة الظل الذي لا يمثل حقيقة موقف ذلك القائد أو السياسي و الهدف منه هو التمويه لامتصاص نقمة وغضب الشعب عليه أو على الجهة صاحبة الحدث أو قد يستخدمه الحاكم أو السياسي كشعار لتمويه الرأي العام العالمي ،

مثال بسيط لما نوهنا عنه هو تناقض الخطابات السياسية في حرب اسرائيل وايران عما هو موجود في ساحة الحدث أو ما موجود فعليا في العلاقات الدولية ،

ومثال آخر للتناقض الموجود في الخطابات السياسية لقصف دولة قطر وعما هو موجود بشكل حقيقي في الديبلوماسية و العلاقات الدولية بين الدول المتصارعة ،

فمن المعلوم للجميع أن دولة قطر تمثل قاعدة عسكرية وإقتصادية وسياسية أمريكية لإدارة مصالح امريكا في المنطقة لكن بنفس الوقت نجد أن قطر لها حضور قوي في دعم وإسناد الفكر الراديكالي للإسلام السياسي الذي يُعادي أمريكا ،

الأشد غرابة في التناقض السياسي هو تبني قطر لسياسات أطراف إسلامية مُتصارعة فيما بينها ولديها منهج وفكر سياسي متناقض في آن واحد ، فهي تدعم وترعى وتُساند فكر الإخوان المسلمين لكنها بنفس الوقت تدعم نهج سياسة إيران ولاية الفقيه الارهابية وفي نفس الوقت تدعم وتساند النهج السياسي السلفي الجهادي (طالبان) كما أنها تدعم نهج الدين الإبراهيمي …إذاً أين الحقيقة ؟ وأي منهج سياسي هي تتبناه ،

أيضا كمثال للتناقض السياسي ما لمسناه في خطابات الرئيس الأمريكي ترامب واستخدامه الشدة إتجاه أوكرانيا بالرغم من أن أمريكا هي الداعم الاول ماليا وعسكريا لحرب أوكرانيا ،

وعلى الجانب الآخر نجد في خطابات الرئيس ترامب ليونة وتودد إتجاه روسيا لكنه يسعى بشكل دائم لفرض عقوبات عليها ،

تلك الخطابات والإجراءات السياسية هو ما نطلق عليه بسياسة الظل ,

أيضاً الحرب على العراق تم استخدام منهج سياسة الظل التضليلي من قبل القيادات السياسية الأمريكية في زمن حكم بوش الابن حيث ادلى حينها خطاب في الإعلام ادعى فيه ان الرب أرسله لتحرير العراق مُشبهاً نفسه بذي القرنين بهدف إضافة وازع ديني مُقنع لسبب الحرب ،

ثم لاحقا أضاف سببا كاذبا آخر ألا وهو أن العراق فيه نظام ديكتاتوري ولابد من تحرير الشعب العراقي ومنحه الديمقراطية..فأين الديمقراطية الموعودة والعراق يعيش بعد الاحتلال حالة الفوضى وتحت سلطة نظام ميليشياوي ارهابي ديني متشدد طائفي ضد الانسانية ،

بعدها تم التصريح إعلامياً وراحت السياسة الأمريكية تروج إلى وجود أسلحة الدمار الشامل الممنوعة دولياً في العراق وراح الرئيس المصري حسني مبارك يؤكد و يقسم بالله في لقاءات إعلامية بانه شاهد حي على امتلاك العراق لتلك القنابل والأسلحة النووية أو الكيمياوية ،لكن بعد الحرب وانتفاء الحاجة لعذر الحرب المشروعة تم الاعتراف بعدم امتلاك العراق لذلك النوع من الأسلحة ،

هذا الخطاب هو مثال بسيط لمعنى سياسة الظل التي يراد منها التضليل على الهدف الحقيقي لشن الحرب على العراق والذي تم بمشاركة ومُباركة النظام الارهابي في ايران و الدول العربية من أجل إضفاء الشرعية على سبب الحرب دون التطرق للحقيقة التي تمت وفق معاهدة بين الدول المشاركة لاسقاط النظام العراقي من أجل نهب ثروات العراق وعودة شركات النفط لامتلاك آبار النفط العراقي وإنشاء قواعد دفاعية لأمريكا ضد الصين ولصد التمدد الصيني ،

والمضحك ان المحتلَيّن الأمريكي والإيراني بعد احتلالهما العراق راحا يتصارعان على النفوذ ويتهم احدهما الآخر بمسؤولية الطرف الاخر بتخريب العراق وتدمير مؤسساته العسكرية والأمنية والصناعية بل وتدمير مصادر الطاقة فيه تمهيدا سواء للتغير ورسم وتعديل خارطة الشرق الأوسط الجديدة ، أو في رؤية ايران سبب حربها على العراق هي الانتقام من الشعب العراقي وتوفر نية إبتلاع العراق وجعله ضمن تمدد دولة امبراطورية إيرانية تحت ذريعة وجود مشتركات مع العراق .

*كل الإجتماعات و الإتفاقات الدولية غالبا ما تكون سرية ( إلا بعض الحالات التي يهدف من تسريب محتواها للإعلام لغرض التمويه) ،

ففي كل اتفاقية او إجتماع دولي يتطلب استخدام منهج الازدواجية في السياسية (سياسة الظل) حيث يتم الإعلان عن المنهج السياسي الظاهري لكن بنفس الوقت يتم إخفاء المنهج السياسي الباطني الذي تم الاتفاق عليه ،

ولذلك يلمس المتابع للحدث الدولي بوجود فرق واضح على ما تم نشره في الإعلام من بنود واتفاقات وبين ما يتم نشره لاحقاً بعد خمسين سنة كوثيقة تاريخيّة كانت محفوظة بشكل سري في دهاليز الديبلوماسية الدولية ،

*الخاتمة :

هناك وصف خاطيء لمعنى السياسة عندما يتم وصفها بأنها فن الممكن ونصمت لتبقى الجملة غامضة المعنى مما يمهد الطريق للفاسد واللص والمرتشي والخائن والجاسوس لاستخدامها كوسيلة لنيل غاية شخصية أو لتنفيذ اجندة خارجية

السياسة فن التمكن من اتخاذ القرارات الصائبة والحلول الأمثل التي تقود الدولة او المجتمع نحو معالجة المشاكل الطارئة التي تجابه النظام السياسي أو الاجتماعي ، السياسة هي الأفكار و القرارات التي تضمن الغد الأفضل لنظام الدولة والشعب .

بعض المصادر :

فكر الكاتب ورؤيته الفلسفية والسياسية
مقالات عن الدبلوماسية السرية ودور الاستخبارات فيصناعة القرار
مأساة سياسة القوى العظمى / جون ميرشمير
The Tragedy of Great Power Politics /John Mearsheimer
رقعة الشطرنج الكبرى/ زبيغينيو بريجنسكي
The Grand Chessboard/ Brzezinski
***********^^^********

الرابع عشر من أيلول عام 2025 المملكة المتحدة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1016 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع