قصة (كارما) / الجزء الاول

بقلم احمد فخري

قصة (كارما) / الجزء الاول

في صباحٍ طقسه ساخن جداً جلس ملازم الشرطة مقداد خلف منضدته وراح يترشف قدح الشاي الذي بين اصابعه بتلذذ استعداداً ليوم كان يأمل ان يكون هادءاً من دون مشاكل ولا قضايا تصيبه بالغثيان. فمنذ ان بدأ ذلك الاسبوع والمركز يعج بالاحداث المريبة والجرائم والقضايا المعقدة والمشاجرات الشخصية التي لا تعد ولا تحصى. فبالامس فقط القت دورية شرطة على إمرأة سارقة تلقب بـ (فضيلة القرچ) بعد ان قامت بارتكاب 18 عملية سرقة ما بين نهب للسيارات المتوقفة لتكسر زجاجها وتستحوذ على محتوياتها وتنشل جيوب المارة بمنطقة الامين وتنصب على المحلات التجارية فتبيعهم بضائع وهمية وتسرق مواد اخرى دون دفع ثمنها. وبآخر المطاف القي القبض عليها وزُجّت بالتوقيف في هدف تصويرها لغرض الاستجواب بشكل اولي من قبل نائب رئيس المركز الملازم مقداد نفسه. كما وشهد المركز هرجاً ومرجاً كبيرين إثر وقوع حادث سير مروري فضيع كان قد ارتطمت فيه شاحنة كبيرة محملة بالطابوق مع ثلاث سيارات مدنية وسيارة عسكرية فيها ضابط كبير منتسبٌ للحشد الشعبي اسفر عن مقتل 3 مدنيين والكثير من الجرحى الذين وصفت حالة اغلبهم بالخطيرة. وبما ان اليوم هو يوم الاحد فالاسبوع مازال في بدايته والحبل كان على الجرار. ما ان اكمل الملازم رشفته الاخيرة من قدح الشاي حتى دخل عليه مساعده العريف ليقول،

عريف جبر : سيدي وقع خصام جديد.

تأفف الملازم وضرب كفاً بكف ثم قال،

الملازم مقداد : اصبحنا واصبح الملك لله، نعم ماذا حصل يا جبر؟ بشرني بالاخبار السعيدة.

عريف جبر : القي القبض على سيدة مسنة في شارع المسبح. قامت بشج رأس رجل بالعشرينات من عمره يدعى معتز غريب جابر بوضح النهار. يدعي المجني عليه ان السيدة كانت تريد قتله.

الملازم مقداد : ما هي حالته؟

عريف جبر : من تقصد سيدي؟ المجني عليه؟

الملازم مقداد : كلا اقصد خالتي ام كوكب. طبعاً اقصد المجني عليه.

عريف جبر : سيدي، لديه جروح في وجنته لكنها ليست بليغة على ما يبدو.

الملازم مقداد : لا حول ولا قوة الا بالله. اشغال تافهة منذ الصباح الباكر. حسناً عريفي البطل، اخرج السيارة رقم 5 من المراب ودعنا نعاين موقع الحدث.

عريف جبر : آسف سيدي، السيارة رقم 5 قيد التصليح. فقط السيارة رقم 11 هي المتاحة.

الملازم مقداد : حسناً دعنا نذهب بالـ (قزر قرط) رقم 11.

عريف جبر : امرك سيدي.

انطلقت سيارة الشرطة رقم 11 حاملة الملازم مقداد يقودها العريف جبر وتوجهت مباشرة نحو شارع المسبح. فور وصولهم هناك شاهدوا تجمهراً كبيراً من المواطنين وقفوا ليراقبوا بكل فضول. نزل الملازم من السيارة واقترب من فردين من عناصر الشرطة الذين كانوا ممسكين بأمرأة كبيرة السن ترتدي ملابس انيقة محتشمة. نظر بوجوههم وسأل،

الملازم مقداد : اين المجني عليه؟

عريف خليل : انه هناك سيدي مستلقٍ على الارض. ذلك الشخص الذي يصرخ ويعمل جلبة كبيرة وكأن عقرباً قد لدغه. يقول ان السيدة العجوز كانت تريد قتله.

الملازم مقداد : من قام بالابلاغ عن الحادث إذاً؟

عريف خليل : شاب عابر بالعشرينات من العمر اسمه احمد. شاهد الجريمة كاملة بعدها استعمل هاتفه النقال واتصل بالشرطة.

الملازم مقداد : واين ذلك المدعو احمد؟

تَلّفّتَ عريف خليل حوله وقال،

عريف خليل : انه... انه... عفواً سيدي، اقسم بالله، لقد كان واقفاً هنا قبل لحظات لكنه اختفى الآن. لا اعلم اين ذهب.

شعر الملازم بالغضب الشديد واحمر وجهه الابيض ثم صاح،

الملازم مقداد : كيـــــــــف تتركونه يمشي يا اغبياء؟ الا تعلمون ان الشاهد مهم جداً بمثل هذه الحالات؟ يا لكم من حمقى.

عريف خليل : انا آسف سيدي. لقد أخبرنا الشاهد بما رأى ثم ركب دراجته الهوائية وتبخر قبل ان نستطيع الابقاء عليه.

الملازم مقداد : وماذا افعل انا باسفكم يا مهرجين؟ انتم دمرتم اهم عنصر بالقضية.

عريف سنان : هناك الكثير من الحالات عندما يختفي الشهود كما حصل بالقضايا السابقة سيدي.

الملازم مقداد : لكن الشاهد هذه المرة لم يشهد على حادث سير او نشل او شجار ما بين اخوين. انه شاهد على الاعتداء والشروع بالقتل يا فهيم. ثم من قال ان المجني عليه يقول الحق؟ ربما كان يتبلى على السيدة.

عريف سنان : نحن نعتذر كثيراً سيدي.

اقترب الملازم من الجانية المزعومة وقال لها،

الملازم مقداد : اتبعيني الى السيارة فانا اريد التحدث اليكِ.

سارت الجانية خلف الضابط لتدخل السيارة وعندما اراد العريف ان يتبعهما اخبره الضابط بالبقاء في مكانه لانه يريد استجواب السيدة على انفراد. فبقي واقفاً خارج السيارة. دخلت السيدة مع الضابط واغلقا الابواب خلفهما ليسألها،

الملازم مقداد : اسمك وسنك وعنوانك؟

السيدة : اسمي ندى حامد قاسم، العمر 70 سنة، اسكن بشارع رقم 723-47 منزل رقم 14.

الملازم مقداد : هل قمت بضرب هذا الشاب؟

ندى : دعني اشرح لك الأسباب...

قاطعها الملازم بحزم وقال،

الملازم مقداد : انا لم اسألكِ عن الاسباب. انا سألتكِ فقط إن قمت بضرب هذا الشاب. نعم ام لا، فقط؟

ندى : نعم ضربته.

الملازم مقداد : والآن بامكانك ان تشرحي لي الاسباب. لماذا ضربتيه يا ندى؟

ندى : هذا الشاب ليس من فصيلة البشر يا حضرة الضابط. انه ابليس والعياذ بالله. لقد اعتدى بالضرب والاغتصاب على الكثير من طالبات المدرسة القريبة من هنا ولم تنال منه الشرطة. واليوم انا امسكت به متلبساً وكان على وشك اغتصاب فتاة اخرى في الشارع الفرعي الذي هناك.

اشارت باصبعها على مدخل شارع قريب.

الملازم مقداد : لحظة، لحظة، اريدك ان تشرحي لي بالتفصيل الممل فانا لا اعرف صلتك بالمدرسة او البنات اقصد الطالبات. اشرحي لي كل شيء.

ندى : حالياً انا سيدة متقاعدة. لكنني كنت اعمل كمديرة لمتوسطة التأميم للبنات والتي تقع بالشارع الموالي لهذا الشارع الذي نحن فيه. عملت بها كمدرسة كيمياء لاكثر من 15 سنة ثم جرى ترفيعي لاصبح معاونة مدرسة. بقيت بتلك الوظيفة سنتين اخريين حتى تم ترفيعي من جديد لاصبح مديرة المدرسة. استمريت بتلك الوظيفة حتى احالوني الى التقاعد.

الملازم مقداد : واصلي حديثك لو سمحت يا سيدة ندى.

هنا لاحظت ندى ان النبرة الحادة للضابط قد تغيرت نوعاً ما وصار يتكلم معها باحترام وينعتها بلقب (سيدة) قالت،

ندى : بدأت جميع المشاكل في احدى الايام وقبل امتحانات نصف السنة بقليل سمعت صراخاً عالياً يأتي من احدى صفوف الثالث المتوسط فانتابني الفضول واردت ان اتحرى الامر. هرعت الى ذلك الصف لاجد احدى الطالبات، واقفة بالقرب من السبورة تبكي وقد قدّت ملابسها بالكامل. كانت تقف امامها مدرسة الانجليزي وهي تصرخ عليها وتُأنّبها. طلبت من المدرسة ان تهدأ قليلاً وتفسر لي كل شيء. قالت ان تلك الطالبة كذّبت عليها وادعت انها لم تتمكن من الحضور الى المدرسة وتخلفت عن الامتحان بسبب اعتداء مزعوم وقع لها خلف جدار المدرسة الخارجي بالوقت الذي كان من المفروض ان تؤدي الامتحان. لذلك انا أوبخها بحكم واجبي كمدرستها واخاف على مستقبلها. هنا طلبتُ من كلاهما الحضور الى مكتبي وامرت باقي الطالبات بالذهاب الى الساحة.

الملازم مقداد : وماذا حصل بعد ذلك؟

ندى : في مكتبي، طلبت من الطالبة ان تشرح لي ما حصل بالتفصيل.

الملازم مقداد : ماذا كان اسم الطالبة؟

ندى : كان اسمها ملاك سمير يا حضرة الضابط.

الملازم مقداد : طيب واصلي حديثك لو سمحتِ.

ندى : طلبت منها ان تشرح لي كل شيء فقالت بان هناك شاب كان يحوم حول منزلها الواقع في الشوارع الخلفية للمدرسة. وعندما خَرَجَتْ من بيتها وابتعدت كثيراً قاصدة المدرسة هجم عليها ذلك الشاب، طرحها ارضاً وصار يضربها ضرباً مبرحاً ثم باشر بتقطيع ملابسها. من الواضح انه كان ينوي اغتصابها. ولكن بتلك اللحظة مرت مجموعة من شبان الحي الشرفاء الذين سارعوا بضربه على رأسه فتوقف عما كان يريد فعله ولم يتمكن من اغتصابها. انتصب ذلك الوغد من على الارض وحمل ملابسه ثم فر هارباً. حاول الشباب مساعدة ملاك كي تقف وتعود الى منزلها لكنها خافت من ردة فعل ذويها وعزمت على الذهاب الى مدرستها بدلاً من ذلك كي تستنجد بصديقاتها المقربات. لكن تلك المُدَرّسة قامت بتأنيبها واتهمتها بالكذب وقالت انها هي من قطّع ملابسها بنفسها كي تصبح لديها حجة على عدم خوض الامتحان.

الملازم مقداد : وهل صدّقْتِ ادعائات الطالبة؟

ندى : في تلك المرحلة لم اكن متأكدة من اي شيء يا حضرة الضابط.

الملازم مقداد : حسناً، وماذا حصل بعد ذلك؟

ندى : طلبت من المدرسة ان تغادر مكتبي وطلبت من الطالبة ملاك ان تتخلف وتجلس على الكرسي. احضرت لها كأساً من الماء وجلستُ الى جانبها لاحاول ان اهدئ من روعها فهدأت قليلاً وتوقفت عن البكاء. هنا توسلت بي وطلبت مني ان اذهب معها الى بيتها لاشرح لعائلتها كل شيء.

الملازم مقداد : يبدوا انك بدأت تصدقيها. اليس كذلك؟

ندى : اجل شيء ما بداخلي كان يخبرني بانها تقول الحق وان هناك وغداً شريراً اراد الاعتداء عليها. لذلك وافقت على ما طَلَبَتْ وذهبت معها الى بيتها لكن اهلها ومع شديد الاسف لم يكونوا من النوع المتفهم. حالما دخلنا البيت وسمع اهلها بالقصة. هجم عليها اخوها الاكبر وسارع بضربها وسحبها من يدها ليأخذها بعيداً وراح ينهال عليها بالضرب المبرح مستعملاً حزامه.

الملازم مقداد : وماذا حصل بعد ذلك؟

ندى : لم يكن بيدي اي شيء افعله لذلك خرجت من بيت ملاك وانا مثقلة باحزاني بسبب تصرف اهلها الهمجي ولأنهم يصدقوا ابنتهم بالضبط كما فعلت مدرستها.

الملازم مقداد : وماذا بعد؟

ندى : لم نسمع عن الطالبة ملاك بعد تلك الحادثة لانها توقفت بشكل نهائي عن الحضور الى المدرسة. من الواضح تدخل عائلتها بقرار أيقافها عن التعليم.

الملازم مقداد : هل انتهى الامر عند ذلك؟

ندى : كلا. بعد مرور بضع شهور وقبل العطلة الصيفية بقليل سمعنا بجريمة جديدة مماثلة وقعت بموقع يبعد بضع مئات الامتار عن المدرسة. كانت الضحية هذه المرة طالبة اخرى اسمها تماضر حسن والجاني كان مجهولاً.

الملازم مقداد : هل تعتقدين ان الذي حاول اغتصاب تماضر هو نفسه الشخص الذي حاول اغتصاب ملاك؟

ندى : لا اعلم يقيناً لكنني كنت ارجح ذلك في حينه.

الملازم مقداد : اكملي حديثك لو سمحتِ.

ندى : لم نسمع باي جريمة من هذا القبيل لمدة سنة كاملة حتى عاد وتكرر الحدث من جديد مع فتاة ثالثة تدعى سيما جميل.

الملازم مقداد : وماذا كانت النتيجة؟

ندى : بتلك المرة تَمَكّنَ نفس المجرم من تكرار جريمته البشعة ونجح في اغتصاب ضحيته بوضح النهار.

الملازم مقداد : هل اعتقلته الشرطة بتلك المرة؟

ندى : كلا، لقد اخبرونا ان الشرطة قامت بتحريات مكثفة والبحث مازال جارياً.

الملازم مقداد : متى حصل ذلك؟

ندى : قبل 6 سنوات من الآن.

الملازم مقداد : وهل امسكوا بالجاني بعد البحث؟

ندى : كلا، بقي الجاني حراً طليقاً لانهم واقصد الشرطة اخبرونا بانهم لم يتحصلوا على اي شاهد او اي دليل يدين اي شخص بتلك المواصفات في جميع ارجاء المنطقة.

الملازم مقداد : وماذا حل بسيما جميل؟

ندى : انتحرت وماتت بعد قطع شرايينها داخل الحمام.

الملازم مقداد : لاحول ولا قوة الا بالله، وهل وقعت المزيد من الحالات؟

ندى : اجل، لكن هذه المرة اعتدى المجرم على فتاة كانت بطلة المدرسة برياضة السلة اسمها هالة جرجيس. لكنه عندما حاول الاعتداء عليها. قاومته بشراسة وشجاعة كبيرة فلكمته على عينه وبقيت تقاومه حتى تمكن منها بالنهاية واغتصبها. الا ان اهلها كانوا من المثقفين المتفهمين إذ وقفوا الى جانب ابنتهم وارادوا الاقتصاص من الجاني. بقيت الشرطة تحقق حتى عَثَرَتْ عليه بمحض الصدفة فاوقفته وطلبت من هالة ان تتعرف عليه فتمكنت من اخراجه من بين 10 رجال مصطفين امامها. والعلامة الزرقاء كانت واضحة كوضوح الشمس حول عينه اليمنى إذ تطابقت مع روايتها التي سردتها للشرطة اثناء التحقيق.

الملازم مقداد : يبدو ان الشرطة قامت باعتقاله وتقديمه للمحكمة هذه المرة. اليس كذلك؟

ندى : كم انت مخطئ يا سيادة الضابط. المجرم افلت من العقاب كما تفلت الشعرة من العجين. ادعى الضابط عقيل الملقب بـ (ابو سيف) ان فحص الحمض النووي للمني داخل مهبل الضحية المغتصبة هالة لم يتطابق مع بصمة الحمض النووي للمتهم. لذلك لم تحال القضية للمدعي العام او للمحكمة. واعتبرت الشكوى كيدية فاطلق سراح المتهم على اثرها.

الملازم مقداد : اجل انا اعرف ذلك الضابط المدعو (ابو سيف) فهو انسان سيء السمعة لانه مدمن على القمار لذلك فانه مستعد ان يبيع اولاده مقابل المال. يبدو اننا في صدد مغتصب متسلسل ولديه من يحميه ويصد عنه العقاب.

ندى : إذاً انت ستصل الى نفس استنتاجات من سبقوك من زملائك.

الملازم مقداد : كلا.

ندى : ماذا تقصد بـ كلا؟

الملازم مقداد : دعيني افسر لك بوضوح سيدتي. إن قيامك بضرب ذلك المجرم يدل على انك انسانة شريفة ولديك قيم وضمير حي لا يرضى على الظلم. بدليل انك قمت بالدفاع عن تلك القتاة دون التفكير بسلامتك ومصلحتك الشخصية اليس كذلك؟

ندى : انظر الي سيادة الضابط. انا انسانة بلغت عقدي الثامن ولم يسبق لي الزواج ولم أكوّن اسرة. لدي قريب واحد في كندا اسمه حيدر اما هنا بالعراق ليس لدي الكثير من الاقارب الذين بالكاد يزوروني في الاعياد فقط. وبالماضي كنت اعتبر جميع الطالبات بمنزلة بناتي او حفيداتي. وبما انني عايشت جرائم ذلك الوغد الوضيع منذ ان كنت اعمل بالمدرسة. فقد وجدت نفسي اتصرف تلقائياً وبدون شعور لاقتص منه ولا ابالي بالعواقب واقول دعهم يشنقوني.

الملازم مقداد : ولكن ماذا لو مات من جراء ضربك له؟ فالمجني عليه تلقى ضربات خطيرة على رأسه.

ندى : ليته يموت ويذهب الى جهنم وبئس المصير. بتلك الحالة ساكون قد شفيت غليلي واسديت للمجتمع خدمة جليلة.

الملازم مقداد : إذاً انت وصلت الى المحطة المطلوبة.

ندى : اي محطة هذه؟ انا لا افهمك. وضح كلامك سيادة الضابط.

الملازم مقداد : اسمعي مني جيداً. نحن العراقيون نمر بحالة مزرية من الانسياب الامني. فالفساد مستشرٍ بكل اوصال الدولة الى درجة ان الشرطة فاسدة والقضاء فاسد والمجرمون يسرحون ويمرحون مستغلين ذلك التسيب كي يقترفوا جرائمهم دون عقاب رادع. لذلك قمت انا وثلة من رجالات المجتمع العراقي ممن ارادوا ان يتكاتفوا ويُطَبّقوا العدالة خارجاً عن القانون لمصلحة الشعب.

ندى : لكن ذلك غير اصولي.

الملازم مقداد : ذلك غير اصولي لو كان في الحالات الاعتيادية. لكن انظري الى نفسكِ. استعنت بالشرطة عدة مرات ولم تنصفك فقررت ان تمسكي بزمام الامور. قمت بضرب ذلك المجرم وشجيت رأسه دون ان تبالي بالعواقب. هل تعتقدين ان المجرم سيتركك وشأنك بعدما ضربتيه ودافعت عن الفتاة المسكينة لتنقذيها من براثنه؟

ندى : ولكن ماذا بيدي ان اعمل فانا سيدة مسنة وضعيفة البنية. كيف ساتصرف؟

الملازم مقداد : انت ضعيفة وحدك هذا صحيح لكنك ستكونين قوية إذا ما تكاتفت مع اناس طيبين مخلصين مثلك.

ندى : وهل لديكم تنظيم معين؟

الملازم مقداد : اجل سيدتي، تنظيمنا يدعى (كارما). هل تعرفين معنى كلمة (كارما)؟

ندى : اجل (كارما) هي مفهومٌ نشأ في الديانات الهندية القديمة، بما في ذلك الهندوسية والبوذية والجاينية. يشير إلى فكرة أن لأفعال ونوايا الفرد لها عواقب تؤثر على تجاربه المستقبلية. والجوانب الرئيسية للكارما:

- السبب والنتيجة: تستند الكارما إلى مبدأ السبب والنتيجة، حيث لكل فعل وفكر ونية له ردة فعل مماثلة.

- القصد: تُعتبر النية وراء الفعل حاسماً في تحديد عواقبه الكارمية. توصلت الى كل ذلك بعد قرائتي لبضعة كتب في الديانات الاسيوية القديمة.

الملازم مقداد : وهذا ما يعجبني في التعامل مع اناس مثقفين من امثالكِ سيدتي. فجميع اعضاء (كارما) هم من طبقة النخبة المثقفة بالمجتمع العراقي.

ندى : هل جميعكم من عناصر الشرطة؟

الملازم مقداد : تقريباً نصف اعضاء (كارما) من افراد الشرطة والباقي متنوعين من قضاة ومحامين وكتاب ومفكرين ورياضيين والآن لدينا كيميائية ومديرة مدرسة متقاعدة.

ندى : هل انت واثق من انني سانضم الى منظمتكم؟

الملازم مقداد : اجل سيدتي لانك انسانة ابت الخنوع ولم يكن لديك القدرة للسكوت عن الظلم فباشرت ونفذت العقاب ضد الجاني.

ندى : ولكن ما الفائدة، فانا سادخل السجن من جراء ما فعلت مع هذا الشاب السافل.

الملازم مقداد : اسمعي مني جيداً، إذا ما انضممتِ الينا فسوف اجعل لك مخرجاً. لكنك ستدفعين ثمناً بخساً.

ندى : وما هو الثمن؟

الملازم مقداد : ستقضين ليلة واحدة فقط بالتوقيف سيدتي.

ندى : انا موافقة. ولكن لدي سؤال اخير لو سمحت. كم عدد منتسبي الـ (كارما)؟

الملازم مقداد : الـ (كارما) منظمة سرية لذلك البوح باي معلومات عن افرادها غير مسموح. لكن العدد في تزايد مستمر وكل عضو من اعضائها لديه رمز ولديه اسم مستعار.

ندى : اعتبرني انضممت اليكم فعلاً فما هو اسمي المستعار؟

الملازم مقداد : سامنحك اسم (روزا) تيمناً بـ (روزا باركس). هل تعرفينها؟

ندى : اعرفها عز المعرفة روزا باركس هي سيدة زنجية رفضت التخلي عن مقعدها لسيدة بيضاء في حافلة مونتغمري، مما أشعل شرارة حركة الحقوق المدنية وأصبحت تُعرف باسم "أم الحرية".

الملازم مقداد : سيدتي لقد قمت بضمك الى منظمتنا دون ان استشير باقي الاعضاء على مسؤوليتي الخاصة لانني متأكد من انهم سيرحبون بترشيحك.

ندى : هذا جيد ولكن قل لي، كيف ستخرجني من ورطة التوقيف.

الملازم مقداد : بسهولة جداً، ساقول بان نزاعك مع الشاب كان يتلخص بـ (كلمتك ضد كلمته) وليس هناك شهود.

ندى : ولكن كان هناك شاهد واحد اسمه احمد على ما اعتقد. اليس كذلك؟

الملازم مقداد : هذا الشاهد هو عنصر من عناصر منظمتنا. لقد حاز هذا الشاب على المرتبة الاول على العراق في الامتحان الوزاري للسادس العلمي قبل بضعة سنوات. ساعرفك عليه لاحقاً.

ندى : إذاً انتم كنتم تعرفونني وتراقبونني.

الملازم مقداد : طبعاً. نحن نراقبك منذ زمن بعيد واردنا ان نساندك لانك ستكونين احدى الدعامات الرصينة للمنظمة فبعثنا لك احمد. وبالمناسبة فهذا ليس اسمه الحقيقي.

ندى : اكيد. انا فخورة كي انتمي لمثل هذه المنظمة الشريفة.

الملازم مقداد : إذاً سابعثك الآن الى التوقيف بالمركز.

خرجت ندى من سيارة الضابط فاسطحبها شرطي ليقتادها الى الحبس المؤقت في مركز الشرطة. وعندما وصلت الزنزانة دخلت على قاعة كبيرة جلست فيها نساء كثر من مختلف المستويات والاعمار. وعندما أُغلق الباب الحديدي ورائها جلست في زاوية بعيدة من الغرفة فاقتربت منها امرأة بمقتبل العمر متبرجة بشكل مبالغ فيه. كان من الواضح انها بائعة ليل او شيء من هذا القبيل، قالت،

المرأة : يبدو ان تهمتك هي النشل لان سنك لا يوحي ان تكونين مثلنا.

ندى : ماذا تقصدين بـ (مثلنا).

المرأة : انا يا عزيزتي (فاشنستا).

ندى : وماذا تعمل الـ (فاشنستا)؟ هل تقوم بترويض الرجال ليشتروا لها السيارات الفخمة؟

لم تستسيغ ما قالته ندى. فقامت وهي تقول، "كنت اعتقد انك من فصيلة بني آدم، لعنك الله". تركتها وذهبت بعيداً لتجلس الى جانب احدى الموقوفات على شاكلتها. هنا سندت ندى رأسها على الحائط واغمضت عيناها كي ترتاح قليلاً لكن الافكار لم تبرح قلبها إذ بدأت تشك بما قاله لها ذلك الضابط الذي كان اسمه... كان اسمه... يا الهي لقد نسيت اسم الضابط. ماذا لو كان يكذب عليّ؟ ماذا لو انه مجرد فخ عميق اوقعني فيه كي يورطني بالاعتراف بما فعلت ثم ساكتشف لاحقاً انه احد المجرمين الذين يؤدون ولائهم الى مجرمين آخرين سفلة من الذين ساندوا ودعموا ذلك الشاب المغتصب.

بقيت ندى تفكر بكل تفاصيل ومجريات ذلك اليوم لذلك لم تتمكن من النوم كثيراً لان تفكيرها كان مشغولاً بما دار بينها وبين الضابط وكيف تورطت بالارتباط بمنظمة (كارما). فجأة سمعت احد عناصر الشرطة ينادي اسمها قالت،

ندى : نعم انا ندى حامد قاسم، ماذا تريد؟

عنصر : لديك زيارة، تعالي معي.

ندى : ومن يريد زيارتي يا ترى؟

عنصر : لا اعلم، هيا قومي وتعالي معي.

وقفت ندى والفضول يتلبسها من اعلى رأسها حتى اخمص قدميها. سارت خلفه بالممرات حتى فتح باب مكتب الضابط وطلب منها المضي الى الامام. دخلت ندى لتجد الضابط الذي تحدثت اليه بالسيارة مسبقاً والذي لم تتمكن من تذكر اسمه جالساً وراء منضدته. جلست امامه فتاة شابة جميلة لا يزيد عمرها عن 20 سنة. وقفت ندى بوسط مكتبه ونظرت الى اللوحة على المكتب لتقرأ اسمه، "الملازم مقداد عطيوة معاون رئيس المركز"

اجل اجل الآن تذكرت اسمه قالت،

ندى : ماذا تريد سيادة الملازم مقداد؟

مقداد : تعالي يا ست ندى واجلسي لو سمحت. لدي فتاة رائعة اردت ان اعرفك عليها.

ندى : لكن الشرطي اخبرني ان لدي زائر وانا لا اعرف هذه الفتاة.

مقداد : لكنها تعرفك جيداً. اسمها تالة مثنى شاكر عبد اللطيف. لقد كانت طالبة بمدرستك (متوسطة التأميم للبنات).

ندى : لكنني لا اتذكرها مطلقاً. فانا اتذكر جميع طالباتي.

هنا امسكت بيدها الفتاة وقالت،

تالة : هذا صحيح ست ندى. انا دخلت (متوسطة التأميم للبنات) بعد ان تقاعدتِ انتِ بسنة دراسية واحدة. والآن انا طالبة بكلية التربية الرياضية.

ندى : كيف عرفتِ بما وقع لي وانا هنا الآن؟ هل ذاع خبر توقيفي بالتلفزيون؟

مقداد : كلا يا ست ندى. تالة لم تسمع بخبر توقيفك بالتلفزيون بل سمعته مني لانها عضوة بـ (كارما) مثلنا. ارادت ان تأتي بنفسها لترحب بك.

تالة : عضوة بـ (كارما) مثلنا! إذا ماهو اسمها السري؟

مقداد : اسمها بالمنظمة هو (بركان). انها بطلة فن الدفاع عن النفس الـ (كيك بوكسينك).

تالة : يا ست ندى، طالبات التأميم جميعهن يتذكرنك بكل حب واحترام بعد ان تقاعدتِ وغادرتِ المدرسة لانك كنت افضل مدرسة كيمياء وافضل مديرة. لقد كنت اشعر بالغيرة من زميلاتي لانني لم اعاصرك ولم اتمكن من التعرف على مربية فاضلة مثلك. لكن (كارما) مكنتني من ان التقيك من جديد واصبح زميلتك سيدتي. وهذا شرف كبير لي.

ندى : حبيبتي تالة.

مقداد : اسمها تالة هنا فقط. لكن بكل الاماكن خارجاً. تناديها باسمها الحركي (بركان) والبعض يؤنث الاسم فينادوها بركانة.

ندى : إذاً بركانة الحلوة الناعمة.

مقداد : لن تناديها حلوة وناعمة عندما تشاهدينها وهي بالحلبة. فقبضتها الحديدية وركلتها مميتة. لا يصمد امامها اقوى الرجال.

تالة : ولذلك انتميت للمنظمة. فانا لا ارضى على الظلم ابداً، مثلك تماماً.

مقداد : اشربي قهوتك سيدتي وارجعي الى زنزانتك كي لا يعتقد البعض ان لديك تفضيلاً خاصاً أي (واسطة).

تالة : اجل يجب ان نتحرك جميعنا بسرية تامة حفاظاً على المنظمة يا ست ندى.

ندى : اجل افهم ما تقولون. دعوني اغادر الآن إذاً واتركوا القهوة جانباً.

وقفت وقبلت تالة ثم حنت رأسها بإيماءة وهي تنظر الى الضابط مقداد ثم سمعته ينادي "يا جبر، تعال واسطحب الموقوفة الى الزنزانة".

رجعت ندى الى الزنزانة وشعور جميل يتملكها. فقد بدأت تحس بارتياح كبير بعد ان قابلت بركانة ووو... يا ترى ما الاسم السري للملازم مقداد؟

فور دخول ندى زنزانتها، اتخذت مكانها ووضعت رأسها على الارض لتنام نوماً هانئاً. وفي اليوم التالي سمعت عنصر الشرطة ينادي اسمها. وقفت وذهبت معه الى مكتب معاون المركز مقداد فرأت لديه عنصراً آخراً يحمل رتب كثيرة على كتفه فعرفت انه رئيس المركز، سمعته يقول،

ملازم مقداد : سيدة ندى حامد قاسم، لقد افرجت عنك السلطات لعدم اكتمال الادلة. ولأن المجني عليه قد لقي حتف بالامس.

ندى : ماذا تقصد سيادة الملازم؟ هل مات على اثر اصابته؟

مقداد : كلا، وقع شجار بينه وبين بعض الرجال باحدى المقاهي الشعبية بينما كنتِ انت في التوقيف. وبما اننا لم نتمكن من العثور على الشاهد على شجارك مع ذلك الشاب لذا قررنا اخلاء سبيلك. والآن بامكانك المغادرة سيدة ندى. نحن نعتذر عن توقيفك.

ندى : لا عليك يا ولدي. وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الحق كان زهوقا صدق الله العظيم.

خرجت ندى من المركز وهي في غاية السعادة. كانت تقول في سرها "ها قد سُلّمَ المجرم الى العدالة الالاهية المطلقة كي يتلقى شر اعماله. ولكن هل قامت منظمة (كارما) بقتله؟" رجعت ندى الى منزلها واول شيء فعلته هو الاستحمام ثم شرعت بتخمير ابريق شاي غامق شربت نصفه ثم توجهت الى السرير لتنام نوماً عميقاً بعد ان عانت من التشنجات المؤلمة في رقبتها وظهرها اثر النوم على الارض بداخل زنزانة التوقيف.

في الايام التي تلت عادت ندى الى روتينها الاعتيادي لبضعة ايام حتى جائتها مكالمة على هاتفها النقال من جهة مجهولة. ضغطت على الزر الاخضر لتسمع صوتاً مألوفاً للملازم مقداد يقول،

مقداد : صباح الخير سيدة ندى معك مقداد.

ندى : اهلاً مقداد. ما ورائك؟

مقداد : لدينا اجتماع.

ندى : ابعث لي بالمكان والزمان لو سمحت.

مقداد : سيصلك في رسالة نصية بعد لحظات.

اغلق الخط مع ندى وبعد قليل رن هاتفها رنة واحدة ففتحته لتجد رسالة تمنحها المكان والزمان.

خرجت ندى من بيتها ولوحت بيدها لسيارة اجرة فاعطته العنوان بمنطقة الكرادة. وبعد نصف ساعة اوصلها سائق سيارة الاجرة الى مكاناً فسيحاً خالياً من البنيان فاستغربت كثيراً لكنها دفعت اجرة التاكسي ونزلت منه. بقيت تمسح المكان بناظريها فلم تجد اي شيء يدل على شيء من الممكن ان يكون صالحاً لاجراء اجتماع، لذلك بدأ الشك يدب في قلبها. مشيت قليلاً باحدى الاتجاهات لا على التعيين فلم تجد اي احد هناك ثم استدارت الى الخلف وعادت الى النقطة التي اوصلتها فيها سيارة الاجرة لتقف هناك وتبقى تتلفت حولها بكل حيرة. فجأة سمعت صوت دراجة نارية تأتيها من الخلف يقودها رجل يرتدي خوذة حمراء تغطي رأسه بالكامل. وقف الى جانبها وقال،

سائق الدراجة : اركبي.

ندى : اين اركب؟ هل جننت؟ من انتَ؟

سائق الدراجة : انتِ روزا اليس كذلك؟

ندى : اجل انا هي.

سائق الدراجة : إذاً اركبي.

اطمأنت قليلاً لانه ناداها باسم روزا وهو اسمها الحركي الجديد لدى (كارما) لذلك ركبت خلفه فانطلق بها في شوارع فرعية ضيقة حتى توقفوا امام رجل آخر يقف على الرصيف فقال لها،

الرجل : انا آسف سيدة روزا يجب علي ان اعصب عينيك.

ندى : لا انا لا اريد ذلك.

الرجل : انا آسف سيدتي لكنها الاوامر. يجب ان اضع قطعة القماش هذه فوق عينيك.

ندى : حسناً إذا كان ذلك لازماً. امري الى الله.

ربط الرجل قطعة قماش سوداء فوق عينيها ثم امسك بيدها ليعينها على ركب الدراجة النارية ثانية خلف السائق فينطلق بها من جديد. وبعد سير دام اكثر من نصف ساعة توقفت الدراجة وامسك رجل آخر بيدها ليقتادها سيراً على الاقدام لبضع خطوات حتى طلب منها ان تتسلق درجات ثلاثة ففعلت. بعدها اقتادها ليدخلا الى مكان مغلق ثم صار يفتح العقدة من القماش الاسود لتسترد بصرها فوجدت نفسها بين حشد كبير من الرجال ومعهم فتاة تعرفت على تقاطيعها جيداً فابتسمت. تقدمت منها الفتاة وقالت،

بركانة : اعتقد انك عرفتيني اليس كذلك يا ست روزا؟

ندى : طبعاً انت تا.. عفواً اقصد بركانة.

بركانة : هذا صحيح. انا بركانة. وهؤلاء هم افراد منظمة (كارما).

ندى : قبل ان نبدأ، اردت ان اعرف إن كانت المنظمة هي التي قامت باغتيال المغتصب؟

ندى : كلا سيدتي. المغتصب توفى على اثر شجار مع بعض السفلة من امثاله ولا دخل لـ (كارما) بذلك. والآن ععيني اعرفك على الاعضاء هنا فرداً فردا ولكن قبل ذلك يجب ان تؤدي قسم الانضمام لـ (كارما). رددي بعدي: انا روزا باركس اقسم بالله العظيم وبشرفي أتعهد بالولاء لعلم بلادي العراق اولاً ثم الى منظمة (كارما) بكل طاقاتي وكامل جهدي لنصرة الحق والعدل للجميع.

ندى : : انا روزا باركس اقسم بالله العظيم وبشرفي أتعهد بالولاء لعلم بلادي العراق اولاً ثم الى منظمة (كارما) بكل طاقاتي وكامل جهدي لنصرة الحق والعدل للجميع.

بركانة : الف مبروك. انت الآن واحدة منا.

اقتربت بركانة من رجل كبير في السن وقالت،

بركانة : دعيني اعرفك على الاعضاء الموجودين هنا اليوم. هذا هو الكاتب (شرلوك) من لندن، انه كاتب مشهور للقصص الاجرامية ولديه باع كبير في التحقيقات الجنائية. عمل لسنين كمستشار لشرطة لندن.

صافحت ندى الكاتب (شرلوك) ثم مضت الى الرجل الثاني الذي يقف الى جانبه وقالت، اقدم لكِ شرطي من الدنمارك من اصل عراقي المحقق (اندرسون)، بعدها قالت، ومحقق من شرطة بغداد (كولومبو) وهذا وجه مألوف لديك الضابط (نيلسون) انه رئيس منظمة (كارما). وهذا سيدتي هو الـ (شاهد ما شافش حاگة) الشاب (احمد). استمرت بركانة بتقديم الشخصيات المرموقة من اعضاء منظمة (كارما) الواحد تلو الآخر وكل واحد منهم كان لديه مؤهلات كبيرة تجعل منه طرفاً مهماً وفعالاً في المنظمة. وبعد ان انتهت من تقديم اكثر من 60 عضواً قالت، وهناك المزيد من الاعضاء الذين لم يتسنى لك التعرف عليهم بعد، لانهم حالياً بمهام ميدانية. نظرت الى الجمع الغفير من الحضور وقالت "سيداتي سادتي اقدم لكم السيدة (روزا)". صفق لها الجميع ورحبوا بها ترحيباً حاراً ثم نظروا الى رجل مسن وقف بينهم وقال، "اليوم لدينا سيدة انتمت الى (كارما) لتصاحبنا في رحلتنا الشاقة والطويلة لغرض تحقيق العدالة بالمجتمع العراقي. انها سيدة في غاية الاهمية لانها انسانة متخصصة بعلم الكيمياء. والآن دعونا نبدأ الاجتماع. ارجوا من الجميع الجلوس في مقاعدهم كي نبدأ.

اخذ الجميع اماكنهم وبدأوا يستمعون الى تقرير الرئيس (نيلسون) عن انجازات (كارما) السابقة ثم اعلن بعدها بوجود خطر كبير صار يهدد المجتمع العراقي برمته. انه خطر انتشار المخدرات التي اصبحت اليوم بمتناول جميع الشباب. وعن تزايد البطالة في صفوفهم وعدم القدرة على ملئ الوظائف للخريجين من الجامعات والمعاهد العليا. صار من المسلم به ان يتوجهوا الى اعمال لا تتناسب وتخصصاتهم الاكاديمية والعلمية. وبعد ان اكمل خطابه الافتتاحي، صار الاعضاء يناقشون ما جاء في التقرير فوردت اقتراحات كثيرة كان اكثرها تركيزاً على محاولة القضاء على ضاهرة المخدرات التي تفشت بين الشباب في الآونة الاخيرة. لكن احد الاعضاء قال ان تجار المخدرات هم اناس متنفذون في الحكومة والبرلمان ممن لديهم مليشات تدعم تجارتهم ولا يسمحوا لاي جهة ان تكشفها او المساس بها. هنا وقفت العضوة بركانة وقالت بحزم، اعتقد اننا يجب ان نحارب المخدرات بكل ما اوتينا من قوة. لذلك اريد ان اطرح على الؤتمرون فكرة تكوين لجنة خاصة مصغرة تتابع آفة المخدرات ومصادرها وتجارها كي نستطيع مقارعتهم ونحاسب على ما يفعله مرتكبوها. قرر رئيس المؤتمر تكليف بركانة كي تشكل لجنة من الاعضاء وتترأسها بنفسها لمعالجة ومحاربة ظاهرة تفشي المخدرات والقضاء على منابعها ونقاط استيرادها. وبعد اكثر من اربع ساعات متواصلة انتهى المؤتمر فوقفت ندى حامد (روزا) وهمت بالخروج لكن الملازم مقداد لحق بها من الخلف وقال،

مقداد : يا روزا لدي هاتف اريد ان اعطيك اياه.

روزا : آه ملازم مقداد، شكراً ولكنني املك هاتفاً.

مقداد : اولاً من الآن فصاعداً عليك ان تناديني (نيلسون) وتنسي مقداد. وثانياً عليك فقط استعمال هذا الهاتف في التحدث وارسال الرسائل النصية الى باقي اعضاء الـ (كارما). كل ارقامهم مدرجة لديك في الهاتف الجديد تحت اسمائهم الحركية. انه اجراء امني احترازي.

روزا : انا آسفة يا نيلسون على زلة اللسان. شكراً لك، سابدأ باستعمال هذا الهاتف الجديد من الآن فصاعداً.

خرجت ندى من الاجتماع وتوجهت الى منزلها لكنها تذكرت انها في حاجة الى بعض المواد الغذائية للطبخ لذلك ذهبت الى الكرادة وهناك بدأت تتسوق كي تعد وجبة الغداء. وعندما وصلت امام بائع الخضار الشاب قالت له،

ندى : اريد كيلو طماطم وكيلو خيار وكيلو بيتنجان وكيلو باميا.

البائع : على رسلك سيدتي قلتِ كيلو ماذا؟

ندى : قلت لك كيلو طماطم وكيلو خيار وكيلو بيتنجان وكيلو باميا.

البائع : واحدة واحدة يا اختي، واحدة واحدة. ما هو اول شيء؟

هنا علمت ندى ان هذا الشاب منتشي من تأثير المخدرات وهو ليس على ما يرام فتذكرت ما دار من حديث في المؤتمر عن تفشي المخدرات. قالت،

ندى : يا ابني ساقولها بالتقصيط المريح. اوزن لي كيلو طماطم اولاً.

البائع : هل قلتِ كيلو؟

ندى : اجل كيلو واحد.

البائع : الآن انا افهمك. كيلو طماطم.

بعد ان وزن لها كيلو طماطم قال،

البائع : المبلغ الفي دينار.

ندى : انا لم انتهي بعد يا ولد. اريد كيلو خيار.

قام بوزن كيلو خيار واعطاها لندى ثم قال،

البائع : صار المجموع الف دينار.

ندى : يا ابني انت غلطان. كيف يصبح المجموع الف دينار عندما كان ثمن الطماطم وحدها الفين؟

البائع : إذاً اعطيني الفين يا سيدتي.

ندى : لا حول ولا قوة الا بالله. ساقوم انا بالحساب بدلاً عنك لانك من الواضح لا اتستطيع التركيز على عملك.

بعد تلك المواجهة المحزنة مع بائع الخضروات علمت تماماً ان (كارما) كانت على حق وانها يجب ان تفعل كل ما في وسعها لانقاذ الشباب من تلك الآفة وكل المخاطر التي تحف بالمجتمع. فها قد ساعدوها الاشراف في التملص من العقاب لضرب ذلك المجرم الذي كان يغتصب الطالبات.

وبعد ان اكملت شراء جميع حاجياتها، عادت الى منزلها. وفور نزولها من سيارة الاجرة شاهدت (بركانة) واقفة امام باب المنزل فهرعت لمساعدتها على انزال الاكياس وادخالها الى البيت.

فرحت روزا ببركانة وقبّلتها وقالت،

روزا : اهلاً حبيبتي بركانة تفضلي معي الى الداخل.

بركانة : انا سعيدة لانك صرت تعوّدين نفسك على الاسماء الجديدة لافراد المنظمة.

روزا : اصبحت اعي مدى خطورة الوضع واهمية تلك الاسماء على امن الأعضاء.

بركانة : بالحقيقة جئتك اليوم لسببين. الاول هو ان اتعرف عليك اكثر بسبب حبي الكبير اليك وتوقي للقائك. والثاني هو انني ارغب في ضمك الى مجموعتي المصغرة التي اطلقت عليها اسم "ناركوتيكا" والتي تعني المخدرات باللغة اللاتينية.

روزا : اسم جميل وله رنة موسيقية. ساكون سعيدة لانتمائي لتلك المجموعة. دعيني اخبرك ما وقع لي بعد انتهاء المؤتمر وذهابي للتسوق.

هنا قصت روزا لبركانة عن ذلك البائع المسكين الذي كان من الواضح وقوعه ضحية تحت وطأة المخدرات وكيف انه لم يتمكن من التركيز في حساب كلفة المواد الغذائية التي يبيعها. وبينما هم يتحدثون اعطتها رأسين من البصل كي تقطعها وراحت هي تغسل نصف كتف الغنم الذي اشترته للتو ثم باشرت بتقطيعه لتضعه في القدر حتى ينضج ثم سألتها،

بركانة : ماذا ستعدين لنا يا روزا؟

روزا : مرقة بيتنجان مع الرز.

بركانة : الله، وكانك في قلبي. انا احبه كثيراً.

روزا : في السابق كنا نسميه وحش الطاوة.

بركانة : وحش الطاوة! لماذا؟ انا لم اسمع بذلك من قبل.

روزا : لانك لم تعيشي فترة الحصار. فحين قَلّتِ السبل لدى العراقيين، كانوا يستهلكون البيتنجان بشكل كبير وقتها ابتكروا ذلك المصطلح من باب السخرية.

بعد ان اكملت روزا اعداد الطعام وضعت الصحون على طاولة صغيرة ليبدأوا بتناول وجبة الغداء. وبينما هم يأكلون سألت،

روزا : هل قمت بضم المزيد من أعضاء (كارما) لمجموعتنا؟

بركانة : انا وانت فقط لكنني افكر باستدعاء احمد الى للمجموعة؟

روزا : هل لديه مؤهلات خاصة يا ترى؟

بركانة : اجل انه تخرج من الجمعة بقسم الحاسبات الالكترونية.

نظرت بوجهها وهي تبتسم ابتسامة خبيثة وسألت سؤالاً ملغوماً حين سألت،

روزا : الهذا السبب فقط... اخترتيه يا بركانة؟

خجلت بركانة وانزلت رأسها للارض ثم قالت،

بركانة : ما شاء الله عليك يا روزا. انت تفهميها وهية طايرة.

روزا : يبدو ان فهمي ليس هو الوحيد الذي يطير في السماء هذه الايام بل ان هناك قلوب تطير معه.

بركانة : لقد اخجلتيني يا روزا. اجل انا اعترف لك بذلك. لقد أعجبت به يا سيدتي.

روزا : اتمنى ان يكون هو الآخر يبادلك نفس المشاعر.

بركانة : انه فتى جدي جداً ولا اعتقد انه يفكر بتلك الامور.

روزا : لقد لاحظت انه يسترق منك النظرات طوال فترة المؤتمر. في اعتقادي انه هو الآخر يبادلك المشاعر لانه متيم بك.

بركانة : سنعرف مدى اهتمامه فيما بعد والآن دعيني اعبر لك عن اعجابي الكبير بطهيك سيدتي. انت (پريموس).

روزا : ماذا تقصدين بهذه الكلمة؟ ففي السابق كان لدينا آلة بدائية نطبخ عليها الطعام تدعى (پريمز).

بركانة : هاهاها، لا استاذتي. الـ (پريموس) باللاتيني هو الرقم واحد او بمعنى في الطليعة.

روزا : إذاً انت (اوپتيموس) بالنسبة لي.

بركانة : يا سلام يا ست الستات. انت ايضاً تعرفين اللاتيني.

روزا : وهل تعتقدين ان شعري شاب من حرارة الطقس؟

بركانة : لا ابداً يا استاذتي. انت ايضاً الافضل بالنسبة لي.

روزا : والآن اخبريني، متى ستتحدثين مع احمد إذاً؟

بركانة : ساحدثه بالهاتف السري اولاً.

روزا : كم انتِ ساذجة. يا الصغيرتي يجب ان تتقابلوا وتخبريه بنفسكِ اي وجهاً لوجه. هكذا يكون العشق المضبوط.

قالتها وغمزت لها بعينٍ احدة ففهمت بركانة ما قصدت استاذتها.

بركانة : إذاً ساتصل به غداً لنتقابل.

روزا : المثل يقول "اضرب الحديد وهو حار". ولماذا تنتظرين للغد؟ اتصلي به الآن وقابليه اليوم.

بركانة : امرك سيدتي.

امسكت بروزا وقبلتها من وجنتها ثم اخرجت الهاتف من جيبها وذهبت بعيداً. بعد قليل عادت الى المطبخ وقالت،

بركانة : سنتقابل في مقهى شناشيل المطل على نهر دجلة مع الساعة الثامنة مساءاً. هل تعرفينه استاذتي؟

روزا : اعرفه طبعاً ولكن الساعة الثامنة وقتٌ متأخر، الا تخافين من الاعتدائات بمثل هذا الوقت من الليل يا ابنتي؟

بركانة : ومن يجرؤ على مس حبيبي احمد. ساقطعه ارباً.

ضحكت السيدتان وصارتا تترشفان الشاي بتلذذ.

في ذلك المساء وحسب الموعد جلست بركانا مع احمد بالمقهى وبدأوا حديثهم حين قالت،

بركانة : كما تعلم يا احمد فقد كلفتني ادارة (كارما) بتأسيس مجموعة لمحاربة المخدرات فوافقت واسستها لاطلق عليها اسم (ناركوتيكا) ما رأيك؟

احمد : اسم ملائم جداً لتلك المهمة. وكم عدد الاعضاء؟

بركانة : لحد الآن اثنتان، انا وروزا.

احمد : هل تأذنين لي بالانضمام اليكما؟

بركانة : كنت امل ان تقول ذلك. فقد فكرت بك لانك ملائم جداً لمقدرتك الكبيرة على التعامل مع الحواسيب.

احمد : إذاً لقد اصبحنا ثلاثة. هل هناك شيء آخر تودين التحدث به؟

بركانة : اجل، هل تحب القهوة ام الشاي؟

احمد : انا احب القهوة كثيراً لانها تجري في عروقي.

بركانة : جيد جداً هذا هو شيء مشترك بيننا. فوالدي رحمه الله كان ايضاً خبيراً بالحواسيب لانه كان مصمم جرافيكي وكان يفهم بالكومبيوتر بشكل كبير. وسبحان الله هو ايضاً كان عاشقاً للقهوة.

احمد : يبدو انك كنت تحبينه كثيراً. اليس كذلك؟

بركانة : اكثر مما تتصور. لقد كان ابي هو صديقي وحبيبي ورفيق دربي. بحيث اننا قمنا بمعالجة احدى القضايا سوية وذلك بـ...

احمد : توقفي، لا اريد ان اسمع التفاصيل. فقد تكون خرقاً للبروتوكولات السرية التي اتفقنا عليها في (كارما). تذكري لا معلومات شخصية؟

بركانة : اجل لديك الحق. انا آسفة.

احمد : لا تتأسفي ارجوكِ. فقط كوني حذرة جداً لان عملنا بـ (كارما) خطير ولا يقتصر على علاقتنا بالمجرمين ومتابعتهم. بل يتوقف كثيراً على معلوماتنا الشخصية عن بعضنا البعض. وكلما قلت تلك المعلومات كلما كانت تحمي زملائنا فيما لو وقع البعض منا بالاسر.

بركانة : الآن بدأت افهم لماذا اختاروك لعضوية كارما. ليس طبعاً لانك شاب وسيم وحسب.

احمد : هل انت جادة؟ هل تعتقدين انني وسيم؟ ما هذا الهراء؟

بركانة : طبعاً انت وسيم. بالحقيقة انت اجمل فتى رأيته في حياتي.

احمد : انا اعلم انك قوية جداً من الناحية البدنية لكنك ضعيفة البصر وتحتاجين لفحصه باسرع ما يمكن.

بركانة : هي هي هي الوسيم لا يعرف انه وسيم. صدقني ان بصري 6/6 واستطيع ادخال الخيوط الرفيعة بخرم اصغر الابر.

احمد : ومع ذلك رأيتيني وسيماً.

بركانة : لقد قالها الفيلسوف ارسطوطاليس قبل آلآف السنين.

احمد : اجل، قال "الجَمال في عين الناظر"، وهو ما ارتبط بفلاسفة مثل ديفيد هيوم، الذي صرّح بأن الجمال موجود في عقل الشخص المتأمل.

بركانة : هذه مشكلتي العظمى فانا معجبة بشخص يفكر كما يفكر العم (گوگل).

احمد : هل قلت انك... هل صحيح انك..؟ اقصد هل...

بركانة : اجل احمد اجل، انا معجبة بك كثيراً منذ ان رأيتك اول مرة. فقد عرّضت نفسك للخطر عندما ذهبت لتشهد زوراً فتنقذ السيدة روزا. وهذا ما عظم من شأنك في نظري وجعلني اعجب بكَ.

احمد : وانا كذلك. فقد اعجبت بجمالك عندما رأيتك في مؤتمر (كارما) ثم سألت بعض الاعضاء ليخبروني بقدراتك القتالية في فن الـ (كيك بوكسينگ). مما جعلني انجذب اليك بكامل جوارحي.

بركانة : إذا نحن متوافقون بذلك. كم انا سعيدة.

احمد : في لغة الكومبيوتر نسمي ذلك التوافق بـ checksum وهذا يعني مجموع التحقق من البيانات هو قيمة محسوبة من كتلة بيانات تُستخدم للكشف عن الأخطاء التي قد تحدث أثناء النقل أو التخزين للمعلومات. يتم إنشاؤها بتطبيق خوارزمية تجزئة محددة على البيانات.

بركانة : لم افهم كلمة واحدة مما قلت لي الآن ولكن لدي احساس بانك تحاول ان تكون رومانسياً على طريقة علم الحاسوب.

احمد : هذا صحيح يا بركانتي.

بركانة : عجبتني هذه التسمية (بركانتي). لكن لا تقولها امام باقي الاعضاء، فيكتشفون امرنا.

احمد : لا تقلقي. انت بركانتي انا وحدي. والآن اخبريني كيف سنبدأ عملنا؟

بركانة : هناك حاجة لان ينضم الى فريقنا بعض الخبراء. فنحن بأمس الحاجة الى محقق شرطة متمرس.

احمد : ما رأيك بالمحقق (اندرسون)؟

بركانة : هذا المحقق ممتاز جداً لكننا لا نستطيع الاستفادة منه لانه سيعود غداً الى الدنمارك لمزاولة عمله بشرطة كوبنهاجن.

احمد : طيب ما رأيك بالمحقق (شرلوك) كاتب القصص الاجرامية من لندن؟ لقد حل لغزاً كبيراً وكشف مجرم خطير كان يعذب ضحاياه ويربطهم رأس على عقب ويوسعهم ضرباً حتى الموت.

بركانة : اعتقد ان هذا خيار ممتاز جداً. وكذلك سنحتاج الى احد ضباط الشرطة لذا ساتحدث مع رئيس منضمتنا (نيلسون). ما رأيك؟

احمد : اجل (نيلسون) ضابط ممتاز وبامكاننا الوثوق به 100%.

بركانة : إذاً هكذا سيكتمل نصاب المجموعة. ومتى ما وافقوا على الانضمام الينا ساستدعيهم لاجتماع مصغر باقرب فرصة ممكنة كي نبدأ في تنفيذ مهمتنا الكبرى.

احمد : على بركة الله.

بعد مرور بضعة ايام قامت بركانة بالاتصال بجميع الاطراف المعنية وقرروا ان يكون اجتماع فريق عمل (ناركوتيكا) يوم الخميس باحدى مقرات (كارما) واسمه المقر (الفا) عند الساعة الرابعة بعد الظهر.

وفي يوم الخميس وصل الجميع في الموعد المحدد دون تأخير فبدأت بركانة وخاطبت الجميع حين قالت، "دعوني ارحب بكم جميعاً ودعنا لا نضيع المزيد من الوقت لان عملنا يتطلب الكثير من الجهد لا الكلام. وكما تعلمون فقد انتشرت في الآونة الاخيرة ظاهرة الادمان على المخدرات وخصوصاً بين العاطلين عن العمل والفئة العمرية الصغيرة من المراهقين. لذلك نود ان نحاربها بكل ما اوتينا من قوة. ليس فقط لاصطياد المروجين الصغار بل لتجار الجملة من الذين يستوردونها من خارج العراق ويوفروها للمواطنين بشكل مخيف ليزيدوا من جشعهم وثرائهم. انتم تعرفون الجميع هنا وتعلمون قدرات كل واحد من اعضاء فريق العمل هذا الذي اطلقنا عليه اسم (ناركوتيكا). لذا اريد فريقاً متناسقاً يعمل بشكل مهني عالٍ كي نكشف منابع المخدرات ونحصدها من الجذور. دعوني اترك المجال لرئيس منظمتنا (نيلسون) كي يطلعنا على جسامة الحالة". قال نيلسون، "زملائي فريق ناركوتيكا، لقد بدأت مشكلة المخدرات تظهر في فترة قصيرة بعد عام 2003 وتهافت عليها الشبان بسبب وجود فضول كبير لديهم ازاء اثارها التي تمنحهم سعادة ونشوة جميلة مؤقتة. بعدها بدأت الارقام تتزايد بالفئة العمرية ما بين 30 – 45. وفي سبع سنوات الآخرة اصبحت تنتشر بين جميع الفئات العمرية بشكل مروع. لم يتمكن اي من زملائي الشرطة (الشرفاء منهم طبعاً) محاربة تلك الآفة بشكل جدي لخوفهم من جبروت العصابات التي تختبئ وراء المليشات المنتشرة بكل ارجاء البلاد. لذا كانوا يغضون الطرف عنها على انها شر لا بد منه.

احمد : ما هي اشهر انواع المخدرات التي تجدها في الشارع اليوم؟

نيلسون : اغلب انواع المخدرات مبنية على مادة الافيون وتسمى اوپيويد. وذلك يعني "مخدر" مشتقة من الكلمة اليونانية "الذهول"، وكانت في الأصل تشير إلى مجموعة متنوعة من المواد التي تُضعف الحواس وتُخفف الألم. على الرغم من أن البعض لا يزال يُطلق على جميع المخدرات اسم "مخدرات"، إلا أن مصطلح "مخدر" اليوم يشير إلى الأفيون ومشتقاته وبدائله شبه الاصطناعية. أما المصطلح الأكثر شيوعًا لهذه المخدرات، والذي يتميز بغموض أقل بشأن معناه، فهو "الأفيون". ومن الأمثلة على ذلك الهيروين غير المشروع والأدوية الصيدلانية مثل أوكسيكونتين، وفيكودين، والكودايين، والمورفين، والميثادون، والفنتانيل والترامادول. يمكن بلع المخدرات/الأفيونيات، أو تدخينها، أو استنشاقها، أو حقنها بالدم. كل تلك المواد كانت معروفة لدى الجميع وكانت السلطات العراقية تعرفها جيداً وتحاول السيطرة عليها ولو على نطاق مبسط. اما المشكلة الاعظم اليوم هي مادة الامفيتامين او الكرستال كما يطلق عليها في الشارع العراقي. لقد احضرت معي مقارنة بين انواع المخدرات المستهلكة عالمياً، تفضلوا،

**قائمة لمستهلكي المخدرات

اخذت هذه الاحصائية عام 2016. لكن هذه الارقام تضاعفت خلال السنوات التسعة التي تلت.

بركانة : ما هي مصادر هذه المخدرات ومن اين تدخل الى العراق؟

نيلسون : لم تقع عملية رصد جدية وحقيقية من قبل الشرطة لنفس الاسباب السابقة الذكر. لكن اغلب السموم واخطرها تأثيراً تأتي من الجارة ايران وبعدها تتبعهم باقي الدول العربية مثل سوريا ولبنان. ومما سهل عملية تدفقها هو السيل الكبير من السواح الدينيين اثناء فترات الزيارات للمدن الدينية كالنجف وكربلاء.

بركانة : وكيف حصلت على كل هذه المعلومات إذاً؟

نيلسون : كما اخبرتكم سابقاً، لازال هناك قلة قليلة من ضباط ومنتسبي الشرطة ممن لم تتخلى عنهم ضمائرهم فقاموا برصدها بشكلٍ سري بعيد عن بيانات وزارة الداخلية الرسمية.

التفتت بركانة الى المحقق شرلوك وسألته،

بركانة : وما رأيك انت يا شرلوك؟

شرلوك : اعتقد ان علينا ضم البعض من أولئك الافراد النزيهين لان عمليةً بهذا الحجم ستتطلب مجهوداً كبيراً حتى نتمكن من القضاء على جميع مصادر تدفق المخدرات.

نيلسون : الاعضاء جاهزون وهم على أتم استعداد للتعاون معنا وقت اللزوم. وبالامكان الاستعانة بباقي افراد (كارما) إذا تطلب الامر.

شرلوك : إذاً يجب ان نتفاعل معهم استناداً لتزكيتك لاننا سنُعَرّضُ منظمتنا للخطر إذا ما كان احدهم مندساً من جهة مشبوهة.

بركانة : انا ساوكل رئيسنا نيلسون كي يكون حلقة وصل بيننا وبين مجموعة افراد الشرطة الطيبين. دعنا نسميهم مجموعة (وليم تيل).

نيلسون : وهو كذلك. ساخبرهم بما اتفقنا عليه.

بركانة : والآن دعونا نحقق خطوة جديدة الى الامام. ولكي نبدأ يجب ان نركز على المنطقة الحدودية بين ايران والعراق. ما اسم النقطة الحدودية واين تقع بالجانب العراقي؟

نيلسون : انها تسمى (المنذرية). من محاسن الصدف فإن آمر شرطة المنذرية هو احد الاعضاء الغيورين ممن سيساندوناً من مجموعة (وليم تيل).

بركانة : إذاً أطلب منك ان تستدعيه كي يحضر الى هنا في الاجتماع القادم كي ننسق معه.

نيلسون : لا هذه ليست فكرة صائبة من الناحية الامنية. فنحن لا نريد ان يزداد عدد الاشخاص ممن يعرفون مواقعنا. لذلك انا اقترح ان نقوم نحن بزيارة ميدانية لمعبر المنذرية. ما رأيكم بفجر يوم الغد كي ننطلق من هنا الى خانقين؟

بركانة : انا موافقة.

احمد : وانا كذلك.

شرلوك : اجل انا سأتي معكم ايضاً.

بركانة : اما روزا فستكون مشغولة الغد لامر شخصي لذا سوف لن تستطيع المجيئ معنا. إذاً على بركة الله. حضرات السادة، هل هناك امر آخر تودون طرحه؟

احمد : كلا.

شرلوك : كلا، ساراكم غداً في مكان اللقاء في النقطة الحدودية.

بركانة : اجل سنلتقي جميعنا هناك.

خرج الجميع من المقر (الفا) فلحق احمد ببركانة وسألها،

احمد : يا بركانة، انا لا املك سيارة. هل بامكاني ان اذهب معك غداً؟

بركانة : بالتأكيد. اخبرني اين نستطيع ان نلتقي؟

احمد : ما رأيك بساحة التحرير قرب جدارية التحرير؟

بركانة : حسناً سالقاك هناك تمام الساعة الرابعة فجراً.

احمد : وهو كذلك.

باليوم التالي ركبت بركانة سيارتها وتوجهت الى ساحة التحرير فرأت احمد واقفاً ينتظرها. ركب السيارة فانطلقت به وسارت بالشوارع التي كانت شبه خالية بمثل ذلك الوقت المبكر. وعندما غادرت مشارف بغداد سألها،

احمد : كم ستستغرق الرحلة؟

بركانة : الم يسبق لك زيارة تلك المناطق الشرقية من قبل؟

احمد : كلا.

بركانة : الطريق الى بعقوبة سيستغرق حوالي ساعة ونصف. ومن هناك الى خانقين حوالي الساعتين.

احمد : هل استطيع ان افتح الموضوع الذي تحدثنا به سابقاً؟

بركانة : هل تقصد علاقتنا انا وانت والـ (سمسم) الذي اخبرتني عنه؟

احمد : تقصدين الـ checksum اجل. وبما ان الطريق طويل فلدينا متسع من الوقت كي نتحدث بامور تخص مشاعرنا. الا توافقيني الرأي؟

بركانة : بصراحة انا كنت افكر بك كثيراً منذ ان صارحتني بمشاعرك عندما كنا بالمقهى. لكن اعتقد بانك لا تعرفني جيداً ولا تعرف ماضيي. فهو ليس ماضي سعيد وجميل ابداً.

احمد : ارجوك حدثيني عنه فانا احب ان اعرف كل شيء عنك. ولا ضير في ذلك لاننا صرنا مقربين من بعضنا البعض.

بركانة : قبل سنوات خضت تجربة مريرة جداً لان والدي عمل حادث سير مروع كان ضحيته اخواني الاثنان. كان عمرهما لا يتجاوز الخمس سنوات. بعدها اصيبت والدتي بحالة من الشرود الذهني فبعثناها لدى عمها في الموصل. فبقيت انا ووالدي وحدنا في البيت ببغداد حتى عرفت هوية الشبان الذين قاموا بصدم سيارة ابي مما ادى الى موت اخواني. قمنا انا ووالدي بمتابعة هؤلاء المجرمين فعلمنا ان ابويهما ينتميان الى احدى المليشات المارقة. بعدها تتبعناهم واصطدناهم لنسلمهم الى الشرطة كي ينالوا عقابهم. لكن العدالة لم تكتمل كما ينبغي فحصل ابائهم على احكام مخففة ولم يتم عقابهم كما ينبغي.

احمد : وماذا عن ابويك؟

بركانة : والدتي تعافت قليلاً لكنها لا تزال تعيش في حالة من الحزن المطبق وتنهال بالبكاء عندما تجد نفسها بمفردها لذلك عادت الى الموصل لدى اخوها العم حامد.

احمد : والوالد.

بركانة : ابي توفى بعد ذلك الحادث اثر اصابته بسرطان القولون.

احمد : انا جداً حزين لسماع قصتك هذه.

بركانة : كفاك عني الآن. اخبرني انت عن نفسك فانا لا اعرف اي شيء.

احمد : انا كنت اسكن ببيت عمي خالد بعد ان توفى والدي ووالدتي بحادث سير مروع على طريق اربيل والآن انا اسكن وحدي. تخرجت من الجامعة باختصاص الحاسبات وعشقت البرمجة وصرت بارعاً في لغة تدعى الپايثون.

بركانة : اليست كلمة الپايثون تعني الافعى بالانجليزية؟

احمد : اجل هذا صحيح. لا اعلم لماذا اسموها بهذا الاسم. لكن يقال ان مخترع هذه اللغة واسمه (گيدو ڤان روسوم) كان مولعاً ببرنامج تلفزيوني كوميدي يدعى (مونتي الپايثون) فاسماها بذلك الاسم.

بركانة : وهل بامكانك ان تبرمج اي شيء مستخدماً تلك اللغة؟

احمد : اجل طبعاً فانا استعملها منذ سنوات عديدة.

بركانة : سيكون ذلك مفيداً جداً لعملنا في (كارما). يا احمد انت مبرمجٌ ... والبرمجون قليلو هاهاها.

احمد : شكراً لك بركانتي الحلوة الجميلة.

فورما سمعت بركانة بهذا اللقب الجديد وضعت قدمها الايسر على مكابح السيارة وتوقفت بمنتصف الطريق. نظر اليها احمد باستغراب وقال،

احمد : ما الامر؟ لماذا توقفنا؟

بركانة : لم اعد اصبر. اريد ان اقبلك فانا اتحرق شوقاً لتقبيلك منذ امد بعيد. تعال واعطني قبلة.

نظر احمد حوله فرأى السيارة قد توقفت في مكان خالي من باقي السيارات والمارة فاقترب منها ولثم خدها. ابتسمت وقهقهت ثم قالت،

بركانة : لا اريد تقبيلك بهذا الشكل. يبدو انك لم تقبل فتاة من قبل. اريد منك قبلة حقيقية لا قبلة اطفال.

هنا التقت شفاههما والتصقا بضم بعضهما البعض لفترة طويلة. كان الاثنان يغوصان بمشاعر غمرتهما كفيض البحر لا بل كالتسونامي. كان كلما اراد احدهما الانسحاب يقوم الثاني بالتمسك به وسحبه فيواصلا التقبيل. وبعد اكثر من ربع ساعة قالت،

بركانة : اعتقد اننا سنتأخر على فريقنا. يجب ان نواصل السير.

احمد : اجل يا حبيبتي. انت اعطيتيني زخماً قوياً سيجعلني استمتع بالعمل معك.

بركانة : وانت كذلك حبيبي حمادة.

ادارت بركانة المحرك وواصلت القيادة نحو معبر (المنذرية). وعندما اقتربا من نقطة التجمع شاهدا من بعيد المحقق شرلوك واقفاً الى جانب نيلسون فقالت،

بركانة : ارأيت يا احمد. لقد وصلا قبلنا. هذا كله بسببك. وبسبب قبلك.

احمد : وهل انت نادمة على تقبيلي؟

بركانة : بالعكس. كان يجب عليك ان تقبلني اكثر فقد تأخرنا عليهم بكل الاحوال.

احمد : استديري إذاً ودعينا نعود الى مكان معزول كي نواصل القبل.

قالها وهو يمزح فابتسمت بركانة وقالت،

بركانة : سنقضي باقي حياتنا سوية يا حبيبي، كُنْ متيقناً من ذلك. فانا لن ادعك تفلت من قبضتي بعد اليوم.

احمد : ولا انا يا عمري.

نزل الاثنان فحيوا باقي اعضاء الفريق وساروا جميعاً باتجاه مبنى كتب عليه صالة التشريفات قال،

نيلسون : لقد اتصلت بصاحبي فاخبرني بانه سيكون بانتظارنا بصالة التشريفات.

** صالة التشريفات بالمنذرية

دخل اعضاء فريق (ناركوتيكا) فشاهدو رجلاً يرتدي زي الشرطة ويحمل نجوماً فوق كتفه. كان ينظر اليهم وهو مبتسم قال، "اهلاً وسهلاً بكم تفضلوا. انا العقيد فيصل آمر المركز هنا". فتح باباً ودخل من خلاله فتبعه افراد الفريق ثم اشار بيده نحو المجالس فاخذوا اماكنهم على الكراسي والأرائك فسأل، "هل تفضلون شرب البارد ام الساخن؟"

بركانة : لقد جئناك بمهمة رسمية وفي غاية الحساسية. لا نريد اي ضيافة ارجوك.

العقيد فيصل : هذا لا يجوز ابداً فقد استنفرت جميع عناصري كي يخدموكم كما لو كنتم وفداً وزارياً.

شرلوك : ربما تسقونا الماء سيادة العقيد؟

اشار العقيد برأسه لاحد منتسبي الشرطي فخرج واغلق الباب ورائه. نظر الى نيلسون وقال،

العقيد فيصل : كما اخبرتني سابقاً فانا اعرف اهدافكم النبيلة وقبلت ان اتعاون معكم كي نستطيع ان نقارع الآفة التي تفشت في مجتمعنا وراحت تنخر فيه كما ينخر الصدأ في الحديد. لذلك اريد ان اعرف منكم كيف استطيع مساعدتكم؟

نيلسون : الآنسة بركانة هي رئيسة فريقنا لذلك سافسح لها المجال للحديث.

بركانة : نحن نريد ان نعرف مسبقاً الوقت الذي تأتي فيه شحنات كبيرة من المخدرات. نحن لسنا مهتمون بتهريب كميات قليلة للاستخدامات الشخصية.

العقيد فيصل : هل تريدون مداهمتها هنا في المركز؟

احمد : كلا طبعاً، مداهمتها هنا سوف لن يجدي نفعاً. عمليتنا اكبر من ذلك بكثير. نحن نريد ان نعرف المنبع والمصب.

بركانة : هذا صحيح. عندما تتأكد انت يا سيادة العقيد من الشحنة القادمة من ايران وتقوم برؤيتها بأم عينيك ثم تقوم باخبارنا بتفاصيل الشاحنة وحجم الشحنة كي نتتبعها لكي نعلم اين تفرغ الحمولة وما هي الجهة التي تستلم الشحنة. وبذلك نتمكن من الامساك بهم متلبسين.

شرلوك : هذا ما اتفقنا عليه جميعاً وهي افضل طريقة لمحاربة وتدفق المخدرات.

العقيد فيصل : لكن هؤلاء المهربين خطرين جداً وبامكانهم ان يشكلوا خطراً عليكم.

نيلسون : لا تخف علينا من هذ الناحية فنحن ايضاً قادرون على مقارعتهم. ما عليك سوى تزويدنا بالبيانات التي نطلبها منك.

احمد : انا سازودك باجهزة تتبع الكترونية (Trackers)تقوم بزرعها بشكل سري لا يجلب الانتباه بداخل الشاحنات والتي تتأكد 100% من احتوائها على شحنة مخدرات كبيرة ونحن سنتكفل بالباقي.

بركانة : هذا كل ما في الامر.

العقيد فيصل : هذا امر يسير جداً. ساقوم بعملية التفتيش بنفسي. وعندما اتأكد من وجود كمية كبيرة من المخدرات سازرع اجهزة التعقب التي ستعطوني اياها.

نيلسون : سيمنحك احمد 10 اجهزة تتبع صغيرة بحجم قطعة النقود فهو المسؤول عن الأمور التقنية.

هنا سألت بركانة،

بركانة : هل تعرف من يترأس العصابة التي تستورد المخدرات؟

العقيد فيصل : لست متاكداً لكنني سمعت احدهم يشير اليه باسم (ابو سيف). ولو كانت تنبؤاتي صحيحة فاعتقد ان اسمه الحقيقي هو مصطفى جاسم المياحي واحد من احقر الضباط في الحشد. تخيلوا كان ينتمي الى الحزب الحاكم قبل السقوط والآن ركب الموجة وغير الاتجاه 180 درجة.

بركانة : يبدو انك تعرفه جيداً. الا اخبرتنا المزيد عنه؟

العقيد فيصل : عندما كان احد منتسبي الجيش في السابق. فاز بجائزة افضل قناص لانه دقيق جداً عندما يكون خلف بندقيته. لذلك اريدكم ان تتوخوا الحذر منه لانه قاسٍ جداً ولا يرحم.

بركانة : سنأخذ ذلك بنظر الاعتبار شكراً على التحذير.

احمد : والآن، هل من الممكن ان نتجول بداخل المركز؟

شرلوك : سيكون ذلك ممتعاً لانني لم ارى شيئاً مثل هذا بحياتي.

العقيد فيصل : بالتأكيد. تفضلوا معي.

تجولوا بارجاء المركز الحدودي فزاروا كل المرافق هناك ثم ودعوا العقيد فيصل وركبوا سياراتهم ليعودوا الى بغداد. وفي الطريق قال احمد،

احمد : لقد استمتعت بتلك الرحلة تماماً.

بركانة : اجل ولكننا لم نأتي لكي نستمتع يا احمد. جئنا بمهمة محددة كي نصطاد المجرمين.

احمد : لكنك كنت بصحبتي يا بركانتي. وهذا ما زادني سعادة.

بركانة : اجل هذا صحيح. وانا ايضاً كنت في غاية السعادة لانك كنت الى جانبي. بالحقيقة اردت ان اقول لك شيئاً لكنني اشعر بالخجل.

احمد : وهل هناك خجل بيننا يا عمري؟ قولي ما تريدين مهما كان محرجاً.

بركانة : اردت ان ارى منزلك. اين تسكن يا حمادة؟ من الذي يطهي لك الطعام؟ ومن الذي يغسل ملابسك؟

احمد : كنت اسكن مع احد زملائي في السابق فاستأجرنا مشتملاً صغيراً بمنطقة الوزيرية. وبعد التخرج رحل صاحبي الى الاردن ليسكن مع والديه المسنين بعمان وبقيت انا بالمشتمل. انا استطيع ان اقوم بجميع اعمال المنزل من طبخ وتنظيف وكوي ملابس وما الى ذلك.

بركانة : وكيف تكسب قوتك؟

احمد : المكسب جيد والحمد لله. فعندي عمل لدى احدى المحال بالكرادة اقوم بتصليح الحواسيب واعطاء بعض الدروس في البرمجة للكثير من طلاب الجامعة فيغدقون علي بالمال. احيانا اكسب ما بين 2 الى 2.5 مليون دينار بالشهر. قبل اسبوع قمت باصلاح حاسوب لضابط متقاعد اسمه خليل ابراهيم يناديه الجميع بـ (ابو مروة). غيرت له نظام التشغيل من وندوز 10 الى وندوز 11 ففرح كثيراً واعطاني 50 الف دينار.

بركانة : هذا شيء رائع خصوصاً وانك تسكن وحدك ولا تعيل احداً. وماذا عن ابويك؟

احمد : كما اخبرتك سابقاً فإن ابي وامي كانا كباراً في السن ذهبا الى شمال العراق كي يستقرا في اربيل وكانوا يأتون لزيارتي بين الحين والآخر لكنهما توفيا اثر حادث سير باحدى رحلاتهم كما اخبرتك سابقاً.

بركانة : رحمهم الله.

احمد : ها قد وصلنا بيتي المتواضع. تفضلي.

دخل الاثنان منزل احمد فاصيبت بركانة بالذهول. كان المنزل في غاية الترتيب والاناقة لان احمد كان يحتفظ بمجموعة نباتات منزلية كانت تملأ الصالون وباقي الممرات. تجولت بركانة بالمنزل حتى وصلت الى غرفة النوم. فتحتها ودخلت فرأت سريراً مزدوجاً كبيراً فابتسمت وسألته باسلوب خبيث حين قالت،

بركانة : هل تحضر جميع صديقاتك الى هنا يا مشاغب؟

احمد : ليس لي صديقات كثر. انها واحدة فقط.

تغير شكل بركانة واحمر وجهها غضباً ثم تحول الى نوع من غضب الغيرة فسمعته يقول،

احمد : لكنها لم تعد صديقة بعد اليوم.

بركانة : لماذا، هل تنوون الزواج؟

احمد : اجل اريد ان اتقدم اليها لكنني اخشى ان ترفضني إذا ما صارحتها بنيتي.

بركانة : اعطني هاتفها وساقوم انا باقناعها كي تقبل الزواج منك. يبدو انها مغرورة ولا تعرف قيمتك.

احمد : انت تعرفين هاتفها جيداً. انه 095513230

بركانة : ولكن لحظة، لحظة... هذا رقم هاتفي.

احمد : اجل بركانتي وهل يعقل ان احب غيرك؟ انت الاولى وانت الاخيرة. ليس لدي احد يسكن قلبي ويعشعش بصدري غيرك. هل تقبلين بي زوجاً.

بركانة : اقبل بك زوجاً بالتأكيد، لكن لدي شرطان مهمان جداً.

احمد : اشرطي عليّ كما يحلو لك. ما هي شروطك اخبريني؟

بركانة : الاول هو ان تأتي الآن فوراً وبلا تأخير وتعطيني قبلة دسمة وطويلة كما فعلت معي صباح هذا اليوم.

احمد : هذا شيء مقدور عليه، والثاني؟

بركانة : ان نذهب غداً الى المحكمة وتتزوجني رسمياً.

احمد : لا هذا كثير.

بركانة : كثير؟ هل قلت كثير؟ لماذاً؟

احمد : لانني اريد ان اتزوجك الآن فوراً وبلا تأخير.

بركانة : إذا لنبدأ بالقبل الآن فالمحكمة مغلقة بهذا الوقت ولن تفتح الا غداً صباحاً.

اقترب منها وقبلها قبلة كادت تفقدها الوعي من شدة المشاعر التي كانت بصدره. ردت عليه بمشاعر واحاسيس اقوى واعظم لينتهي الامر بهما فوق السرير فتندمج اجسادهم بفعاليات ساخنة دامت حتى وقت متأخر من الليل.

وفي صباح اليوم التالي استيقظ احمد على رائحة جميلة مسيلة للعاب تقتحم انفه. نظر حوله فلم يجد حبيبته بركانة. وقف وصار يتتبع رائحة البيض التي تأتيه من المطبخ. دخل المطبخ فشاهد منظراً مذهلاً، إذ وقفت حبيبته ترتدي أحدى قمصانه البيضاء وتمسك بملعقة خشبية تعد له البيض المقلي. نظرت اليه وقالت،

بركانة : ارجو ان يعجبك البيض المقلي. فقد استهلكت الكثير من طاقتك ليلة امس.

امسك بها من الخلف واحاط بجسدها كاملاً وصار يقبل رقبتها بعد ان ازال شعرها المتدلي على كتفيها وقال،

احمد : انا احب كل شيء يأتيني من عندك، تعالي لنكمل ما بدأنا به ليلة امس.

بركانة : لا حمادة. دعنا نتناول الافطار اولاً ثم نذهب الى المحكمة ونعقد القرآن. بعدها ستستطيع ان تفعل بي ما تشاء وقتما تشاء.

احمد : وهو كذلك يا عمري. هيا بنا.

رجع الاثنان الى غرفة النوم بعد ان انتهوا من تناول وجبة الافطار ولكن كانت الوجبة تختلف بطريقتها كثيراً هذه المرة. لانها اصرت على اطعام حبيبها بيدها اعلاناً منها عن حبها الغير متناهي لحبيبها الذي سيصبح زوجها بعد ساعات.

خرج احمد وبركانة من البيت ليركبا السيارة متوجهين الى المحكمة الشرعية بالكرادة. دخلوا قاعة كبيرة واقتربوا من رجل يجلس خلف طاولة كتب عليها (الاستعلامات). سألوه عن عقد الزواج فسألهم إن كان لديهم شهود فاجابوه بالنفي فنصحهم بان يخرجوا الى الخارج ويبحثوا ان شاهدان فقال احمد،

احمد : ابقي انت هنا. سإذهب انا بنفسي لاجلب الشاهدان.

اومأت برأسها وقالت،

بركانة : انا انتظرك هنا ولكن لا تتأخر يا حبيبي.

خرج احمد فسألها موظف الاستعلامات،

الرجل : هل انتم اقرباء؟

بركانة : كلا.

الرجل : هل احضرتم بطاقاتكم الوطنية؟

بركانة : بالتأكيد سيدي.

مدت يدها في حقيبتها واخرجت بطاقتين الاولى باسم منتصر عبد الامير حمادي والثانية باسم تالة مثنى شاكر عبد اللطيف شعرت بارتياح لان البطاقتين بحوزتها ولا شيء يمكن ان يقف امام سعادتها من الآن فصاعداً ولأن احمد سيصبح زوجها وحبيبها ورفيق دربها وابو اولادها مستقبلاً. وبينما هي تتلذذ بتلك الافكار الساحرة سمعت صوت طلق ناري خارج المحكمة وسمعت الرجل يقول،

الرجل : يا ساتر يا ربي. يبدو ان احداً قد اطلق النار بالخارج.

ركضت بركانة الى خارج مبنى المحكمة لترى منظراً مروعاً كاد يصيبها بالسكتة القلبية. رأت حبيبها احمد مستلقياً على ظهره مخضباً بالدماء وقد جمدت عيناه للاعلى وكأنه ينظر الى السماء. اصدرت صرخة مدوية تشبه عويل الذئاب كادت تكسر جميع نوافذ المحكمة.

ترى ماذا حصل؟ ومن الذي اطلق النار على احمد ولماذا؟ اين ستصل بمنظمتها في السير نحو تحقيق العدالة وتطبيق الـ (كارما)؟ ستعرف الاجوبة عن تلك التسائلات في الجزء الثاني من هذ القصة المثيرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

909 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع