د علوان العبوسي
13 / 8 / 2025
صمت رسمي عربي وإسلامي مقابل صحوة شعبية غربية
مقدمة
لست معنياً بموقف الشعوب الغربية لكني اجدها مهتمة بالقضايا الفلسطينية وما يجري من انتهاكات لحقوق المدنيين الفلسطينيين ،في الوقت الذي تتصاعد فيه الجرائم الإسرائيلية بحقهم في غزة والضفة ، من قصف للمستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين، ومحطات تنقية مياه الشرب ، ومنع دخول المساعدات الانسانية ومجازر تطال النساء والأطفال، حملة شعواء باستخدام سلاح التجويع والابادة الجماعية بغرض قتل الفلسطينيين ، يلوح في الأفق سؤال أين العرب أين المسلمون لماذا يصمت النظام الرسمي العربي والإسلامي، بينما الشعوب الحرة في أوروبا وأستراليا وحتى أميركا تخرج إلى الشوارع بأعداد غير مسبوقة بشكل مستمر دون انقطاع تنديدًا بالعدوان رفضاً لانتهاك القوانين الدولية، عذرا القول باسف شديد غير مسبوق ان القيادات العربية والاسلامية غير مبالية بما يجري في غزة والقطاع ، ومع الاسف ايضا اقول نحن كعرب لم نعيش مثل هذا الهوان والظلم سابقاً وكانت اسرائيل تحسب الف حساب لاي عمل عدائي تقوم به ،عليه انه عمل مبرمج على المدى القادم ينعكس على شعوبنا العربية انهم يلوحون بعصا غليضة مهددين دون خجل اما تكون معنا مطبعين وبالنهج الابراهيمي مع الكيان الصهيوني او تكون ضدنا ونعاملك كما نعامل الشعب الفلسطيني، هذا سيحدث اذا استمرت الاوضاع العربية بهذا الضعف والله المستعان .
واقع المأساة في غزة
منذ السابع من تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل حملة عسكرية شعواء ضد قطاع غزة، تحت غطاء الرد على حماس، لكنها في الحقيقة غير ذلك بذريعة حماس ،مارست حرب إبادة ضد أكثر من مليوني مدني وصفتهم بالحشرات ،ولم تفرق بين حماس والشعب الفلسطيني ، استُخدمت فيها أسلحة محرمة دوليًا، وقصفت مناطق مكتظة بالمدنيين، ودمرت البنى التحتية بشكل ممنهج، في مشهدٍ وصفته تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بأنه جرائم حرب ضد الإنسانية، ولا يزال الوضع قائماً حتى الان بل تَطور الى استخدام التجويع كسلاح غايته الرئيسة قتل الشعب الفلسطيني ومع هذا التوصيف الصريح، لم تُفعّل أية آلية حقيقية للمحاسبة، بل تواطأ مجلس الأمن بفضل الفيتو الأميركي المتكرر، مما عرقل أي إدانة دولية ترتكبها اسرائيل .
الموقف العربي والإسلامي الرسمي... صمت أو تبرير
للأسف، المواقف الرسمية للأنظمة العربية والإسلامية تراوح مابين:
• السكوت التام كما في معظم دول الخليج العربي . والسكوت التام ليس حياداً، بل هو موقف منحاز حتى لو لم يُعلن، يعني تراجعاً في الالتزام العربي بالقضية الفلسطينية، ويكشف عن تحول خطير في الامور السياسية لبعض الأنظمة، لصالح تحالفات جديدة ترى في فلسطين عبئاً، لا قضية مركزية.
• بيانات خجولة لا ترقى لمستوى الإدانة الصريحة. ان موقف الدول العربية والإسلامية يقتصر فقط على بيانات خجولة لا ترقى إلى مستوى الإدانة الصريحة للكيان الصهيوني، دلالاته على عدة مستويات، منها هروب من المسؤولية السياسية والتاريخية، الخوف من إغضاب الولايات المتحدة أو القوى الغربية الداعمة لإسرائيل، لذا تتجنب أي موقف صريح، بالاضافة الى ضعف الإرادة السياسية وغياب المشروع العربي والاسلامي الجماعي رغم مايتوفر لها من مقومات القوة.
• التطبيع المخفي ( خلف الكواليس) . يتمثل بممارسة علاقات حقيقية مع إسرائيل (سياسية، أمنية، اقتصادية، في الوقت الذي تتظاهر فيه الدولة المعنية بأنها لا تزال مناصرة لفلسطين، عليه ألتطبيع المخفي هو نفاق سياسي، يخفي اتفاقات تحت الطاولة بينما يُظهر ولاءً كاذباً لفلسطين ، هذه الدول التي ظلت تعلن دعمها التقليدي لفلسطين، لم تتخذ أي إجراء عملي ايجابي اقتصادي أو سياسي للضغط على إسرائيل، أو حتى على حليفتها الولايات المتحدة مثل قطع علاقات،او ايقاف ألتطبيع، او تحرك جاد في المحاكم الدولية، ولا حتى تعبئة دبلوماسية منظمة.
صدمة الشارع العربي والإسلامي
الصمت الذي اشرنا له انفاً ، لم يمر دون أثر في الشعوب العربية والإسلامية، أعاد إلى الواجهة مشاعر الإحباط والفرقة بين الأنظمة والشعوب،إذ يرى المواطن العادي كيف يتم حصار أهل غزة، وكيف تُمارس الإبادة والتجويع والكره بحقهم، ولا يجد في بلاده إلا أخبار لاتسمِن ولا تغني مِن جوع ، أو نداءات التهدئة البائسة .
الشعوب في الشوارع، في البيوت، في المساجد، في مواقع التواصل الاجتماعي ، غاضبون، عاجزون، يشعرون بالخنوع في آنٍ واحد. ولكنّ الانظمة السياسية في كثير من البلدان تمنع حتى التظاهر، أو تحظر رفع علم فلسطين، أو تصف التضامن مع فلسطين بأنه تهديداً لامنها الوطني .
الشعوب الحرة في الغرب تفضح الصمت الرسمي العربي
ونحن نتابع الاخبار ومصادر مختلفة اخرى ،نستنتج ان الشارع الغربي، خاصةً أوروبا وبريطانيا وأستراليا، كان أكثر تحرراً وإنسانية في موقفه من المأساة الفلسطينية.
• خرج الملايين في لندن، باريس، مدريد، برلين، سيدني، ونيويورك في تظاهرات حاشدة، رفضًا للحرب على غزة، واحتجاجًا على دعم حكوماتهم لإسرائيل.
• الجامعات الغربية شهدت موجات اعتصام واسعة، بقيادة طلاب وأكاديميين يطالبون بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها.
• نقابات الصحفيين، والموسيقيين، والعاملين في الإعلام أعلنوا رفضهم تغطية متحيزة أو الصمت عن جرائم الحرب.
• محاكم وطنية في بعض الدول الأوروبية فتحت ملفات تحقيق بمشاركة محامين ومنظمات حقوقية ضد مسؤولين إسرائيليين.
• أحزاب يسارية وبرلمانيون أدانوا مواقف حكوماتهم، وطالبوا بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.
أسباب صمت الأنظمة العربية والإسلامية
صمت الانظمة العربية والاسلامية يمكن ايجاز اسبابه بالتالي :
• التحسب من التحالفات السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة. أ لولايات المتحدة لا تعتبر إسرائيل مجرد دولة صديقة ، بل حليفًا استراتيجياً ثابتاً بديلا لها في المنطقة يتخذ القرارات الاستراتيجية نيابتاً عنها ، عليه تلتزم بدعم أمنها دون قيد أو شرط، هذا التحالف غير خاضع للمتغيرات ، بل هو مرتكز راسخ في السياسة الأمريكية منذ عقود، ويقوم على أساس، ألمصالح المشتركة ، واللوبي الصهيوني القوي داخل المؤسسات الأمريكية والكونكرس ، والقناعة الأمريكية بأن إسرائيل قاعدة متقدمة للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط، وعليه ايضاً عندما تتحالف دولة عربية أو إسلامية سياسيًا أو عسكريًا مع الولايات المتحدة، فإنها عمليًا تخضع لاهداف واشنطن وتحالفاتها، ومنها علاقتها المتينة مع إسرائيل و تجد نفسها ملزمة بتقليل عدائها لإسرائيل أو الصمت عن جرائمها، حتى لا تُخِل بالعلاقة مع أمريكا.
• الخوف من انفجار شعبي داخلي . ظهر بشكل علني للعالم ضعف الأنظمة العربية والإسلامية في تجنب اتخاذ مواقف سياسية علنية ايجابية واضحة وصريحة تدين إسرائيل أو تدعم المقاومة الفلسطينية، تخشى أن يؤدي الموقف العلني إلى إشعال موجات غضب شعبية داخلية يصعب السيطرة عليها، ففلسطين ليست قضية سياسية فقط، بل رمز ديني وقومي وإنساني وتاريخي ،والتضامن الشعبي معها واسع وعميق، وأي موقف لصالح الكيان بشكل رسمي قد يُفجّر الشارع ضد السلطات الحاكمة .
• الانشغال بالبقاء في السلطة. بعض الأنظمة الحاكمة هدفها الأول البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، حتى لو جاء ذلك على حساب المبادئ الوطنية أو القومية أو الدينية التي يفترض أن تدافع عنها، مثل تجنب الإدانة الصريحة أو اتخاذ خطوات ايجابية عملية ضد ماتقوم به اسرائيل من جرائم في غزة او الضفة الغربية ، حتى لا تدخل في مواجهة مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة.
• اعتبار القضية الفلسطينية عبئًا سياسيًا لاقضية عربية مركزية . في الأصل، القضية الفلسطينية مشروع تحرري، منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين يهدف إلى استعادة الأرض والحقوق، وهي جزء من النضال القومي والإنساني، لكن بعض الأنظمة العربية والإسلامية باتت تنظر إليها كعبء سياسي ودبلوماسي، بدل أن تراها قضية عربية مركزية .
مامغزى تحرك الشعوب الغربية ضد مايجري في فلسطين من قبل اسرائيل
رغم الدعم الرسمي الغربي لإسرائيل، فإن الوعي الشعبي في الغرب يختلف حيث بدأ يهيمن على احتكار الإعلام الموالي للصهيونية، المظاهرات الغربية الحاشدة تعني أن هناك رأيًا عامًا عالميًا يرفض الاحتلال والجرائم المرتكبة من اسرائيل ، ألتحرك الشعبي العالمي يرسل رسالة إلى الفلسطينيين لستم وحدكم نحن معكم ، ماذا يعني ذلك :
قوة المجتمع المدني الغربي واستقلالية القضاء والإعلام
يعني ذلك أن في كثير من الدول الغربية توجد منظومة قوية تسمح للمواطنين، والمؤسسات غير الحكومية، والجهات الحقوقية، والإعلام المستقل، بالتحرك بحرية ضد سياسات حكوماتهم إذا اعتبروها غير عادلة أو مخالفة للقانون الدولي، اما في قضايا مثل القضية الفلسطينية، كثير من هذه المنظمات ترى أن الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات على المدنيين تتعارض مع القيم الإنسانية، فينشطون للتوعية والضغط على الحكومات باعطاء دروس للحكومات العربية والاسلامية بتغيير واقعهم الحالي وهم يمتلكون الحضوة في التاريخ العربي والاسلامي ، هذا المبدأ يعني أن المجتمع المدني القوي، مع قضاء وإعلام مستقلين، يمكنه أن يشكل قوة ضغط مؤثرة ضد السياسات القسرية الظالمة، وهو ما يفسر تحركات واسعة في الشارع الغربي تضامنًا مع فلسطين، حتى لو كانت حكوماتهم تدعم إسرائيل.
الوعي بالحقوق والقانون الدولي ورفض ازدواجية المعايير
كما نعلم في الغرب هناك شريحة واسعة من المواطنين ، لديهم معرفة جيدة بالمفاهيم الانسانية والاخلاقية ، مثل حق تقرير المصير ،عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة ،اتفاقيات جنيف وحماية المدنيين وقت الحرب ، عندما يقارنون بين مواقف حكوماتهم تجاه قضايا مختلفة، يكتشفون أن هناك ازدواجية في المعايير: مثلاً في حالة أوكرانيا، سارعت حكوماتهم لفرض عقوبات على روسيا دفاعًا عن القانون الدولي، لكن في حالة فلسطين يتجاهلون الانتهاكات الإسرائيلية الواضحة، رغم أنها تخالف نفس القوانين ، في بريطانيا وأستراليا وكندا، خرجت مظاهرات ضخمة ضد الحرب على غزة، ليس فقط بدافع التعاطف الإنساني، بل لأن المشاركين يرون أن حكوماتهم تخالف المبادئ القانونية التي تدّعي الدفاع عنها.
حرية التعبير والتظاهر مما يتيح للشعب الاحتجاج بلا قمع.
في أغلب الدول الغربية مبدأ حرية التعبير والتظاهر محمية بقوانين، وتعتبر حقًا أساسيًا للمواطنين، بحيث يمكنهم التعبير عن آرائهم وانتقاد سياسات حكوماتهم أو سياسات دول أخرى، مثل إسرائيل، دون خوف من الاعتقال أو القمع، طالما لم يلجؤوا للعنف أو التحريض على الكراهية.
يمارَس هذا المبدأ في التظاهر السلمي والإعلام الحر: القنوات والصحف يمكنها نشر انتقادات للحكومات أو لسياسات إسرائيل بلا رقابة حكومية صارمة، والقضاء المستقل، وإذا حدث انتهاك لحقوق المتظاهرين، يمكن اللجوء للمحاكم، وغالبًا تصدر أحكام لصالح حرية التعبير.
في العالم العربي، القوانين قد تسمح بحرية التعبير، لكن الواقع يفرض قيودًا واسعة، إذ قد يُعتبر التظاهر تهديدًا للأمن أو للنظام العام، ويؤدي إلى تدخل أمني أو اعتقالات. مثالنا في هذه الفقرة انتفاضة تشرين 2019 السلمية في العراق ،كان عدد القتلى حوالي 737 ، الجرحى 21000- 26000، المعتقلين 2800 ولم تحرك الحكومة العراقية اي اجراء ضد من قام بهذا الفعل لمواطنيها .
فقدان الثقة في الاعلام الإسرائيلي .
فقدان الثقة في الإعلام الإسرائيلي من قبل قطاعات واسعة من الشعوب الغربية لم تعد تكتفي بما تروجه إسرائيل أو وسائل الإعلام المؤيدة لها، بل صارت تعتمد على مصادر بديلة مثل وسائل الإعلام المستقلة، ومنصات التواصل الاجتماعي، وشهادات الصحفيين الميدانيين، وما يرسله ناشطون أو سكان من داخل غزة والضفة ، هذا التحول له عدة أبعاد اهمها:
• فضح التضليل الإعلامي الاسرائيلي .عندما يرى المواطن الغربي صورًا مباشرة لضحايا مدنيين، أو دمار أحياء سكنية، يصعب عليه تصديق الاعلام الإسرائيلي الذي يبرر هذه الأفعال بأنها دفاع عن النفس.
• تعزيز التعاطف مع الفلسطينيين. المشاهد الحية لمعاناة الناس، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، تولد إحساسًا إنسانيًا صادقاً يدفع الناس إلى التضامن والتظاهر.
• إضعاف الدعاية المؤيدة لإسرائيل .مع تراكم الأدلة البصرية والميدانية والمقروءة ، يصبح من الصعب على اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في الغرب السيطرة على الرأي العام كما في السابق.
ختاماً
نحن كشعوب عربية نحتاج الى صحوة تنقذنا بما نحن فيه ، ننكر الواقع الذي كتم على انفاسنا في تغيير هذا الواقع البائس ، السبب ليس فلسطين فقط وانما تحسبا للواقع الذي قد يثقل كاهلنا في مستقبل غير واعد تقوده امريكا عن طريق حليفتها أسرائيل . فمعظم الحكومات العربية والإسلامية تتعامل مع القضية الفلسطينية بحذر شديد، وتغلب عليها الاعتبارات السياسية والأمنية أكثر من الالتزام بالمبادئ والقيم التاريخية وحقوق الشعب الفلسطيني، هذا السلوك خوفاً من القوى الكبرى (خصوصًا الولايات المتحدة الامريكية )، حتى لو كان ذلك على حساب التعاطف الشعبي الواسع مع فلسطين، على العكس من الحكومات الغربية غالبًا ما تنحاز إلى إسرائيل، إلا أن شعوبها أظهرت وعيًا كبيراً بجرائم الاحتلال، مدفوعة بحرية الإعلام والقضاء المستقل، وحرية التعبير، المجتمع المدني الغربي يتمتع بقدرة حقيقية بالضغط على حكوماته عبر المظاهرات، الحملات القانونية، والمقاطعات الاقتصادية، وهو ما جعل صوت الشارع مسموعًا حتى لو لم يتغير نهج السياسات . الموقف الشعبي الغربي يعكس التزامًا بالقيم المعلنة مثل حقوق الإنسان ورفض الازدواجية، بينما الموقف الشعبي العربي مكبل بقيود سياسية وأمنية لا تسمح بافعال مؤثر، استطاعت امريكا ونهجها العدواني تكبيل الشعوب العربية بالفرقة وشق وحدتها العربية والاسلامية وجعلها غريبة بين مجتمعاتها لاتقوى على فعل مؤثر يجعل منها قوة ردعية في مواجهة الطغيان الاسرائيلي المستقوي بحليفتها التقليدي امريكا .
المصادر
• تقارير منظمة العفو الدولية 2023-2025 حول غزة.
• مواقف أحزاب الخضر واليسار البريطاني من العدوان.
• بيان طلاب جامعة كولومبيا، ونقابات الأكاديميين في فرنسا.
• قرارات محاكم إسبانية وأيرلندية بخصوص جرائم الحرب.
• تحليلات لمراكز الأبحاث Chatham House وAl-Shabaka.
• ملف: في الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين المجيدة .
797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع