اعلام السلام اضعف من اعلام الحروب القوة العسكرية رسمت خرائط العالم والحرب العالمية الأولى كانت بداية العنف الجديد

بقلم الروائي: طارق احمد السلطاني

اعلام السلام اضعف من اعلام الحروب القوة العسكرية رسمت خرائط العالم والحرب العالمية الأولى كانت بداية العنف الجديد

اتخذت بعض القوي المسلحة في العالم، من تدمير الحضارات وتخريب المدن صناعة لا تعرف غيرها من الصناعات ... وأدى ذلك في الماضي الى وقوع مأسي لا حصر لها، وفي بقاع متعددة من الأرض. إن إشعال نيران الحروب، تلك الحروب الطاحنة، الشائكة المعقدة، المريرة، لم تحقق أية مكاسب سوى أنها تؤدي إلى الموت والدمار والقهر وانهاء حضارة الإنسان فقد بدأت الحروب الصليبية بالحملة الأولى عام ١٠٩٥م وانتهت بعد أربع سنوات بفتح بيت المقدس. استرد صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس عام 1187 م، وترك بعض المدن الساحلية للصليبيين بمقتضى معاهدة عقدها مع ريتشارد قلب الأسد واثبتت الوقائع والاحداث الموقف الحضاري لصلاح الدين وعمق النزعات الإنسانية لديه. لكن الحملات الصليبية لم تتوقف بالرغم من المعاهدة العادلة التي عقدها الملك الكامل مع الإمبراطور فرد ريك عام ۱۲۲۹م. وقد أعطى الملك الكامل للإمبراطور فرد ريك بمقتضي هذه المعاهدة ... السماح للحجاج المسيحيين إن يأتوا إلى الفضاء المحيط بقبة الصخرة المقدسة، ليؤدوا صلواتهم في موضع هيكل سليمان وسمح للمسلمين بمثل هذه الحقوق في بيت لحم كما تضمنت المعاهدة إطلاق سراح جميع الأسرى المسلمين والصليبيين لكن فرد ريك كان مطرودا من الكنيسة فلم ترحب السلطات الكنسية بالمعاهدة التي عقدها وظلت تلك السلطات تحرض علي قتال المسلمين وكانت نهاية التحريض إن خسر الصليبيون ما كسبه فرد ريك، وانتهي الأمر بالإخفاق الكامل للحروب الصليبية وخروج الصليبيين من فلسطين بأسرها على يد الظاهر بيبرس في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي.
ثمار الحضارة
وإذا كانت أوربا قد أخفقت في الهدف العسكري الذي كانت تبتغيه من وراء الحملات الصليبية، فأن هذه الحملات أثمرت ثمارا أخرى لاشك فيها فمن المقرر لدى دارسي الحضارات والغربيين منهم بوجه خاص - إن احتكاك أوربا ودولها المتأخرة آنذاك بدول الشرق المتقدمة في ذلك الوقت أدى إلى نقل ثمار الحضارة الإسلامية التي كانت ثمرة للإسلام وللحضارات الإنسانية السابقة علية كلها إلى أوربا، وكان ذلك التلقيح الحضاري احد الأساليب الأساسية التي مهدت لعصر النهضة الأوربية الحديثة. إن الحروب بين الدول الأوربية المسيحية وبعضها كانت تراعى فيها قواعد معينة على حين إن هذه القواعد ما كان يجب، وما كانت تراعي في حالة الحرب بين الدول الأوربية المسيحية وغيرها من الوحدات. إن موضوع الحروب شائك ومعقد أسبابها ودوافعها متعددة وقد قامت حروب الثلاثين عاما المشهورة في أوربا بين المسيحيين الكاثوليكيين من ناحية والمسيحيين البروتستانت من ناحية أخرى، بين عامي ١٦١٨ و ١٦٤٨م وانتهت هذه الحروب وبمعاهدة وستفاليا المشهورة عام ١٦٤٨م، التي تعد مولد القانون الدولي العام بصورته الحديثة. ثم عقد مؤتمر فينا عام ١٨١٥م عقب حروب نابليون التي هزت أوربا بل العالم كله إلى حد كبير.
وقد عقدت مؤتمرات دولية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بباريس ولندن برلين، وكان آخرها مؤتمرا لاهاي لعامي ۱۸۹۹و ۱۹0۷، وتعد هذه المؤتمرات في حد ذاتها ظاهرة من مظاهر التنظيم الدولي .
وكانت هي الاخرى من المقدمات الاساسية التي عبدت الطريق إمام التنظيم الدولي القائم الآن. ولا شبهة في إن مؤتمري لاهاي وما أسفرت عنه كانت خطوة من خطوات التطور نحو مجتمع دولي يقدر مسؤولياته ويقدر الاعتبارات الإنسانية في الحياة الدولية. وان مؤتمر لاهاي لعام ١٩٠٧م اجتمع فيه ممثلوا كل الدول جنبا إلى جنب ليناقشوا ما يهمهم جميعا وما يؤدي إلى صالح الجنس البشري كله.
وقد كان من المقرر أن يعقد مؤتمر ثالث في لاهاي عام ١٩١٥ م لكن !! ظروف الحرب حالت دون عقد المؤتمر حيث قامت الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م وكانت أهوالها مما لم يسبق للعالم إن شاهده من قبل وكانت نتيجة ذلك الحتمية إن يتجه العالم إلى صورة . من صور التنظيم الدولي. لم تسبق أيضا من قبل حتى يتفادى بهذه الصورة من صور التنظيم مثل هذه الكارثة التي تمثلت في الحرب العالمية الأولى، وكان إن انشات عصبة الأمم بمقتضى معاهدات فرساي عام ۱۹۱۹م. تلك كانت مرحلة أولى من تطور التجمعات والتنظيمات البشرية لتلتقي بأول منظمة عالمية تضم أكبر تجمع دولي لأبناء البشرية والتي أطلق عليها اسم
(( عصبة الأمم)) . أن العصبة كانت تنقصها الشجاعة الأدبية، وأنها ترددت في تحمل مسؤوليات القرارات الخطيرة. وقد أدت هذه الإحداث إلى انهيار النظام الدولي وتحطم عصبة الأمم الإفساح المجال لقيام منظمة عالمية تكون اقدر وأجدر على تحمل المسؤوليات الدولية ومواجهتها بروح من العزم الأكيد على تحقيق العدالة في العالم. بعد اشتعال نيران الحرب العالمية الثانية التي دامت ست سنوات - للفترة ما بين آذار (مارس) ۱۹۳۹ حتى ۲ أيلول (سبتمبر) سنة ١٩٤٥ - كادت تأتي على الاخضر و اليابس فوق الأرض وتقضي على أروع ما وصل إليه الفكر البشري من حضارة ومدنية. ونتائج الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين الميلادي مرعبة ومؤلمة لكل إنسان؟ ! ومعروفة للجميع ولا داعي لذكرها من جديد . وبرزت الأمم المتحدة إلى حيز الوجود بصفة رسمية يوم ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) عام ١٩٤٥ م بعد إن صدقت على الميثاق الصين وفرنسا والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وأغلبية الحكومات الأخرى. ويحتفل العالم بيوم ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام باعتباره يوم الأمم المتحدة. ومن أهداف الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدولي وقد ورد النص على هذا الهدف أكثر من مرة في أجزاء متفرقة من الميثاق فتضمنت الديباجة الإشارة (نحن شعوب الأمم المتحدة الينا على أنفسنا ... إن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب... )).
الامن الدولي
كما نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من الميثاق (حفظ السلم والأمن الدولي وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ورفعها وتقمع إعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم. وتتذرع بالوسائل السلمية وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم وتسويتها. إلا إن الميثاق للأسف لم يعرف المقصود بلفظ
(( الحرب)) أو ((العدوان)) وذهب بعض الكتاب إلي إن السلام الذي يرمي الميثاق إلى تحقيقه وهو السلام الدولي، نظرا لاقتصار الميثاق على النص على عبارة ((السلم الدولي)). ورتبوا على هذا القول إن المحافظة على السلم الداخلي أي الحروب والثورات الداخلية لا تدخل بتضمن مقاصد وأهداف المنظمة. إلا إذا امتدت أثارها إلى خارج إقليم الدولة، وأدت إلى تعكير السلم والأمن الدولي. وهو ادعاء يتناسى اعتبارات عدة تؤثر في الأوضاع الدولية. فالحروب الأهلية تتفاعل فيها عدة عوامل سياسية مختلفة كما تتصارع فيها الدول بطرق مستترة لتأييد جماعات معينة داخل الدولة. وترك تقدير ما إذا كانت هذه الحروب تعكر السلم والأمن الدولي عرضة للتفسيرات التحكمية التي قد يصدرها مجلس الأمن طبقا للمادة (۳۹) من الميثاق. دون إن يحدد الميثاق معنى هذه الألفاظ، هو من أكبر العيوب التي توجه إلى ميثاق الأمم المتحدة. وخاصة وان الدول الأعضاء في المجلس تتصرف عادة وفقا لمصالحها الفردية الخاصة، ووفقا لمقتضيات الظروف السياسية البحتة دون إن يكون للأوضاع القانونية او للقيم الأخلاقية المتعلقة بحقيقة الوضع القانوني للنزاع المسلح داخل الدول.
العدالة وسيلة من وسائل تطوير الشرائع وتظهر في كل مجتمع
وفي مرحلة من مراحل تقدمه العقلي والاجتماعي توسعت مفاهيم العدالة عبر السنين والقرون الماضية والتي عانت فيها البشرية ويلات الصراعات والحروب فوق كوكب الأرض تحسست البشرية كلها وتكشفت حقيقة واضحة كالشمس التي تشرق كل يوم إن سيادة العدالة الإنسانية خير الأعمال والتي تسير العلاقات الودية بين الشعوب والأمم . من اجل الحفاظ على الجنس البشري والحفاظ على الأمن والسلام في العالم اجمع، حتى أشرق اليوم الذي انطلقت فيه صيحات الشعوب، كل شعوب الأرض، كل الرأي العام العالمي، بلغة واحدة هي لغة التفاهم والحوار ، لا الضرب بالنار. للحد من الصراعات في المستقبل. لكن لازالت غيوم الصراعات الإنسانية تلبد سماء كوكب الأرض، وستهطل أمطارا غزيرة من الدماء في المستقبل، ولا سباب ودوافع عديدة كامنة وانية. ومن هذه الأسباب ما يلي : التضليل الإعلامي والتدخل في شؤون الدول أصبحت الدعاية الدولية - في العصر الحديث أحدى وسائل السياسة الخارجية الهامة، وقد اكتسبت الدعاية الدولية الأهمية، نظرا للتطور الحديث في وسائل الاتصال وتعدد وسائل الأعلام وقدرتها على الوصول لكافة الشعوب دون عوائق جغرافية أو غيرها لذلك تقوم الدول الكبرى التي تهتم بتوجيه دعايتها الدولية لغيرها من الدول بدراسة الشعوب قبل توجيه أجهزة الدعاية تجاهها، حتى تحقق هذه الدعاية نتائجها المرجوة وحتى لا تأتي بنتائج عكسية إذا ما أُسئ توجيه هذه الدعاية. ومن هنا نجد تعدد الدراسات حول الاتصال الدولي ووسائل استخدام الدعاية الدولية في خدمة السياسة الخارجية للدول. ولخطورة الدعاية الدولية وللتقدم المذهل في وسائل الأعلام والاتصال الدولي وأثرها الفعال على الرأي العام المحلي والعالمي، فقد قامت هيئة الأمم المتحدة بدراسة هذا الموضوع واقرت ميثاق الشرف الدولي الخاص بالعاملين في حقل الأعلام، حيث أقرت اللجنة الفرعية لحرية الأعلام المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة هذا الميثاق سنة ١٩٥٢.
دور الاعلام
ولقد نص الميثاق في مادته الأولي على أي شخص يكلف بجمع ونقل وإذاعة الإنباء والتعقيب عليها، إن يحاول قدر المستطاع إن تكون الإنباء التي تصل إلى أيدي الجمهور صحيحة وموضوعية ومطابقة للواقع، وعلى رجل الأعلام أيضا إن يتحرى مدى صحة جميع المعلومات التي قد تكون موضع شك وعليه أيضا إن لا يغفل أي حدث هام وان لا يشوه أي شئ، كما يتعين عليه إلا ينشر آية معلومات من هذا النوع. وتنص المادة الرابعة من هذا الميثاق على مايلي:
يتعين على الصحفيين الذين يريدون الكتابة أو التعليق علي الإحداث التي تقع في بلد آخر غير البلد الذي ينتمون إليه، أن يحصلوا على الإنباء التي تمكنهم من الكتابة والتعليق علي هذه الإحداث بطريقة تتوخي العدل وتراعي الضمير .... وإذا كانت منظمات الأمم المتحدة تسعي جميعها لإقامة علاقات حسنة بين الدول وصيانة السلام الدولي وضمان الحقوق والحريات ومن بينها حرية الأعلام وحرية الرأي والفكر. فأن منظمة اليونسكو أحدى منظمات الأمم المتحدة التي نشأت عام ١٩٤٥م تقوم بدور فعال في تشجيع التعاون بين الدول في مجالات العلوم والثقافة وكفالة الحقوق والحريات. كذلك تلعب منظمة اليونسكو دورا فعالا في مجال ضمان إن تكون الدعاية الدولية قائمة على الحقائق وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وفي التأكيد على استخدام الدعاية الدولية في مجالات تقارب الشعوب ونشر العلوم والثقافات وتحقيق التقدم والازدهار لكافة شعوب الأرض. ولقد كان للدعاية الدولية ووسائل الاتصال الحديثة دور هام في الحروب الباردة التي نشأت بين الكتلتين الكبيرتين الشرقية والغربية والتي استخدمت فيها كافة أساليب الدعاية والأعلام الحديثة في محاولة كل طرف من الطرفين في التأثير على معنويات شعوب وحكومات الطرف الآخر. وان تؤثر في حرية الصحافة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وتقوم بتوجيهها الوجهة التي تحقق مطامعها وأهدافها بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأهداف وتلك المطامع تتماشي مع الصالح القومي أم لا. وتستخدم هذه الجماعات - في سبيل تحقيق مطامعها - تزييف الحقائق ونشر الأخبار الكاذبة والاستمرار في التأثير على الرأي العام حتي تضمن استقطابه تجاه أهدافها ومطامعها الخاصة بزيادة حملاتها المضللة في تحريف الحقائق واستخدام الكذب والخداع والتهويل والتفخيم كأسلحة فعالة الحرب النفسية . استغلال كامل الأجهزة الاعلام المتنوعة في بث سموم الحرب الاهلية فاجهزة الاعلام هي السلاح الأول والأساس للحرب النفسية فهي تخاطب العقول دون عوائق جغرافية أو موانع سياسية، وبذلك تهتم الدول الكبري لإدخال التطورات العلمية الحديثة - بصفة مستمرة - على كافة أجهزة الأعلام والعمل على إن تصل كافة أنحاء الكرة الأرضية لضمان إيجاد قنوات اتصال جيدة تسري من خلالها الحرب النفسية لكافة الشعوب دون إن تستطيع القيادات السياسية والشعبية لهذه الشعوب إيقاف مفعولها وأبطال سمومها. وتقوم بتدعيم الخلافات الطائفية والحزبية لشغل الشعوب وقيادتها في منازعات داخلية تمهد للغزو الفكري والعقائدي والعسكري. بالطبع أنا لا اريد هنا إن استرسل في افتراضات ربما تبدو غير معقولة ... ولكن أريد فقط إن أوضح حقيقة هامة لأجيالنا القادمة في المستقبل من إن كل نوع من التضليل الإعلامي وأي تدخل في شؤون الدول الأخرى هي عمل من إعمال العدوان وتهديد للأمن والسلام في العالم اجمع. لا مراء في إن الاستعمار الجديد هو اخطر عوامل الإرغام التي تؤتي تأثيرها السلبي على العالم الثالث في الوقت الحاضر، ولذلك بقدر ما تأخذ تظاهراته إشكالاً متعددة وتمتد إلى سائر الميادين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع