التربية بالقسوة

عائشة سلطان

التربية بالقسوة

في موضوع التربية الوجدانية، أو التأثير في النفس والوجدان عبر الكلمات والنصائح والتوجيهات والإرشادات والأوامر والنواهي وردات الفعل... إلخ، التي يمارسها المربون (الأم والأب غالباً ومن ثم كبار العائلة فيما مضى) ثم اقتصر على الوالدين والمدرسة ومواقع التواصل حالياً، في هذا الموضوع هناك كلام مهم علينا أن نقف عنده قليلاً وبانتباه شديد.
فحينما يتباهى البعض -ممن ينتمون لجيل الأجداد- بالتربية القاسية التي تلقوها في طفولتهم على أيدي آبائهم، وأن تعرضهم للقسوة لم يجعلهم معقدين أو مختلين كما تدعي التربية الحديثة، (القسوة من خلال مستويات العقوبة الجسدية التي تبدأ بالضرب مترافقة مع العقوبات النفسية التي تتجلى في تكرار العتاب والتأنيب واللوم والتهديد ...)، مع مطالبتهم الدائمة بتطبيق هذا النسق من القسوة على أجيال اليوم، فإن أول ما يلاحظ على هؤلاء تأكيدهم المتكرر أنه (لم ينفعهم سوى الضرب الذي ضبط سلوكهم وقوّمهم وحفظهم)، والحقيقة أن هذا الربط الثابت بين التربية القاسية وبين استقامة الفرد وسويته الأخلاقية ربط يحتاج إلى إثباتات ومراجعة وتفكير، فكون الشخص مستقيماً وصالحاً اجتماعياً، لا يعني أبداً أن مرده للقسوة، كما لا يثبت أنه معافى في نفسه ووجدانه وعلاقته بذاته وبالآخرين، فربما تركت تلك القسوة ندوباً كثيرة في داخله وعلى سلوكه، لكنه اعتادها ولم يعد يلتفت إليها، لكنه لو نظر جيداً لأمكنه أن يكتشف انعكاساتها السلبية على من حوله، وتحديداً الأبناء مثلاً أو الجيران أو الشريك (الزوج أو الزوجة).
المعاملة القاسية للطفل، سواء كانت لفظية أو جسدية أو عاطفية، تترك بصمة عميقة قد تتحول لندبة غائرة في النفس لا يمكن محوها، فتمتد آثارها إلى سنوات البلوغ، وربما مدى الحياة، وقد ينتج عنها مشاعر سلبية كانخفاض تقدير الذات؛ لأن الطفل الذي يُهان أو يُنتقد باستمرار، يكبر وهو يعتقد أنه غير جدير بالحب، ويستحق العقاب.
إن صعوبة التعامل مع المشاعر بشكل عام -مشاعره أو مشاعر الآخرين- سببها كبت مشاعره؛ حيث كان الآباء قديماً يعاقبون أبناءهم مرتين، بأنهم يضربونهم ومن ثم يمنعونهم من البكاء، فيكبرون عاجزين عن التعبير عن مشاعرهم أو إظهارها بطريقة صحية وصحيحة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

991 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع