متطلبات الوعي الإعلامي بالقانون

                                     

                    د.عبدالقادر محمد القيسي

تلتقي جميع المدارس القانونية والاجتماعية في العالم على حقيقة ان احد متطلبات القانون وإيجاد مواقع تأثير وردع له في المجتمعات هي إيجاد قنوات ووعي به والتحصن من خلاله بالمنهج الاجتماعي السليم

وإذا كانت تلك المدارس القانونية والاجتماعية تختلف عن الكيفية التي ينبغي ان تكون عليها القوانين من التبسيط والشروح والعمومية وتسهيل التطبيق في اجتهادات نظرية وإجرائية، فان هذا الاختلاف لا يبعد هذه المدارس من حقيقة الالتقاء على الوعي بوصفه العامل المشترك لقوة القانون في إطار تنفيذه داخل المجتمعات، وفي إطار تكوين قناعات إنسانية به، ولنا هنا في إطار حكمة الله سبحانه وتعالى ما يمثل القاعدة القانونية والفقهية والإعلامية أيضا حيث أن النصوص التي وردت في القران الكريم جاءت في إطار الحكمة الإلهية أن تصل للإنسان بصورة مباشرة وبالخط المتقدم من الوعي، ودون أية التواءات أو التفات يبعد الفكرة عن عقل الإنسان وبهذه الحكمة الإلهية العظيمة فان الإنسان يصل إلى الوعي بمسؤوليته الأخلاقية والروحية بشكل مباشر ودقيق .

 
إن قوانين رادعة مثل لا تزني، لا تقتل، لا تسرق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول عز من قال ( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ) وفي حكمة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) هي عناوين بارزة لتسهيل الوعي بالقانون الأخلاقي المطلوب للإنسان، وفي السياق نفسه فان للسيد المسيح عليه السلام إطاره الواعي والدقيق والهادف حين يقول (( اجهروا في الدخول من الباب الضيق وكان الدنيا ممر يتطلب الجهد في المرور)) وقوله عليه السلام(( إذا فسد الملح فبماذا نملح)) إذ وإزاء ما تقدم يصح أن نقول إن هناك حكمة عالية في إطار اختصار النص القانوني وهدفيته المباشرة وتكوين قنوات الوعي به، وإذا كان لنا أن نشير لاى تأثير ذلك على المجتمعات، فإننا نستعين هنا بدراسات سيكولوجية أجراها باحثون اجتماعيون في مناطق عديدة من العالم من ان المعادلات الاجتماعية التي توصلوا إليها هي كالأتي :
 
1)كلما زادت كثافة القانون وحريته زاد الوعي به، إذ إن من السهل على الإنسان التقاط هذا النص واستيعابه والعمل بموجبه وكذلك التسامح به .
 
2)إن المجتمعات البدائية التي لم تأخذ فرصتها الكاملة من الوعي الحضاري اللازم كانت أكثر عرضة للنصب واستسهال السرقة والقتل والظواهر الانحرافية الأخرى .
 
3)ان الوعي بالمسؤولية الاجتماعية والألفة العامة هي الرادع الإضافي فضلا عن الرادع الروحي في عدم حصول المزيد من ظواهر الاغتصاب والقتل والإرهاب والتفجيرات.
 
4)ان الوعي بالقانون يشكل حجر الزاوية في العمل المطلوب لأعمام القانون وسيادته وتحوله إلى عرف اجتماعي ذلك ان العرف لكي يتكون ويصبح نمطا سلوكيا في الحياة القانونية والاجتماعية لابد أولا من الإلمام به وهذا ما يفسر تراجع النزعة العدوانية أحيانا عند المجتمعات التي حصلت على وعي بالمسؤوليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية أكثر من غيرها، ولكن علينا الانتباه إلى حقيقة إن الحاجة هي مصدر الانحراف إذا لم نستطع تنظيم هذه الحاجة وتبويبها والعمل على قهرها ليس في إطار إحباطها كليا وإنما في إطار تأهيل الإنسان للأخذ به على قاعدة من المسؤولية التي تجعله أنسانا واعيا، وليس كائنا غرائزيا لا يعرف حدودا لإشباع رغبته .
 
ولنا هنا أن نسال عن المعادلة المطلوبة للوعي الإعلامي بالقانون وما هي إطرافه المطلوبة:
 
مقدما لا بد من الإشارة إلى حقيقة إن المعادلة الإعلامية القانونية ينبغي ان تشمل الإطراف التي هي مصدر تطبيق القانون والمتلقي لهذا القانون، وإقامة جسور من العلاقة الذهنية المتوازنة في الفهم المشترك للمتطلبات القانونية .
 
وعلينا الاعتراف هنا بان الوعي القانوني ما زال دون المستوى المطلوب بكثير؛ إذا أخذنا بنظر الاعتبار الحقيقتين الآتيتين الأولى:
 
إن الظرف الاستثنائي الذي نعيشه يتطلب الاصل مضاعفة الجهد الإعلامي في تصميم إدراك القانون وزيادة الوعي به في مواجهة حالة الإرهاب والانحراف والجريمة واحتمالاتها .
 
الحقيقة الثانية: ان هناك سرعة في المتغيرات القانونية لمواجهة احتمالات الضغط الذي تسبب به الاحتلال والهجمة الإرهابية الظالمة المفروضة على العراقيين، وهذا بحد ذاته يتطلب جهدا مضاعفا لمواجهة ووجود غرفة عمليات إعلامية في وزارة الداخلية والعدل والدفاع وقيادة العمليات خصوصا بغداد، وفي مجلس القضاء الاعلى والمؤسسات العدلية والجهات المسئولة عن تطبيق القانون .
 
وإذا كان من اللازم الاجتهاد في الصورة الإعلامية اللازمة لإشاعة القانون والرؤية العدلية العامة للمجتمع العراقي فان من الواجب الإشارة إلى مجموعة من المتطلبات على هذا الطريق:
 
أولا : التنسيق الكامل بين وزارات العدل والدفاع والداخلية والثقافة والإعلام وبأشراف مباشر من مجلس القضاء الاعلى، في تكوين إطار عمل مشترك يغطي الحاجة الإعلامية بالقانون ومن خلال وسائل إعلامية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار سرعة الحركة اليومية للمواطن، المتغير في طبيعة العمل، أسهل الوسائل الإعلامية قبولا لدى المواطن، وكذلك الانتباه إلى المضمار التخصصي من خلال توجيه قنوات نشر وإعلام خاصة بالقوانين التي تنظم الحياة الاقتصادية، ومن هنا فان خلو بعض البرامج التنموية من الحصة القانونية يمثل نقصا كبيرا لا بد من معالجته، كما يجب أن تتضمن الدراسة في المدارس والمعاهد والكليات حصة لدراسة القانون في إطار تحديد بعض التوجهات الضرورية للحصانة القانونية المطلوبة للمواطن ولنا هنا ان نتوقف عند البرامج البائسة ذي الطابع القانوني التي تعرضها القنوات الفضائية العراقية، حيث يتطلب الأمر دعم هذه البرامج من خلال تقديمها من قبل رجال قانون اكفاء ولديهم قبول أعلامي مع التأكيد على تبادل المعلومات والمعارف والأسبقيات بين نقابة المحامين واتحاد الحقوقيين العراقيين والوزارات والعالم الخارجي 0
 
ثانيا : البحث عن وسائل إضافية للإعلام القانوني من خلال إصدار نشرة أسبوعية تعنى بإبراز أهمية الوعي القانوني، وتستعين بالمعلومات والقوانين التي تصدر عن صحيفة الوقائع العراقية.
 
 كما ينبغي العمل على توسيع الاهتمام بالمقالات والاستشارات القانونية التي تتولى بعض الصحف الاهتمام بها .
 
ثالثا : اعتماد وسائل إعلام قانونية في المراكز التجارية الكبيرة في العاصمة والمحافظات من خلال تكوين لوحات إعلان بارزة لإبراز بعض القوانين او ملخصات عنها من اجل اطلاع المواطنين المتعاملين بالنشاط التجاري العام عليها .
 
رابعا : إبراز النصوص القانونية التي تنظم علاقة المسافر وما يجب أن يراعيه في السفر او جلب البضائع وما هي الممنوعات بشان ذلك من المجمعات الحدودية والمؤاني والمطارات .
 
خامسا: إصدار مطبوعات دورية على هيئة كراريس وكتب صغيرة وبأسعار مناسبة مع نشر ذلك باختصاصات متنوعة للقوانين المعنية بتنظيم حياة المجتمع .
 
سادسا: تأكيد إبراز الحقيقة الفقهية القانونية التي تقول: ( إن الجهل بالقانون لا يعفي المرء من العقوبة إذا ارتكب ما يخالف هذا القانون) والواقع إن إبراز هذه الحقيقة من شانه أن يدفع المواطنين إلى الاطلاع على القوانين والتزود منها بالمعرفة اللازمة قبل البت بأية قضية .
 
سابعا : إعادة تأهيل المحامين حديثي العهد بالمهنة في إطار انشاء معهد المحاماة الوطني، وإقامة دورات قانونية إعلامية، واعتماد مبدأ المراكز القانونية على هيئة عيادات قانونية يلتجئ إليها المحامي لتعزيز حصانته الثقافية بالقوانين المرعية .
 
ثامنا : الاهتمام بالأفضلية الإعلامية التي تقول ان الوقاية القانونية هي انجح وسائل حماية المجتمع وصيانة متطلبات وجوده السليم وضمان تطويق الانحرافات الحاصلة في إطار ذلك أيضا لا بد من إبراز العناصر الايجابية في أهداف القوانين وليس فقط الاكتفاء بالصيغ الرادعة التي تضمنتها .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1455 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع