د. سعد ناجي جواد*
لبنان يخطو الخطوة الأولى.. فهل سينجح الرئيس الجديد في اكمال المسيرة ويحقق ما وعد به؟ وما هو الحل الممكن لسلاح المقاومة؟ وملاحظة خارج السياق.
امس نجح مجلس النواب اللبناني في انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية بعد فراغ رئاسي استمر اكثر من سنتين (منذ اكتوبر 2022)، كانت فيها التجاذبات تُفشل اي محاولة لاختيار رئيس جديد، ولأسباب عديدة. وفي هذه الفترة شهد لبنان احداث جسام أفقرت العباد ومزقت البلاد ووضعتها في موقف لا تُحسد عليه. وكل هذه المصائب لم تدفع قيادات الاحزاب والطوائف إلى ان تتوافق فيما بينها لاختيار رئيس جديد، او وضع خطة تعيد الاستقرار إلى لبنان. وياليت كان عدم الاتفاق يعود إلى خلافات وطنية حقيقية أو حول مصلحة لبنان والمواطن اللبناني، ولكنها كانت في الغالب ناتجة عن إملاءات ونفوذ خارجي لا يعير اية اهمية لمصلحة لبنان. وهذه لم تكن المرة الاولى، حيث ان الأمر نفسه حدث قبيل التوافق على الرئيس السابق العماد ميشيل عون، وكان هناك فراغا رئاسيا مشابها (سنتين وستة اشهر).
واذكر انني في احدى زياراتي إلى بيروت انذاك تحدثت مع بعض الاخوة الذين كانوا مصرين على مرشح معين وآخرين على مرشح آخر، قلت لهم يا اخوان انتم تضيعون وقتكم وتضعون استقرار لبنان ومصالح اللبنانيين في المرتبة الخامس او العاشرة، انتخبوا رئيسا وستجدون بعد فترة ان مدته قد انتهت وان المشاكل التي كانت تجعلكم مختلفين حولها قد ظلت كما هي ودون حلول، وذلك لان المصالح الخارجية هي التي تتحكم بقرار اغلب الاحزاب السياسية ولا تريد الاستقرار والتقدم إلى لبنان، وهذا ما حصل. طبعا الامر المضحك المبكي ان اغلب الاطراف الخارجية التي كانت، ولا تزال تعرقل انتخاب رئيس جديد، هي نفسها لا تقدم إلى لبنان ما يساهم في تحقيق استقراره او يخرجه من الأزمات الكبيرة، ولا تقدم اي دعم لاي رئيس جديد يصل إلى الحكم. حتى فرنسا التي كانت تُعرف بانها الحامي والمدافع والأب او الام الروحية للبنان، تركته واصبحت تفضل ان تدفع المليارات من الدولارات وكميات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا بدلا عن مساعدة لبنان للخروج من أزمته.
انتخاب رئيس جديد افرح اللبنانيين كثيرا، وهم يستحقون بحق هذه الفرحة، وافرحهم اكثر ان الرئيس الجديد انسان محترم ولم يُعرف عنه انه ملوث بفساد او منحاز إلى جهة معينة، وباتوا ينتظرون ان تكتمل فرحتهم بقرارات منه تخرج البلاد من ازمتها الاقتصادية، كأن يعمل على اعادة رواتب الموظفين والمتقاعدين الحقيقية، وان وتعاد اموال المودعين اللذين سلبت مدخراتهم بدون وجه حق في بلد كان يُعرف بكونه البلد العربي الآمن بالنسبة للمودعين، وان يعيد الكهرباء والخدمات، وان ينعش السياحة، لبلد كان يعرف بانه الأكثر جذباً للسائحين، وغير ذلك من المميزات الجميلة. ولكن في نفس الوقت أظهرت جلسة الانتخاب الانشقاقات الكبيرة بين ممثلي الشعب اللبناني، واظهرت النماذج التي مازالت مصرة على جر البلاد إلى مجهول جديد، والتي هي أكثر بكثير من تلك التي كانت بحق تريد ان تنهي هذه الأزمة بسلام. وعندما اُعلِنت النتيجة، التي كان واضحا انها جاءت نتيجة لتوافق وضغوط خارجية، بدليل وجود ممثلي الدول الضاغطة والمصرة على التدخل في داخل البرلمان.
والدليل الاخر انه بعد ان ادى الرئيس الجديد القسم وبدا بإلقاء كلمته، التي حملت وعودا كبيرة وكثيرة تمثل طموحات غالبية اللبنانيين، جاءت ردود افعال النواب لتؤكد عمق الانقسامات الداخلية. فمثلا عندما تحدث الرئيس المنتخب عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة ظلت مجموعة تصفق له وقوفا لأكثر من دقيقة، وعندما تحدث عن بناء جيش جديد قوي يقف بوجه الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية، صفقت له مجموعة اخرى بنفس الحرارة. اما عندما تحدث عن محاربة الفساد والفاسدين وإعادة الخدمات وحل الازمة المالية فلم يحصل على رد بنفس الحرارة. الكل يعلم، والرئيس أولهم، انه في اجواء الوضع الداخلي والإقليمي، وفي ظل اصرار الولايات المتحدة والغرب على عدم تسليح الجيش اللبناني من اجل مصلحة مدللتهم دولة الاحتلال، سيكون من الصعب عليه تحقيق الهدفين،
لا يوجد شك في ان الرئيس الجديد كان صادقا فيما يرغب ان يحققه، لا بل ان البعض تمنى ان يتمكن من تحقيق نصف او ربع ما وعد به، ولكن السؤال الاساسي يبقى هو هل انه يمتلك من الإمكانيات المادية ما تمكنه تنفيذ تلك الامور المستعصية؟ بصورة أوضح هل انه يمتلك القوة التي يستطيع من خلالها نزع سلاح المقاومة؟ وهل يمتلك من الموارد ما يستطيع من خلالها حل أزمة الرواتب والودائع وإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل وان يعيد الخدمات الأساسية مثل الكهرباء؟ وهل لديه الآليات التي يستطيع من خلالها محاربة الفساد والفاسدين؟ وهل وهل وهل. لا يريد احد مُحِب للبنان ان يُهبّط من عزيمة الرجل، او ان يضع العصي في طريقه، لكن ما يخشاه المحبون ان بعض الاطراف تريد ان تورطه في مواقف لن ينتج عنها سوى زيادة في الاحتقان الداخلي، وربما تقود إلى مواجهات لا تحمد عقباها.
بالتأكيد ان التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس الجديد هو سلاح المقاومة، ليس لأنه عامل سلبي، إذ لولاه لاستطاعت القوات الصهيونية ان تجتاح كل لبنان في ظرف ساعات قليله، ولكن لان اطرافا داخلية وخارجية تدفع بقوة في هذا الاتجاه، ولأنه مطلب إسرائيلي قبل كل شيء ولأسباب معروفة. ولكن هذا الموضوع نفسه يبقى هو الاساس الذي يستطيع من خلاله الرئيس عون ان يثبت قدرته على ادارة البلاد. وربما يكون الحل الأفضل في يده هو ان يعمل على دمج المقاومة بالقوات المسلحة اللبنانية وجعلها قوات حرس حدود تحمي لبنان من الانتهاكات الاسرائيلية. بهكذا حل سوف لن يضحي بقوة قادرة مقتدرة على حماية لبنان وسوف لن يضحي بتجهيزاتها وخبرتها التي اكتسبتها في هذا المجال، وفي نفس الوقت يحتفظ بها كقوة ضمن الجيش اللبناني. فهل يستطيع ان يفرض او يمرر هكذا حل؟ إذا ما استطاع ولم تعترض عليه القوى الخارجية والداخلية سيكون قد حقق نصر لبنانيا يمكن ان يقوده إلى انتصارات في المجالات الاخرى. ويستطيع ان يرد على المعترضين على هكذا قرار بانه طالما بقي الجيش اللبناني ضعيفا ومحروم من السلاح المطلوب فان لبنان بحاجة إلى سلاح المقاومة. وللتذكير فقط فان الولايات المتحدة عندما دمرت العراق وحلت الجيش العراقي بعد الاحتلال، شكلت جيشا جديدا كونته من المليشيات الطائفية والعنصرية، والتي لم تكن تمتلك اية خبرة قتالية ولم تمارس سوى التصفيات على الهوية، واطلقت عليه (الحرس الوطني) ثم اعتبرته الجيش العراقي، والذي انهار خلال ساعات امام اعداد قليلة من عصابات داعش الإرهابية. وتبقى الايام القادمة هي الحكم على ما سيحصل في لبنان.
في نقطة خارج السياق، انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية بالحرائق الهائلة التي اجتاحت اجزاء مهمة من ساحلها الغربي، ولوس انجليس بالذات، لكن حادثة واحدة كانت ولا تزال تسترعي الانتباه. فلقد ظهر على شاشات التلفاز الممثل الأمريكي المعروف جيمس وودز ( James Woods) وهو يبكي اكثر من مرة حرقة والما على منزله الذي التهمته النيران بالكامل وأمام عينيه وهو عاجز عن فعل اي شيء. هذا الممثل نفسه ظهر مرات عديدة بعد طوفان الاقصى وهو يدعو اسرائيل إلى تدمير غزة وحرقها حتى لا يبقى فيها من يجرؤ على ازعاج (حبيبته إسرائيل). هذا الحدث لا أسوقه من باب التشفي، وانما لكي اقول له، ولمن يحملون نفس أفكاره ان هناك عدالة ربانية وعقوبات إلهية تقتص من الذين يستحقونها وفي الوقت المناسب.
*كاتب واكاديمي عراقي
777 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع