ماذا ربحت سوريا وماذا خسرت من التغيير الذي حصل فيها؟ وهل ستعلب الجذور العائلية دورا في تغيير توجهات السيد احمد الشرع؟

د. سعد ناجي جواد*

ماذا ربحت سوريا وماذا خسرت من التغيير الذي حصل فيها؟ وهل ستعلب الجذور العائلية دورا في تغيير توجهات السيد احمد الشرع؟

لعل من المبكر الحكم على ما جرى ويجري في سوريا الحبيبة منذ أسابيع قليلة. وبغض النظر عن من فاز ومن هُزِم، ومن سَيطَر ومن خَرج، فان هناك حاجة لجردة أولية للخسائر والأرباح على المستوى السوري والقومي. بكلمة اخرى ماذا ربحت سوريا وماذا خسرت، وماذا ستربح وستخسر على المدى القريب والمتوسط والبعيد نتيجة لهذا التغيير السريع والمفاجئ؟ وما هي نتائج ما حدث على الامة العربية وقضيتها المركزية بالذات.
بالتأكيد من الصعب ان يكون الانسان محايدا عند الحديث عن مواضيع محددة مثل الجرائم الاسرائيلية في قطاع غزة وفي الضفة وفي لبنان وفي سوريا واليمن، او ان يكون مجردا من مشاعره الوطنية والقومية والإنسانية عند مناقشة مواضيع مثل اجتياح جيش الاحتلال لكل هضبة الجولان والقرى والمدن المجاورة لها، او عند مراجعة ما سببته الأنظمة العربية من كوارث لشعوبها بعد عقود طويلة على نهاية الحقبة الاستعمارية الغربية. او عند التفكير بالانكسارات التي واجهت وتواجه جبهة المقاومة وحقوق الشعب الفلسطيني المهضومة منذ اكثر من سبعة عقود.
نعم من حق شرائح الشعب السوري التي سرها التغيير ان تعبر عن فرحتها بالطريقة التي تشاء، ولكن هذه الفرحة يجب ان لا تنسيها التفكير بمستقبل البلد. فقبلهم فرحت اعداد غير قليلة من العراقيين بسقوط نظام البعث، وصدقوا وعود المحتلين ومن جاء معهم، وبعدهم فرحت مجاميع ليبية بسقوط النظام هناك ايضا، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ وكم خسر العراق وليبيا بعد ذلك التغيير؟ وكيف انتشر الفساد وتم استبدال اجهزة امنية تعسفية بمليشيات لا تتورع عن القتل والانتقام على الهوية. طبعا سوريا كان يمكن ان تكون حالة اخرى لسبب بسيط هو ان مقاتلي هيئة تحرير الشام تمكنوا من اجتياح المدن السورية في ظرف 11 يوم ولم يجدوا أمامهم اية مقاومة، ولكن كما بدا واضحا ان مقاتلي الهيئة لم يفكروا او يخططوا للحظة سقوط النظام او كيف سيديرون البلد ويحافظون على كل ما يعود للوطن من أدوات تحفظ له منعته. ولم يفكروا بالعدو المتربص لسوريا من الغرب، وللأمة العربية في كل مكان. هذا العدو الذي شجعته الفوضى على التمدد في سوريا واحتلال اراضي جديدة وصلت إلى حوالي 500 كيلومتر مربع، وكلها أراضي ومساحات ذات قيمة استراتيجية عالية. كما شجعه الفلتان الامني وعدم وضع الخطط المسبقة لحماية الممتلكات والنقاط السورية المهمة على تدمير كل الأسلحة والطائرات والدبابات والبوارج الحربية والمنشئات العسكرية في كل سوريا وبلا هوادة، ولم يصدر عن القادمين الجدد اي رد فعل او قول على هذه الخسائر الفادحة التي كلفت سوريا مليارات الدولارات على مدى عقود طويلة، والتي كان من المفترض ان يتم الحفاظ عليها من اجل الدفاع عن سوريا. ما يؤلم اكثر ان الرئيس السابق بشار الاسد لم يفكر أبدا في استخدام تلك الأسلحة في الرد على الانتهاكات الاسرائيلية شبه اليومية لسوريا، والتي كانت تطال حتى دمشق، بدعوى تجنب جر الأمور إلى مواجهة عسكرية واسعة وتفضيل سياسة (الصبر الاستراتيجي). وهكذا ترك كل معدات الجيش السوري لكي تدمر، بينما لو كان قد استعملها لحقق نوع من الردع المقابل، وبالتأكيد فانه الان يعض أصابع الندم على ذلك القرار. وبالمقابل لم يظهر القادمين الجدد اهتماما بتلك المعدات والمخازن التي كان يمكن ان تُسهم في منعة واستقلال سوريا.
النظام السابق اتُهِمَ بتحالفه الوثيق مع روسيا وايران، او بكونه (دمية) بيديهما، لا بل ان الفصائل المسلحة المعارضة اعتبرت ان احد اهم أهدافها هو انهاء هذا النفوذ الأجنبي المزدوج. ولكن من يتتبع مسيرة النظام الجديد يجد انه استبدل الحلفاء السابقين بحليفين مشابهين؛ الاول هو تركيا، التي لا تخفي اطماعها في اجزاء كبيرة من سوريا والتي تشمل كل حلب والأجزاء الشمالية من البلاد. بل يمكن القول ان النفوذ والتغول التركي على دائرة صنع القرار في سوريا الان هو اكبر بكثير من الإيراني الذي سبقه. والثاني فان الاصرار على انهاء الوجود العسكري الروسي قابله رضى بالوجود العسكري (الاحتلال) الأمريكي في الأراضي السورية والتعاون معه ومحاولة استرضائه. علما بان الولايات المتحدة الأمريكية تحتل حقول نفط مهمة شرق سوريا وحرمت الشعب السوري من ان يتنعم من مواردها على مدى اكثر من عقد من الزمان، أضف إلى انه فرض عقوبات قاسية على البلاد، ولحد اللحظة ترفض واشنطن رفع تلك العقوبات. وللتذكير فقط فان سوريا كانت قبل الذي حصل فيها منذ اكثر من عقد من الزمن من الدول العربية القليلة غير المدينة للخارج.
ما لا يمكن فهمه هو التردد الإيراني والروسي في الدفاع عن النظام السابق او بكلمة ادق عن وجودهما في سوريا، الذي كان ينظر له على اساس خط الدفاع الاول لكليهما امام المحاولات الأمريكية والاسرائيلية لإضعافهما اقليميا، وبالنسبة لروسيا عالميا. واذا كانت هناك من يبرر التردد الروسي على اساس وجود وعود من الادارة الأمريكية القادمة حول تنفيذ بعض طموحاتها في أوكرانيا، ولو ان هذا التبرير لا يوجد ما يدعمه، لأنها بالإضافة إلى خسران قاعدتها الاهم شرق المتوسط، فان ذلك شجع حتى أوكرانيا لكي تتجرا عليها بهجمات كبيرة بالمسيرات. اما ايران فان ترددها الذي لا يمكن ان يفهم أبدا جعلها تجلس اليوم مترقبة الضربة القادمة لها، ولا تدري هل ستكون بدايتها في العراق ام في داخلها مباشرة؟
ما ربحته سوريا نظام جديد أنهى حقبة طويلة من الحكم الفردي المبني على سطوة الأجهزة الامنية، وعلى الشعب السوري ان ينتظر حقيقة الوعود التي اصدرها القادمون الجدد، وعلى رأسهم السيد احمد الشرع، بشان الحرية والانفتاح، ولو ان المؤشرات الأولية لا تبشر بخير في هذا المجال، خاصة مع اصرار قادة هيئة تحرير الشام على تشكيل حكومة واجهزة امنية من لون واحد فقط. وما ربحته سوريا هو الهيمنة التركية المطلقة والرضا الأمريكي عن قادة الهيئة وإسقاط المكافآت التي كانت موضوعة مقابل راس تنظيمها ووعود (وعود فقط) برفع العقوبات عنها، والتي تواجه ممانعات داخل الكونغرس الأمريكي وبضغط من اللوبي الصهيوني، وتوسع اسرائيلي في مناطق سورية عدة وجعلها أدوات للمساومة مع النظام الجديد لضمان تخلي سوريا عن التفكير بمواجهتها بل وربما التطبيع معها.
بعض شرائح المجتمع السوري ومعهم بعض الأنظمة العربية المطبعة مع الاحتلال الاسرائيلي أطربتهم الجمل التي صدرت عن الحكام الجدد والتي كان مفادها انهم ليسوا على استعداد لمواجهة اسرائيل، (بينما الأخيرة بادرت بشن هجمات تدميرية وتوسيع لاحتلالها وتهجير سكان قرى ومناطق سورية بالكامل وبدأت بزيادة الاستيطان في الجولان)، ولم يأخذوا العبرة من حقيقة ان اسرائيل لا تحترم من يكون ضعيفا او مترددا ولم تحترم سيادة مصر ولا حتى اتفاق فصل القوات الذي وقعه النظام السوري في عام 1974.
نعم سوريا ربحت تغييرا لحكم استمر اكثر من خمس عقود شابه الكثير من عدم احترام حقوق الانسان، وبالمقابل ربحت نظاما لا يدلل تاريخ قادته على انهم افضل ممن سبقهم في هذا المجال.
اما الخطر الداخلي الأكبر الذي يحيط بسوريا الان فهو كثرة عدد التنظيمات المسلحة المعارضة للنظام الجديد، واصرار تركيا والولايات المتحدة على بسط نفوذهما داخل سوريا، (طبعا نفوذ الأخير يعني نفوذ إسرائيل ايضا)، اعتمادا على هذه التنظيمات، والدليل ما يحدث في شرق سوريا.
وتبقى نقطة اخيرة وهي ان التنظيمات ذات الطابع الديني التي اجتاحت منطقتنا منذ الثمانينيات تقريبا انقسمت بصورة عامة إلى قسمين، قسم وضع مبدا مقاومة الاحتلال الصهيوني على راس أولوياته وأثبت ذلك عمليا. وقسم وضع الأمور الطائفية وهدف الوصول إلى الحكم بكل الوسائل والفساد وسرقة المال العام اساساً لعمله. جزء كبير من هذه الحركات (التي تفرعت عن تنظيم القاعدة الارهابي) ارتكبت مجازر كبيرة باسم الدين ضد ابناء الشعب العربي في كل مكان. والملفت للنظر ان التنظيمات المحسوبة على هذا الخط لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الكيان الغاصب. موضوعيا وعمليا فان القدس تتربع على تفكير ومناهج هذه التنظيمات وقادتها، ولكن عمليا الأمر لم يكن كذلك. ومع ذلك فان بعض قادة الاحتلال ابدوا تخوفهم من القادم في سوريا لتبرير احتلال اراضي جديدة، فهل ستثبت الادارة السورية الجديدة انها حريصة على بناء دولة قوية حقا ولكل السوريين، وتعمل على استرداد الجولان وما جاورها وتطرد قوات الاحتلال؟ ام ان ما نفكر به لا يعدو سوى أوهام نمني نفسنا بها؟ وان سوريا ستغرق، لا سامح الله، في حروب داخلية تغذيها الأطراف المستفيدة الأكبر: الولايات المتحدة والكيان الغاصب؟
لا يوجد عربي يسري في جسده دما عربيا خالصا لا يريد الخير والازدهار لسوريا التي عُرِفت دائما بكونها قلب العروبة النابض. ولا يريد لسوريا وشعبها الغالي غير الاستقرار والتطور، وهذه الامنيات معقودة بتصرفات النظام الجديد وحقيقة الوعود التي يطلقها كل يوم عن التسامح. وهذا هو الامتحان الحقيقي، وليست الوفود التي تتري على دمشق من دول صرفت المليارات من اجل تدمير سوريا وقتل أبنائها. السيد احمد الشرع ابن مناضل قومي عروبي اصيل وعنيد (المرحوم حسين علي الشرع) الذي زاملنا طالبا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في بغداد، فهل سيظهر تأثير هذا العرق العروبي عليه في المستقبل؟ خاصة وانه يحاول ان يُظهر للعالم بانه قد غير قناعاته في الكثير من الامور. نتمنى ذلك.
حفظ الله سوريا وشعبها من كل سوء.
*كاتب واكاديمي عراقي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

786 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع