أعياد الميلاد وحديث الذكريات في إنكلترا

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 25 كانون1/ديسمبر 2024 20:31

كتب بواسطة: د.باسل يونس الخياط

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل

أعياد الميلاد وحديث الذكريات في إنكلترا

لأعياد الميلاد Christmas تقاليدها الخاصة في المجتمعات الشرقية والغربية ، ومن التقاليد المثيرة للاهتمام في أعياد الميلاد في المملكة المتحدة تقديم طعام يشبه الكاستر يسمى (البودنج)، حيث توضع فيه عملة نقدية فضيّة ويُقال إنها تجلب الحظ للشخص الذي يجدها في طبقه. ومن التقاليد الأخرى السائدة في المجتمع البريطاني في أعياد الميلاد أكل الديك الرومي (العلي شيش) في يوم عيد الميلاد، حيث تجتمع الأسرة حول مائدته.

اليوم التالي لعيد الميلاد في المملكة المتحدة، والذي يوافق 26 ديسمبر، يُسمى (يوم الملاكمة Boxing Day)؛ وهو اليوم التالي لعيد الميلاد. تقليديًا، كان هذا اليوم هو اليوم الذي يوزع فيه أصحاب العمل الأموال أو الطعام أو الملابس (المواد) أو غيرها من السلع القيمة على موظفيهم. وفي العصر الحديث، يُعد هذا اليوم مهمًا للأحداث الرياضية وبداية مبيعات ما بعد عيد الميلاد.

من رموز أعياد الميلاد (بابا نويل) وهو شخصية خيالية عند المسيحيين وترتبط بعيد الميلاد، وهذه الشخصية معروفة غالبًا بأنها رجل عجوز سعيد دائما وسمين جداً وضحوك يرتدي ستره يطغى عليها اللون الأحمر وبأطراف بيضاء وتغطي وجهه لحية ناصعة البياض، وفي المملكة المتحدة وأستراليا يطلقون عليه (سانتا كلوز Santa Claus) ويعتبروه أبو عيد الميلاد Father Christmas.

هناك العديد من المواقف غير التقليدية التي صادفتني خلال تواجدي في إنكلترا في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين خلال دراستي في جامعة مانشستر Manchester University، منها ذكريات في أعياد الميلاد.

أعياد الميلاد:
لأعياد الميلاد خصوصية خاصة في انكلترا ويبدأ التهيؤ لها قبل وقت مناسب على مستوى العوائل والمجتمع. فعلى مستوى العوائل يتجمع الأبناء والبنات عند ذويهم في عيد الميلاد وعادة تقوم العوائل بعمل أكلة عيد الميلاد وهي الديك الرومي (علي شيش Turkey المشوي). أما على مستوى المجتمع فتشهد الأسواق حركة غير اعتيادية مع معالم الزينة وشجرة عيد الميلاد.

مع قدوم أعياد الميلاد تتساقط الثلوج أحياننا وتنخفض درجات الحرارة تحت الصفر. وفي سنة 1980 مرت عليَّ أول أعياد ميلاد هناك وكنت ساكن سكن خاص يبعد قليلا عن الجامعة مع زميلي بديع علي أحمد (رئيس جامعة الحدباء حاليا حاليا). حاولت ان أخرج صباحا فلم أتمكن من فتح باب الشقة نتيجة ارتفاع الثلج الساقط مما اضطررت بالاستعانة بأشخاص كي يفتحوا لي الباب من الخارج. وبعد خروجي فوجئت بالحديقة (البارك) القريب من سكني مغطى بالكامل بالثلج وكانت البحيرة الموجودة فيه قد تجمدت بالكامل، فأخذت بعض الصور التذكارية، ومنها المرفقة وأنا واقف على مياه البحيرة المجمدة.

بعدها توجهتُ الى جامعة مانشستر القريبة من سكني، وسقطتُ عدة مرات لعدم معرفتي كيفية السير على الثلج. ونتيجة لذلك شعرتُ بألم في رجلي، فذهبتُ إلى مستشفى قريب تابع للجامعة وقاموا بمعالجتي ووضعوا باندج حول رجلي وفور خروجي اشتريت حذاء خاص للثلج.

التسوق في أعياد الميلاد:
تشهد المحلات التجارية في المدن الكبيرة في بريطانيا في فترة أعياد الميلاد تنزيلات هائلة هي الأضخم على مستوى أوربا وبحيث يأتي العديد من الزوار من خارج إنكلترا لغرض التسوق shopping. ولإعطاء صورة عن تلك التنزيلات، أعطي مثالا واحدا فقط.

لقد كان هناك محل متخصص بالملابس، ومع اقتراب أعياد الميلاد، كان ذلك المحل يضع بضاعته بالتنزيلات بالألوان: حيث يضع لوحة كبيرة عليها خمسة الوان ويضع أمام كل لون فترة أسبوع واحد تاريخه محدد: يبدأ بالسعر المثبت على البضاعة.

الأسبوع الأول يكون له اللون الأول ويصبح سعر البضاعة نصف السعر السابق.
الأسبوع الثاني يكون له اللون التالي ويصبح سعر البضاعة نصف سعر الأسبوع السابق (أي ربع السعر الأصلي).
الأسبوع الثالث يكون له اللون التالي ويصبح سعر البضاعة نصف سعر الأسبوع السابق (أي ثُمن السعر الأصلي).
الأسبوع الرابع يكون له اللون التالي ويصبح سعر البضاعة نصف سعر الأسبوع السابق (أي واحد من 16 من السعر الأصلي).
الأسبوع الخامس يكون له اللون التالي ويصبح سعر البضاعة نصف سعر الأسبوع السابق (أي واحد من 32 من السعر الأصلي).

وإذا لم تباع السعة في نهاية الأسبوع الخامس يتبرعون بها للكنيسة. فلو كان سعر السلعة 64 باون فإنها تباع في الأسبوع الأول بسعر 32 باون، وإذا لم يشتريها أحد فإنها تباع في الأسبوع الثاني بسعر16 باون، وإذا لم يشتريها أحد فإنها تباع في الأسبوع الثالث بسعر 8 باونات، وإذا لم يشتريها أحد فإنها تباع في الأسبوع الرابع بسعر 4 باونات، وإذا لم يشتريها أحد فإنها تباع في الأسبوع الخامس والأخير بسعر 2 باون فقط!! وبهذه العملية يتخلصون من مشاكل التخزين ويساعدون الفقراء والمحتاجين ويدعمون الكنيسة... فأين أنتم يا تجارنا من هؤلاء؟!

رحلة لندنية في ليالي أعياد الميلاد:
عندما كنتُ أريد السفر الى لندن، غالبا ما كنت أسافر بالباص الذي يسمونه (كوج Coach)، حيث كان ينطلق من مانشستر باتجاه لندن كل ساعة كوج من الصباح لغاية الساعة 12 ليلا.

لقد كنتُ أُفضل الكوج الأخير لأنه يوصلني في بداية الدوام الرسمي في السفارة والملحقية الثقافية في لندن، وكان خط سير الكوج يمر بالعديد من المدن على الطريق وفقا لجدول رسمي موضوع من قبل شركة ناشنال اكسبرس.

في سنة1983 كان عندي مراجعة للسفارة العراقية في لندن، فذهبتُ الى محطة النقليات، وعند الساعة 12 ليلا بالضبط انطلق الباص كعادته، والمعروف عن الإنكليز دقة المواعيد.

والشيء الغريب لم يكن معي في الباص سوى عائلة واحدة من أصول أفريقية (سود)، ولم آخذ بالحسبان أن تلك الليلة كانت الليلة التي تسبق ليلة عيد الميلاد.

بعد انطلاق سائقنا انتبهنا الى أنه يسير بسرعة أكثر من المقررة، كما أنه تجاوز باقي المحطات التي كان يفترض أن يمر بها، وبدأت العائلة السوداء التي كانت معي تتشاجر مع السائق وتهدده بتقديم شكوى ضده.. المشكلة أن صاحبنا السائق كان مستعجل وأراد ان يصل بأسرع ما ممكن للاحتفال بأعياد الميلاد. وفعلا كان للسائق ما أراد فوصلنا إلى لندن في الساعة الثانية بعد منتصف الليل.!!

نزلنا من الباص وسط صياح السيدة السوداء وشتيمتها اللاذعة للسائق، وكانت الشوارع خالية تماما، ومحطة القطار المجاورة محلاتها جميعها مقفلة، ودرجة الحرارة في تلك الليلة النحسة كانت تحت الصفر!! لا وجود للشرطة ولا وجود للتاكسيات ولا وجود لأي مكان مغلق لنقضي فيه تلك الليلة. الشيء الوحيد الموجود أصوات وعربدة السكارى.

والحمد لله كنتُ لابس معطف فرو حماني من شدة البرد، وأخذت أتمشى مرة وأجلس مرة وأضيّع الوقت لحين فتح بعض المحلات أبوابها لأتناول وجبة الإفطار. وكانت تلك الليلة أسوء ما واجهني في إنكلترا. عندها تذكرتُ مقولة سمعتها من عراقي مقيم هناك ومفادها: " الإنكليز ملتزمون الى أبعد الحدود بالأنظمة والتعليمات، ولكنهم إن خالفوا تكون مخالفاتهم كبيرة ووخيمة"!!.

ذهبتُ إلى السفارة فوجدتُ وضعها تعبان حيث أن الموظفين غير ملتزمين بالدوام الرسمي: قسما منهم لم يداوم بعد والقسم الآخر ذهب للتنزيلات غير مبالين بالمراجعين. قسم من الطلبة يأتون من مناطق بعيدة ويكلفهم السفر مبالغ طائلة، كما أن المبيت في لندن في الفنادق مكلف جدا. والحمد لله أكملت مهمتي في السفارة بعد الظهر وعدت قافلا الى مانشستر بعد رحلة متعبة ومضنية كانت الأصعب خلال مكوثي هناك.

أسأل الله تعالى أن يكون العام الجديد 2025 عام خير وسلام على العراق والعالم العربي والعالم أجمع.